موقف السلطنة العمانية من اتفاقية سيداو لمواجهة كافة أشكال التمييز ضد المرأة

صدر في السابع من مايو سنة 2005م المرسوم السلطاني رقم (42) بالموافقة على انضمام السلطنة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهي الاتفاقية التي تعتبر أهم وثيقة دولية لحقوق النساء على مستوى العالم، ويطلق عليها أيضا اتفاقية (سيداو) أو (CEDAW ) اختصارا للأحرف الأولى من اسم الاتفاقية باللغة الإنجليزية( Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination against Women ) ، لتصبح بموجب المادة (76) من النظام الاساسي للدولة بقوة القانون.

وتعد هذه الاتفاقية أيضا واحدة من أهم معاهدات حقوق الإنسان، والثانية بعد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل من حيث عدد الدول الأطراف، إذ بلغ عدد الدول التي صادقت أو انضمت إليها حتى الآن 189 دولة، والتي ليس من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك دول كالسودان والصومال وإيران، في ظل انضمام معظم الدول العربية والإسلامية لها ، مع تشابه يقترب من التطابق في بعض المواد التي تتعلق بجوانب تمس الشريعة الإسلامية.

وتتكون هذه الاتفاقية من (30) مادةتسبقها ديباجة رصينة بأسباب ودوافع وضع هذه الاتفاقية الدولية – تعالج في موادها الستة عشر الأولى المواضيع التالية تباعا : تعريف التمييز، الالتزامات الخاصة بالقضاء على التمييز، تطور المرأة وتقدمها، التدابير الخاصة للتعجيل بالمساواة، الأنماط الاجتماعية والثقافية، مكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلالها، المساواة في الحياة السياسية والعامة، التمثيل الدولي، الجنسية، التعليم، العمل، الصحة، المنافع الاقتصادية والاجتماعية، المرأة الريفية، المساواة أمام القانون والشؤون المدنية، المساواة في الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية.

كما تنظم موادها الأربعة عشر اللاحقة ما يتعلق بالجوانب الاجرائية المتصلة بالانضمام لهذه الاتفاقية.

وقد أورد المرسوم السلطاني المشار إليه أعلاه، عددا من التحفظات على مواد الاتفاقية وعددها خمسة، وهي على النحو التالي :

جميع أحكام الاتفاقية التي لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية والتشريعات المعمول بها في السلطنة، الفقرة (2) من المادة (9) والتي تنص على أن تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها، الفقرة (4) من المادة (15) والمتعلقة بحركة الاشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم، المادة (16) في البنود (أ، ج، و) وخاصةً التبني، علاوة على عدم التزام السلطنة بالفقرة (أ) من المادة (29) والخاصة بالتحكيم وإحالة النزاعات لمحكمة العدل الدولية في حالة عدم التسوية بالمفاوضات.

ولأن هذه الأسطر السريعة لا تتسع للكثير من التحليل حول المواد والتحفظات التي وردت بالمرسوم، إلا أنه يمكن اختصار ذلك بأن:

 التحفظ الأول جاء لأن الشريعة الإسلامية هي أساس التشريع بالدولة، وهو مبدأ دستوري يجب إعماله في مختلف القوانين والاتفاقيات الدولية بموجب المادة الثانية من النظام الاساسي للدولة.

أما فيما يتعلق بالتحفظ الثاني بشأن منح المرأة العمانية الجنسية لأطفالها، فذلك لمنع ازدواج الجنسية، إذ أن القانون أخذ بمبدأ حصول الطفل على جنسية أبيه، مع مراعاته لمبدأ عدم انعدام الجنسية وإتاحته لحصول ابن المرأة العمانية على الجنسية في عدد من الحالات الواردة بالقانون.

وفيما يتعلق بالتحفظ الثالث فيمكن القول اختصارا بأنه في طريقه للرفع بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر مثلما تم الاشارة لذلك في التقرير الثاني والثالث لمتابعة تنفيذ الاتفاقية، وذلك بعد استكمال الإجراءات التي حددها النظام الأساسي للدولة.

أما التحفظ الرابع فهو لمساسه بجوانب متعلقة بالشريعة الاسلامية كالتبي والقوامة وتساوي الحق في عقد الزواج، والحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، وفيما يتعلق بالتحفظ الاخير، ولمساسه بمبدأ السيادة، فقد أعلنت السلطنة عدم إلتزامها بما جاء فيه.

وبالرغم أن معظم الجوانب التي تطرقت لها الاتفاقية قد سبق وأن نظمتها التشريعات العمانية وأوردت لها الكثير من الحماية سواء بالنظام الأساسي للدولة الذي حظر التمييز وأرسى مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، أو عبر التشريعات الوطنية المختلفة، إلا ان ذلك لم يمنع من تعديل بعض التشريعات الوطنية والاجراءات المتبعة، كالذي تم مثلا بمنح أراض للمرأة مثلما تمنح للرجل، وكذلك تعديل القيد الوارد في قانون جواز السفر العماني، والذي كان يشترط سابقا حصول المرأة على موافقة الزوج أو ولي الأمر لاستخراج جواز سفر، بالإضافة للمرسوم السلطاني رقم (55/2010) والذي نقل اختصاص النظر في دعاوى العضل للمحكمة العليا دون غيرها.

وحيث أن المادة (18) من الاتفاقية تلزم الدولة الطرف بتقديم تقريرا عما تم اتخاذه من تدابير لإنفاذ هذه الاتفاقية والتقدم المحرز في هذا الصدد، فقد ناقشت السلطنة تقريرها الأولي في أكتوبر 2011، كما أعدت تقريرها الثاني والثالث لمتابعة تنفيذ الاتفاقية في يناير 2016، وتستعد بعد أيام قليلة من الآن لمناقشة هذا التقرير أمام اللجنة الدولية المعينة بمتابعة تنفيذ الاتفاقية في 3 نوفمبر 2017 في جنيف. مع صادق الدعوات بالتوفيق، ودوام التقدم للمرأة العمانية.

فـهـد بن يوسـف الأغـبري
أخصائي اتفاقيات دولية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت