الحمل في اللغة (حَمَل) الشيء يحمله (حَمْلاً) و (حُملاناً) ، و(الحَمْل) ما تحمل الاناث في بطونها . والحمل ما يحمل على الظهر ، وأما حمل الشجرة فقيل ما ظهر منه فهو حمْل وما بَطَنَ فهو حَمْل ، وقيل كله حَمْل لأنه لازم غير بائن . وتقال امرأة (حاِمل) و (حامِلة) اذا كانت حبُلى ، فمن قال حامل قال هذا نعت لا يكون الا للإناث ومن قال حامله بناه على حملت فهي حاملة وأنشد : تمخضت المنون لة بيوم انى ولكل حامل تمام (1).

والحمل في الاصطلاح هو الولد في البطن وهو يمثل بداية خلق الانسان من الزواج الشرعي الصحيح او من غيره نتيجة التقاء الحيمن الذكري مع البويضة الانثوية لتكوين البيضة المخصبة التي تنقسم عدة انقسامات تساعد على تكوين الحمل بعد مرورها بعدة ادوار وهذا هو المعنى الذي يؤيده الرأي الراجح في الطب(2). وقد أيد هذا المعنى من فسر الجنين في معرض تفسيره لقوله تعالى {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ }(3). هذا المعنى للحمل يشمل جميع المراحل التي يمر بها من لحظة كونه نطفة الى حين اكتمال نموه وولادته ، وقد أشار اليها القران الكريم بقوله : {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ }(4). وفصلها قوله تعالى:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ !ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ !ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(5). وما ثبت من قوله : ((ان احدكم يجمع في بطن امه اربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب رزقه واجله وشقي او سعيد ثم ينفخ فيه))(6).وهذه المراحل تبدأ بالنطفة وهي ماء الرجل والمرأة وجمعها نطف ونطاق ، وقد (نطف) ينطف بضم الطاء وكسرها(7).

وقد عبر القران الكريم عن النطفة في بعض ايات التكوين بقوله {فَلْيَنظُرِ الأنسَانُ مِمَّ خُلِقَ !خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ !يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ }(8). وقوله جلّ وعلا { أَيَحْسَبُ الأنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى !أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى }(9). وقوله {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ } (10).وقوله { أَوَلَمْ يَرَ الأنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ}(11)..و قد وصف العلماء تلك النطفة بانها جسم متناسب الاجزاء يخلق الله فيه اعضاء مختلفة وطباعاً متباينة ، وهذا يشير الى مظهر من مظاهر قدرة الله وعظمته في تخليق هذه المتباينات المختلفة الصور والوظائف من تلك المادة الواحدة السائلة(12). اما العلقة فهي المرحلة اللاحقة للنطفة وهي في لغة العرب الارتباط بالشيء والتشبث به . ويفسرها بعض المفسرين بانها قطعة الدم الجامدة(13). وعبر عنها النظم القرآني الكريم بقوله {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} حيث عبر عن العلقة بالخلق وهو تعبير لم نجده في النطفة وذلك لان في هذه المرحلة يظهر اول تطور واقعي في الانسان ، حيث ان النطفة تدخل في مرحلة تتمثل بابتداء تعلق النطفة بجدار الرحم وتشبثها به فتنتهي تسميتها بالنطفة وتسمى من ذلك بالعلقة(14). ثم يلي هذه المرحلة مرحلة المضغة وهي في اللغة قطعة اللحم(15).وقلب الانسان مضغة من جسده . وهذه المرحلة هي مرحلة التصوير ، التي تبدأ فيها اجزاء جسم الجنين بالتمايز عن بعضها فتظهر فيها اربعة براعم تمثل الاطراف فيما بعد ، ويتم فيها تخليق وعاء القلب ، وكذلك نمو بدايات الاعضاء التناسلية من نقطة في الظهر(16). وهو مصداق قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } (17) .ويلي مرحلة المضغة مرحلة العظام ، التي تبدأ بنشوء اوليات هيكل الجسم على شكل غضاريف او على شكل اغشية احياناً ، ثم تتعظم هذه (أي تصبح نسيجاً عظمياً) في مراحل متباينة وبالتدريج وذلك بظهور مراكز للتعظيم في كل منها تتوسع لتشمل جميع انحاء العظم(18).

ويرتبط طور خلق العظام هذا مع طور اكساء هذه العظام باللحم حيث انهما يشتركان في التخلق والتكوين . فالله سبحانه جعل تكوين العظام واللحم مرتبطين بعضهما مع بعض ، وهذا لا ينافي التعبير القرآني الوارد في قوله جل وعلا {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا } لان الفاء تفيد التفصيل مثلما تفيد التعقيب والترتيب ، وهي لغة العرب توضع لبيان التفصيل عندما لا يكون هناك ترتيب ولا تعقيب في الدلالة ، وهذا نظير ما قاله المفسرون في قوله تعالى : {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}(19). فالقتل غير متأخر عن التوبة ، وانما هو شيء ملابس لها ومختلط بها(20). وآخر هذه المراحل (مراحل الحمل) هي مرحلة الخلق الاخر في قوله تعالى : { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(21). والمقصود بهذه المرحلة هو خلق الروح ونفخها في جسم الجنين ، وذلك وفقاً لما أيده اتجاه بعض المفسرين(22). حيث ان مرحلة ايجاد الحياة في الجنين تبدأ من أول الشهر الخامس للحمل ، كما اتفق على ذلك الاطباء مع علماء الشريعة الاسلامية عندما يستدل المتقدمون بتجاربهم ، كما استدل المتأخرون بالاية الكريمة والحديث الصحيح.

هذا وان كانت وظيفة القران الكريم والسنة النبوية الشريفة هي هداية البشر الى ما تصح به عقائدهم وتحسن به اخلاقهم وينتظم به مجتمعهم من سلوكهم وتعاملهم بعضهم مع بعض ، وليس من صميم دعوته تلك التحديات العلمية الدقيقة، فانه جاء بالموعظة الحسنة والاحكام العامة التي تمكن الناس من حياة رغيدة سعيدة في الدنيا والاخرة ، وهو حينما يتعرض للآيات التكوينية او الكونية او النفسية انما يلمسها بالقدر الذي يفتح به الاذهان الى عظمة الخالق وقدرته ، وذلك للايمان به والخضوع لأمره والانقياد لحكمه . وحسبه من السمو والنبل ورفعة المستوى في ذلك ، تسجيله الصدق في كل ما اورده من الحقائق في المناسبات التي دعت اليها ، وانها لا تتخلف عما وصل اليه العلماء والباحثون منها ، وما يسعون الى الوصول اليه منها ببحوثهم وتجاربهم جيلاً بعد جيل . أما عن موقف التشريع الاسلامي والقانون من مراحل الحمل ، فانه يمكن القول ان الفقهاء المسلمين لم يعتدوا بهذه المراحل في بناء الاحكام الشرعية واقرار الحقوق للحمل ، حيث ان القاعدة العامة تقضي ببناء الاحكام الشرعية الخاصة بالحمل منذ لحظة الاخصاب وتقر حقوق ذلك الحمل منذ تلك اللحظة ومن هذه الحقوق حقه في الميراث ودون ان تكترث بالمراحل التي يمر بها ذلك الحمل . وهذه النتيجة تستخلص من الشروط الخاصة بميراث الحمل وبالتحديد من شرط تحقق وجود الحمل في بطن امه وقت وفاة مورثه .

وكذلك القانون فانه قد تبنى نفس الاتجاه ولم يميز في احكامه بين مراحل الحمل المختلفة لذا فانه استخدم مصطلح الحمل او الحمل المتكن ليضفي عمومية على اللفظ لان الحمل ما تحمله الاناث في بطونها أياً كانت المرحلة التي يمر بها(23). فنصت المادة (34/2) من القانون المدني العراقي ” ومع ذلك فحقوق الحمل يعددها قانون الاحوال الشخصية ” ومثلها المادة (29/2) من القانون المدني المصري نصت على (حقوق الحمل المتكن يعينها القانون) . وجاء الفصل الثامن من قانون الاسرة الجزائري تحت عنوان ” الحمل ” ، والباب الرابع من قانون الاحوال الشخصية الصومالي تحت عنوان ” الحمل والمفقود ” . اذن مما تقدم يتضح ان موقف التشريع الاسلامي والقانون يتوحد في هذه الجزئية ، وهو يتمثل في الاعتداد بلحظة التيقن من وجود الحمل في بناء الاحكام الخاصة به واقرار حقوقه وذلك دون التعويل على ما بعدها من مراحل حتى مرحلة الولادة . وأخيراً اهمية الانجاب في بناء المجتمعات الانسانية ، تلك الاهمية التي اكد عليها ديننا الاسلامي الحنيف ، حينما جعل الانجاب الهدف الاساسي من الزواج . ولأن على الانجاب يتوقف بقاء النوع الانساني ، لذا فأن الاسلام دعا الى زيادة الانجاب والتكثير من النسل الطيب والذرية الصالحة ، وجعل منه بذلك ايضاً سبباً لتزايد اعداد الامة المؤمنة ، لاعلاء كلمة التوحيد ، وترجيح كفة الايمان على الفسوق والكفر والعصيان وتعزيز جانب الحق واظهاره على الباطل ، ولتعمير الارض بالعمل الصالح كمل قال تبارك وتعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }(24).

واتخذ لتحقيق زيادة الانجاب وتكثير النسل الطيب عدة طرق منها ايجابية ومنها سلبية تتجلى في محاور منها الدعوى الى الزواج الشرعي والندب اليه ، ويتضح هذا المحور من الايات الكريمة الكثيرة والاحاديث التي جاءت داعية اليه، حاثة على اقامته على وفق ما يرضي الله ورسوله . وبالمقابل نهى الاسلام عن التبتل والانقطاع عن الزواج فقال عز من قائل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(25). والزواج من جملة الطيبات التي أحلها الله سبحانه وتعالى . ثم بعد ذلك أمر بتكثير النسل ، فجاءت احاديث كثيرة تأمر به، وتحث على زيادة الانجاب واختيار المرأة الولود الودود لتحقيقها ، فقال (ص) : (( انكحوا فاني مكاثر بكم ))(26) . وفي حديث اخر قال عليه الصلاة والسلام : (( عليكم بالابكار . فإنهن أعذب أفواهاً ، وأنتق أرحاماً ، وأرضى باليسير))(27).. الذي يستحق ان يباهى به الرسول (ص) ، لانه التكاثر القائم على الصلاح والايمان والقوة والحيوية والخير بلا شك ، وليس التكاثر القائم على الفساد والعصيان لان هذا التكاثر لا مباهاة فيه ولا فخر . وكذلك لتحقيق زيادة الانجاب وتكثير النسل حبب الرسول (ص) الزواج من الابكار لانهن اكثر قابلية على الانجاب(28)…..

____________________

[1]- محمد بن ابي بكر الرازي ، المصدر السابق ، مادة (حمل) ص155 ؛ والشيخ عبد الله البستاني، المصدر السابق ، مادة (حمل) ص149.

2- محمود حياوي حماش ، تكوين الجنين ، موسوعة علوم ، سلسلة كتاب الثقافة العلمية ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، العراق ، 1988م ، ص36.

3- ابن الخطيب ، اوضح التفاسير ، ط7 ، المطبعة المصرية ومكتبتها ، مصر ، دون سنة طبع ، تفسير سوة النجم (الاية 32) ، ص650.

4- سورة الزمر ، الاية (6) .

5- سورة المؤمنون ، الاية (12) و (13) و (14) .

6- الحديث اخرجه الامام البخاري في صحيحه ، عن عبد الله بن مسعود t ، في كتاب القدر ، (1) باب في القدر ، الحديث 6594 ، في 1170 .

7- محمد بن ابي بكر الرازي ، المصدر السابق ، مادة (نطف) ، ص666 .

8- سورة الطارق ، الاية (6) و (7) .

9- سورة القيامة ، الاية (36) و (37) .

0[1]- سورة فاطر ، الاية (11) .

1[1]- سورة يس ، الاية (77) .

2[1]- محمد سلام مدكور ، الجنين والاحكام المتعلقة به في الفقه الاسلامي ، ط1 ، دار النهضة العربية، القاهرة ، مصر ، 1969م ، ص42.

3[1]-الامام الفخر الرازي ، التفسير الكبير ، ج23 ، ط2 ، دار الكتب العلمية ، طهران ، دون سنة طبع ، ص84 .

4[1]- محمد سلام مدكور ، المصدر السابق ، ص57.

5[1]- محمد بن ابي بكر الرازي ، المصدر السابق ، مادة (مضغ) ، ص626 .

6[1]- حسام عبد الواحد كاظم ، الجنين واحكامه في الفقه الاسلامي والقانون ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد ، كلية القانون ، بغداد ، العراق ، 1994م ، ص17.

7[1]- سورة الاعراف ، الاية (172) .

8[1]- محمود حياوي حماش ، المصدر السابق ، ص108 .

9[1]- سورة البقرة ، الاية (54) .

20- محمد سلام مدكور ، المصدر السابق ، ص69.

[1]2- سورة المؤمنون ، الاية (14) ، وقد تغير السياق من الخلق الى الانشاء للدلالة على حدوث امر حديث لم يتضمنه ما تقدم من مراحل ، ولم يسبق فيها ما يناظر ماله من الخواص والاوصاف ، فهي اذن منشأ حادثٍ مسبوق بالعدم .

22- الامام ابو عبد الله محمد بن احمد الانصاري القرطبي ، الجامع لاحكام القرآن ، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1387هـ ، في12/109.

23- محمد بن ابي بكر الرازي ، المصدر السابق ، مادة (حمل) ص155.

24- سورة الانبياء ، الاية (105) .

25- سورة المائدة ، الاية (87) .

26- الحديث اخرجه ابن ماجة في سننه ، في صحيح الشيخ ناصر الدين الالباني ، عن ابي هريرة t ، في كتاب النكاح ، (8) باب تزويج الحرائر والولود ، الحديث 1509 ، في 1/313 .

27- الحديث اخرجه ابن ماجة في سننه ، عن عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة الانصاري ، عن ابيه ، عن جده ، في كتاب النكاح ، (7) باب تزويج الابكار ، الحديث 1861 ، في 1/598.

28- محيي هلال السرحان ، الانجاب وحقوق الاطفال في الشريعة الاسلامية ، بحوث الندوة الفكرية الثانية لسنة 1988م ، مطبعة الارشاد ، بغداد ، 1988م ، ص18.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .