ما هو المفهوم القانوني لمصطلح أدهقراطية ؟

تتداول على ألسنة الجميع حالياً مصطلحات هى قديمة فى الفكر الإنسانى ولكنها جديدة فى حيانا اليومية مثل؛ ديمقراطية، ليبرالية، مدنية.. إلخ، ولكن يفوتنا مصطلح هام هو الأكثر تعبيراً عن الحالة التى نعيشها حالياً: أدهقراطية. والأدهقراطية (بحسب ويكيبيديا) هى كلمة مشتقة من اللاتينية وتتكون من مقطعين؛ (أدهك) وتعنى لهذا (السبب)، وقراطية وتعنى سلطة، أى سلطة لهذا السبب (فقط) أو لتلك الظروف. وهذا النمط من السلطة الذى يأتى نتيجة لظروف خاصة أو لحل مشكلة لا تحتمل الإجراءات التقليدية ينطبق على وضع المجلس العسكرى حالياً، فتلك السلطة الإستثنائية يفترض بها أن تكون قادرة على التصدى لوضع طارىء بواسطة إجراءات مؤقتة تستهدف تسيير الشئون لحين استعادة النظام وإعادة الأمور لمسارها الطبيعى. وطبقاً لهذا المفهوم لا ينبغى للجهة التى تمارس سلطة مؤقتة أن تتخذ إجراءات يترتب عليها أوضاع دائمة تتخطى الفترة الزمنية التى تديرها، كما إنه لا يجوز للأطراف التى تعمل فى ظل تلك السلطة أن تضغط عليها أو تتحالف معها لتحقيق مكاسب لها فى ظل هذا الوضع الإستثنائى.

وتنسحب الحالة الأدهقراطية على الشارع المصرى الذى يقف حائراً بين أطراف متنازعة كانت حتى الأمس القريب متحدة فى وجه نظام القمع الأمنى والفساد السياسى، ثم بعد سقوط رأس هذا النظام إذا بهم يتفرقون شيعاً يكفر بعضها بعضاً ويخوّن أحدهم الأخر، والجميع يسعى لإثبات أنه الأفضل تحت شعارات لم يكن لها وجود فى ميدان التحرير. وكأن الثمانية عشر يوماً التى سقط فيها مبارك كانت هدنة بين أطراف لم تبدأ حربها بعد، ولم تتخلى (إلا ظاهرياً) عن معتقداتها فى سبيل توافق شعبى، إنما كانت تنتظر اللحظة المناسبة للإنتشار وامتلاك الأرض.

إن محاولة بعض التيارات ملأ الفراغ الموجود نتيجة لسقوط النظام وخلق أمر واقع على الأرض يرسخ وجودهم حتى بعد المرحلة الإنتقالية هو من قبيل الخروج على الإجماع، والطمع السياسى، وموقف المجلس العسكرى من تلك الممارسات والذى يتراوح بين السكوت والتأييد وأحياناً التشجيع هو كسر لحالة الحياد التى يفترض أن تسود بعد أن تحقق الهدف الذى اتفق عليه الجميع. وتفسير موقف المجلس العسكرى قد يقبل حسن النية إذا افترضنا أنه يعتقد أن الشعب قد ثار من أجل إقامة نظام ذى مكوّن دينى، وأنه بإطلاق يد جماعات الدعوة المختلفة للعمل فى الشارع وفى الجامعات وفى الإعلام، يلبى مطالب الناس ويحقق لهم ما ثاروا من أجله.

والتفسير قد يقبل أيضاً سوء النية إذا افترضنا أن المجلس العسكرى كل همه هو توطيد سلطته عن طريق الدخول فى تحالفات مع الطرف الأقوى (من وجهة نظره)، لضمان القدرة على التأثير فى الأحداث، عن طريق منحه مقاعد متقدمة فى المشهد السياسى مقابل ضمان ولائه الإحتمال الثالث هو أن الفكر الدينى المتحفظ يصادف هوى لدى قيادات القوات المسلحة، فهم كأشخاص عسكريين لديهم ميل للإلتزام ثم أن جزء هام من التأهيل النفسى العسكرى يقوم على مفاهيم دينية (الدفاع عن المقدسات، الحث على الإستشهاد) بجوار هذا العامل هناك الجو السلطوى الذكورى الذى ينمو العسكريون فيه، كل هذا يؤدى إلى أنهم لا يجدون غضاضة فى الإعتماد على بعض قادة الفكر الدينى وتصديرهم للمشهد فى بعض المواقف، بل بالعكس، يكون هذا أمراً طبيعياً تماماً. تأتى خطورة هذا الوضع من كون الأغلبية المطلقة والتى ظلت صامتة طوال فترة الثورة أصبحت متكلمة، ولكنها ليست بعد فاعلة، تلك الأغلبية التى يمكن تسميتها رجل الشارع أو التيار الرئيسى، أصبحت تترجم طاقتها ومخاوفها وﺁمالها  شفوياً، تعبر عن حالة الإرتباك التى تراها على  الساحة فى صورة ما تعتقده تحليلات سياسية فى حين أنها مجرد انعكاس لحالة اللغط التى يعايشونها، ويتابعون أحداثها، ويتناولوها بالشجب أو بالتأييد.

وسواء كانوا فى هذا الجانب أو ذاك فإنهم يسعون لحشد أغلبية صوتية، تشاركهم فى الرأى وتردد شعاراتهم، ولكل حشد حشد مضاد، لا يتوانى فى التعبير عن قلقه من (اﻵخرين) وعداوته وكرهه لهم، وهو يسلك فى ذلك كل سبيل، مرئى مسموع أو مقروء أوحتى إلكترونى، وفى هذا الخضم يكون استعمال الشائعات جائزاً ، واختلاق الأكاذيب أمراً عادياً، وفى وسط هذا الإحتقان تكون أصغر شرارة كفيلة بإشعال حريق ضخم.

يقودنا هذا إلى الجانب الأمنى الذى هو من المفروض أن يكون الشغل الشاغل للسلطة الأدهقراطية، فتأمين الشارع وتحييده أمر ضرورى لكى تعمل التيارات والكيانات السياسية المتنافسة على ملأ فراغ ما بعد مبارك، إلا أن الغياب الأمنى الغير مفهوم جعل الشارع مرتعاً لكل من يريد أن يغير بقلبه أو بلسانه، ويملك القدر الكافى من الديماجوجية لاستنفار الجماهير من أجل الدفاع عن مقدسات ليست مهددة أصلاً.

فى هذا الوقت  تنظر الجماهير إلى أطراف الحرب الصوتية ويعملون فكرهم من أجل التفضيل بين هذا وذاك مستعينين بخبرة سياسية وقدرة على التنظير إكتسبوها فى الأسابيع الأخيرة إلى أن يتتهى بهم الأمر إلى الإنضمام (صوتياً) إلى أحد الجبهات طوعاً أو كرهاً، هذا الإستقطاب يضرب المجتمع فى مقتل ألا وهو الفردية والإبداع، حيث يجد الإنسان نفسه أمام ثنائيات واضحة ليس بينها مساحة للتدرج أو للإختلاف.

إن حالة الإرتباك القائمة تعمل على تفريغ الساحة من أى أفكار بناءة قد يقوم عليها مستقبل حقيقى، وتفسح المجال أمام شائعات، ومخاوف، ورسائل كراهية، سوف تستمر حتى بعد رحيل المجلس العسكرى (وقد تبطىء من رحيله)، وتغذى فقاعة الكراهية المتنامية بين القطبين حتى تنفجر متحولة إلى ثقب أسود يسحق داخله كل المعانى الإيجابية. والحل الوحيد فى هذه اللحظة هو إعادة الإنضباط إلى الساحة السياسية، وابتعاد القوى السياسية النزيهة عن أى مهاترات أو حصد للمكاسب، أو خلق أغلبيات زائفة وليدة اللحظة (أو التلويح بها)، وعودة حالة الحياد التى كانت قائمة فى ميدان التحرير والناتجة عن عملية توازن معقدة بين مزيج من التيارات والإتجاهات.

لم نحقق أى نصر ملموس بعد حتى نقفز على الساحة لنقتسم الغنائم،  ولم يتشكل أى وعى حقيقى بعد الثورة حتى نستطيع أن ندعى أن الشارع ملك هذا أو ذاك، وكلمة “الشعب يريد” لا تتسع لأكثر من المطالب التى كتبت على اللافتات التى حفل بها الميدان. لذلك يتحتم على القوى السياسية الفاعلة أن تكون رقيباً يقظاً على ﺁداء المجلس العسكرى الذى قد يهد (ولو بحسن نية) ما يريدون بنائه، وممارسات بعض الأطراف المستفيدة (أو المتطلعة للإستفادة) من حكمه، دور تلك القوى –التى شاركت فى الثورة دون مطمع- أن تكون حكماً واعياً يحول دون استغلال اللحظة، ويقوم بالحفاظ على الروح الثورية، والحيادية… والأدهقراطية