موقف القانون الإماراتي من أبناء المواطنات

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

كفل دستور الإمارات وقوانينها الحماية للأسرة الإماراتية، فهي أساس المجتمع، وفي كنفها يتربى الفرد، ويكتسب كافة القيم الإيجابية، ومنها قيم المواطنة الحقة والولاء وحب الوطن. وقد كفل الدستور حقوق مواطنة لكل من ولد لأب إمارتي. ولكن حكمت الظروف على فئة من المواطنين بأن يولدوا خارج الدولة.

وألا يعرفوا شيئاً عن وطنهم، ولم يروه. فقبل فترة قصيرة أعلنت السلطات الرسمية تبنيها لحملة من أجل أبناء المواطنين الذين ولدوا في الخارج لأمهات غير مواطنات.

وقد تتبعت وزارة الداخلية هذه الفئة، وذهبت إليهم في بلدان إقامتهم، وذلك بهدف معرفة ظروف معيشتهم، وتعزيز انتمائهم للدولة، وتعريفهم بثقافة بلدهم، وغرس مفاهيم الولاء والانتماء لوطنهم الأم. فهذه الفئة عاشت في غير مجتمعها، وربما لا تعرف عن ثقافة بلدها شيئاً، ومن حق هذه الفئة على الدولة أن تهتم بها، وهو شيء محمود. فقانون الدولة يعطي الحق لكل من ولد لأب إماراتي أن يكتسب جنسية الدولة، وأن يحظى بحقوق المواطنة نفسها التي يحظى بها أي مواطن آخر.

من ناحية أخرى، هناك فئة أخرى ربما تعيش بيننا وتنتمي إلينا، وكل أملها أن تحظى بالقبول المجتمعي والرعاية، وتعطى حق الانتماء الفعلي والحقيقي إلى هذا المجتمع. إنها فئة أبناء المواطنات الذين ولدوا في الدولة لأب غير مواطن أو تنطبق عليه صفة «الأجنبي».

الإحصائيات الأخيرة تقول إنه في عام ‬2010 فقط تم زواج أكثر من ‬700 مواطنة بأجنبي، وهذا يعنى أن أبناء المواطنات في ازدياد.

وعلى عكس الفئة الأولى، فغالبية أبناء المواطنات ولدوا وتربوا هنا بحكم ارتباطهم بالأم، وبحكم ارتباط الأم الإماراتية بوطنها. فقليلاً ما نجد زوجة إماراتية تعيش في موطن زوجها.

هذه الحقائق تجعلنا ننظر نظرة فاحصة وواقعية إلى القوانين والتشريعات المطبقة حالياً، والى ما تفرزه من واقع مؤلم وغير إنساني أحيانا أخرى. ف

قد تحكم الظروف أحياناً على فئة من النساء الإماراتيات بالزواج من غير إماراتي، وربما غير خليجي. وعلى عكس زوجة الإماراتي الأجنبية، قد ينقلب حال المواطنة بعد زواجها من أجنبي. فزوج المواطنة يعامل كالأجنبي، تنطبق عليه شروط الإقامة والجنسية، ولوائح العمل، وكافة الشروط القانونية الأخرى. وما ينطبق على الزوج ينطبق على أطفاله.

فأبناء المواطنات هم في نظر القانون وافدون أجانب، وعندما يبلغون السن القانونية، فهناك لوائح أخرى تطبق عليهم. فهم قانونيا يتبعون جنسية والدهم الأجنبي، على الرغم من أنهم لا يعرفون شيئاً عن بلد والدهم، ولم يزوروه أبداً، ولا يعرفون وطناً آخر إلا الإمارات. وكما يبدو فإن أعداد هذه الفئة في تزايد بحكم المتغيرات الاجتماعية الحاصلة في الإمارات. فهل وضعنا استراتيجية واضحة للتعامل مع ملف أبناء المواطنات؟

حالياً لا يوجد في الإمارات قانون واضح يعطى للمرأة حق إعطاء جنسيتها لزوجها وأولادها إلا في حدود ضيقة، وطبقاً لشروط معينة، منها الطلاق، أو الوفاة، وغيرها من الشروط. وبحكم طبيعة مجتمع الإمارات والعلاقات الاجتماعية والتكوين الديمغرافي لهذا المجتمع، وهي حقيقة يعرفها الجميع، فإنه من الصعب أحياناً أن تذهب الزوجة المواطنة المتزوجة بأجنبي للعيش في موطن زوجها. بل بالعكس، فالزوج في معظم الأحيان هو الذي يعمل في الإمارات، وبالتالي فهو في نظر القانون وافد، تنطبق عليه كل القوانين التي تطبق على الأجنبي.

ويضطر الشخص المتزوج بمواطنة إلى القبول بكل القوانين واللوائح التي تحكم وتحدد إقامته؛ من أجل زوجته وأطفاله. ولكن الأطفال في الكثير من الأحيان يكونون ضحية لبعض القوانين. ففي بعض الأحيان تؤجل الزوجة قضية اكتساب أطفالها لجنسية والدهم انتظاراً ربما لقانون، وربما لتغير اللوائح، على أمل اكتسابهم لجنسية الإمارات. ويطول هذا الانتظار، وربماً لا يأتي أبداً. وتظل الزوجة تدور في حلقة مفرغة، فلا هي قادرة على إعطائهم جنسية والدهم.

ولا هي قادرة على كسر اللوائح واستباق القوانين وإعطائهم جنسية الدولة. وبالطبع من دون أوراق ثبوتية وشهادات ميلاد وغيرها من الأوراق الرسمية فإنهم في نظر القانون غير موجودين، وبالتالي تغلق الكثير من الأبواب في وجوههم؛ من تعليم وعلاج صحي وسفر، وكافة حقوق المواطنة التي يتمتع بها أبناء المواطنين.

هذا الوضع يخلق الكثير من الاحتقان في نفوس المواطنات وهن يرين أبناء أشقائهن المواطنين المتزوجين من أجنبيات وهم يتمتعون بالحقوق كافة، بينما يحرم منها أطفالهن. وربما يؤدي ذلك إلى الكثير من الأمراض الاجتماعية، وربما يقود في النهاية إلى التفكك الأسري وضياع مستقبل الأبناء. في دستور الإمارات.

وفي باب الدعامات الاجتماعية والاقتصادية، هناك مادتان؛ الأولي تؤكد أن«المساواة والعدالة الاجتماعية وتوفير الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دعامات المجتمع والتعاضد والتراحم صلة وثقى بينهم»، وأخرى تقول إن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها ويصونها ويحميها من الانحراف».

وربما نحتاج لخبير دستوري ليشرح لنا ما هي المواد الدستورية التي فرقت بين حقوق المواطن وحقوق المواطنة.

حيث لا يحمل دستور الإمارات أية تفرقة واضحة، بل على العكس؛ ساوى بين المواطن والمواطنة في الحقوق والواجبات، وعاملهما معاملة فيها الكثير من التساوي والعدالة. فأين إذاً يكمن الخلل؟ وكيف نحمى هذه الفئة من التفرقة والتمييز المجتمعي، ونعطيهم حق الإقامة في مجتمع يحترم أدميتهم ويضمن حقوقهم المدنية والإنسانية؟

إننا هنا لا نطالب بفتح باب التجنيس على مصراعيه، لأننا مجتمع قائم على أسس اجتماعية معينة، وتركيبة خاصة، ولكننا أيضا مجتمع نعاني من خلل ديمغرافي واضح، نسعى بكافة الطرق لحله لكي نضمن لهذا المجتمع هوية عربية إسلامية واضحة. ولذا فمن الطرق المطروحة لحله إدماج مثل هذه الفئات التي تحمل ولاء لهذا المجتمع وقيمه فيه.

لتكون هناك نسبة وتناسب بين الأعداد السكانية الأجنبية التي تدخل مجتمعنا بصورة يومية وبين سكان البلاد. إن رعاية أبناء المواطنات في الداخل لا تقل أهمية عن إعادة أبناء المواطنين في الخارج وتأهيلهم وتعزيز العلاقة بينهم وبين مجتمعهم الأصلي. فإيجاد الحلول الجذرية لهاتين الفئتين ضروري من أجل حل الكثير من القضايا المجتمعية العالقة. فالحلول الجذرية وسن التشريعات الجديدة التي تواكب المتغيرات الاجتماعية في الإمارات فيهما حماية واستقرار للمجتمع برمته وللمواطنين والمواطنات.