التحريف في متن الشيك ومسئولية البنك المسحوب عليه :

إذا وقع تحريف في متن الشيك التزام الموقعون اللاحقون، للتحريف بما ورد في المتن المحرف، أما الموقعون السابقون فيلتزمون بما ورد في المتن الأصلي (المادة ٥٢٩ تجاري( مما لا شك فيه أن المشرع قرر ذلك للحفاظ على الشيك باعتباره ورقة تجارية كافية بذاتها لبيان الحق الثابت به ومضمونه دون الاعتماد على عوامل خارجية أخرى، حيث أن متلقى الشيك يكتفي بما هو مدون به من بيانات دون البحث عن أصل أو أساس العلاقات السابقة عليه، تطبيقاً لمبدأ الكفاية الذاتية للورقة التجارية. والبنك المسحوب عليه يحتفظ لديه بنموذج لتوقيع الساحب يجب عليه قبل صرف الشيك مضاهاة هذا النموذج على التوقيع الموجودة لديه على الشيك. ولا يوجد ما هو أفضل من البنك وموظفيه للتحقق من تزوير توقيع الساحب أو التحريف في بيانات الشيك، والبنك المسحوب عليه يكون مسئولاً عن ذلك على أساس تحمل التبعة لذلك نصت المادة ٥٢٨/١ من قانون التجارة على أن “يتحمل المسحوب عليه وحده الضرر الذي يترتب على وفاء شيك زور فيه توقيع الساحب أو حرفت فيه بياناته إذا لم يمكن نسبة أي خطأ إلى الساحب، وكل شرط على خلاف ذلك يعتبر كأن لم يكن“. تبعاً لذلك يسأل البنك المسحوب عليه دائماً عن الوفاء بشيك مزور أو حرفت بياناته مهما كانت درجة إتقان التزوير أو التحريف على أساس فكرة تحمل تبعة مخاطر المهنة، وهذه المخاطر مهما بلغت أعباؤها، لا تتناسب البتة مع المزايا التي تعود على البنوك من تدعيم الثقة بها وبث روح الاطمئنان لدى جمهور المتعاملين. ولكن تحمل البنك المسحوب عليه تبعة المخاطر هذه مشروط بعدم وقوع خطأ من جانب الساحب الوارد اسمه بالشيك وإلا تحمل هذا الساحب تبعة خطئه(1)

ويعتبر من أخطأ الساحب التي يسأل عنها عدم بذل عناية الرجل المعتاد في المحافظة على دفتر الشيكات المسلم إليه من البنك المسحوب عليه، وقد أشارت إلى ذلك المادة ٥٢٨/٢ من قانون التجارة حيث نصت على أن” يعتبر الساحب مخطئاً على وجه الخصوص إذا لم يبذل في المحافظة على دفتر الشيكات المسلم إليه عناية الشخص العادي“. وإذا كان البنك المسحوب عليه يلتزم بالتحقق من صحة توقيع الساحب وإلا كان مسئولاً عن الوفاء بقيمة الشيك رغم تزوير توقيع الساحب ولو كان التزوير متقناً، إلا أن البنك لا يلتزم بالتحقق من صحة توقيعات المظهرين أو الضامنين الاحتياطيين ولا يسأل عن تزويرها. وفي ذلك تنص المادة ٥٢٨/٣ من قانون التجارة على أن “لا يستلزم المسحوب عليه بالتحقق من صحة توقيعات المظهرين أو الضامنين الاحتياطيين ولا يسأل عن تزويرها“. وعلى كل بنك مسلم عميله دفتراً يشتمل على نماذج شيكات على بياض للدفع بموجبها من خزائنه أن يكتب على كل نموذج منها رقم الشيك واسم البنك أو أحد فروعه واسم العميل الذي نسلم الدفتر ورقم حسابه )المادة ٥٣٠/١ تجاري ) ويعتبر القبول الصريح أو الضمني من العميل لكشف الحساب الدوري الذي يرسله إليه البنك إبراء لذمة البنك مما قيده في هذا الحساب بالخصم أو الإضافة من مبالغ الشيكات، ويكون قبولاً ضمنياً على وجه الخصوص عدم اعتراض العميل على كشف الحساب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه، ويجوز للبنك بعد قبول كشف الحساب أن يرد إلى العميل الشيكات التي دفعها خصماً من الحساب وأن يحتفظ بتسجيلات مصورة لهذه الشيكات تكون لها حجية كاملة لصالحه )المادة ٥٣٠/٢ تجاري(.

______________

1- نقض مدني بتاريخ ١٠ يونيو ١٩٨٥ م في الطعن رقم ٤٣٠ س ٤٩ ق، وأيضاً العطن رقم ١١٣٣ س ٤٩ ق نقض مدني بتاريخ ١١ يونيو ١٩٨٤ م مجموعة الخمس سنوات ٨٠-١٩٨٥ م.ش

جرائم المسحوب عليه – البنك – في الشيك :

تضمن قانون التجارة الجديد عدة أفعال تمثل جرائم تقوم بشأنها المسئولية الجنائية لموظفي البنك المسحوب عليه، وقد وضع المشرع ذلك في المادة ٥٣٣ من قانون التجارة الجديد حيث نصت على :

١- يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه كل موظف بالبنك ارتكب عمداً أحد الأفعال الآتية :

أ – التصريح على خلاف الحقيقة بعدم وجود مقابل وفاء للشيك أو بوجود مقابل وفاء أقل من قيمته.

ب- الرفض بسوء نية وفاء شيك له مقابل وفاء كامل أو جزئي ولم يقدم بشأنه اعتراض صحيح.

ج- الامتناع عن وضع أو تسليم البيان المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة ٤١٨ من هذا القانون.

د- تسليم أحد العملاء دفتر شيكات لا يشتمل على البيانات المنصوص عليها في المادة ٥٣٠ من هذا القانون.

٢- ويكون البنك مسئولاً بالتضامن مع موظفيه المحكوم عليهم عن سداد العقوبات المالية المحكوم بها”.

يتضح من نص هذه المادة أن جرائم المسحوب عليه تتخذ صور أربعة، سوف نتناول إيضاحها ثم نبين العقوبة المقررة لها.

أولاً: التصريح على خلاف الحقيقة بعدم وجود مقابل وفاء للشيك أو بوجود مقابل وفاء أقل من قيمته :

عاقب المشرع هذا الفعل الصادر من موظف البنك المسحوب عليه لأنه ينطوي على إخلال بالثقة في الشيك ويعطل أدائه لوظيفته الأساسية باعتباره يقوم مقام النقود في الوفاء. وهذا يعد إضرار بالمستفيد وإخلال بالثقة التي يودعها المتعاملين مع البنك. والقصد من تجريم هذا الفعل هو حث موظفي البنك على الالتزام بأداء وظائفهم بحرص وجدية طبقاً لأحكام القانون حفاظاً على مصالح جميع أطراف الشيك. ويقوم الركن المادي لهذا الفعل إذا ما صرح موظف البنك المسحوب عليه خلاف الحقيقة بعدم وجود مقابل وفاء للشيك، أو التصريح على خلاف الحقيقة بوجود رصيد أقل من قيمة الشيك. وهذا التصريح لا يتصور وقوعه إلا من موظف البنك المسحوب عليه مختصاً ببيان حالة مقابل الوفاء، حيث يعد هو الفاعل الأصلي لهذه الجريمة، ويجوز أن يعتبر ساحب الشيك شريكاً للموظف المختص إذا كان على اتفاق معه على التصريح بعدم وجود مقابل وفاء أو بعدم كفايته خلافاً للحقيقة حتى يتمكنا بذلك من عدم صرف قيمة الشيك. ويستوي أن يكون التصريح كتابة أو أن يكون شفاهة ولكن في هذه الحالة الأخيرة يقع على المستفيد عبء الإثبات لأن الأصل في المعاملات المصرفية الكتابة – كما يستوي أن يكون التصريح صريحاً أو ضمنياً. ومما لا شك فيه أن المسئولية الجنائية تقع على البنك إذا كان التصريح وليد خطأ أو إهمال. وتعتبر هذه الجريمة عمدية حيث عبر المشرع عن ذلك بعبارة ارتكب عمداً، ويتمثل القصد الجنائي في اتجاه إرادة موظف البنك المسحوب عليه إلى التصريح بعدم وجود مقابل وفاء للشيك أو بوجود مقابل وفاء أقل من قيمته مع علمه بأن تصريحه مخالفاً للحقيقة ولا عبرة بالبواعث التي دفعته الموظف إلى هذا التصريح مخالفاً للحقيقة. وقرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة الغرامة بما لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه. ويكون البنك مسئولاً بالتضامن عن سداد هذا المبلغ مع موظف البنك. ويتعدد الجزاء في كل واقعة على حدة ولو كان الساحب واحداً طالما تعلق الأمر بعدة شيكات.

ثانياً: رفض موظف البنك بسوء نية وفاء شيك له مقابل وفاء كامل أو جزئي ولم يقدم بشأنه اعتراض صحيح:

حماية المشرع للشيك لا تكتمل إلا بتجريم رفض البنك بسوء نية وفاء شيك مسحوب عليه له مقابل وفاء كامل أو جزئي ولم يقدم بشأنه معارضة صحيحة، لأن هذا لسلوك الصادر من البنك يتكافأ مع السلوك الصادر من ساحب الشيك الذي لا مقابل له، وكلا الفعلين ينطوي على إضرار بالمستفيد. وهدف المشرع من تجريم هذا الفعل حث موظفي البنوك على الالتزام بأداء وظائفهم بحرص وجدية، وتوفير الثقة في الشيك لأن الامتناع عن الوفاء بالشيك، دون مبرر يؤدي إلى الإضرار بالساحب ويخل بالثقة الواجب توافرها للشيك ويعطل أدائه لوظيفته الأساسية باعتباره يقوم مقام النقود في الوفاء. ويتحقق الركن المادي للجريمة برفض موظف البنك المسحوب عليه الوفاء بالشيك المسحوب سحباً صحيحاً وله مقابل وفاء كامل أو جزئي ولم تقدم بشأنه أي اعتراض صحيح. ويقصد بالرفض امتناع موظف البنك المسحوب عليه القيام بالتزامه القانوني الذي يفرض عليه الوفاء بقيمة الشيك المسحوب عليه سحباً صحيحاً. ويشترط حتى يتحقق الامتناع أن يكون الشيك مستوفياً لجميع الشروط التي تسبغ عليه هذا الوصف وانتفاء أي من الأسباب التي تبرر الامتناع عن دفع قيمة الشيك، بأن يكون المحرر المقدم شيكاً مستوفياً جميع البيانات الإلزامية التي نص عليها المشرع وأن يكون مسحوباً سحباً صحيحاً، وأن يكون له مقابل وفاء كاف أو جزئي وقابل للسحب وقت تقديم الشيك للوفاء ولم يقدم بشأنه أي اعتراض صحيح في الأحوال التي أجاز المشرع فيها ذلك وفقاً لنص المادة ٥٠٧ تجاري التي تنص على أنه ” لا يقبل الاعتراض في وفاء الشيك إلا في حالة ضياعه أو إفلاس حامله أو الحجر عليه”. فإذا توافر سبب من أسباب الرفض فلا تتوافر الجريمة. ويلاحظ أن تقديم الشيك بعد انقضاء مواعيد تقديمه لا يبرر للبنك الامتناع عن الوفاء بقيمة الشيك )المادة ٥٠٦ تجاري مصري )كما أنه لا يجوز للبنك الامتناع عن الوفاء بقيمة الشيك حتى لو كان ميعاد استحقاقه لم يحل بعد إذا كان الشيك مؤخر التاريخ، فالشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع وإذا قدم للوفاء قبل اليوم المبين به كتاريخ إصداره وجب الوفاء به في يوم تقديمه فإذا امتنع البنك عن الصرف فإنه يعد مرتكباً لجريمة رفض الوفاء بالشيك، إلا إذا كان الشيك من الشيكات الحكومية المتعلقة بالمرتبات والمعاشات فلا تدفع قيمتها إلا في التاريخ المبين بها كتاريخ إصدارها )المادة ٥٠٣ تجاري( وهذه الجريمة تعتبر عمدية ولم يكتفي المشرع بالقصد الجنائي العام وإنما تطلب قصد خاص هو سوء نية الموظف، فالمشرع تطلب بالإضافة إلى تعمد موظف البنك لعدم الوفاء رغم وجود رصيد كافي أو جزئي قصد هذا الموظف الإضرار بالحامل أو الساحب حيث قد يصيب الضرر أي منهما في مثل هذه الحالات. والعقوبة المقررة هي الغرامة التي لا تقل عن ثالثة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه ويكون البنك مسئولاً بالتضامن مع موظفيه المحكوم عليهم عن سداد العقوبة المالية المحكوم بها باعتبار الموظف تابعاً للبنك.

