بادئ ذي بدءٍ نحن نعلم ان الميراث نظام شرعي وان انصبة الورثة تحددها النصوص الشرعية سواءً أكان الوارث الاب ام الام او الاخ ام الاخت او الابن ام البنت او الحمل الذي ما زال في بطن امه باي وصفٍ كان من أوصاف الورثة المشروعة ، والتي يحدد مشروعيتها مقياس الشرع حسب ما يقتضيه من موجبات وما ينكره من موانع . ولقد تعرفنا فيما سبق على هذا المقياس بالنسبة للحالة (الحمل) موضع الدراسة ومتى يعد وأرثاً لذا فأن كل مستحدثٍ بدخل على هذا الاصل يجب ان يعرض على مقياسه الشرعي فان وافقه فحكمه الجواز وان خالفه فحكمه الحظر . اضافة لذلك فانه مما اخفاه الله سبحانه وتعالى ما يعرف بمفاتيح الغيب ، وهي الامور التي جمعها قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(1). فعلم ما في الارحام من مفاتيح الغيب التي أستأثر بمعرفتها الله سبحانه وتعالى دون من سواه ، ولم يطلع عليها أحداً من خلقه ، وتؤكد هذا المعنى أدلة كثيرة منها : {اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ }(2). ومنها: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(3).

وقد ورد كذلك في سورة الشورى ما يدل دلالة واضحة على ان الله تبارك وتعالى هو الذي يختار جنس المولود فيجعله ذكراً او انثى بقدرته ومشيئته ، فيهب لمن يشاء الذكور ويهب لمن شاء الاناث ، ويجعل من يشاء عقيماً ، حيث تنص الاية الكريمة { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ !أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }(4). وفي الحديث الصحيح قال رسول الله ((مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمها الا الله ، لا يعلم ما في غدٍ الا الله ، ولا يعلم ما يفيض الارحام الا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر الا الله ، ولا تدري نفسٍ بأي ارضٍ تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله ))(5). وبعد هذه الادلة نتوصل الى ان علم ما في الارحام من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها الا الله ، فكيف يمكن التوفيق بين هذه النتيجة وبين التقنيات الطبية الحديثة سالفة الذكر ، وخاصةً تقنية تحديد جنس المولود قبل تخلقه والتي اصبحت حقيقة واقعة ، وهل ان في هذا تعارض ؟ وما هو نوع هذا التعارض هل هو تعارض حقيقي ام ظاهري ؟ وكيف يكون السبيل الى رفع هذا التعارض ؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه انشاء الله في ختام هذا الموضوع . وستكون هذه المحاولة بالادلة العلمية المادية ، وفي ضوء كل تقنية من التقنيات الطبية الحديثة. وليس المقصود بهذه المحاولة الافتاء ، أي بيان الحكم الشرعي وكذلك التكليفي من الحلِّ والحرمة الخاص بهذه التقنيات ، وذلك لاننا لسنا أهلاً له ، وكذلك هو ليس من اختصاصنا. لذا فإننا نترك هذا الامر للأئمة المجتهدين ونسأل الله العظيم لهم الهداية ، ونسأله سبحانه ان ينفعهم بما كتبنا في هذا الامر . فنبدأ الان بأولى هذه التقنيات وهي الاستنساخ البشري .

أما عن مساوئها فانها تتمثل في انها قد تجعل المرأة تستغني أصلاً عن الرجل في الانجاب ، وذلك متى ما أخذت الخلية الجسمية من جسمها، او تستغني عن زوجها بالتحديد متى ما أخذت الخلية من شخص آخر غير الزوج. وكذلك تتمثل في ان عمر الخلية الجسمية يكون مساوياً لعمر من اخذت منه ، لذا فان الانسان المستنسخ يكون بعمر صاحب الخلية التي نتج عنها ، وذلك عند لحظة ولادته ، لذا فانه سوف لن يحيى طويلاً بعد ولادته ، وهذا على فرض سلامته من تبعات هذه العملية . وكذلك من مساوئ هذه التقنية انها تهدم كيان قوانين الزواج وقوانين الميراث وذلك لتغييرها المعايير والمقاييس التي تقوم عليها هذه القوانين ، وأخيراً فان العلماء يخشون من ان يتطور الامر الى التلقيح بين خلايا انسان وخلايا حيوان لينتج حينئذٍ مخلوق غريب جديد لا هو انسان ولا هو حيوان وفي هذا خطر عظيم(6). هذا ، وان للتقنيات العلمية الحديثة أساساً في الشريعة الاسلامية ، حيث كانت جميع التقنيات العلمية تدرج ضمن ما يعرف بالقافة ، وهي طريقة تستند الى إدراك أمورٍ خفية وظاهرة توجب للنفس سكوناً ، فوجب اعتباره كنقد الناقد وتقويم المقوم وان اصول الشريعة والقياس تشهد للقافة(7). وكانت انواع هذه المعارف التي تدرج ضمن القيافة كثيرة ، منها ما يخص النسب وكيفية ثبوته ، ومنها ما يخص التمييز بين الذكر والانثى من خلال الاثر او غيره ، ومنها ما يخص الشبه بالنسبة للواطئ او بالنسبة للأم(8).

وغير ذلك مما يحتاج الى المعرفة الدقيقة والخبرة الفنية ، وهي بذلك تعتبر اساس لكل تقنية علمية تجد مجالها في الوقت الحاضر(9). أما عن الدليل المقابل لتقنية الاستنساخ البشري من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فهو قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء}(10). أي يخلقكم في الارحام كما يشاء من ذكرٍ او انثى ، وحسنٍ وقبيح ، وشقي وسعيد(11). أما عن الاختيار الذي يقوم به العلماء في هذه التقنية فانه يكون موافقاً لهذه المشيئة للخالق عزَّ وجلَّ . وهذا اضافة الى ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك ، أن أم سليم سألت النبي  عن المرأة – ترى في منامها ما يرى الرجل ؟ فقال  : ((اذا رأت المرأة ذلك فلتغتسل )) ، فقالت أم سليم : واستحيت من ذلك ، وهل يكون هذا ؟ فقال النبي  : ((نعم ، فمن اين يكون الشبه ؟ ماء الرجل ابيض غليظ وماء المرأة رقيق اصفر ، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه))(12). وفي صحيح مسلم عن عائشة : ان المرأة قالت لرسول الله  “هل تغتسل المرأة اذا احتلمت فأبصرت الماء؟ فقال : نعم ، فقالت عائشة : تربت يداك ، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : دعيها ، وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك اذا علا ماؤها ماء الرجل – أشبه الولد أخواله ، واذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه “….أما البعض الاخر فهو ما يؤخذ عليها من أنها وضعت نظام الامومة بل والاسرة بوجهٍ عامٍ موضع اتهام ، وذلك لان الامومة مسؤولية تبدأ منذ اللحظة الاولى للحمل وتنتهي بتربية الابن وتعليمه ، وهي تقطع هذه المسؤولية وتجزئها ، وكذلك هي تؤدي الى قطع العلاقة بين الطفل وامه الحقيقية عمداً ، وبهذا فان الحمل أصبح مجرد وظيفة مؤقتة لانجاب الطفل . وتؤدي كذلك هذه التقنية الى تعريض مستقبل الطفل للخطر ، حيث تسبب له عدة مشاكل نفسية واجتماعية ، لانها تنظر له لا باعتباره كائناً بشرياً وانما مجرد شيء او بضاعة ، وهو أمر لا يتفق كلياً مع كرامة الانسان وعزته(13).

وبالنسبة للمرأة الحامل (صاحبة الرحم) فان هذه التقنية تؤدي الى اعتبارها مجرد محل أو أداة للحمل لا أكثر ، وذلك باستعارة جسم الانثى من اجل اشباع رغبات معينة ، ويصبح الامر بغاية الخطورة اذا تمت العملية مقابل عوضٍ ماديٍ، اذ يتحول الامر الى استثمار لجسم المرأة تجارياً ، وقد يتحول الامر الى شكلٍ قريبٍ من التحلل الخلقي ، إن لم يكن شكلاً من أشكال العبودية . هذا ، وليس هناك ما يبرر استثناء حالة ما اذا كانت المتطوعة بالحمل زوجة ثانية للزوج صاحب النطفة للقول بإباحتها ، وذلك لاحتمال الاخصاب لبويضة الزوجة الثانية (الحاملة) نتيجة ممارستها حياتها الزوجية في لحظة وضع بويضة الزوجة الاولى في رحمها ، او بعد تلك اللحظة ، مما يؤدي الى اختلاط الانساب بين الزوجتين .أما عن المشكلة الاهم من ذلك كله ، فهي تحديد النسب من جهة الام ، فمن هي المرأة التي تكون أما للمولود ؟ هل هي صاحبة البويضة ام هي الام التي تبرعت بالحمل؟(14). أما عن تقنية تحديد جنس المولود قبل تخلقه ، فإنها تعتبر من احدث التقنيات العلمية المتعلقة بالانجاب ، والتي قد يتبادر الى الذهن انها تتعارض مع علم الله لما في الارحام والذي يعتبر أحد مفاتيح الغيب ، ولتوضيح خطأ هذا التصور وعلى فرض تجاهل ان العظمة في الخلق من العدم(15). يمكن القول ان هذه التقنية تجد أساساً لها في الشريعة الاسلامية الغراء وهو يتمثل في عدة ادلة شرعية .

ومن هذه الادلة ما جاء في صحيح مسلم عن ثوبان ، قال ” كنت قائماً عند رسول الله  ، فجاء حبر من احبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول يا رسول الله – فقال اليهودي : انا ندعوه باسمه الذي سماه به أهله ، فقال رسول الله : اسمي محمد – الذي سماني به اهلي ، فقال اليهودي : جئت أسألك ، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ينفعك مني ان حدثتك ؟ فقال أسمع بأذني ، فنكت رسول الله e بعودٍ معه ، فقال سل ، فقال اليهودي : أين يكون الناس حين تبدل الارض غير الارض والسماوات ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : هم في الظلمة دون المجسر ، فقال : فمن أول الناس إجازة يوم القيامة ؟ قال : فقراء المهاجرين، قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : زيادة كبد النون ، قال : فما غذاءهم على إثرها ؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من اطرافها ، قال: فما شرابهم عليه ؟ قال : عيناً فيها تسمى سلسبيلاً ، قال : صدقت ، قال أردت ان أسألك عن شيءٍ لا تعلمه أحد من أهل الارض إلا نبي – أو رجل أو رجلان ، قال : ينفعك ان حدثتك ؟ قال : أسمع بإذني ، قال جئت أسألك عن الولد، قال : ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فاذا اجتمعا وعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله تعالى ، فقال اليهودي : لقد صدقت وإنك لنبي ، ثم انصرف فذهب ، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : لقد سألني عن الذي سألني عنه ، وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل به “(16).

إذن فهذا الحديث الشريف يوضح الاساس العلمي الذي تقوم عليه هذه التقنية ، على الرغم من ان هذا الامر كان قد تحدد منذ الازل . والدليل الاخر المكمل لهذا الدليل هو ان الله سبحانه قدر ما قدره من أمر النطفة من حين وضعها في الرحم الى اخر أحوالها بأسباب ، حتى الشقاوة والسعادة ، والرزق والاجل والمصيبة ، كل ذلك اسباب قدرها ، ولا ينكر ان يكون الاذكار والايناث أسباباً ، كما ان الشبه اسباب لكن السبب غير موجب لمسببه ، بل اذا شاء الله جعل فيه اقتضاءه ، واذا شاء سلبه اقتضاءه ، واذا شاء رتب عليه ضد ما هو سبب له ، لذا فلا يستند الاذكار والايناث الى سبب موجب من الوطء ، وغاية ما هناك انه ينعقد جزء من اجزاء السبب ، وتمام السبب من امور خارجة عن الزوجين ، ويكفي في ذلك انه ان لم يأذن الله باقتضاء السبب لمسببه لم يترتب عليه . واستناد الاذكار والايناث الى مشيئته سبحانه لا ينافي حصول السبب ، وكونها بسبب لا ينافي استنادهما الى المشئية ، ولا يوجب الاكتفاء بالسبب وحده(17). وقد أشار الامام القرطبي – رحمه الله – في معرض تفسيره لعلم ما في الارحام الى اهمية البحث والتجربة في الكشف عن بعض الحقائق التي يظنها الناس انها من الغيب ، وذكر ان الطبيب قد يحاول معرفة جنس المولود وهو جنين في بطن أمه عن طريق العادة والتجربة ، ويقول انه قد تعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وانوثته الى غير ذلك ، وقد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده (18). إذن فإن هذه التقنية ما هي الا وسيلة يمكن من خلالها انجاب المولود المرغوب به من حيث كونه ذكراً او انثى ، من خلال ضبط لجنس المولود قبل حصول التلقيح بين الحيوان المنوي والبويضة(19).ونتوصل الى ان هذه الادلة من النصوص والاحاديث النبوية الصحيحة الواردة في الموضوع تتحدث بصراحة ووضوح عن اختيار جنس المولود من قبل الابوين ، وهي وان جاءت على سبيل الاخبار والاجابة عن تساؤلات إلا ان دلالتها صريحة وواضحة ، وهي ان الرسول e أعطى إمارات ظاهرة للسائل عن الطريقة التي يمكن من خلالها انجاب المولود المرغوب به من حيث كونه ذكراً او انثى ، والتي هي انه اذا استطاع الرجل ان يجعل منيه يغلب مني زوجته كان بينهما مولود ذكر ، وان استطاعت الزوجة ان تجعل منيها يغلب مني زوجها كان بينهما مولود انثى .

فهل هذا علم للغيب لكي يستأثر به الله تبارك وتعالى ولا يعلم به أحداً من خلقه؟ وهل هذا هو علم الله لما في الارحام الذي يتعارض مع علم المخلوق له؟ أما عن الاجهزة الكاشفة لحالة الحمل قبل ولادته(20).فإنها كذلك تجد أساساً لها في الادلة الشرعية من الكتاب والسنة ، وهذه الادلة هي أولاً الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عبد الله بن مسعود t قال : حدثنا رسول اللهe وهو الصادق المصدوق ، قال : (( إن احدكم يجمع في بطن امه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع ، برزقه وأجله وشقي او سعيد ، فوالله ان احدكم او الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراعٍ او ذراعين ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها))(21). وكذلك الحديث الصحيح عن انس بن مالك  ، عن النبي  قال : ((وكَّلَ الله بالرحم ملكاً ، فيقول : أي ربِّ نطفة ، أي ربِّ علقة ، أي ربِّ مضغة، فإذا اراد الله ان يقضي خلقها ، قال : أي ربِّ ، ذكرٌ ام انثى ، أشقي ام سعيد ، فما الرزق ، فما الاجل ، فيكتب كذلك في بطن أمه))(22). فمن هذين الحديثين الشريفين يتضح ان الحمل بعد اربعة أشهر من حدوثه تتبين حالته من حيث وحدته او تعدده ، ومن حيث ذكورته او أنوثيته ، لهذا فإن الاجهزة الكاشفة تتمكن من كشف هذه الحالة . وهذا لا يتعارض مع علم الله لما في الارحام الذي يعتبر احد مفاتيح الغيب ، وذلك لاجماع المفسرين على ان علم ما في الارحام ليس هو العلم بجنس الحمل حصراً وقصراً ، بل يتعداه الى امور كثيرة بينت بعضها الاحاديث الشريفة ومنها الحديثان السابقان وقد فسر الحافظ ابن كثير { ويعلم ما في الارحام } بقوله ” ويعلم ما في الارحام أي ما حملت من ذكر او انثى او حسن او قبيح او شقي او سعيد او طويل العمر او قصيره ومن ذلك يتضح لنا انه ليس هناك تعارض بين ما جاء به القرآن الكريم وما توصل اليه العلم الحديث ، بل على العكس هو يساعد على فهم الايات القرآنية بشكل أوسع ويزيل الغموض الذي تكتنفها ، لذا فان علم ما في الارحام لا يختص حصراً بجنس المولود بل يشمل هذا ويشمل أموراً اخرى كالشقاء والسعادة والحياة والموت والصحة والسقم والرزق والاجل ، وان الله تعالى جلت قدرته شاء ان يطلع البشر على بعض هذه الامور الغيبية ويخفي عنهم بعضها الاخر ، فيَّسر لخلقه التوفيق في الكشف عن جنس المولود ، ولم ييسر لهم العلم لما اذا كان المولود شقياً ام سعيداً ، مسلماً ام كافراً ، وما رزقه وما اجله ، والله عالم الغيب والشهادة لا يطلع على غيبه أحداً من خلقه ، الا من ارتضى من بني مرسل او ملك مقرب او عالم يبحث في القوانين العلمية التي أوجدها تبارك وتعالى في هذا الكون ، وهو جلت قدرته يُطلع من أراد إطلاعه بالقدر الذي يشاء، وفي الوقت الذي تشاء .

اما عن تاثير هذه الاجهزة الكاشفة في ميراث الحمل، من خلال امكانية القضاء بواسطتها على مشكلة البحث المتمثلة في تردد حال الحمل بين احتمالات متعددة من الوحدة او التعدد او الذكورة او الانوثة ، فانه ثبت بالاستقراء ان هذه الاجهزة غير دقيقة 100% بحيث انه يمكن الاعتماد على نتائجها في قسمة التركة قسمة نهائية بات دون اللجوء الى التقدير وحلوله (23). هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى ان الهدف من التقدير هو التوصل الى الاحوط والاضمن في قسمة التركة قسمة احتياطية الى حين الولادة ، ومحاولة جعل هذه القسمة الاحتياطية قسمة نهائية قدر الامكان بتبني الاحتمال الاكثر رجحاناً ، لذا فالأفضل الابقاء على احكام التقدير مع الاخذ بنتائج الاجهزة الكاشفة على سبيل الاستئناس والاسترشاد . وذلك ضمن سلطة تقديرية تمنح للقاضي المسلم . ثم ان كل التقنيات العلمية الحديثة الطبية وغير الطبية التي ظهرت في عصرنا الحاضر تتطلب تحرك القانون لتنضيمها ، وذلك بتحديدها بنصوص صريحة تضاف الى قانون الاثبات ، وتحديد الحجية التي تتمتع بها ، وتطبيقها تطبيقاً عاماً على مجالات القانون الخاص كافة (24).

______________________________

[1]- سورة لقمان ، الاية (34) .

2- سورة الرعد ، الاية (6) .

3- سورة آل عمران ، الاية (6) .

4- سورة الشورى ، الاية (49 و 50) .

5- أخرجه الحافظ ابن حجر العسقلاني ، في فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، عن ابن عمر y، في 1/225.

6- عبد الحميد العبيدي ، المصدر السابق ، ص39.

7-ابن قيم الجوزية ، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ، الناشر المؤسسة العربية للطباعة والنشر ، القاهرة ، مصر ، 1961م ، ص256.

8- ابن قيم الجوزية ، تحفة المودود بأحكام المولود ، ط2 ، شرف الدين الكتبي وأولاده ، بمباي 3 ، مصر ، 1961م ، ص168.

9- وسنفصل أكثر في القافة وذلك عند الكلام عن ميراث ولد الزنا في المبحث الثاني من الفصل الثاني (الارث بالاحتياط) من هذه الدراسة .

0[1]- سورة ال عمران ، الاية (6) .

1[1]- الامام الجليل الحافظ عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، مختصر تفسير ابن كثير ، نقحه محمد علي الصابوني ، ط1 ، منقحة وملونة ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ، بلا سنة طبع ، ج1 ، ص271.

2[1]- الحديث اخرجه الامام مسلم في صحيحه ، في كتاب الحيض ، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها ، في 1/172.

3[1]- وهذا قد يخلق نوعاً من تجارة الاطفال ، حيث يمكن لامرأة فقيرة ان تؤجر رحمها لامرأة ثرية لا تريد ان تتحمل مشاق الحمل والولادة ، في مقابل اجرة يتم الاتفاق عليها تحصل عليها بعد تمام عملية الوضع وتقديم الطفل لها وقد نفاجأ أو لا نفاجأ باعلانات في الصحف والمجلات والتلفزيون عن ” اطفال ممتازون للبيع ” وربما يتطور الامر الى الاعلان عن اطفال بالكتالوج ، حسب المواصفات التي تختارها من تريد طفلاً ، كأن يكون على مستوى معين من الذكاء او من نسل رجالٍ مشهورين ، حيث فقط على الام ان تختار ما ترغبه وترسل طلبها الى البنك (المتخصص في حفظ الاجنة والسائل المنوي) ليرسل لها ما تريد مقابل مبلغ من المال .

اطفال بالكتالوج ؟ طفا أشقر … أو طفل أسود … لا يهم !! ، الاسلام والمشكلات الطبية المعاصرة 1983م ، ص470 وما بعدها ، نقلاً عن محمد المرسي زهرة ، المصدر السابق ، ص505 .

4[1]- للإجابة عن هذا السؤال وللمزيد من التفصيل يراجع : محمد المرسي زهرة ، المصدر السابق ، ص512 وما بعدها .

5[1]- والذي يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي ، في الحديث الذي رواه ابو هريرة t عن النبي e قال : (( قال الله عز وجل : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ؟ فليخلقوا ذرة ، فليخلقوا شعيرة )) . ابن كثير ، مختصر تفسير ابن كثير ، المصدر السابق ، ج2 ، ص568.

6[1]- الحديث اخرجه الامام مسلم في صحيحه ، في كتاب الحيض ، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وان الولد مخلوق من مائها ، في 1/173.

7[1]- ابن قيم الجوزية ، تحفة المودود بأحكام المولود ، المصدر السابق ، ص168.

8[1]- الامام القرطبي ، الجامع لاحكام القرآن ، المصدر السابق ، ج14 ، ص82.

9[1]- لانه من المسلم به ، انه ليس كل ماء الرجل يكون مسؤولاً عن انتاج الولد ، بل بعضاً منه ، مما يتفق مع هذه التقنية في امكانية عزل البعض الاخر غير المسؤول عن هذا الانتاج .

20- والتي تعرفنا على بعضها في الصفحة 95 من هذه الدراسة .

[1]2- الحديث اخرجه الامام البخاري في صحيحه ، في كتاب القدر ، (1) باب في القدر ، الحديث 6594 في 1170.

22- الحديث اخرجه الامام البخاري في صحيحه ، في كتاب القدر ، (1) باب في القدر ، الحديث 6595 في 1170.

23- ابن كثير ، مختصر تفسير ابن كثير ، المصدر السابق ، ج2 ، ص271.

24- ويؤيد هذا الراي المادتان ، 174 من قانون الاسرة الجزائري حيث تنص (( اذا ادعت المرأة الحمل وكذبها الورثة تعرض على اهل المعرفة )) ، والمادة 149 من مجلة الاحوال الشخصية التونسية حيث تنص (( اذا ادعت المرأة الحمل واكدتها الورثة تعرض على اهل المعرفة )) .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .