ميراث النساء في الشريعة الإسلامية
عبدالله الشملاوي
1 – كانت النظم القانونية السابقة على الإسلام تعتبر المرأة من الأمتعة التي ليس لها إلا أن ينتفع بها الرجل دون أن تستفيد هي من الحقوق الاجتماعية. فالمرأة لم تكن تملك أي شيء، وإن ملكت فهو لأبيها ولأخيها الأكبر، وبزواجها تكون ملكا لزوجها كما يملك العبيد. وفي بعض البلاد كانت تشنق وتدفن مـع زوجها الميت بدل أن يعطى لها ميراثها من الزوج. لكن الإسـلام قضى بأن للنساء حظًّا في الميراث مثـل الـرجال تمامًا، فقد قال تعـالى:»للرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا» (النساء:7) ثم بينت آيات المواريث المفصلة ميراث النساء وما تستحقه كل واحدة، منهن وفصلت السنة النبوية الشريفة ذلك. وقبل الخوض في ذكر نصيب المرأة من الميراث، سواء كانت زوجة أو أما أو بنتا أو أختا أو عمة أو خالة أو جدة ونبدأ بتعريف الميراث وأسبابه، ونردفه بذكر بعض الأصول التي اختلفت عليها المذاهب الإسلامية، وأثر اختلافهم هذا على ما تحصل عليه النساء كنصيب في الميراث عند كل مذهب.

تعريف الميراث: «الميراث هو استحقاق شخص شيئا من المال بسبب موت آخر له به علاقة نسبية، أو سببية.

أو هو المال الذي يستحقه شخص بسبب موت آخر له به علاقة نسبية، أو سببية. أي هو بقية الأموال التي يخلفها الإنسان، وتنتقل إلى غيره بعد موته بسبب تلك العلاقة النسبية أو السببية بعد خصم دين الميراث وما أوصى به لقوله تعالى: «مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ» (النساء :11)).

ولما تنص عليه القاعدة الشرعية، لا تركة إلا بعد سداد الديون (ابن قدامة – المغني).

أسباب الميراث: موجبات الإرث منحصرة في النسب والسبب:

1 – النسب: هو الاتصال بالميت على وجه شرعي، أو ما في حكمه، كأنكحة غير المسلمين، ونكاح الشبهة. أو الإقرار به، سواء أكان الاتصال بين الميت والوارث بانتهاء أحدهـما إلى الآخر، كالابن والأب، أو بانتهائهما إلى ثالث، كالإخوة والأعمام والأخوال.

2 – السبب: هو الاتصال بالميت بغير الولادة وهو الزوجية: وقد جعل الدستور البحريني، كسائر الدساتير العربية – للشريعة الإسلامية وحدها حكم مسائل الميراث، ولذلك سينحصر البحث في حدود ما قررته أحكام الشريعة السمحة في هذه المسألة بوصفها القانون واجب التطبيق، بحسب الإحالة الدستورية «ابن كثير – البداية والنهاية».

ذكرنا فيما سبق أن الفقهاء قد اختلفوا في أنصباء الورثة، ليس فقط في مقدار ما يحصل عليه كل وارث، بل إن الخلاف وصل إلى حد اعتبار شخص ما وارثا ًأو غير وارث، إذ إن بعض هذه الأصول قد ثبتت عند بعضهم فأخذوا بها واعتبروها أساسا من أسس المذهب. وأنكر من ذلك البعض الآخر إذ لم تثبت تلك الأصول عندهم. كما أن اختلاف الفقهاء في فهم هذه الأصول أدى إلى اختلافهم في أنصباء الورثة؛ لذلك فتسليط الضوء على هذه الأصول سيوضح الخلاف الحاصل بين المذاهب الإسلامية ومداه، كما سيفسر كثيرًا من الأمور التي سنذكرها. وهذه الأصول هي التعصيب والعول والحجب والرد، وتفسير الحرف – ما – الواردة في آيات المواريث، وهل هي اسم موصول بمعنى الذي، أو نكرة، بمعنى شيء أو جزء، ومن ثم أثر ذلك على مشتملات الإرث ونصيب الوارث منها.

أولاً التعصيب: وهو توريث العصبة ما زاد على نصيب ذوي الفروض. والعصبة هم الأقارب الذكور من جهة الأب. وتنقسم العصبة النسبية إلى ثلاثة أقسام:

1 – عصبة بالنفس: والعاصب بالنفس هو من ليس بينه وبين الميت في سلسلة النسب أنثى بحيث يكون هو رجلاً وسلسلة النسب بينه وبين الميت، طالت أو قصرت كلها رجال، وقد لا يكون بينه وبين المتوفى واسطة أصلاً كالابن والأب. وليس للعاصب فرض مقدار بل له التركة ما لم يزاحمه غيره، أو بقية أصحاب الفروض، أي مقدار كان، فإن لم يبق شيء بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، فلا ميراث للعاصب.

والعصبة بالنفس تنقسم بحسب الجهات إلى أربعة أقسام:

«الأول» جزء المتوفى وهو بنوه وبنو بنيه مهما نزلوا و»الثاني» أصله وهم أبوه وأبو أبيه مهما علوا. و»الثالث» جزء أبيه وهم إخوته لأبيه وأبناء إخوته وإن علوا، وعم أعمامه الأشقاء وأعمامه لأبيه وبنو هؤلاء، ثم أعمام أبيه الأشقاء وأعمام أبيه لأب فقط، وبنو هؤلاء. ويكون للأقوى جهة الحق في الميراث، والجهة من حيث القوة بحسب الترتيب السالف الذكر، فان اتحدت الجهة كان الترجيح لقوة القرابة، فذو القرابتين مقدم على ذي القرابة الواحدة، فالأخ للأبوين مقدم على الأخ لأب، أما إذا اتحدت الجهة والدرجة وقوة القرابة اقتسموا الميراث على السواء لعدم المرجح.

2 – العصبة بالغير: وهم أربع من الإناث، البنت مع الأخ، وبنت الابن مع ابن الابن، والأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق، والأخت لأب مع الأخ لأب، وجميعهن يرثن بالفرض إذا لم يكن معهن أخ من درجتهن أما مع وجود أخ من درجتهن فإنهن يرثن، لا بأنفسهن، بل بأخيهن فيقتسمن معه للذكر مثل حظ الأنثيين ويسمى إرثهم بهذه الطريقة بالعصبة بالغير.

3 – العصبة مع الغير: كالأخت أو الأخوات الشقيقات أو الأب مع البنت أو بنت الابن، والأخت والأخوات يرثن بالفرض إذا لم يكن معهن بنت أو بنت ابن، ويرثن بالعصبة مع البنت أو بنت الابن، فتأخذ البنت أو بنت الابن فرضها وما بقي تأخذه الأخت أو الأخوات الشقيقات أو الأب، فقد صرن عصبة مع البنت.

وقد قال الأئمة الأربعة بالتعصيب في الميراث، معولين في ذلك على حديث رواه ابن طاووس وهو: «الحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى عصبة ذكر» (أحمد إبراهيم بيك – التركة والحقوق المتعلقة بها).

أما الإمامية فقد أنكروا التعصيب وقالوا ببطلانه؛ لأنهم لم يأخذوا أولا بحديث ابـن طاووس بل أنكروا نسبته إلى النبي (ص)، لتفرد ابن طاووس بروايتـه، وهـوراوية ضعيـف عنـد الإمامية. ويضيفـون أن ابن طاووس يسند الحديث تارة إلى ابن عباس كما في رواية وهب بن معمر، وتارة أخرى يرويه عن الثوري وعلي ابن عاصم، عن أبيه مرسلا غير مذكور فيه ابن عباس. إضافة إلى أن الحديث مختلف اللفظ؛ لأنه يروى أحيانا بصيغة: «فما أبقت الفرائض فلأولى ذكر، وروي كذلك فلأولى عصبة أقرب»، وروي أيضا فلأولى عصبة ذكر «وفى رواية أخرى فلأولى رجل عصبة». وإن اختلاف اللفظ والطريق واحد يدل على ضعفه كما هو المقرر عند علماء الحديث. كما استدل الإمامية على بطلان التعصيب ثانيا بقوله تعالى «للرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا» (النساء: 7) وعززوا أقوالهم برواية عن المصطفى (ص): «اعرضوا حديثي على كتاب الله، فإن وافقه وإلا فأضربوا به عرض الجدار» ولآشك أن التعارض بين الحديث والآية بين.

فلقد دلت هذه الآية عندهم على المساواة بين الذكور والإناث في استحقاق الإرث؛ لأنها حكمت بالنصيب للنساء كما حكمت به للرجال، إلا أن القائلين بالتعصيب قد فرقوا بين النساء والرجال، وقالوا بتوريث الرجال دون النساء فيما إذا كان للميت بنت وابن أخ، وبنت أخ، فإنهم يعطون النصف للبنت، والنصف الآخر لابن الأخ، ولاشيء لأخته، مع أنها في درجة مساوية له. وكذا لو كان له أخت، وعم وعمة، فإنهم يوزعون التركة بين البنت والعم دون العمة، على رغم أن القرآن يورث النساء والرجال، ولكن القائلين بالتعصيب يورثون فقط الرجال (أي العصبات) فقط دون النساء. ويذهب الإمامية إلى القول ببطلان التعصيب وفق أصولهم، ويقولون إنه مستلزم للباطل لمخالفته ما رُوي عن الرسول (ص): «ما وافق القرآن فقد قلته، وما لم يوافقه فلم أقله». كما أنهم يقولون إن توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربى والدرجة من أحكام الجاهلية التي نسخها الله بالإسلام وذمَّ من أقام عليها واستمر على العمل بها، وذلك بقوله: «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ» (المائدة: 50) ويردون على من قال بالتعصيب بان ليس لهم أن يقولوا إننا نُخصصُ الآية التي سلفت بالسنة؛ وذلك لأن السنة التي لا تقتضي العلم اليقيني لا يُخصص بها القرآن، كما لا يُنسخ بها. ولا خلاف في أن الأخبار المروية في توريث العصبة أخبار أحاد لا توجب علماً يقينيّاً، وأكثر ما تقتضيه غلبة الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا (الشيخ محمد مغنية- الفقه على المذاهب الخمسة).

ويضيف الإمامية قائلين، إننا لو سلمنا وقلنا بالتعصيب فالمفروض أن يكون العاصب رجلاً كما جاء في الحديث، فمن أين أتوا بالقول بالعصبة بالغير والعصبة مع الغير، إذ لا دليل يدل عليها حتى من حديث ابن طاووس، على تقدير صحته التي هي ليست محل تسليم. كما يضيفون قائلين إننا لو قلنا بالتعصيب لأصبحنا أمام مفارقات كثيرة لا يمكن أن يقرها الشرع ولا تتفق مع القياس الذي يعمل به الأئمة الأربعة، ومن ذلك أنه لو كان للميت عشر بنات وابن، فيأخذ الابن في مثل هذه الحال السدس والبنات خمسة أسداس، ولو كان مكان الابن ابن عم للميت، أي أنه ترك عشر بنات وابن عم، فعلى القول بالتعصيب يأخذ ابن العم الثلث والبنات العشر في الثلثين. وعليه يكون الابن أسوء حالا من ابن العم وهذا ما لا يستقيم مع القياس وينافي قاعدة أن الأقربين أولى بالمعروف النابعة من الآية الكريمة: «وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» (الأحزاب: 6).

ومن هنا رأينا الكثير من أفراد الأسر الثرية وخصوصا منها اللبنانية والبحرينية، الذين لهم بنات فقط يبدلون مذهبهم من التسنن إلى التشيع، خوفاً من أن يشترك مع بناتهم العصبات، كالإخوان أو الأعمام. وهناك اتجاه للعدول عن القول بالتعصيب لوهن دليله، والأخذ بقول الإمامية في ميراث البنت، تماما كما عُدِل عن القول بعدم صحة الوصية للوارث، وقالوا بصحتها كما تقول الإمامية وهو ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية في مصر واليمن على رغم اتفاق مذاهبهم على عدم صحة مثل هذه الوصية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت