القضاء الإستعجالي من منظور المشرع المغرب

نظرة المشرع المغربي للقضاء اﻻستعجالي

تمهيد

يقال ” : ان القضاء هو فن انهاء الخصومات والدعاوى، ولن يبلغ هذا الفن في ن ظري مرتبته الراقية اﻻ بربطه بعامل الزمن، ﻻن المتقاضي يرغب في معرفة الحلول القضائية التي تخصصها المحكمة لدع واه في اقرب وقت ممكن ومناسب، فالبطء في اصدار اﻻحكام قد يسبب اضرارا متفاوتة الخطورة مما يجعل لوحة العد الة باهتة ويخلع عنها رداء الفن والجمال . والقضاء، كما هو معلوم، ضرورة من ضرورات المجتمع، وعامل من عوامل توازنه واستقراره وطمأنينته، فان هو توانى في القيام بنشاطه المقدس، اختل التوازن، واضطربت اﻻوضاع، وشاع الق لق، ومن هنا كانت الغاية القصوى، والهدف اﻻسمى هو تحقيق العدالة السريعة الفعالة .
حقا، إذا اردنا ان نحافظ للعدالة على طابعها اﻻنساني وان نمنح لل متقاضي فرصة كافية معقولة ﻻبداء مطالبه وتهييئ دفاعه ﻻقتضاء حقه، فﻼ مجال للمطالبة بالسرعة والعجلة في اصدار اﻻح كام، وانما ﻻ بد من سلوك مسطرة معينة واحترام اجال معقولة واجراأت مضبوطة ومراحل متعددة مع التزام مبدا التقاضي ب حسن نية بعيدا عن الممارسات غير السلمية والعادات المجافية لحسن سير العدالة من تأخيرات غير مبررة ووسائل تأخ يرية وتسويفية اخرى يتفنن المتقاضي والمحامي معا في ابداعها إذا ما اطلق القاضي، وهو سيد الملف، العنان لهما ولم يمسك بزمام المبادهة . فالعدالة الحق والقضاء الرصين ﻻ بد ان يمارسا في اطار ضمانات مسطرية أساسية تكفل حقوق الدفاع، وهذه تقتضي بطبيعتها اجاﻻ معقولة قد تقصر وقد تطول بحسب ما تمليه ظروف ومﻼبسات كل نازلة على حدة .
وعلى الرغم من اجتهاد المشرع المسطري في تبسيط اﻹجراأت والمسطرات ا لعادية واسناد امر تسييرها للقاضي بعيدا عن رغبات واهواء المتقاضين وممثليهم فقد بدا انها ﻻ تفي بتحقيق الحماية القضائية الواجبة لبعض المراكز واﻷوضاع القانونية بحيث كان سلوك المسطرة العادية للتقاضي باجالها واجراأتها غير منتج وﻻ مجد بل قد يضر في بعض اﻻحيان ببعض المصالح نتيجة اصدار القرار بعد فوات اﻻوان .
وزاد اﻻمر حدة بعد ان تطورت الحياة اﻻقتصادية وتشعبت المعامﻼت ا لتجارية وتعقدت العﻼقات اﻻجتماعية، فلم يجد المشرع بدا من استحداث مؤسسة جديدة للقضاء، قضاء سريع، يطوي اﻻجال و يختصر اﻹجراأت المسطرية العادية من اجل استصدار قرار كفيل بصيانة الحقوق والمصالح بكيفية مؤقتة دون المساس ب جوهر هذه الحقوق وتلك المصالح الذي يظل النزاع بشانه معروضا على المحاكم العادية المختصة التي تتولى الحسم النهائي فيه .
هذه المؤسسة هي مؤسسة القضاء اﻻستعجالي التي تحكمها مسطرة سريعة مرن ه حياة فعالة . وهي، على خﻼف ما يزعمه البعض، ليست حديثة وﻻ هي من بنات افكار فقهاء الغرب وانما هي من ابداع الفكر القانوني اﻻسﻼمي الذي كان سباقا في هذا المجال، ذلك انه إذا كان الفقه الغرب ي الفرنسي خاصة يرجع اصل القضاء اﻻستعجالي إلى اﻻمر المؤرخ في 22 يناير 1685 ) 1 ( ، فان اﻻمام الماوردي ) 991 ء 1031 ( ابدع فكرة القضاء اﻻستعجالي قبل ستة قرون ونيف حسب ما جاء في كتابه ” ادب القاضي ” في معرض بحث زمان القضاء، قال ” : فان تجدد في غير يوم النظر ما ﻻ يمكن تأخيره فيه، نظر فيه ولم يؤخره .” وقال في معرض اخر ” : فان وردت فيما عداه احكام خاصة، لم يؤخرها ان اضرت ” ) 2 ( .
وهكذا يتجلى ان الفقه اﻻسﻼمي تنبه لفكرة الضرر الناتج عن تأخير البت في الدعوى وسمح للقاضي بالبت في المستجدات التي ﻻ يمكن تاخير النظر فيها متى كان من شان هذا التاخير الحاق الضرر باحد الطرفين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( انظر Cح. CىظإRء BRU ومن معه لا جوريديچتيون دو Pريسيدينت دو طريبونال الجزء اﻷول الخاص بالمستعجﻼت، الطبعة الخامسة، المطبعة التقنية، سنة 1978 ، الصفحة 12 ، فقرة 2 . ) 2 ( عن ظافر القاسمي في كتاب نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اﻻسﻼمي ـ الجزء الخاص بالسلطة القضائية ـ دار النفائس، الطبعة اﻷولى 1978 ص ، 486 . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
ومهما يكن فقد اخذ المشرع المغربي بنظام القضاء اﻻستعجالي في حلته ا لحديثة وثوبه الجديد في مسطرته المدنية لسنة 1913 ) ظهير 9 رمضان 1331 ء 12 ﻏﺸﺖ 1913 ( حيث خصه بالبابين اﻷول والثاني من القسم الخامس : ـ الباب اﻷول ) الفصﻼن 217 و 218 ( وفي اﻻوامر القضائية الصادرة بناء على طلب . ـ الباب الثاني ) الفصول من 219 الى 225 ( في الطلبات المستعجلة، وقد كان العمل به محصورا في المحاكم العصرية ا نذاك ولم
يعمم تطبيقه في جميع محاكم المملكة اﻻ بعد صدور ظهير التوحيد والتعر يب والمغربة ) 1 ( ابتداء من فاتح يناير 1966 . وهو ما كرسه المشرع من قانون المسطرة المدنية الجديد المصادق عليه بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 ) 28 ﺷﺘﻨﺒﺮ 1974 ( والذي بدأ العمل به في جميع انحاء المملكة ابتداء من 14 رمضان 1394 ) ﻓﺎﺗﺢ أكتوبر 1974 ( بعد ان ادخل عليه بعض التعديﻼت التي اقتضتها روح العصر والتي استوحا ها من اخر النظريات الفقهية واحدث التشريعات في هذا الباب ) 2 .(
وقد خصه بالبابين اﻷول والثاني من القسم الرابع حيث افرد ا لباب اﻷول لﻼوامر المبنية على الطلب والمعاينات ) الفصل 148 ( والباب الثاني للمستعجﻼت ) الفصول 149 الى 154 .( بعد هذا التقديم القصير ـ الذي املته ظروف اﻻستعجال ـ يمكن ان اتطرق لموضوع نظرة المشرع المغربي لهذا القضاء واشير مند اﻻن إلى انني اقتصرت على النظرة المغربية لهذا التشريع، دون الن ظرة المقارنة بالتشريعات العربية اﻻخرى لصعوبة اﻻطﻼع على النصوص .
نظرة المشرع المغربي للقضاء اﻻستعجالي ان استقراء النصوص المنظمة للقضاء اﻻستعجالي يتيح تحديد نظرة المشرع المغربي لهذا الصنف من القضاء وهي نظرة يمكن بحثها من خﻼل محورين اثنين : اﻷول : شكلي ويتعلق بهيكل المحكمة اﻻستعجالية وتشكيلها . الثاني : موضوعي ويتعلق بتحديد المﻼمح الموضوعية لهذا القضاء من خﻼل مجاﻻت اختصاصه في النظرية والتطبيق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( بتاريخ 20 محرم 1384 ) 2 يونيه 1964 ( وافق مجلس النواب باﻻجماع على قانون توحيد المحاكم ثم وافق عليه باﻻ جماع ايضا مجلس المستشارين في 6 ﺻﻔﺮ 1384 ) 17 يونيه 1964 ( ثم صدر اﻻمر الملكي بتنفيذه في 22 رمضان 1384 ) 26 يناير 1965 ( وهو منشور بالجريدة الرسمية العدد 2727 الصادر بتاريخ فاتح شوال 1384 ) 3 يبراير 1965 ( ، صفحة 208 . وقد بدأ العمل به في فاتح يناير 1966 . ) 2 ( ﻋﺮﻓﺖ ﺳﻨﺔ 1974 اصﻼحا قضائيا شمل قوانين :
ألتنظيم القضائي للمملكة ـ ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.338 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 ) 15 يوليوز 1974 ( ، مرسوم رقم 2.74498 بتاريخ 25 جمادى الثانية 1394 ) 16 يوليوز 74 ( ، صادر تطبيقا لمقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.338 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 ) 15 يوليوز 1974 ( المتعلق بالتنظيم القضائي .
ءتنظيم محاكم الجماعات ومحاكم المقاطعات وتحديد اختصاصها : ـ ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.339 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 ) 15 يوليوز 1974 .( ـ مرسوم رقم 2.74.499 بتاريخ 25 جمادى الثانية 1394 ) 16 يوليوز 1974 ( يطبق بمقتضاه الفصل 5 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.339 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 ) 15 / 7 / 1974 ( المتعلق بتنظيم محاكم الجماعات ومحاكم المقاطعات وتحديد اختصاصها . المقتضيات اﻻنتقالية ) قانون المسطرة الجنائية ( ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.448 بتاريخ 11 رمضان 1394 ) 28 ﺷﺘﻨﺒﺮ 1974 ( يتعلق باﻻجراأت اﻻنتقالية تطبيقا للظهير بمثابة قانون رقم 1.74.338 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 ) 15 يوليوز 1974 ( المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة والمرسوم رقم 2.74.498 بتاريخ 25 جمادى الثانية 1394 ) 16 يوليوز 1974 ( الصادر تطبيقا لمقتضيات الظهير بمثابة قانون المشار إليه أعﻼه . د ء النظام اﻻساسي لرجال القضاء : ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.467 بتاريخ 26 شوال 1394 ) 11 ﻧﻮﻧﺒﺮ 1974 ( المكون للنظام اﻻساسي لرجال القضاء . هـ ـ تعيين المستشارين في القضايا اﻻجتماعية وتنظيم مهامهم : مرسوم رقم 2.74.633 بتاريخ 11 رمضان 1394 ) 28 ﺷﺘﻨﺒﺮ 1974 .( ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ

ﺧﺎﺗﻤﺔ :

على ان تختم ببعض اﻻقتراحات .
أوﻻ : تشكيل المحكمة اﻻستعجالية : ينص الفصل 149 من ق م م على ما يلي : يختص رئيس المحكمة اﻻبتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجﻼت في ] “.. ف 1 .[ ” إذا عاق الرئيس مانع قانوني اسندت مهام قاضي المستعجﻼت إلى اقدم الق ضاة ] ” ف 2 .[ ” إذا كان النزاع معروضا على محكمة اﻻستئناف مارس هذه المهام ـ المهام اﻻستعجالية المشار إليها في الفقرة اﻷولى أعﻼه ـ رئيسها اﻷول ] ” ف 3 .[ فمن خﻼل هذه الفقر الثﻼث يمكن ان نحدد القاضي المختص بالبت في القض ايا اﻻستعجالية وهو اما رئيس المحكمة اﻻبتدائية أو الرئيس اﻷول لمحكمة اﻻستئناف .
1 . رئيس المحكمة اﻻبتدائية وقد اناط به المشرع وحده مهمة الحكم في المن ازعات اﻻستعجالية بصفته العنصر اﻻصيل في هذا الميدان إلى درجة ان جهة القضاء اﻻستعجالي تنسب إليه فتسمى بالمحكمة الرئاسية أو محكمة الرئيس . فالقاضي اﻻستعجالي هو اذن قاض فرد ـ وذلك طبقا للقاعدة العامة في هذ ا القضاء ) 1 ( . ولكن لماذ الرئيس؟ مما ﻻ شك فيه ان اﻻختصاصات الواسعة الموكولة لهذا القاضي وهي اختصاصات قانونية في بع ضها واجتهادية في جلها تحتاج إلى ثقافة قانونية شمولية وتكوين قضائي واسع تغذيه وتذكيه الخبرة والحكمة القضائيتين وه ي شروط افترض المشرع توفرها في رئيس المحكمة باعتبار اقدميته وحنكته وتجربته القضائية التي خولته مرتبة الرئاسة ووفرت له ملكة قضائية تتيح له دون ريب وبسهولة امكانية تقدير الوقائع المعروضة عليه من خﻼل ظاهرها ودون الغوص في ا لجوهر ليصل إلى معرفة الطرف اﻻجدر بالحماية الوقتية .
ومن هنا يتجلى حرص المشرع المغربي على احاطة هذا القضاء، وان كان وقت يا ﻻ يمس جوهر الحق، بضمانات المعرفة والكفاءة مع التجربة والخبرة، واذا كان هذا الحرص يستشف من نص الفصل التشريعي ) 149 ( فان المناشير الوزارية تؤكده وتلح عليه، ويمكن اﻻشارة هنا إلى المنشود الصادر بتاريخ 7 اكتوبر 1980 تحت عدد 895 الذي ” يحث رؤساء المحاكم اﻻبتدائية على ان يتقيدوا بشكل صارم بالصﻼحيات المخولة لهم قانونيا في هذا النطاق وان يمارسها شخصيا في كل الحاﻻت وخاصة فيما يتعلق باﻻستعجال من ساعة ﻻخرى التي تتسم باهمية اقتصادي ة واجتماعية “… ولعل هذا الحرص هو الذي حدا ايضا بالمشرع إلى اسناد النيابة عن الرئي س في ممارسة المهام اﻻستعجالية ـ متى عاقه مانع قانوني ـ إلى اقدم القضاة ) فقرة 2 من الفصل 149 ( ، وهو ما اكده المنشور المذكور حين اضاف …” : وان يحرصوا على اسنادها في حالة قيام مانع قانوني إلى اقدم القضاة واكثرهم الماما ب طبيعة اﻻوامر اﻻستعجالية .”
ومما تجدر اﻻشارة إليه هنا ان قانون المسطرة المدنية السابق ) 1913 ( لم يكن يحصر هذا اﻻختصاص في الرئيس وحده ولم يشترط مبدا القدم في من ينوب عنه ) الفصل 219 .( ومع ذلك وعلى الرغم من حصر ممارسة اﻻختصاصات اﻻستعجالية في رئيس ال محكمة وحده، خﻼفا لبعض التشريعات التي تعطي لقضاء الموضوع صﻼحية البت في الدعاوى اﻻستعجالية إذا رفعت إلي ه بطريقة التبعية ) 2 ( على الرغم من ذلك فقد اورد المشرع استثناء اذ اسند بعض المهام اﻻستعجالية للقاضي المكلف ب شؤون القاصرين بمقتضى الفصل 193 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على انه ” : يمكن للقاضي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( اعتمد المشرع المغربي نظام القضاء المغربي الفردي في درجة التقاضي اﻷ ولى في المحاكم اﻻبتدائية وفقا لﻼتجاه الحديث في التنظيمات القضائية وان كنا نسمع هذه اﻻيام، خاصة في فرنسا، ان التف كير يتجه إلى اعتماد نظام القضاء الجماعي في ميدان التحقيق الذي كان دائما وأبدا موكوﻻ لقاضي فرد اعتبارا ﻻهمية المها م الموكولة لقاضي التحقيق وتعلقها بحريات اﻻفراد . ) 2 ( التشريع المصري مثﻼ الذي نص في الفصل 49 من قانون المرافعات، وهو في معرض الكﻼم عن اﻻمور التي يختص بها قاضي المستعجﻼت ” على ان هذا ﻻ يمنع من اختصاص محكمة الموضوع ايضا في هذه اﻻمور إذا رفعت إليها بطريق التبعية .” ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
المكلف بشؤون القاصرين ) 1 ( إذا امتنع الوصي أو المقدم من تقديم حساب أو ايداع ما تبقى لديه من ا موال المحجور ان يامر بعد توجيه انذار إليه يبقى دون مفعول اكثر من شهر بحجز تحفظي على امو ال هذا الوصي أو المقدم وضعها تحت الحراسة القضائية أو بفرض غرامة تهدييدية عليه، كما يمكنه ان يعزله تلقائيا أ و بطلب من وكيل الملك لدى المحكمة اﻻبتدائية أو من كل شخص يعنيه اﻻمر .” وهو استثناء اقتضته، وﻻ شك، ضورة اعطاء هذا القاضي المكلف باموال ال قاصرين وسائل مسطرية فعالة تتيح له التدخل العاجل لحماية اﻻموال المعهود إليه برعايتها .
2 . الرئيس اﻷول لمحكمة اﻻستئناف ) 2 ( : تنص الفقرة الثالثة من الفصل 149 م م . على انه ” : إذا كان النزاع معروضا على محكمة اﻻستئناف مارس هذه المهام ـ المهام اﻻستعجالية ـ رئيسها اﻷول .” ان اسناد اﻻختصاص اﻻستعجالي للرئيس اﻷول لمحكمة اﻻستئناف يعتبر ت جديدا من تجديدات مسطرة 1974 ) 3 ( ﻻ نجد له ـ على ما اعتقد ـ نظيرا في اﻷنظمة العربية اﻻخرى . وهو ينبني على فكرة اﻻرتباط بين جوهر النزاع وما يتعلق به من إجراأ ت استعجالية وقتية، بحيث ارتأى المشرع بان يسند امر البت في اﻹجراأت التحفظية اﻻستعجالية إلى رئيس المحكمة التي يجري امامها النزاع في الجوهر كيفما يتسنى له اﻻطﻼع على ملف النازلة واﻻ لمام بجميع معطياتها وعناصرها وتطوراتها من خﻼل الوثائق والمستندات للوصول إلى تقدير وتقييم اﻻجراء المطلوب والحكم فيه . وعلى الرغم مما رآه البعض في هذا النظام من انه يعصف بمبدا التقاضي ع لى درجتين ) 4 ( فانني اعتقد ان امرين اثنين يخففان من حدة هذا اﻻنتقاد بل يجردانه من كل معنى :
اﻷول :
ان اﻻمر يتعلق باجراأت تحفظية وقتية ﻻ مساس لها بجوهر الحق .
الثاني : ان اﻻوامر اﻻستعجالية الصادرة عن رئيس المحكمة اﻻبتدائية كدرجة أ ولى تنفذ معجﻼ بقوة القانون شانها شان اﻻوامر الصادرة ابتدائيا وانتهائيا عن الرئيس اﻷول لمحكمة اﻻستئناف . ومهما يكن فان اﻻختصاصات اﻻستعجالية الموكولة للرئيس اﻷول أو لمحك مة الرئيس اﻷول هي نفس اﻻختصاصات المسندة لرئيس المحكمة اﻻبتدائية ذلك ان الفقرة الثالثة من الفصل 149 ، وان قصرت في عباراتها فقد طالت في مضمونها اذ تدخل في وﻻية الرئيس اﻷول جميع اﻻختصاصات المقررة قانونا وفقها وقضاء لقاض ي اﻻستعجاﻻت رئيس المحكمة اﻻبتدائية شريطة ان يكون النزاع معروضا على محكمته . ولعل اول اشكال يطرحه هذا اﻻختصاص هو نطاقه من حيث الزمان ﻻنه اختص اص موقوت، فالشرط الذي تمليه الفقرة الثالثة المذكورة يثير اسئلة ثﻼثة :
اﻷول : متى يبدا هذا اﻻختصاص ؟ الثاني : متى ينتهي هذا اﻻختصاص؟ الثالث : ما المقصود بالنزاع الوارد في الفقرة المعنية ؟ السؤال اﻷول : متى يبدا هذا اﻻختصاص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( قاضي القاصرين هو قاض من المحكمة اﻻبتدائية يعين القيام بهذه المهام لمدة ثﻼث سنوات بقرار لوزير العدل ) الفصل 128 ﻣﻦ ق م م .( ) 2 ( انظر العرض الذي ألقيناه بمناسبة افتتاح السنة القضائية 1984 بمحكمة اﻻستئناف بالرباط وهو منشور بالمجلة المغربية للقانون والسياسية واﻻقتصاد التي تصدرها كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية بالرباط، العدد 15 ، النصف اﻷول من سنة 1984 ص ، 177 . كما نشر بمجلة الملحق القضائي التي يصدرها المعهد الوطني للدراسات ال قضائية العدد 14 ، مارس 1985 . ) 3 ( اخذه المشرع المغربي عن القانون الفرنسي ـ مرسوم عدد 788 ء 72 بتاريخ 28 ﻏﺸﺖ 1972 ، الفصول 146 الى 158 . ) 4 ( انظر تقرير نقيب هيئة المحامين بالرباط بمناسبة المؤتمر الثالث عشر ل جمعية هيئات المحامين بالمغرب المنعقد بفاس يومي 20 ء 21 يونيه 1975 ) مجلة المعيار ـ نقابة المحامين بفاس، العدد 2 و 3 ص ، 89 .( ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
ان الجواب عن هذا السؤال ﻻ يثير أي خﻼف في الراي اذ يجمع الفقه وال قضاء على ان عرض النزاع على محكمة اﻻستئناف يتم بمجرد تسجيل مقال اﻻستئناف بكتابة ضبط المحكمة اﻻبتدائية ) 1 ( بصرف النظر عن تاريخ توجيه الملف اﻻبتدائي إلى محكمة اﻻستئناف وما يستتبع ذلك من إجراأت ادارية ﻻحقة كفتح الملف اﻻستثنائي واحالته على الرئيس اﻷول وتعيين المستشار المقرر . وعليه، يكفي ﻻثبات توفر هذا الشرط ان يرفق طالب اﻻجراء اﻻستعجالي مقاله بنسخة من مقال اﻻستئناف مختومة بطابع كتابة الضبط أو بالوصل المثبت ﻻيداع المقال اﻻستئنافي بالكتابة المذكورة . والجدير باﻻشارة هنا ان شخص المستانف ﻻ عبرة له فسواء كان المستانف هو المدعي أو المدعى عليه في اﻷصل فان اختصاص الرئيس اﻷول يتحقق .
هذا وبالرجوع إلى اﻻوامر اﻻستعجالية للرؤساء اﻻولين نجدها جميعها تبرز في سياق حيثياتها توفر هذا الشرط تثبيتا وتحقيقا ﻻختصاصهم في اطار الفقرة الثالثة من الفصل 149 . السؤال الثاني : متى ينتهي هذا اﻻختصاص ؟ لقد تعددت اﻻراء بشان هذه المسالة، فراي اول يذهب إلى ان هذا اﻻخت صاص يمتد إلى ما بعد صدور القرار اﻻستئنافي في موضوع النزاع ليشمل مرحلة الطعن بالنقض خاصة في دعاوي الصعوبات في تن فيذ القرار . واﻻستاذ RUOLط من هذا الراي، وهو من الشراح اﻻوائل لقانون المسطرة المدنية ) 2 ( ، ورأي ثان يحد هذا اﻻختصاص عند صدور القرار اﻻستئنافي باستثناء دعاوى الصعوبات في التنفيذ التي يظل الرئيس اﻷول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( انظر چودي دي پروچيدوري چيڢيلي اننوتيي إ. RUOLط ، طبع وزارة العدل، ص 123 . وانظر ايضا محاضرة السيد الرئيس اﻷول للمجلس اﻻعلى اﻷستاذ العربي المجبود المنشور بكتاب ” محاضرات ضيوف الشهر ” الصادر عن المعهد الوطني للدراسات القضائية، ص 7 . (2) إ. RUOLط المرجع السابق، ص 132 وما بعدها . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
مختصا بالبت فيها بعد الطعن بالنقض دون بقية الطلبات، الرامية إلى اﻻ مر باي اجراء من اﻹجراأت اﻻستعجالية ) 1 ( . والرأيان متقاربان وهما يختلفان مع الراي الثالث الذي نؤيده ونتبناه في عملنا القضائي ) 2 ( وهو يتماشى في نظرنا مع حرفية النص، فالنص يحدد بكيفية واضحة ودقيقة الفترة الزمنية التي يختص خﻼل ها الرئيس اﻷول بممارسة المهام اﻻستعجالية وهي الفترة اﻻستئنافية من حياة النازلة والتي تنتهي قطعا بصدور القرار ا ﻻستئنافي في جوهر النزاع على ان يرجع بعده اﻻختصاص اﻻستعجالي في نظرنا، إلى قاضيه اﻻصيل واﻻصلي رئيس المحكمة اﻻبتدا ئية . وﻻبد من التنبيه هنا إلى ان اختصاص الرئيس اﻷول يستمر في حاﻻت الط عن في القرار اﻻستئنافي بالتعرض ) 3 ( أو باعادة النظر ) 4 ( أو بتعرض الغير الخارج عن الخصومة ) 5 ( وكذا في الحالة التي يكون النزاع معروضا على محكمة اﻻستئناف بسبب طلب تفسير قرارها ) 6 ( أو لجريان النزاع أمامها بعد اﻹحالة من النقض ) 7 ( . ففي جميع هذه الحاﻻت يظل النزاع معروضا على محكمة اﻻستئناف مما يبقى اختصاص الرئيس اﻷول قائما بشان البت في جم يع الطلبات اﻻستعجالية المرتبطة به . السؤال الثالث : ما المقصود بالنزاع المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل 149 ؟ مما ﻻ شك فيه ان المقصود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( انظر المجبود،العربي، محاضرته المشار إليها في هامش سابق . ) 2 ( انظر امرنا عدد 4178 الصادر في الملف اﻻستعجالي عدد 1335 / 83 ، بتاريخ 8 / 11 / 83 وهو منشور رفقة عرضي المشار إليه في هامش سابق، ص 171 . وانظر ايضا من اوامرنا الغير منشورة : أﻻمر الصادر بتاريخ 10 / 10 / 84 في الملف اﻻستعجالي عدد 3422 / 84 . أﻻمر عدد 2626 الصادر بتاريخ 12 / 6 / 84 في الملف اﻻستعجالي عدد 1812 / 84 . ) 3 ( انظر امرنا عدد 3997 الصادر بتاريخ 1 / 10 / 1984 في الملف اﻻستعجالي عدد 3480 / 84 وهو غير منشور . ءواﻻمر عدد 1890 الصادر بتاريخ 23 / 4 / 85 في الملف اﻻستعجالي عدد 2026 / 85 وهو غير منشور ايضا . ) 4 ( انظر امرنا عدد 1211 الصادر بتاريخ 20 / 3 / 85 في الملف اﻻستعجالي عدد 1263 / 85 وهو غير منشور ايضا . ) 5 ( انظر امرنا عدد 1742 الصادر بتاريخ 16 / 4 / 85 في الملف اﻻستعجالي عدد 871769 وهو غير منشور ايضا . واﻻمر عدد 4308 الصادر بتاريخ 21 / 10 / 85 في الملف اﻻستعجالي عدد 5040 / 85 وهو غير منشور ايضا واﻻمر عدد 4377 الصادر بتاريخ 18 / 10 / 85 في الملف اﻻستعجالي عدد 5034 / 85 وهو غير منشور ايضا ) 6 ( وانظر امرنا عدد 2279 الصادر بتاريخ 21 / 5 / 84 في الملف اﻻستعجالي عدد 1358 / 84 وهو غير منشور ايضا . ) 7 ( وانظر امرنا عدد 1743 الصادر بتاريخ 16 / 4 / 85 في الملف اﻻستعجالي عدد 1257 / 85 وهو غير منشور ايضا . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
بالنزاع الذي يبرز اختصاص الرئيس اﻷول هو ذلك النزاع المرتبط ارتباط ا وثيقا باﻻجراء اﻻستعجالي المطلوب أو بعبارة اخرى فان هذا اﻻختصاص ﻻ يتعقد اﻻ إذا كان اﻻجراء المطلوب يرتبط و يتعلق بذات وجوهر النزاع المعروض على محكمته أو يتفرع عنه ) 1 ( . وهكذا نستخلص مما تقدم ان اختصاصات المحكمة اﻻستعجالية في المغرب يت قاسمها زمنيا رئيس المحكمة اﻻبتدائية والرئيس اﻷول لمحكمة اﻻستئناف وان اختصاص هذا اﻷخير ينعقد في فترة زمنية م حدودة من حياة النزاع وان عبارة الفقرة الثالثة المانحة لهذا اﻻختصاص ﻻ تحتمل التوسيع والتمديد، وهذا هو التفسير ا لذي نؤيده والذي نعتقد ان الشارع رمى إليه ﻻنطوائه على تحقيق غاية سامية من غايات السياسة القضائية المغربية وهي تقريب القضاء من المتقاضين خاصة في الميدان الذي نحن بصدده وهو ميدان القضاء اﻻستعجالي الذي يتعين اللجوء إليه في أي وقت من اجل استصدار قرار وقتي يصون الحقوق ويحمي المصالح . لذا نرجح ان يظل رئيس المحكمة اﻻبتدائية هو القاضي اﻻصيل القريب من المتقاضي الذي يروم حماية مؤقتة لحقوقه ومصالحه .
وقبل قفل الباب اﻷول من هذا العرض نشير إلى ان المشرع المغربي اسند جميع اﻻختصاصات اﻻستعجالية بما في ذلك الصعوبات الوقتية المتعلقة بالتنفيذ لقاضي وحيد وهو الرئيس قاضي المس تعجﻼت ولم ياخذ بنظام قاضي التنفيذ المعمول به في بعض الدول العربية والذي له وﻻية عامة في ميدان التنفيذ اذ يختص بال بت في جميع المنازعات الموضوعية والوقتية على السواء بما في ذلك المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت كطلب عدم اﻻعتداد بالحجز مثﻼ ) 2 ( . وموضوع قاضي التنفيذ، يحتاج ـ في نظري ـ إلى ندوة خاصة حسبي هنا ان ا سجل بان المشرع المغربي فضل سواء في مسطرة 1913 أو في المسطرة الجديدة لسنة 1974 تجميع اﻻختصاصات اﻻستعجالية في يد قاضي وحيد بما في ذلك الصعوبات الوقتية التي تعترض تنفيذ جميع السندات التنفيذية دون الصعوبات الموض وعية التي ابقاها داخلة في وﻻية القضاء الموضوعي، وبالذات في وﻻية المحكمة التي اصدرت الحكم ) الفصل 22 من قانون المسطرة الملغى والفصل 26 من المسطرة الجديدة ) 3 ( .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( انظر امرنا عدد 1786 الصادر بتاريخ 17 / 4 / 83 في الملف اﻻستعجالي عدد 386 / 83 رفقة عرضي المشار إليه في هامش سابق، ص 152 وهو غير منشور .
) 2 ( انظر الكتور احمد ابو الوفا ـ التعليق على نصوص قانون المرافعات الجد يد وقانون اﻻثبات ـ المجلد الثاني ـ في التنفيذ واﻻثبات ـ منشأة المعارف الطبعة اﻷولى 1969 ص ، 601 . ) 3 ( ينص الفصل 26 على ما يلي ” : تختص كل محكمة مع مراعاة مقتضيات الفصل 149 بالنظر في الصعوبات المتعلقة بتاويل أو تنفيذ احكامها أو قراراتها وخاصة في الصعوبات المتعلقة بالمصاريف الم ؤداة امامها . ﻻ تستأنف اﻻحكام الصارة طبق الفقرة السالفة اﻻ إذا كانت اﻻحكام ف ي الدعاوى اﻻصلية قابلة هي نفسها لﻼستئناف .” ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
واعتقد مبدئيا ان اسناد حق النظر في الصعوبات الوقتية في التنفيذ لقا ضي المستعجﻼت وهو رئيس المحكمة الذي يتوفر على سلطة ادارية مباشرة على قسم التنفيذ أو شعبة التنفيذ يعتبر ضمانة من الضمانات التي توخاها المشرع المغربي من نظام القضاء اﻻستعجالي .
ثانيا : تحديد مﻼمح النظرة المغربية للقضاء اﻻستعجالي من خﻼل مجاﻻت اختصا صه : لقد افردت المسطرة المدنية الجديدة للقضاء اﻻستعجالي البابين اﻷول والثاني من القسم الرابع ) الفصول 148 الى 154 ( ومن خﻼلها يمكن تحديد مجال اختصاصه وينقسم إلى قسمين : اﻷول : المجال العام ﻻختصاص القضاء اﻻستعجالي وهو يشمل : ـ الصعوبات في التنفيذ ـ الحراسة القضائية أي اجراء تحفظي لم يرد بشانه نص خاص . الثاني : اﻻختصاص اﻻستعجالي بمقتضى نص خاص في القانون . وﻻ اريد هنا ان استعرض هذه اﻻختصاصات وانما اود ان اقف عند بعضها ب القدر الذي يتيح ابراز حقيقة نظرة المشرع المغربي لهذا القضاء وأبادر إلى القول انه سواء في مجال اﻻختصاص الع ام للقضاء المستعجل الذي مثل له المشرع بالصعوبة في التنفيذ والحراسة القضائية الذي يلعب فيها القاضي اﻻستعجالي دورا خﻼقا مبدعا، أو في مجال اﻻختصاص اﻻستعجالي بمقتضى نص خاص في القانون يمكن القول ان نظرة المشرع إلى هذا القضاء تعتبر نظرة واقعية، مرنة، انسانية،اجتماعية وايجابية تتمحور حول الهدف العام الذي يتغياه كل تشريع في هذا المجال والذي يعتبر اﻷصل في ايجاد هذا القضاء وهو تحقيق الحماية القضائية الوقتية حفاظا على أولى القيم التي يرمي التشريع إل ى تحقيقها وهي اﻻستقرار أو ما يعبر عنه باﻻمان القانوني، استقرار المراكز القانونية لﻼفراد وشعورهم باﻻطمئنان، وعدم اﻷضرار بمصالحهم وحقوقهم فأين تتجلى اذن مﻼمح هذه النظرة الواقعية، المرنة، اﻻنسانية، اﻻجتماعية، واﻻيجابية على الس واء ؟
النظرة الواقعية والمرنة للقضاء اﻻستعجالي : لقد ادرك المشرع ان إجراأت التقاضي العادية بآجالها ومسطرتها وما تع ليه من إجراأت وشكليات لم تعد كافية لتحقيق الحماية القضائية المنشودة كما ان بطأها لم يعد يستجيب لما تفرضه بعض اﻻوضاع من تدخل قضائي سريع عاجل فضﻼ عن انها ﻻ تستجب ايضا لما تقتضيه روح العصر وطابعه المميز وهو طابع السرعة . وادراكا منه لهذا الواقع لم يجد بدا من سن هذه المسطرة اﻻستعجالية ا لبسيطة اجراأتها المبسطة مسطرتها المختصرة اجالها القليلة نفقاتها . اخذا إياها في احدث صورها وما اضحت عليه من تطور يساير واقع الحياة اﻻجتماعية واﻻقتصادية وما عرفه من تطور ونمو .
على ضوء هذه المعطيات نظم المشرع المحكمة اﻻستعجالية وحدد بعض اختصا صاتها تاركا المجال واسعا فسيحا للقاضي اﻻستعجالي لينسج بمرونة وتجديد على نفس المنوال محددا بنفسه حدود اخ تصاصه راسما باجتهاده نطاق هذا اﻻختصاص، في اطار الشروط العامة لتحققه وهي شرط اﻻستعجال ) الفصل 149 ( وعدم المساس بما يمكن ان يقضي به في الجوهر ) الفصل 152 .(
فبالنسبة لشرط اﻻستعجالي نجد ان المشرع في اطار واقعيته ومرونته واق تناعا منه بان اﻻقضية تحدث للناس بقدر ما احدثوه من المعامﻼت وما إليها، لم يعمد إلى تحديده وﻻ إلى تعريفه وانما ترك ا مره للفقه والقضاء يستخلصه من طبيعة الحق المطلوب صيانته ومن الظروف المحيطة بكل دعوى على حدة، بعيدا عن اتفاقات اﻷطر اف ورغبة بعضهم في استصدار حكم سريع في دعواهم .
فقاضي المستعجﻼت هو سيد الموقف وهو يستقل بتقدير توافر أو عدم توافر اﻻستعجال بكيفية مطلقة دون رقابة عليه من المجلس اﻻعلى على اعتبار ان المسالة هنا هي مسالة واقع، وقد اكد الم جلس اﻻعلى هذا الراي في عدة قرارات نذكر منها القرار 248 الصادر بتاريخ 27 مايو 1970 ) 1 ( . حيث جاء فيه ” : ينص الفصل 219 ) المقابل للفصل 149 ( من قانون المسطرة المدنية على انه في كل الحاﻻت المستعجلة ترفع القضية لقاضي اﻻمور المستعجلة، ونظرا لعموم هذه اﻻلفاظ فان القانون قد ترك لقاضي اﻻمور المستعجلة سلطة مطلقة لتقدير الحاﻻت ا لمختلفة التي من شانها ان تدخل ضمن اختصاصاته .”
اما بالنسبة لشرط عدم المساس بالجوهر وهو الشرط الثاني لتحقق اختصاص قاضي المستعجﻼت ) الفصل 152 م م ( فهو نتيجة حتمية لطابع السرعة الذي يميز القضاء اﻻستعجالي، فالمشرع عندما سمح للقاضي المستعجل بالتدخل السريع العاجل لتحقيق الحماية الوقتية في غيبة بعض الضمانات المسطرية فقد كان من الطبيعي ا ن يمنعه من الخوض في مناقشة الجوهر والمساس به .
ومن هنا يتعين على القاضي المستعجل ان يتﻼفى المساس بجوهر الحق الذي يظل من نصيب القاضي الموضوعي العادي يناقشه في اطار المسطرة العادية وما تخوله لﻼطراف من ضمانات ﻻبداء الطلبات واثارة مختلف اوجه الدفع والدفاع، وما تتيحه للقضاة من وقت للتامل والتداول والتروي قبل الحسم في موضوع الح ق وجوهره . والمراد بجوهر الحق أو اصل الحق أو موضوع الحق السبب القانوني الذي ي حدد حقوق والتزامات كل من الطرفيين قبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ ) 1 ( منشور بمجلة قضاء المجلس اﻻعلى، العدد 18 ، السنة الثانية، ص 22 . وهو صادر في اطار الفصل 219 من قانون المسطرة المدنية الملغى المقابل لنص الفصل 149 من المسطرة الجديدة . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
اﻻخر فﻼ يجوز لقاضي المستعجﻼت ان يتناول هذه الحقوق واﻻلتزامات بالتفسير أو التاويل كما ليس له ان يغير أو يعدل ﻣﻦ المركز القانوني ﻻحد الطرفين أو ان يقيم السندات والحجج المدلى بها لينتهي إلى القول ببطﻼنها أو بصحتها . اﻻ انه من الثابت فقها وقضاء ان حرمان القاضي المستعجل من المساس بجوهر الحق ﻻ يعني منعه مطلقا م ن فحصه ظاهريا بغاية التوصل إلى القضاء في اﻻجراء الوقتي المطلوب اذ له ان يتحسسه بكيفية عرضية سطحية ظاهرية دون النفوذ إلى العمق والغوص فيه بهدف حسمه وانهائه، واذا تبين له من خﻼل هذا الفحص الظاه ري ان اﻻمر ينطوي على منازعة موضوعية جدية تعين عليه القضاء بعدم اختصاصه، اما المنازعة غير الجدية التي يقصد م نها تاخير البت أو عرقلة صدور قرار مستعجل فﻼ يلتفت إليها ويتجاوز عنها ويقض باﻻجراء الوقتي المناسب الذي تمليه ظ روف ومعطيات القضية حماية للحقوق وصيانة للمصالح التي تستقر معها العﻼقة القانونية مؤقتا إلى ان يقول القضاء الموضوعي كلمته الحاسمة في الجوهر .
وعلى انه يجب ان ﻻ يفهم من هذا الشرط ان اﻻوامر اﻻستعجالية يجب ان ﻻ تمس بمصالح احد الطرفين أو تلحق به ضررا ﻻ يمكن تﻼفيه بل يكفي ان ﻻ تتعرض هذه اﻻوامر لجوهر النزاع كما ذكرنا . ومما تجدر اﻻشارة إليه هنا ان بعض التشريعات ومن جملتها قانون المسط رة الملغى ) مسطرة 1913 ( كان يجيز لقاضي اﻻمور المستعجلة ان يفصل في جوهر النزاع بناء على طلب الخصوم وباتفا قهم ) الفقرة الثانية من الفصل 222 ( اﻻ ان قانون المسطرة الجديد ) مسطرة 1974 ( تراجع لياخذ باﻻتجاه الحديث الراجح ء في الفقه الذي يمنع ـ كما راينا ء قاضي المستعجﻼت من المساس بالجوهر، وهو اتجاه كان القضاء سباق إليه اذ كان يرفض توسي ع اختصاصه بناء على اتفاق اﻷطراف ﻻن المسالة كانت مسالة جواز ﻻ وجوب وﻻ بد من التنويه هنا ايضا إلى ان قاضي الم ستعجﻼت في تقديره لطبيعة المنازعة المثارة تلقائيا أو من احد اﻷطراف يخضع لرقابة المجلس اﻻعلى، وهذا ما اكده المجلس في ع دة قرارات منها :
ـ القرار 77 المؤرخ في 9 فبراير 1960 ، مجموعة قرارات المجلس اﻻعلى، الغرفة المدنية بالفرنسية ج 1 ص ، 145 . ـ القرار عدد 96 المؤرخ في 7 يوليوز 1964 ، مجموعة قرارات المجلس اﻻعلى، الغرفة المدنية، ج 2 ص ، 203 . القرار عدد 150 المؤرخ في 7 دجنبر 1965 ، مجموعة قرارات المجلس اﻷعلى، الغرفة المدنية، ج 2 ص ، 309 . ومن اواخر قراراته غير المنشورة .
ـ القرار عدد 896 الصادر بتاريخ 11 / 5 / 83 في الملف المدني عدد 73.308 ، والذي جاء فيه ” : حيث ان قاضي المستعجﻼت مختص بالنظر في طرد كل محتل لملك الغير بدون سبب وﻻ ينزع هذا اﻻختص اص مجرد ادعاء غير مدعم بوجود سبب مشروع يبرر هذا اﻻحتﻼل … وان المحكمة لما اعتبرت ان هناك منازعة جدية تجعل قاضي المستعجﻼت غي ﺮ ﻣﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ في الطلب والحال ان مجرد المجادلة غير المدعمة بما يبررها ﻻ تشكل ا لمنازعة الجدية المنصوص عليها في الفصل 152 ﻣﻦ ق م م تجعل قاضي المستعجﻼت غير مختص في الطلب .
ـ والقرار عدد 351 الصادر بتاريخ 18 / 4 / 83 ، ملف اجتماعي عدد 95.514 / 82 الذي قضى بعدم امكان قاضي المستعجﻼت طرد اجير من محل مخصص للسكن طعن في قرار طرده، على اعتبار ان هذا الد فع يشكل منازعة جدية تقتضي من قاضي المستعجﻼت التصريح بعدم اختصاصه عمﻼ بالفصل 152 من ق م م . ـ والقرار عدد 5 بتاريخ 14 يناير 1985 ، ملف اجتماعي عدد 95.790 والذي جاء فيه ” : حيث ان الطاعن ادلى بوصوﻻت بريدية بمبالغ مرسلة إلى المطلوب في النقض، وبما يثبت ادراجها في حسا ب هذا اﻷخير وهي من اجل الكراء حسب ادعاء الطاعن .
وحيث ان ذلك يكون نزاعا جديا في القضية اذ ينبغي البحث عن اسباب تلك المبالغ التي اخذها المطلوب في النقض وهل فعﻼ ترجع للكراء أو لغيره ما دام هذا اﻷخير لم يبرر سببها، وكل هذا يرجع النظر فيه لمحكمة الموضوع .
وان قاضي المستعجﻼت عندما امر بافراغ المطلوب رغم الوثائق تعدى اختص اصه وخرق الفصل 152 من ق م م . قرارات كثيرة نضيف مراجع بعض منها وهي :
ألقرار عدد 1919 بتاريخ 21 / 12 / 1983 ، ملف مدني عدد 92.129 ألقرار عدد 936 بتاريخ 18 / 5 / 1983 ، ملف مدني عدد 93.031 ألقرار عدد 1452 بتاريخ 28 / 9 / 1983 ، ملف مدني عدد 89.645 انني لم اقصد في هذه العجالة إلى تحليل شرطي اﻻستعجال وعدم المساس ب الجوهر، فقد تناولتهما كتب الفقه اﻻستعجالي كما انني لم اقصد إلى اﻹحاطة بجميع المعطيات التطبيقية لهذين الشرطين وا نما رميت إلى اعطاء بعض اﻻمثلة التي تبرر نظرة المشرع وموقف القضاء ودور المجلس اﻷعلى كأعلى مؤسسة قضائية في البﻼ د في مراقبة المحاكم الرئاسية الدنيا وتوجيهها التوجيه الصحيح كيما يواكب القضاء المشرع في اهدافه وغاياته ونظرته ل هذه المؤسسة اﻻستعجالية في اطار من الواقعية والمرونة كشرطين اساسيين لمجاراة التطور اﻻقتصادي والتجاري الذي يعر فه بلد يسير في طريق النمو كالمغرب .
ايجابية القضاء اﻻستعجالي وفعاليته : ان المتتبع لﻼختصاصات التي خولها المشرع للقضاء اﻻستعجالي بمقتضى ن صوص خاصة في القانون واﻻختصاصات التي استقر الفقه والقضاء على دخولها في وﻻية المحكمة الرئاسية ليلحظ بدو ن كبير عناء مﻼمح اﻻيجابية والفعالية في نظرة المشرع لهذا القضاء، ويكفي هنا ان أستعرض بعض اﻻمثلة للتدليل على ذلك . ففي قانون المسطرة المدنية نجد مثﻼ ما يلي :
1 . الفصل 153 الذي ينص على ” ان اﻻوامر اﻻستعجالية مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون ويمكن ل لقاضي مع ذلك ان يقيد التنفيذ بتقديم كفالة . يمكن للقاضي في حالة الضرورة القصوى ان يامر بالتنفيذ على اصل اﻻمر ﻻ يطعن في هذه اﻻوامر بالتعرض “… فاعطاء اﻻمر اﻻستعجالي هذه القوة التنفيذية المعجلة قانونا وامكاني ة اﻻمر بالتنفيذ على اﻷصل قبل التبليغ ودون تذييله بالصيغة التنفيذية في بعض الحاﻻت وعدم قابلية اﻻوامر اﻻستعجالية للطعن بطر يق التعرض ) الفقرة 3 من الفصل 153 م م ( ، كل هذا ينم عن صيغة اﻻيجابية والفاعلية التي توخى المشرع اضفاءها على ه ذه اﻻوامر . هذا ويثير التنفيذ المعجل بقوة القانون على مستوى التطبيق عدة اشكاﻻ ت مما يحتاج إلى بحث خاص، حسبي هنا ان الفت اﻻنتباه إليها ويتعلق اﻻمر بنسبيتها أو اطﻼقها بمعنى انه هل يمكن للقضاء ان يحد منها ام انه ﻻ يملك ذلك ـ بصرف النظر عن اﻻمكانية المخولة للقاضي اﻻستعجالي نفسه بتقييد التنفيذ بتقديم كفا لة ـ فهل يملك مثﻼ الرئيس أو الرئيس اﻷول ايقاف تنفيذ حكم مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون في اطار دعوى الصعوبة التي قد تعر ض عليه ) 1 ( ثم ما مدى امكانية استعمال المجلس اﻻعلى لصﻼحياته في هذا الباب المنصوص عليها في الفقرة اﻻخيرة من ا ﻟﻔﺼﻞ 361 من ق م م ) 2 ( . مسائل متعددة تختلف بشانها المحاكم وهي تحتاج إلى بحث ودراسة يضيق عن ها هذا العرض الموجز .
2 . نص الفصل 448 الذي يقضي في فقرته اﻷولى بانه ” : إذا رفض المنفذ عليه اداء التزام بعمل أو خالف التزاما باﻻمتناع عن عمل، اثبت عون التنفيذ ذلك في محضره واخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة ت هديدية ما لم يكن سبق الحكم بها . من المعلوم أن الراي الراجح في الفقه ينفي عن القضاء اﻻستعجالي اختص اص الحكم بالغرامة التهديدية لجملة اعتبارات منها : أ ـ ان القضاء اﻻستعجالي قضاء استثنائي يختص فقط بالحكم في المسائل المستعجلة والغرامات التهديدية ﻻ تدخل في هذا اﻻطار ﻻن الغاية منها اجبار المدين على تنفيذ التزامه عينا . ب ـ ان اﻻوامر التي يصدرها قاضي المستعجﻼت في اطار وﻻيته العامة تختلف في طبيعتها القانونية عن اﻻحكام الصادرة بالغرامات التهديدية فاﻻولى مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون ) الفصل 153 من ق م م ( اما اﻻخرى فﻼ تصلح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( هذا راي نتبناه ونعتمده في قضائنا بكيفية متواترة ومستقرة، انظر امرن ا عدد 795 / 85 بتاريخ 25 / 2 / 85 في الملف اﻻستعجالي عدد 401 / 85 ، وكذلك الشان في المجاﻻت اﻻخرى المشمولة احكامها بالنفاذ المعجل ب قوة القانون مثل المادة اﻻجتماعية ومادة النفقة في اﻷحوال الشخصية . ) 2 ( انظر ما كتبه الدكتور موﻻي ادريس العلوي العبدﻻوي في موضوع تنفيذ ا ﻻوامر اﻻستعجالية في كتابة القانون القضائي الخاص، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة اﻷولى سنة 1985 ، الجزء اﻷول ص 390 وما بعدها . ) 25 مكرر ( انظر قرار المجلس اﻷعلى عدد 664 بتاريخ 6 / 4 / 83 الملف المدني عدد 81237 وهو غير منشور . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
في ذاتها سندا تنفيذيا اذ تخضع لمسطرة التصفية من طرف محكمة الموضوع . وعلى الرغم من ذلك فقد ارتأى المشرع في المسطرة الجديدة في اطار ما ي ريده للقضاء اﻻستعجالي من ايجابية وفعالية ان يمنحه حق الحكم بالغرامة التهديدية على خﻼف ما كان عليه اﻻمر في ظل المسطرة الملغية التي كانت تقضي في فصلها 305 ) 1 ( في هذه الحالة رفع اﻻمر إلى المحكمة ﻻ إلى قاضي المستعجﻼت، وان ك ان اﻻجتهاد اذاك يسمح لكل محكمة ومن
بينها المحكمة اﻻستعجالية بالحكم بالغرامة التهديدية فيما تصدر هي من اوامر واحكام ) 2 ( .
اختصاصات كثيرة منحت لقاضي المستعجﻼت تحقيقا لﻼيجابية والفعالية نض يف منها ايضا : اﻻختصاص المقرر له بمقتضى القانون رقم 81 ء 7 المتعلق بنزع الملكية ﻻجل المنفعة العامة وباﻻحتﻼل الموقت الصادر ﺑﺎﻻﻣﺮ بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 254 ء 81 ء 1 الصادر في 11 رجب 1402 ) 6 مايو 1982 ( ) 3 ( ، وهو يعطي في فصله 19 ، الفقرة اﻷولى، اﻻختصاص لقاضي المستعجﻼت وحدة لﻼذن في الحيازة مقا بل دفع أو ايداع تعويض احتياطي يعادل مبلغ التعويض الذي اقترحه نازع الملكية . ذلك ان فشل محاولة اﻻتفاق الحي ﻻ يمكن ان يغل يد اﻻدارة في حيازة العقار موضوع اﻻستمﻼك لما ينطوي عليه ذلك من عرقلة وتأخير في انجاز المشاريع الع امة لذا فقد خول لها المشرع في الفصل 19 المذكور حق استصدار قرار قضائي استعجالي بحيازة العقار . ويزيد الفصل 24 من القانون المذكور انه ” عندما يلتمس نازع الملكية الحيازة ﻻ يجوز لقاضي المستعجﻼت رفض اﻻذن في ذلك اﻻ بسبب بطﻼن المسطرة . وينص اﻻمر باﻻذن في الحيازة على دفع التعويض اﻻحتياطي المنصوص علي ه في الفصل 19 إلى ذوي حقوق أو على ايداعه ”
ويبدو جليا من هذين النصين ان المشرع رمى إلى تحقيق هدفين اثنين : اﻷول : عدم السماح لﻼدارة ) نازعة الملكية ( باحتﻼل ملك الغير قبل استصدار اﻻذن بذلك، وان فعلت فان عملها يكتسي ﺻﺒﻐﺔ اﻻعتداء التي تستتبع مسؤوليتها والزامها بالتعويض ) 4 ( . الثاني : اعطاء القضاء اﻻستعجالي صﻼحية مراقبة صحة مسطرة نزع الملكية فان تب ين له بطﻼنها رفض اعطاء اﻻذن المطلوب، ومن خﻼل هذين الهدفين تتجلى فعالية وايجابية هذا القضاء فض ﻼ عن دوره كحارس للمشروعية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
) 1 ( ينص الفصل 305 من ق م م الملغى انه ” : إذا رفض المنفذ ضده اداء التزام بعمل أو خالف التزاما باﻻمتناع عن ع مل فان عون التنفيذ يثبت ذلك في محضر، ويحيل المحكوم له على المحكمة لطلب ال تعويض أو الحكم بالغرامة التهديدية ما لم يكن قد صدر حكم سابق بهذه الغرامة .” ) 2 ( انظر CىLBىRط PONص في الدليل العملي للمستعجﻼت بالمغرب، طبعة 1951 ص ، 45 . ) 3 ( منشور بالجريدة الرسمية عدد 15 / 6 / 1983 كما نشرته مجلة القضاء والقانون في عددها 133 / 134 ص 297 . ) 4 ( انظر قرار المجلس اﻻعلى رقم 345 بتاريخ 4 ﻏﺸﺖ 1978 منشور قضاء المجلس اﻻعلى عدد 26،173 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
ومسايرة للمشرع في نظرته لهذا القضاء كمؤسسة فعالة وإيجابية يضفي الق ضاء في عمله نفس الحلة وذات الصبغة على المحكمة اﻻستعجالية ونسوق هذه المرة مثاﻻ تجاريا يعتمد ظهير 31 / 12 / 1914 المتعلق ببيع المحﻼت التجارية، ورهنها، فكثيرا ما نصادف في الحياة التنفيذية احكاما صادرة ضد بعض التجار أو في مواج هة شركات تجارية وفي اطار قيام عون التنفيذ بماموريته قد يعمد إلى توقيع حجز على بعض المنقوﻻت التابعة للمحل ال تجاري، ففي هذه الحالة ورغبة من المحجوز عليه في تفادي هذا البيع واﻻستفادة من الضمانات التي خولها المشرع حماية لﻼ صل التجاري بمقتضى الظهير المذكور وذلك بتفادي البيع المنفصل لعناصر اﻷصل التجاري الذي ﻻ شك ينقص من قيمتها، رغبة في اﻻستفادة من هذه الحماية يتقدم بدعوى موضوعية ترمي إلى استصدار قرار بالبيع اﻻجمالي لﻼصل التجاري .
وقد كان اﻻجتهاد القديم يقضي بايقاف عملية البيع المنفصل لبعض عناصر اﻷصل التجاري بمجرد تقديم نسخة من مقال الطلب الموضوعي المذكور، اﻻ ان اﻻمر تطور بحيث اضحى من الﻼزم على من يرغ ب في ايقاف عملية البيع ان يستصدر امرا استعجاليا بتأجيل البيع إلى حين البت في دعوى البيع اﻻجمالي . اﻻ ان المﻼحظ في الحياة العملية ان هذه المسطرة باتت مطية سهلة لكل من يرغب في تاخير التنفيذ بل وتعطيله طوال فترة جريان مسطرة الموضوع التي قد تطول وتطول جدا .
هنا يتدخل القضاء اﻻستعجالي ليصدع بدوره اﻻيجابي في تحقيق الحماية القضائية المؤقتة في مرحلتها التنفيذية دون ان يرضي بالتدخل الشكلي واﻻمر اﻻلي باﻻيقاف وانما يراقب مدى جدية الطلب، ف اذا تبين له مثﻼ من خﻼل دراسته الظاهرية لﻼوراق ان الغاية من الطلب هي تاخير التنفيذ، كما في حالة ما إذا كان مبلغ الد ين مثﻼ زهيدا بالنسبة لقيمة اﻷصل التجاري ككل . قرر رفض طلب اﻻيقاف وتتابع مسطرة الحجز التنفيذي التي تتوج بالبيع الجزئ ي لبعض منقوﻻت اﻷصل التجاري .
النظرة اﻻنسانية واﻻجتماعية للقضاء اﻻستعجالي : من استقراء العديد من النصوص القانونية التي تمنح اﻻختصاص لمحكمة اﻻ ستعجال وكذا العديد من اﻻختصاصات التي استقر الفقه والعمل على اسنادها للقضاء اﻻستعجالي تتبدى النظرة اﻻنسانية واﻻجتماعية التي توخاها المشرع في هذا القضاء وسنحاول فيما يلي استعراض بعض اﻻمثلة :
أ ـ اﻻختصاص بمنح اﻻجل اﻻسترحامي : ان العمل القضائي في المغرب مستقر على اختصاص قاضي المستعجﻼت في هذا
المجال وخاصة في دعاوي اﻻفراغ اذ كثيرا ما تعرض على قاضي المستعجﻼت حاﻻت تتوافر فيها مبررات قوية تدعو إلى الرحمة والشفقة بالمحكوم عليهم باﻻفراغ وتشفع لهم في الحصول على مهل ة استرحامية أو اجل استعطافي خصوصا حين تكون ازمة السكن خانقة ويتعذر على المحكوم عليه ايجاد مسكن اخر ينتقل إليه . ويرفع امر تقدير هذا اﻻجل إلى حكمة القاضي المستعجل يراعي فيه بعض ا لمعطيات كوضعية الطرفين، وحسن نية طالب اﻻجل مع التزام حدود معقولة حتى ﻻ يفقد اﻻجل طابعه اﻻنساني واﻻ جتماعي ويتخذ ذريعة لتعطيل القوة التنفيذية لﻼحكام لمدة تزيد عن اللزوم .
ب ـ في المادة اﻻجتماعية حيث يقضي الفصل 289 من قانون المسطرة المدنية بامكانية القاضي وهو يبت بصفته قاضيا للمستعجﻼت في قضايا حوادث الشغل واﻻمراض المهنية منح تعويض مسبق تل قائيا أو بطلب من المصاب أو ذوي حقوقه إذا نتج عن الحادثة عجز عن العمل يعادل ثﻼثين في المائة على اﻻقل أو نت جت عنها وفاة .
وقد حدد المشرع في الفصلين التاليين 290 و 291 كيفية تقديره وادائه ) 1 ( : كما ينص الفصل 294 من قانون المسطرة المدنية، ايضا، على امكانية القاضي بمقتضى امر مع لل مبني على طلب دون إجراأت وﻻ صوائر وانتهائيا في حالة اﻻستعجال وفي كل مرحلة من مراح ل المسطرة وطبقا للشروط المنصوص عليها في التشريع الخاص بالتعويض عن حوادث الشغل واﻻمراض المهنية اصدار بعض اﻻوامر منها البت في حق الضحية بالنسبة إلى اﻻجهزة الطبية .
وهكذا فمما ﻻ شك فيه ان اﻻعتبارات اﻻنسانية واﻻجتماعية واﻻقتصاد ية من وراء اسناد هذا اﻻختصاص للقضاء اﻻستعجالي ﻻن وضعية اﻷجير المصاب ﻻ تحتمل سلوك اﻹجراأت البطيئة لمسطرة الت قاضي العادي لما تنطوي عليه من تهديد واهدار للحماية القضائية الواجبة لهذه الفئة من الضحايا . وفي مادة اﻷحوال الشخصية نجد الفقه والقضاء اﻻستعجاليين جازمين على اختصاص المحكمة اﻻستعجالية بالبت في طلب ارجاع الولد لمن له حق حضانته . والحضانة بالتعريف هي حفظ الولد مما قد يضره قدر المستطاع والقيام بت ربيته ومصالحه ) الفصل 97 من مدونة اﻷحوال الشخصية ( ومعلوم انها من واجبات اﻻبوة ما دامت الزوجية قائمة بينهما، فاذا ان فكت فاﻻم أولى بولدها من غيرها ) … الفصل 99 من المدونة ( وفي الحياة العملية كثيرا ما يرغب الوالد في اﻻستئثار بولده اثر انف كاك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ ) 1 ( الفصل 290 ” : يجب ان يعادل التعويض المسبق الممنوح تطبيقا للفصل السابق على اﻻكثر مقدار المبالغ اليومية الباقية من اﻻيراد حسبما يمكن تقديره وفق القواعد المقررة في قضايا حوادث الشغل واﻻمراض المهنية، واذا كان هناك عجز دائم حسب الشهادة الطبية المثبتة ﻻلتئام الجرح .” وينص الفصل 291 ” : تؤدي التعويضات المسبقة ضمن الشروط المحددة مكانا وزمانا في الحكم ال ذي قضى بها .. يمكن اﻻمر بادائها ابتداء من اليوم الموالي لتاريخ التئام الجرح أو الوفاة ” ( ) القصة وقعت مع سيدنا عمر رضي ﷲ عنه حين فارق امرأته جميذ ام عاصم ابنه وشجر الخﻼف بينهما بشان عاصم فكل منهما ادعى حضانته لنفسه، فخاصمها عمر بين يدي ابي بكر، فقال له ابو ﺑﻜﺮ : ريحها ومسها ومسحها خير له من الشهد عندك . ) انظر عبد العزيز عامر في كتابه اﻷحوال الشخصية، دار الفكر العربي، ا لطبعة الثانية 1976 ص ، 192 . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ــــــــــــــ
العﻼقة الزوجية ) 2 ( ففي هذه الحالة يكون من حق اﻻم اللجوء إلى القضاء اﻻستعجالي للمطا لبة بتمكينها من ولدها . وعلى الرغم من ان اﻻمر يتعلق بحماية حق شرعي فقد دعت اسباب انسانية إلى ا عتبار هذا اﻻختصاص داخﻼ في وﻻية القضاء اﻻستعجالي ﻻن مصلحة الطفل في الحفظ والتربية والرعاية ﻻ تتحمل اﻻ نتظار . ويرتبط ايضا بالحضانة حق الزيارة أو الرؤية، زيارة اﻻب لولده وهو في حضانة امه أو العكس في حالة سقوط الحضانة مثﻼ وفي هذا المجال ينص الفصل 111 من المدونة على انه ” إذا كان الولد محضونا ﻻحد الوالدين فﻼ يمنع اﻻخر من زيارته وتعهد احواله واذا طلب نقله إليه للزيارة فله ذلك على اﻻقل مرة في كل اسبو ع ما لم ير القاضي مصلحة المحضون في غير ذلك .
وهنا ايضا نجد المبررات اﻻنسانية من وراء اختصاص القضاء اﻻستعجالي بالبت في طلب حق الزيارة وتنظيمه . امثلة متعددة في مختلف المجاﻻت يمكن ان نضيف إليها اختصاصا اخر تدعو إليه اسباب انسانية واجتماعية بل وحيوية وهو اختصاص القضاء اﻻستعجالي بارجاع تيار الماء بصفة خاصة في حالة قطعه من طرف المالك عند نشوب خﻼف بينه وبين المكتري متى كان هذا التيار من مشتمﻼت الكراء بمعنى ان الدار اجرت م زودة به في اﻷصل . اختصاصات متعددة تكتسي طابع اﻻستعجال، بحكم صبغتها اﻻنسانية واﻻجت ماعية والحيوية .
وفي هذا السياق اﻻنساني دائما وحرصا من المشرع على حماية حرية الموا طن وكرامته اسند لقاضي المستعجﻼت صﻼحية مراقبة تطبيق مسطرة اﻻكراه البدني وهو اختصاص يجد اساسه القانوني ف ي نص الفصل 683 من قانون المسطرة الجنائية
الذي يقضي بانه ” : ان وقع نزاع احضر المحكوم عليه باﻻكراه البدني الذي القي عليه القبض أو الموجود في حالة اعتقال أمام رئيس المحكمة اﻻبتدائية بمحل القبض أو اﻻعتقال . فاذا كان النزاع يتعلق بصحة إجراأت اﻻكراه البدني بت الرئيس المذكو ر في الخﻼف بطريقة المسطرة اﻻستعجالية وينفذ حكمه بالرغم من استئنافه .
مهمة سامية اخرى عهد بها المشرع للقضاء اﻻستعجالي بصفته حارسا من حر اس المشروعية وحاميا من حماة الحرية الشخصية وساهرا على ضمان كرامة الفرد وأمنه في اطار الشرع والقانون . فكلما تبين ان هذه المسطرة مشوبة بسبب يبطل اجراأتها اﻻ وقع التصري ﺢ ﺑﺬﻟﻚ . فاﻻكراه البدني كوسيلة استثنائية للتنفيذ ﻻنها تهدر كرامة المدين . وﻻن اﻷصل هو ان المدين يلتزم في ماله ﻻ في شخصه فماله هو الذي يضم ن تنفيذ التزامه، هذه الوسيلة ﻻ يمكن اللجوء إليها اﻻ بشروط قانونية ﻻ بد من استيفائها، والقضاء اﻻ ستعجالي هو الذي يراقب ويفحص مدى توفرها كلما اثير نزاع بشانها .
اختصاصات عديدة في مختلف مجاﻻت القانون بعضها من صنع الفقه والقضاء وبضعها اﻻخر من سن المشرع وكلها تنم عن منظور حديث جديد، متجدد، مرن، قادر على مسايرة ركب الحياة بمعامﻼت ها اﻻقتصادية وعﻼقاتها اﻻجتماعية واﻻنسانية اذ جعل من هذا القضاء الرقيب والحارس العتيد أي الحاضر باستمرار المستعد للتدخل كلما طلب منه ذلك لتحقيق الحماية القضائية الوقتية وضمانها لمن يستحقها .
وان ما أوردته في هذه العجالة ما هو اﻻ غيض من فيض وقليل من كثير، ف الموضوع يقتضي تتبع العمل المتضافر للمشرع والقضاء معا في هذا المجال ﻻعطاء صورة جلية كاملة عن منظور المشرع لهذا الصنف من القضاء وانما هي جولة سريعة عاملة في ميدان اﻻستعجال اتاحت قطف بعض الزهور الدانية من حديقة فيح اء زاهرة . أمثلة من هنا وهناك ﻻ يجمعها وﻻ ينظمها اﻻ عقد اﻻستعجال عامة ونظرة المشرع المغربي إليه .

مجلة اﻻشعاع، عدد 1 ص ، 13 .