النزاع المسلح في سوريا و القانون الدولي الإنساني
نزار أيوب
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تعريف القانون الدولي الإنساني

القانون الدولي الإنساني هو أحد فروع القانون الدولي الأساسية، ويهدف إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة من ويلات الحرب والتخفيف من الآلام التي قد تلحق بهم من جراء الحروب، سواء أكانت دولية أم غير دولية (داخلية). وهنالك من يعرف القانون الدولي الإنساني بأنه فرع من فروع القانون الدولي العام، تهدف قواعده العرفية والاتفاقية إلى حماية الأشخاص المتضررين في حال نزاع مسلح، وما ينشأ عن ذلك النزاع من آلام، كذلك تهدف إلى حماية الأموال التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية (عامر الزمالي، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني، تونس 1997).

جرت العادة في السابق على استخدام مصطلح “قانون المنازعات المسلحة” أو “قانون الحرب”. وقد أضحى مصطلح القانون الدولي الإنساني متداولًا منذ المؤتمر الدبلوماسي الذي عُقد في جنيف في المدة ما بين 1974 و1977، وتمخض عنه إقرار البروتوكولين المضافين إلى اتفاقيات جنيف لسنة 1949. ومنذ ذلك الوقت، بات استخدام مصطلح القانون الدولي الإنساني شائعًا في المؤلفات الفقهية والمحافل والمؤتمرات الدولية، وعلى نطاق المحاكم الدولية.

يكتب جان بيكته في تعريف القانون الدولي الإنساني: “… إن القانون الدولي الإنساني هو ذلك القسم الضخم من القانون الدولي الذي يستوحي الشعور الإنساني ويركز على حماية الفرد الإنساني في وضع الحرب”، ويستهدف تنظيم الأعمال العدائية وتخفيف ويلاتها. ومن جملة ما تتوخاه القواعد والأحكام التي نص عليها القانون الدولي الإنساني إلى التقليل من المعاناة التي تلحق بضحايا النزاعات المسلحة من العسكريين العاجزين عن القتال، والأشخاص الذين لا يشتركون في العمليات العدائية، والذين يقعون تحت رحمة العدو، سواء أكانوا مدنيين أم جرحى حرب أم مرضى أم غرقى أم أسرى حرب (جان بكتيه، القانون الدولي الإنساني تطوره ومبادئه، جنيف، 1984).

وبموجب هذه التعريفات، هنالك توافق على وجود ثلاثة مصادر للقانون الدولي الإنساني، هي:

أ – قانون جنيف: يتكون من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكولان الإضافيان/ الملحقان بها في العام 1977.

ب – قانون لاهاي: المتمثل بالاتفاقات المنبثقة عن مؤتمرات الصلح التي عُقدت في لاهاي/ هولندا عامي 1899-1907 بشأن الوسائل المتاح للدول استخدامها إبان العمليات الحربية.

ج – الجهد الحثيث والمتواصل للمجتمع الدولي؛ ممثلًا بمنظمة الأمم المتحدة، الهادفة إلى توفير الضمانات التي من شأنها احترام حقوق الإنسان في أوقات النزاعات المسلحة، والحد من استخدام الأسلحة التي تسبب الإبادة الجماعية.

وظيفة القانون الدولي الإنساني
يفرض القانون الدولي الإنساني قيودًا على استخدام القوة في أثناء النزاعات المسلحة، لتوفير أكبر قدر من الحماية للأشخاص غير المشاركين في العمليات العسكرية كالمدنيين، وأولئك الذين ألقوا أسلحتهم؛ بحيث أصبحوا عاجزين عن المشاركة في الأعمال الحربية كالأسرى والجرحى والمرضى التابعين لقوات الخصم. وحدد القانون الدولي الإنساني طرق وأساليب استخدام القوة بحظر تسويغ المتحاربين للاستخدام المفرط للقوة تحت طائلة “الكل أو لا شيء” أو “عندما تدوي المدافع تصمت القوانين”، فجعل استخدام أطراف النزاع للقوة محصورًا في نطاق ما تقتضيه الضرورة لإضعاف وتعطيل قوة الخصم العسكرية، ومن ثم؛ إخضاعه وتحقيق النصر في المعركة وإخراجه مهزوما منها (جان بكتيه، القانون الدولي الإنساني وحماية ضحايا الحرب، معهد هنري دونان، جنيف 1986).

يفرض القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع (المعتدي والمعتدى عليه) قيودًا في استخدام القوة، ليقتصر ذلك على حال الضرورة اللازمة لإضعاف القوة العسكرية للخصم وفرض إرادته السياسية. ومن هذا المنطلق، يحرم استخدام الأسلحة التي لا تطلبها ضرورات المعركة لتحقيق النصر، وينص على تجنب استهداف الذين لا يشاركون في العمليات العسكرية كالمدنيين والجرحى والمرضى وإلحاق الضرر أو المعاناة بهم. كذلك يحظر استهداف الأماكن والأهداف غير المعدة لأغراض عسكرية، كالأعيان المدنية، والبنية التحتية المدنية، والمراكز التاريخية والأثرية والثقافية.

النزاع المسلح في سورية في ضوء القانون الدولي الإنساني
تضع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ثلاثة معايير أساسية؛ لتحديد النزاع المسلح غير الدولي، هي شدة القتال، مدة القتال، ومستوى تنظيم الاطراف المتحاربة (قوات المعارضة والقوات الحكومية). وفي منتصف عام 2012، دخلت الأزمة في سورية عتبة النزاع المسلح بين قوات النظام والمعارضة المسلحة المناهضة له، حيث أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 16 تموز/ يوليو 2012 وجود نزاع مسلح غير دولي – داخلي في سورية (Non International Armed Conflict).

وفي مرحلة لاحقة، عدّت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية أن عنف قوات النظام ومنظمة “الجيش السوري الحر” وصل إلى حد النزاع المسلح غير الدولي، ولذلك؛ يتعين تطبيق القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان (تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، 16 أب/أغسطس 2012).

المدنيون السوريون هم ضحايا العنف الوحشي لكل من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، وحلفائها الروس والإيرانيون وميليشياتهم، من جهة، والجماعات المسلحة المناهضة لهم، من جهة ثانية. ومن المؤكد تمادي قوات النظام وحلفائه في أعمال القتل العمد والتعذيب وإساءة معاملة السجناء والمحتجزين والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري والهجوم على المدنيين والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية وشبكات المياه، واستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة المحرمة دوليًا، كالأسلحة الكيماوية والقنابل العنقودية والأسلحة الحارقة والقنابل الفراغية على الأحياء السكنية؛ ما يوقع عشرات الآلاف من الضحايا بين المدنيين.

وتمارس الجماعات المسلحة، بما في ذلك المصنفة “إرهابية” كهيئة تحرير الشام (جبهة فتح الشام سابقًا) سياسة الإعدام “خارج نطاق القضاء” (للجبهة قضاؤها الخاص- محاكم شرعية)، بما في ذلك بحق النساء، وتجند الأطفال، وتشترك مع جماعات مسلحة أخرى في قصف الأحياء السكنية المأهولة بالمدفعية؛ ما يتسبب بقتل المدنيين ومنهم الأطفال. أما تنظيم الدولة الإسلامية فيمارس الإعدام والعقوبات الجسدية بحق المدنيين، بما فيهم الأطفال بدعوى انتهاكهم للشريعة الإسلامية، وتدمر الأماكن الأثرية على غرار ما حدث في مدينة تدمر الأثرية.

وتستخدم الجماعات المسلحة الأخرى المدافع والأسلحة محلية الصنع في قصف الاماكن السكنية التي يسيطر عليها النظام؛ ما يتسبب بقتل المدنيين، وتسعى لفرض “القانون” بواسطة المحاكم الشرعية التي لا تتوافر فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة، وترتكب أفعال منافية لحقوق الانسان كالاعتقال والاحتجاز التعسفيان والتعذيب وإساءة المعاملة والاختفاء القسري.

يتعين خلال النزاع المسلح غير الدولي تطبيق ثلاث فئات من القانون الدولي الإنساني، هي المادة الثالثة المشتركة في مؤتمر جنيف المنعقد بتاريخ 1949، البروتوكول الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف بشأن المنازعات المسلحة الدولية لعام 1977، وقواعد وأحكام القانون الدولي العرفي. وفي ضوء عدم توقيع سورية على البروتوكول الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف بشأن النزاعات المسلحة غير الدولية لعام 1977، من غير الوارد تطبيقه في حال النزاع المسلح في سورية.

تسري المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 على النزاعات المسلحة غير الدولية التي باتت منتشرة انتشارًا لم نعهده من قبل، ما يكسبها أهمية خاصة؛ مقارنة بمئات المواد الأخرى المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الأربعة. وتأتي أهمية المادة الثالثة المشتركة أنه في حال قيام نزاع مسلح غير دولي، كما هو الحال في سورية، يلتزم أطراف النزاع بأن يطبقوا في الحد الأدنى الأحكام التالية:

الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال؛ بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز، أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة، أو أي معيار مماثل آخر.
ولهذا الغرض، تحظر الأفعال الآتية في ما يتعلق بالأشخاص المذكورين آنفًا، وتظل محظورة في جميع الأوقات والأماكن:

أ. الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب؛

ب. أخذ الرهائن.

ج. الاعتداء على الكرامة الشخصية، وفي الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

د. إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلًا قانونيًا. وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

يُجمع الجرحى والمرضى ويعتنى بهم.
يجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع. وعلى أطراف النزاع أن تعمل، فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ جميع الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها.

تنطبق على النزاع المسلح في سورية المادة الثالثة المشتركة التي تجمع معظم قواعد القانون الدولي الإنساني ضمن إطار مشترك، تشترط معاملة إنسانية لكل من لم يشترك في النزاع لأي سبب كالاستسلام أو المرض أو الإصابة أو القبض عليه، إذ تحظر القتل والمعاملة غير الإنسانية والتعذيب أو أخذ الرهائن أو الأفعال المهينة للإنسانية والإعدامات. هناك قوانين مشابهة موجودة في قواعد القانون الدولي العرفي. إضافة إلى أن القانون العرفي يتضمن قوانين تفرض التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، أي توجب عدم اتخاذ المواطنيين المدنيين أهدافًا، وتفرض استخدام القوة المتكافئة.

تنطبق على النزاع المسلح في سورية قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي؛ نظرًا إلى أنها تمتلك صفة إلزامية في مواجهة جميع أطراف النزاع. ومن شأن احترام المتحاربين لالتزاماتهم بموجب القانون العرفي، التي تفرض قيودا على ممارسة الأعمال القتالية، كتوفير الحماية للمدنيين والمقاتلين السابقين الذين لا يشاركون فيها، ورعاية جميع من يسقطون في أيدي قوات العدو من الأسرى والجرحى والمرضى، وتحظر مهاجمة الأهداف أو الممتلكات المدنية.