ثالثاً: الامتناع عن وضع بيان عدم الدفع :

طبقاً لحكم المادة ٥١٨ تجاري لحامل الشيك الرجوع على الساحب والمظهرين وغيرهم من الملتزمين به إذا قدمه خلال ميعاد التقديم ولم تدفع قيمته وأثبت الامتناع عن الدفع باحتجاج. ويجوز عوضاً عن الاحتجاج إثبات الامتناع عن الدفع وسببه ببيان يصدر من المسحوب عليه مع ذكر وقت تقديمه ويكون البيان مؤرخاً ومكتوباً على الشيك نفسه ومذيلاً بتوقيع من أصدره ويجوز أن يصدر هذا البيان على نموذج خاص أو من غرفة مقاصة على ان يذكر فيه أن الشيك قدم في الميعاد ولم تدفع قيمته وأضافت الفقرة الثانية من المادة ٥١٨/٢ تجاري أنه “لا يجوز الامتناع عن إصدار البيان المشار إليه في الفقرة السابقة إذا طلبه الحامل ولو كان الشيك يشتمل على شرط الرجوع بلا مصاريف. ومع ذلك يجوز للملتزم بإصدار البيان طلب مهلة لا تجاوز يوم العمل التالي لتقديم الشيك ولو قدم في اليوم الأخير من ميعاد التقديم”. وحرصاً من المشرع على التزام البنك بإصدار البيان البديل عن احتجاج عدم الدفع حتى لا تسقط حقوق الحامل قبل الساحب والمظهرين وغيرهم من الملتزمين وحتى يستطيع الرجوع عليهم قرر معاقبة موظف البنك الذي يمتنع عن إصدار البيان المشار إليه. ويتحقق الركن المادي للجريمة بامتناع الموظف عن إصدار بيان إثبات عدم الدفع وسببه وهذا البيان يشترط أن يضعه على الشيك نفسه ويكون مؤرخاً ومذيلاً بتوقيع من أصدره وقد يصدر البيان على نموذج خاص أو في غرفة المقاصة.

وهذه الجريمة عمدية يكتفي فيها بالقصد الجنائي العام وهو قيام الموظف بالامتناع إرادياً عن وضع بيان الامتناع عن الدفع وسببه وأن يعلم أنه لا مبرر لعدم الاستجابة لطلب الحامل على هذا البيان ولا عبرة بالأسباب التي دعت إلى امتناع المسحوب عليه. والعقوبة هي الغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه يسأل الموظف ويكون البنك مسئولا بالتضامن مع موظفيه ، ويجوز المطالبة بالتعويض إذا توافر سببه.

رابعاً : تسليم موظف البنك أحد العملاء دفتر شيكات لا يشتمل على البيانات المنصوص عليا في المادة ٥٣٠ من هذا القانون :

والمادة ٥٣٠/١ من القانون التجاري تنص على أنه ” على كل بنك يسلم عميله دفتراً يشتمل على نماذج شيكات على بياض للدفع بموجبها من خزانته أن يكتب على كل نموذج منها رقم الشيك واسم البنك أو أحد فروعه واسم العميل الذي تسلم الدفتر ورقم حسابه”، كما يجب أن يتضمن كل نموذج عبارة : شيك )المادة ٤٧٣ /أتجاري(. وقد تطلب المشرع هذه البيانات حتى يكون المحرر كافياً بذاته لإيضاح بياناته الأساسية. وحرصاً من المشرع على التزام موظف البنك يتضمن نماذج الشيكات هذه البيانات قرر معاقبة موظف البنك الذي يتعمد تسليم العميل دفتر يشتمل على نماذج شيكات على بياض لم تتضمن البيانات المشار إليها. ويتوافر الركن المادي للجريمة بقيام موظف البنك بتسليم أحد العملاء دفتر شيكات لا يحتوي على البيانات المشار إليها في المادة ٥٣٠ من قانون التجارة.وهذه الجريمة عمدية يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي العام، وهي اتجاه إرادة الموظف إلى تسليم العميل دفتر شيكات لا يحتوي على البيانات المشار إليها مع علمه بذلك. والعقوبة هي الغرامة التي لا تزيد عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة ألاف جنيه، يسأل البنك فيها بالتضامن مع الموظف باعتبار هذا الأخير تابعاً للبنك.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .