نظرة قانونية على مجانية التعليم في المغرب

مجانية التعليم بين العدالة الاجتماعية ونقص في التمويل

طالما أن المواطنة تقتضي دفاع الفرد عن حقوقه، مثلما عليه أن يلتزم بواجباته، فالأسرة عليها مسؤولية تربوية يجب عليها أخذها من منطلق الوعي بكونها “المؤسسة التربوية التي تؤثر إلى حد بعيد في تنشئة الأطفال و إعدادهم للتمدرس الناجح ، كما تؤثر في سيرورتهم الدراسية والمهنية بعد ذلك” [1] هذا من جهة. ومن جهة أخرى يجب أن لا ننكر ما يتحمله القطاع العائلي من الأعباء المالية في سبيل تعليم الأبناء، تتمثل في صورتها المباشرة في تكاليف التعليم الخاص بحثا عن فرصة للتعليم الجيد وتملك المهارات اللازمة لسوق العمل، هذا إضافة إلى بعض الأعباء المالية التي فرضتها بعض معايير الكفاءة الداخلية المعينة للنظام التعليمي في بعض التخصصات، مما زاد من تحملات الأسر في سبيل تعليم أبنائها ما بين دروس خصوصية، ومجموعات تقوية، وكتب، ومواصلات وغير ذلك.

من هذا المنطلق نتساءل عن واقع المساهمة الفعلية للأسر المغربية في تمويل تعليم أبنائها. وعن مدى عدالة استمرار مبدأ المجانية في ظل نقص موارد التمويل الموجهة لقطاع التعليم وفي ظل عدم تعميم التمدرس لتستفيد منه جل الطبقات الفقيرة وخاصة في القرى ؟

أولا: واقع مساهمة الأسر في التمويل
عند النظر إلى البلدان المتخلفة نجدها تتميز بانخفاض الدخل الوطني وبالتالي انخفاض نصيب متوسط الفرد منه، بالإضافة إلى سوء توزيع الدخل الوطني بين أفراد المجتمع، وهذا من شأنه أن يضعف القدرة على تمويل تعليم أبنائها. ونفس الأمر يسري على المغرب، مما يجعل نفقات التعليم حاضرة كهاجس و منخفضة مقارنة مع المصاريف الأخرى، حيث تصل نسبة مصاريف الأسر على التعليم نسبة لا تتجاوز 3.9% موزعة بين 1605 درهم في الوسط الحضري و 532 درهم في الوسط القروي سنويا[2]، وهي نسب تضل ضعيفة. وهذا ما سنبينه في الجدول التالي:

جدول رقم 37: تطور المصاريف السنوية المتوسطة لكل فرد حسب المصاريف غير الغذائية (بالدرهم) 

نوع المصاريف1984/19852000/2001نسبة التطور السنوي
العلاج الطبي166.0626.68.7
السكن والطاقة727.51830.95.9
النقل والاتصالات190.3617.57.6
التعليم1213005.8
مصاريف أخرى203.3771.08.7
المصدر: المندوبية السامية للتخطيط

يتضح إذن، بأن الإنفاق على التعليم يحتل أقل نسبة من مصاريف الأسر المغربية، لا تتعدى نسبة التطور السنوي إلى 5.8% مقارنة مع المصاريف الأخرى التي تعتبر أكثر ضغطا على الأسر ما بين سنة 1984 إلى 2001، في حين أن الصحة تحتل المرتبة الأولى ضمن مصاريف الأسر المغربية، ويفسر ذلك أولا لضعف الدخل لدى الأسر المغربية، وثانيا لغلاء العلاجات الصحية في بلادنا، مما لا يترك مجال أكبر لمصاريف التعليم. وأيضا لعدم وعي بعض الأسر بأهمية تعليم أبنائها خاصة في البوادي نظرا لغياب الوعي بجدوى التعليم[3].
و على العموم، تشمل المصاريف المرتبطة بالتعليم كل من الأدوات المدرسية والملابس الخاصة بالمؤسسات التعليمية والنقل المدرسي وشراء الكتب. وقد حدد بحث وطني قام به المجلس الوطني للشباب والمستقبل سنة 1995 مختلف النفقات التي تتحملها الأسر في الوسط القروي والحضري.

جدول رقم 38: نفقات الأسر السنوية على تعليم أبنائها بالتعليم العمومي المغربي ( بالدرهم عن كل فرد) 

نوع النفقةالوسط الحضريالوسط القرويالمجموع
أدوات الدخول المدرسي517510516
ملابس ووزرات مدرسية389470398
مصاريف جارية للمتمدرس298270294
مصاريف التسجيل407744
الإقامة / الطعام171947312078
مصاريف المتمدرس7.37006.47
مصاريف النقل12693711162
شراء الكتب292331297
مصاريف أخرى251347262
المجموع478171125059
المصدر: البحث الوطني حول التربية والتكوين المجلس الوطني للشباب والمستقبل –

يتضح من خلال هذا الجدول بأن مساهمة الأسر بلغت حوالي 5059 مليار درهم تخصص للنفقات المباشرة المرتبطة بالتمدرس التي تناهز 10.6 مليار الدرهم، و تظل موزعة على المستلزمات الضرورية لتعليم أبنائها وتأتي بالدرجة الأولى توفير الإقامة والإطعام، وكذلك نفقات النقل والتمدرس. كما أن هذه النفقات تتزايد على المستوى الحضري وتنخفض في القرى، ونفسر هذا التزايد إلى اتساع نطاق الدروس الخصوصية[4] التي أصبحت ظاهرة شائعة في مختلف مراحل التعليم وإلى غلاء نفقات الدراسة في المدارس الخصوصية.

ثانيا: اختلاف الآراء حول مسألة مجانية التعليم
تكاد تجمع كل المواقف الرافضة لمبدأ المجانية بالمغرب، على ضرورة الحفاظ على مكسب المجانية باعتباره مكسبا وطنيا، لكون غالبية المغاربة تعيش حالة فقر مدقع لذلك لا يمكن أن يطلب منها تحمل أعباء التعليم، لأن التخلي عن مبدأ المجانية له مبراراته في الدول المتقدمة ويمكن أن يناقش، أما في المغرب لا نتوفر على الأرضية المادية ولا الفكرية العلمية لكي نتحمل التخلي عن هذا المبدأ [5]. خاصة أمام الأوضاع الاجتماعية المتدهورة لأغلبية المواطنين المغاربة بما في ذلك الطبقات المتوسطة في المدن.

وفي المقابل، يرى مؤيدي المجانية بأن مسألة التضخم الكبير في النفقات والتزايد المتكاثر في أعداد المقبلين على التعليم، أظهرت الحاجة إلى التماس مصادر للتمويل يمكن أن تغذي التعليم وتسد نفقاته وحاجاته [6]. كما بات من اللازم طلب تجديد النظر في الصور الممكنة لتوزيع أعباء التعليم المالية بين ميزانية الدولة وميزانية الأسر المغربية.

في هذا الصدد، أكد عبد الرحمان اليوسفي على أن معضلة المجانية لا يمكن معالجتها دون الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الدستورية والتدبيرية والضريبية ويضيف في موضع آخر أنه (إذا طلب من المواطن أن يساهم في التعليم على مستوى الأجر الضعيف والفقر السائد فهذا يضطره إلى مغادرة المدرسة)[7].

هذا الجدال حول مجانية التعليم أو عدمه، جعل الميثاق الوطني للتربية والتكوين نص بالكثير من التفصيل على مبدأ الأداء[8] و ربط رسوم التسجيل بمدى يسر الأسر، بناء على ضريبة الدخل، مع تطبيق مبدأ الإعفاء الآلي للفئات ذات الدخل المحدود، والإنصاف بين الفئات الأخرى. وقد كانت هذه التوجهات موضوع مناقشات مطولة اتسمت أحيانا بالحدة ولم تؤد إلى ما يقارب التوافق إلا بجهود عسيرة.

بهذا نص الميثاق، على مستوى التعليم الثانوي، في أجل أربع إلى خمس سنوات، وبقدر ما تتحقق الإصلاحات المتضمنة في الميثاق وبالأخص، الرفع من جودة التعليم، تأطيرا وتجهيزا ومضمونا، وكذا إرساء مجالس تدبير المؤسسات، يمكن تحديد مقادير رسوم تسجيل التلاميذ وفق المبادئ الآتية :

أ – الإعفاء التام من أي أداء جديد للأسر ذات الدخل المحدود ؛

ب – الإعفاء التدريجي و مراعاة عدم الإخلال جوهريا بتوازن الميزانية العائلية لدى الفئات ذات الدخل المتوسط، وباعتبار عدد أبناء الأسرة الواحدة المتمدرسين بالتعليم الثانوي ؛

ج -في حالة تمدرس متزامن لعدة أبناء لأسرة واحدة بالتعليم الثانوي، تعفى هذه الأسرة من الأداء عن التلميذ الثاني والثالث بنسب متدرجة حسب قدراتها المادية ؛

د -تعد رسوم التسجيل سنوية ويمكن أداؤها موزعة على شهور السنة الدراسية وتكون مصادر تمويل خاصة بالمؤسسة. ولا يمكن بحال من الأحوال التصرف فيها خارج عمليات تدخل ضمن إطار تحسين جودة التعليم بالمؤسسة نفسها. ويوضع تسيير هذه الموارد تحت مراقبة مجلس التسيير الذي يمثل فيه كل من المؤسسة والآباء أو الأولياء والشركاء والمعنيين الآخرين.

–على مستوى التعليم العالي فإن رسوم التسجيل : 

أ -تفرض بعد ثلاث سنوات من تطبيق مشروع الإصلاح مع إعطاء منح الاستحقاق للطلبة المتفوقين المحتاجين ؛

ب -تحت بتوصية من مجلس الجامعة، وبموافقة السلطات الحكومية المعنية.

ولتسهيل عملية إشراك الأسر في التمويل نص الميثاق على إحداث نظام للقروض الدراسية، بشراكة بين الدولة والنظام البنكي، يمكن الطلبة وأولياءهم من أداء رسوم التسجيل بالقطاعين العام والخاص، بشروط وتسهيلات جد تشجيعية.

والميثاق يبرر فرض مساهمة الأسر في التعليم بصفة عامة والتعليم العالي بصفة خاصة، بإشعار المواطنين بالمسؤولية اتجاه مؤسسات التربية والتكوين وبتحقيق نوع من التضامن الاجتماعي وتحسين الجودة وربح رهانات الإصلاح، إلا أن مسألة فرض رسوم التسجيل لقيت انتقادا شديدا وفسرت برغبة الدولة في التملص من تكاليف التعليم العالي، استجابة لتوصيات تقرير البنك الدولي، وقد  أكد السيد مزيان بلفقيه على “أن رسوم التسجيل في التعليم العالي سوف تكون عبارة عن مساهمة رمزية، وأنها لا تلزم سوى الأسر الميسورة”[9].

ورغم ما جاء به الميثاق، تبقى مسألة المجانية من الإجراءات لا شعبية وقد لا يريد أحد الخوض في تحضيرها الجدي، لحسابات مصلحية أو انتخابية ضيقة، لأن الحسم في مبدأ الأداء يعني النقص في أصوات الناخبين، لأن من المؤكد أن أية حكومة ترغب بالاحتفاظ بشعبيتها ومؤيدها في الانتخابات المقبلة لن تملك الجرأة السياسية لتحمل هذا القرار، لهذا فإن التأخر في تطبيق الرسوم الدراسية المنصوص عليها في الميثاق قد تؤدي إما إلى تأجيل الإجراءات إلى أجل غير مسمى وإما إلى سوء تطبيقها[10].

ثالثا: أهمية الحسم في مسألة المجانية 

يرى دعاة إصلاح التعليم أن شكل التمويل المستقبلي للتعليم، كما تقترحه اليونسكو ينبغي أن يبني على المشاركة مع قيام تمويل “مجتمعي” يقوم به المجتمع كله بالمشاركة في تمويل التعليم مع عدم تخلي الحكومات عن مسؤولياتها في توفير التعليم للجميع، وضمان أن تنفق ما لا يقل عن 6٪ من إنفاقها  الجاري على التعليم[11].

وفي هذا الإطار، نجد بأنه رغم اختلاف الآراء بين المؤيدين والرافضين للمجانية، نصرح بأنه حاليا لم تعد تنقصنا الجرأة الكافية للقول بأن مجانية التعليم ترهق فعلا كاهل الدولة وأن معظم دعاة الاعتراض على عدم مجانية التعليم يؤدون ثمنها عندما يودعون أبناءهم على الأقل في التعليم الأولي، بالمدارس الخاصة بأثمنة مرتفعة ويرضخون لابتزاز القطاع الخاص. حيث أن مصاريف تعليم أبنائها عرفت مؤخرا ارتفاعا ملحوظا مع تطور وغلاء الكلفة التعليمية. خاصة في رسوم التسجيل والدراسة[12] و التي تكون ضعيفة في التعليم العمومي ومرتفعة في التعليم الخاص.

كما أصبحت هذه النفقات تتزايد كل مرة في مختلف مراحل التعليم خاصة عند إرسال بعض الأسر المغربية أبناءها إلى الخارج قصد إتمام دراساتهم العليا، حيث بلغ عددهم أزيد من 52000 طالب حسب إحصائيات 2012، ويكفي أن نعرف بأن المغرب بهذا يفقد حوالي 260 مليار سنتيم من العملة الصعبة التي تخرج بسبب دراسة الطلبة المغاربة في الخارج، وهذا الرقم المصرح به رسميا،  أما إذا أضفنا كلفة النقل وباقي المصاريف، فإن المبلغ يصل إلى 400  مليار سنيتم[13].

هذا بالإضافة، إلى ما تعرفه ميزانية التعليم من نقص في الميزانية العامة للدولة نتيجة وضعية اقتصاد البلاد والأزمة المالية هذا في مقابل الحاجة المتزايدة إلى الأموال من سنة إلى أخرى لمواجهة التحديات المرتبطة بتدبير الشأن العام، وتبعا لذلك فإن مواجهة النفقات المتزايدة تتطلب البحث المستمر عن آليات لتوفير أموال تسمح بإشباع الحاجات العامة، وبما أن الدولة تعتمد في تغطيتها للنفقات العادية بصفة أساسية على الضرائب والرسوم، فإنه لا يمكن اللجوء باستمرار إلى الزيادة في حجم الضرائب لارتفاع نسبة الضغط الضريبي الذي يصل في المغرب إلى 22% [14].من هنا فبالإضافة إلى التدبير الجيد للموارد العمومية فالضرورة تفرض أهمية الحسم في مبدأ مجانية التعليم .

وفي هذا السياق، تعتبر بعض الدراسات[15] بأن فرض رسوم – طالما أنها معقولة– سوف يكون له أثار ايجابية. كما أن “مسألة الأداء” تعتبر كمعيار لخلق العدالة الاجتماعية، حيث أبرزت بأن هذه السياسة الاجتماعية التي تقوم على أساس التعليم “المجاني” ليست كافية للحد من التفاوت الاقتصادي الاجتماعي بين الطبقات المغربية. هذا  لسبب بسيط هو أن الإنفاق على التعليم العام تستفيد منه الطبقات العليا والمتوسطة أكثر من الطبقات الفقيرة على اعتبار أن أكثر الأطفال الذين يتسربون من الدراسة –حسب مختلف الدراسات التي أجريت مؤخرا – هم من الطبقة الفقيرة. بالتالي المجانية لايستفيد منها تلك الطبقات الفقيرة، الأمر الذي يجعل مبدأ الأداء من أجل التدريس لصالح النفقات العامة و يمكن أن يكون له تأثير على إعادة توزيع الدخل لصالح الفقراء. وهذا الأمر يتحقق من خلال دفع الأسر الميسورة مصاريف تعليم أبنائها في القطاع الحكومي انطلاقا من عملية النظر إلى مقدار دخلها و قيمة الضرائب المدفوعة للدولة. وبالتالي فإن أدائها يتم تحويله لخدمات اجتماعية في إطار إعادة توزيع الدخل، حتى تستطيع الأسر الفقيرة من أن “تستهلك” فعليا الخدمة العمومية”التعليم”. وبهذا تكون المجانية لمن يستحقها فعلا وتكون المردودية تبعا لذلك لصالح المجتمع المغربي ككل.

لهذا، نشير بأنه يجب وضع دراسات واستقصاء مدى قدرة الأسرة والطلبة على تحمل الرسوم الدراسية ومدى استعدادهم للمساهمة في تدبير المؤسسات التعليمية وتقييمها ووضع سلاليم تدرج الرسوم وتخفيضاتها في ضوء متغيرات سوسيواقتصادية، جغرافية وتربوية مضبوطة، كما يجب تقييم انعكاساتها والتشاور بشأنها على نطاق واسع، حتى تكون جاهزة للتنفيذ في الآجال المحددة[16].وهذا الإجراء يجب التنسيق فيه بين الوزارة الوصية و وزارة المالية باعتبارها الخبيرة بنظام الضريبة العامة على المداخيل والقادرة على التشريع في صيغ تمويل التعليم من طرف الشرائح الاجتماعية التي تؤهلها جذاذات تصاريحها الضريبية بالإسهام في هذا الإجراء، مما يتطلب بداية إصلاحا ضريبيا جذريا يتسم بالشفافية والعدالة، أما الوزارة فسيكون دورها أن توفر الشروط الكيفية والمردودية في التعليم[17].

و من خلال ما سبق، نرى أن أهمية وجود مساهمة الأسر للتعليم، تستدعي في البداية استبدال العلاقة التقليدية بين التعليم والحكومة بعلاقة تقوم على أساس “الشراكة”أو التعاون حيث تصبح من منظور وطني، وفى إطار هذه العلاقة تتعمق مشاركات الأسر في دعم الجهود الحكومية وضرورة إدماجهم في تدبير المؤسسات التعليمية ضمن مسيرة التنمية وتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية واستفادة الجميع من هذه الخدمة العمومية، وفى هذه الحدود ينتظر وجود سياسة تؤدى إلى تحسين تمويل التعليم على النحو الآتي :

-إعداد الطلاب ورعايتهم مسؤولية مشتركة بين الأسرة و المؤسسة التعليمية والمجتمع: 

لا يمكن غيبة أي من هذه المؤسسات عن المهمة الوطنية للنهوض بالتعليم، إلا أن الواقع يشير إلى عزلة المؤسسات التعليمية عن الأسر المغربية، ونطالب بضرورة الوصول إلى نقطة توازن في إطار الشراكة المجتمعية يتقاسم فيها الشركاء الأدوار والمسؤوليات والمصالح.

–  تقديم الإعانات للمتمدرسين  (المنح، القروض، الإيواء، التغذية، التأمين الصحي…): 

تجدر الإشارة إلى أن تطبيق سياسة الإعانات يجب أن يتم بتعاون مع الجماعات المحلية وخاصة الجهات ومهني القطاع تطبيقا لتوجهات الميثاق في هذا الشأن.كما يتعين تحديد مبلغ الإعانات التي ستخول للطلبة خلال العشر سنوات القادمة حسب الفرضيات الموضوعة. وتفعيل التضامن الاجتماعي تطبيقا للمواد 173 و175 و176 من الميثاق .

هذا دون أن ننسى أهمية تقديم القروض للطلبة من أجل إتمام دراستهم، حيث نجد خلال العقود الثلاثة الماضية انتشار برامج إقراض طلبة الجامعات سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية، ويتم تقديم هذه القروض بواسطة الوكالات الحكومية أو البنوك والمؤسسات المالية، أو بإنشاء بنك متخصص – بضمان الحكومة أو أسرة الطالب – وذلك بسعر فائدة منخفض أو بدون فائدة، ويتم السداد بعد التخرج وعلى فترات زمنية طويلة، و نجد أن هذا النظام أكثر عدالة من النظام المجاني المتاح للجميع من الأغنياء والفقراء، يستفيد منه القادرين أكثر من غير القادرين بمعنى تحويل الدخل من الفقراء إلى الأغنياء (ويوجد هذا النظام في 18 دولة منها دول في أمريكا اللاتينية، مثل دول البحر الكاريبي، وإفريقيا مثل كينيا ونيجيريا، وفى أسيا مثل الهند وباكستان وسريلانكا ). أما في المغرب، فقد تم التنصيص في مقتضيات القانون 00-01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي [18]و الفقرة 177 من الميثاق [19]على وجوب أن تكون القروض موجهة لطلبة القطاع العام والخاص على السواء. وعليه يتعين اقتراح الإجراءات الفعلية [20]لتفعيل هذا النظام ووضع فرضيات حول الإمكانيات التي يمكن تعبئتها[21].
وعلى هذا الأساس، يجب أن تدرك الأسر بأن مسألة تغطية جزء من تكاليف التعليم كرسوم دراسية ترجع إلى نقص في الموازنة العامة، ومن ثم قلة الأموال المتاحة للإنفاق على التعليم، وارتفاع تكلفة التمدرس مع ارتفاع عدد السكان. وبأن فرض رسوم تعليمية من شأنه أن يزيد الطلب على التعليم وأن يجعله أكثر جدية وجدوى بقيمة التعليم الحكومي المقدم، وكذلك يؤدى إلى توفير أماكن في المؤسسة التعليمية لممارسة جميع الأنشطة، ومزيد من الرعاية، والإقلال من الرسوب والتسرب والحاجة إلى الدروس الخصوصية والتي جعلت التعليم أكثر كلفة على الأسرة والمجتمع.
واستشفافا للمستقبل، يرجى أن تتوفر المؤسسات التعليمية المعنية على موارد مباشرة تمكنها من تغطية تكاليف الصيانة الفورية والعادية التي تحتاجها، كما يرجى أن يساهم حافز الأداء المالي في خلق دينامية جديدة للتشارك بين الفعاليات التربوية وتحسين مناخ النشاط والانضباط التربويين. ذلك أن الوعي واللمس المباشرين لتكلفة التعليم والتكوين من شأنهما جعل الكل يقدر قيمتهما أكثر مما هو الأمر عندما يستفاد منها كخدمة مجانية.