القانون بين الممارسة والتنظير

لايختلف اثنان حول دور القوانين في الحفاظ على الأمن العام في كل بلد، فباحترام القوانين تحقق

الأمم مجدها، وبتفعيل بنوده على مستوى الممارسة تبني مستقبلها، لكن اسمحوا لي في هذا المقال أن

أناقش معكم مسألة القانون بين الممارسة والتنظير، أي بين النظريات القانونية المكتوبة وبين واقع

الممارسة، إذ تجد وأنت تتأمل واقعك أن هناك كثيرا من الأمور يتهاون الناس فيها، بل أهل القانون

انفسهم يتجاوزون ما تم تسطيره في الدساتير، ولعل المفارقة بين ما هو منظر له وبين حقيقة

المجتمع يجعل من الصعب تطبيق القانون، فمثلا على مستوى التنظير في السياقة تجد مجموعة من

التوجيهات والقوانين فرضت على مستعملي الطريق احترامها، لكن اين البنية التحتية التي تليق

بتطبيق تلك القوانين، هذا مجرد غيظ من فيض، وقس على ذلك بقية القضايا التي يتكلم فيها القانون

في واد وتسير فيها الممارسة في واد آخر..

إن القضية هاهنا قضية الواقع في مقابل القانون، هذا الواقع الذي يقف حجر عثرة أمام العديد من

المضامين التي أقرها المشرع الذي لا يتساهل مهما فرضت الظروف خرقا لقاعدة قانونية مع أنه

المسؤول في الآن نفسه عن معيقات التطبيق، لذلك نرى أن من أكبر مسببات هذه الإشكالية:

1. عدم أخذ بعين الاعتبار طبيعة البلد وظروفه الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك البنية التحتية

2. تعيين مسؤولين غير مؤهلين لتطبيق منظومة القوانين المسطرة

3. انتشار الفكر السلطوي لدى اصحاب القرار، مما يجعل القانون أداة للطغيان

4. غياب المراقبة الجدية التي تتبع مدى تطبيق القوانين في كافة المجالات

5. التهرب من المسؤولية لغياب الضمير المهني

إن الحاجة ملحة إلى ممارسة القانون ممارسة شاملة، ولا ينبغي تطبيقه في جزء وخرقه في أجزاء،

فتغيير النظرة لدى رجال القانون لابد أن تنطلق من اعتباره أداة لخدمة المجتمع وليس أداة للقمع

والتسلط، بهذا سوف يرجع المواطن الثقة في كافة الإدارات محترما قوانينها راضيا بقراراتها، لأنه

من السهل أن تجلس للتنظير، لكن من الصعب أن تمارسه في أرض الواقع إن لم تتوفر كافة

الشروط وعلى رأسها الوعي بالمحيط وثقافته.