نقاش قانوني حول أهمية الاجراءات الجنائية فى تحقيق محاكمة عادلة

لم أجد بين فقهاء القانون من تطرق لمعنى المحاكمة العادلة وإنما إنصب بحثهم فى تحديد شروط وضمانات هذه المحاكمة ، ولما كانت المحاكمة العادلة تستند إلى جوهر العدل فإن مايهمنا فى المجال الإجرائى هو معنى العدالة الإجرائية والتى هى مظهر من مظاهر القانون الخارجى والذى به يتحقق جوهر العدل أو مادته وهذا المظهر والذى غالبا مايسمى بالعدالة الشكلية Formal Justice يتجلى فى مدى الإنتظام والحرص على الدقة والنزاهة لدى تطبيق القانون وقد لايبدو بوصفه شكلا إجرائيا للعدالة ذا أهمية تعادل أهمية العدالة المادية Substantive Justice مع أنه والحق يقال ليس أقل منه أهمية وله إجراءات كثيرة التعقيد ومتشابكة ومن دونه تصبح عناصر العدل ذات قيمة أكاديمية مثل كنز فى لجة البحر لاقيمة له مالم يجد غواصا ماهرا يخرجه إلى حيث ينعم به الكافة ، وما من نظام قانونى قديما أو حديثا يستطيع فعلا إدعاء الدوام إذا لم يتوافر فيه العدل الإجرائى بصرف النظر عن إختلاف الأساليب بين نظام وآخر .

لذلك لم يترك المشرع العمل القضائى لمحض تقدير القاضى بل وضع تنظيما تفصيليا لوسيلة تكوينه وهذا هو الشكل الإجرائي للعمل القضائى ووسيلة الغواص لإستخراج الكنوز ، ولامحل للشكوى من هذا الشكل بأنه يعطل الحصول على الحق ويعقد الطريق إليه . فالتنظيم التشريعى لوسيلة تكوين العمل القضائى يحقق النظام فى سيرها الأمر الذى يشيع الثقة والطمأنينة فى القضاء وهو يستهدف توفير ضمانات لصحة العمل وعدالته تحول دون تحكم القاضى أو تسرعه ودون هوى الخصوم أو تحايلهم وتمثل حصانة للفرد وحقوقه قبل المجتمع. والواقع أن الحق مدين فى حمايته لهذه الشكلية ولا وجه للشكوى منها إلا بالقدر الذى يكون فيه الطائر محقا فى الشكوى بان الريح تعوق سرعته دون أن يدرى أن الريح هى التى تحمله فالشكل فى حقيقة الأمر خير كثير وشر لابد منه.