الدكتور عادل عامر

اللقيط: مولود حيّ نبذه أهله لسبب من الأسباب، كخوف العيلة أو الفرار من تهمة الزنا أو ما شاكل ذلك.

حكم التقاطه: والتقاط اللقيط مندوب إليه شرعاً يثاب فاعله إذا وجد في مكان لا يغلب على الظن هلاكه لو ترك، فإن غلب على الظن هلاكه لو تركه كان التقاطه فرضاً عليه بحيث يأثم إذا لم يأخذة، لأنه مخلوق ضعيف لم يقترف إثماً يستحق عليه الإهمال، وإنما الإثم على من طرحه أو تسبب في وجوده من طريق غير مشروع.

الأحق به: وملتقطه أحق الناس بإمساكه وحفظه، لأنه الذي تسبب في إحيائه، وليس للحاكم ولا لغيره أن يأخذه منه جبراً عنه إلا إذا تبين أنه غير صالح للقيام برعايته.

وإذا التقطه أكثر من واحد وتنازعوه فالأحق به أرجحهم بالإسلام أو القدرة على حفظه وتربيته، فإن تساووا وضعه القاضي عند أصلحهم رعاية لشئونه في نظره. والإسلام الذي حرم التبني عُني بهذا اللقيط: فأوجب التقاطه وحرم إهماله وتضييعه، واعتبره مسلماً حراً إذا وجد في دار الإسلام أو التقطه مسلم من أي مكان. فإن التقطه ذميّ في مكان خاص بهم كان على دين من التقطه عملاً بهذه القرائن التي ترجح ولادته لغير المسلمين.

ومع اعتباره مسلماً إذا وجد في دار الإسلام لو ادعى ذمي أنه ابنه وأقام بينة على ذلك ثبت نسبه منه وكان على دينه إعمالاً للبينة، لأن الأصل أن من يولد في دار الإسلام يكون مسلماً تبعاً للدار إلا إذا قام الدليل على خلافه. أما إذا لم يقم البينة وتوفرت شروط الإقرار بالنسب ثبت نسبه من ذلك الذمي وكان مسلماً تبعاً للدار، لأن الإقرار حجة قاصرة كما قلنا فيعمل به في ثبوت النسب وتبقى التبعية للدار لا يعارضها شيء.

أهليته للملك: واللقيط أهل للملك لأنه حر، فإذا وجد معه مال فهو ملك له، لأنه صاحب اليد عليه، وكان على الملتقط المحافظة على هذا المال، ولا ينفق منه عليه شيئاً إلا بأذن القاضي صاحب الولاية عليه، لأن الملتقط لا يملك من أمره إلا الحفظ والرعاية، وما ينفقه عليه من ماله بغير الأذن يكون متبرعاً به إلا إذا أشهد حين الإنفاق أنه سيرجع به عليه. وإذا لم يوجد مع اللقيط مال ولم يوجد من ينفق عليه تبرعاً فنفقته في بيت مال المسلمين.

وإذا لم يكن للملتقط على اللقيط ولاية التصرف في المال الذي وجده معه إلا بإذن القاضي فإن له عليه ولاية المحافظة عليه وعلى هذا المال، ويقبض عنه ما يوهب له أو يتصدق به أهل الخير عليه، ويشتري له ما يلزمه من طعام وكسوة. كما أن له ولاية تربيته وتعليمه بأن يدخل مدرسة ليتعلم فيها إن كان يقدر على ذلك وكان عند اللقيط رغبة في التعليم واستعداد له، فإن لم يمكن ذلك كان عليه أن يعلمه حرفة أو صناعة تكون سبيلاً لتكسبه في المستقبل لئلا يكون عالة على المجتمع. نسب اللقيط: إذا ادعى شخص بنوة اللقيط ثبت نسبه منه دون حاجة إلى بينة إذا توفرت شروط الإقرار السابقة،

يستوي في ذلك ملتقطه وغيره، ويصبح بعد ذلك ابناً حقيقياً له. وإذا ادعى بنوته أكثر من واحد وكان منهما الملتقط رجح الملتقط إلا إذا أقام غيره بينة على دعواه لأن البينة أقوى من الإقرار. وإذا ادعاه اثنان ليس منهما الملتقط رجح أسبقهما دعوى إلا إذا أقام المتأخر البينة، وإذا لم يسبق أحدهما الآخر رجح من أقام بينة.

فإن لم تكن لهما بينة أو أقام كل منهما بينة رجح من ذكر علامة مميزة فيه لأنه بذلك يكون قد سبقت يده إليه، فإن تساويا ولا مرجح لأحدهما فمحافظة على النسب من الضياع ينسب إلى كل منهما وإن كان الواقع أنه ليس ابناً لهما معاً، ولكن معاملة لهما بإقرارهما، فيثبت له على كل منهما الحقوق الواجبة على الآباء للأبناء من النفقة وغيرها، وله حق الإرث من كل منهما ميراث ابن كامل، ولو مات اللقيط ورث منه أب واحد يقسم بينهما بالسوية.

وإذا ادعت المرأة بنوة اللقيط : فإن كان لها زوج وصدقها أو شهدت القابلة بولادتها أو أقامت بينة على ذلك صحت دعواها وثبت نسبة منهما.

وإن لم يكن لها زوج فلا يثبت نسبه منها إلا إذا أقامت بينة كاملة من رجلين أو رجل وامرأتين من أهل الشهادة عند الحنفية.

والفرق بينها وبين الرجل حيث تقبل دعواه بدون بينة ولا تقبل دعواها إلا ببينة. أن في ثبوت النسب للرجل المدعي دفعاً للعار عن اللقيط بانتسابه إلى أب معروف، ولا يوجد ذلك في دعوى المرأة، لأنه ينسب إليها من أتت به من طريق مشروع وغير مشروع.

البَابْ الثاني
في الرضاع:أجرة الرضاع:
الفَصل الأول
– في وجوب الرضاع للرضيع، وعلى من يجب؟
يقول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 233].ويقول جل شأنه في شأن المطلقات: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6].

في هاتين الآيتين وضع المولى سبحانه الأسس التي تقوم عليها أحكام الرضاع، ومنهما استنبط الفقهاء أكثر أحكامه، وفيهما توزيع لمسئولية الرضاع بين الأب والأم، فكل منهما يقوم بما يستطيعه دون مضارة لأحدهما، فالأم بلبنها الذي أجراه الله في ثديها غذاء لطفلها وهو أنسب غذاء له في هذه الفترة بعد أن تغذى بدمها فترة الحمل، والأب بالإنفاق عليها ليدر لبنها.

ثم رفع الجناح عن إرضاع الأجنبيات إذا ما تعذر إرضاع الأم، وقد كان هذا عرفاً شائعاً عند العرب قبل الإسلام يسيرون عليه راضية به نفوسهم، فلم يعرض له بالإلغاء كما ألغي غيره من الأعراف بل أقره وفوضه لإرادة الآباء مع التصريح برفع الجناح عنهم في ذلك.وتفتتح الآية الأولى بجملة خبرية تحمل معنى الأمر {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}

فنظراً لخبريتها تفيد أن الرضاع حق للأم لها أن تستوفيه ولها أن تتنازل عنه، ونظراً لمعنى الأمر فيها تفيد أنه واجب عليها لا تستطيع تركه إلا إذا منعها من ذلك مانع كمرض ونحوه، ومن هنا جاء اختلاف الفقهاء في وجوب الرضاع على الأم.وإن نظرة عامة في مذاهب الفقهاء نجدها متفقة على أنه واجب على الأم في بعض الحالات، وغير واجب عليها في حالات أخرى مع اتفاق الجميع على أنه حق للأم لا يزاحمها غيرها في استيفائه إذا أرادت ما لم يكن في ذلك ضرر يلحق الرضيع أو الأب، لأن الأم أقرب الناس إلى وليدها ينبض قلبها بالحنان والشفقة عليه فوق أن لبنها أفضل غذاء له مما عداه لأنه يلائم جسمه الذي تغذى به دماً وهو جنين في بطنها.

تلخيص آراء الفقهاء:
اتفق الفقهاء على أن الرضاع واجب على الأم ديانة في جميع الحالات سواء كانت زوجيتها قائمة أو انتهت، بمعنى أنها مسؤولة أمام الله عن ذلك بحيث تأثم لو امتنعت عنه وهي قادرة عليه. واختلفوا بعد ذلك في وجوبه عليها قضاء، أي أن القاضي يجبرها عليه إذا امتنعت عنه بدون عذر.

فذهب مالك في المشهور عنه أنه واجب عليها قضاء إذا كانت زوجة أو معتدة من طلاق رجعي كما هو واجب ديانة لظاهر الأمر وهو يفيد الوجوب قضاء وديانة إلا إذا كانت ذات ترفه لم يجر عرف قومها بإرضاع نسائهم أولادهن لأن هذا كان في الجاهلية ولم يغيره الإسلام، ولأنها تتضرر حينئذ بإلزامها بالإرضاع إلا إذا تعينت للإرضاع بأن كان الطفل لا يقبل إلا ثديها فإنها تجبر عليه محافظة على الصغير من الهلاك وهو ضرر أكبر من تضررها بالإرضاع تجبر حتى ولو كانت مطلقة بائناً.

وذهب الشافعية إلى أنه يجب عليها أن ترضعه أول لبنها المسمى باللباء، لأن الولد يقوى وتشتد بنيته به، ولا يجب عليها أن ترضعه ما بعده يستوي في ذلك أن تكون زوجة أو أجنبية إلا إذا تعينت بأن لم يوجد من يرضعه غيرها أو لم يقبل الطفل غير ثديها فيتعين عليها الإرضاع.

وذهب الحنفية إلى أنه يجب عليها ديانة لاقضاء، فإن امتنعت عنه بدون عذر فلا تجبر قضاء عليه إلا في حالات ثلاث:

1- إذا لم يكن للطفل ولا لأبيه مال يستأجر به مرضعاً ولم توجد متبرعة بإرضاعه.

2- إذا لم توجد من ترضعه غيرها بأجر أو بغير أجر وإن كان للأب أو الابن مال.

3- إذا وجدت المرضعة ولكن الطفل لا يقبل غير ثدي أمه.

ففي هذه الحالات يتعين عليها الإرضاع وتجبر عليه قضاء حتى لا يتعرض الطفل للهلاك.وفي غير تلك الحالات إذا قامت الأم بإرضاعه فيها، وإن امتنعت عنه بدون عذر ظاهر لا تجبر عليه لأن الرضاع حق للأم كما هو للولد، ولا يجبر أحد على استيفاء حقه إلا إذا وجد ما يقتضي الإجبار عليه وهو المحافظة على حياة الطفل.

ومن جهة أخرى إن الأم أكثر الناس شفقة وحناناً على ولدها، وهي لا تمتنع عن إرضاعه إلا لعدم قدرتها عليه، فإجبارها حينئذ يلحق الضرر بها، لأنها ستفعل ما لا قدرة عليه أو تتضرر به، وقد نفى الله عنها الضرر بسبب ولدها {لا تضار والدة بولدها}.

وفي هذه الحالة يجب على الأب أن يستأجر له مرضعاً تقوم بإرضاعه حفظاً له من الهلاك.فإن لم يقم الأب باستئجار المرضعة كان للأم أن تطالبه بالقيام بذلك أو بدفع أجرة الرضاع إليها لتقوم هي باستئجار المرضعة محافظة على ا لولد. – هل تسقط حضانة الأم بالامتناع عن الإرضاع؟

وامتناع الأم عن الإرضاع لا يسقط حضانتها لأنهما حقان منفصلان لا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر، وعلى الأب في هذه الحالة أن يتفق مع المرضعة على القيام بعملها على وجه لا يضيع حق الأم في الحضانة ، كأن تقوم بإرضاعه عند أمه أو بنقل الولد إليها في أوقات الرضاعة ثم يرد إلى أمه، فإن لم يتفق معها على شيء من ذلك كان عليها أن تذهب إلى حيث يوجد الطفل عند حاضنته سواء كانت هي الأم أو غيرها لتستطيع الحاضنة القيام بما تقتضيه الحضانة.وإذا كان للأب الحق في استئجار المرضعة عند امتناع الأم فليس معنى ذلك أنه يتحكم في أمر الإرضاع ويمنع الأم منه إذا رغبت فيه بعد الامتناع عنه، لأن الأم حقها ثابت في الرضاع وهي أحق به من الأجنبية،

ولا يملك الأب منعها منه ما لم يلحقه ضرر منه بأن كانت الأم تطلب أجراً عليه – حينما تستحق تستحق الأجر – بينما توجد متبرعة به، أو تطلب أكثر مما تطلبه المرضعة، لأن القرآن كما نفى الإضرار بالأم نفاه أيضاً عن الأب {ولا مولود له بولده}، وليس في منعها إضرار بها لأنها التي أساءت استعمال حقها بطلب الأجر أو الزيادة، وفي هذه الحالة يقال للأم: إما أن ترضعيه مجاناً أو بمثل الأجر الذي قبلته المرضعة أو تسليمه لها لترضعه وهي بالخيار.

لكن يستثنى من ذلك ما إذا كانت الأم مريضة بمرض يخشى على الطفل منه أو ثبت بالتحليل الطبي أن لبن الأم لا يصلح للطفل لسبب من الأسباب. ففي مثل هاتين الحالتين يكون للأب منع الأم من إرضاعه وإعطاؤه للمرضعة محافظة عليه ومنعاً للضرر عنه.

وإذا سقط حق الأم في الرضاع كان على المرضعة أن توفي بما التزمت به. فإن كانت متبرعة وأرضعته فترة ثم رغبت في إنهاء تبرعها أجيبت إلى ذلك لأنها محسنة، وما على المحسنين من سبيل، إلا إذا كان الطفل لا يقبل ثدي غيرها فإنه يلزمها إرضاعه إلى أن يستغني عن الرضاع حتى لا يلحقه ضرر، ويجب لها أجر مثلها في المدة الباقية لأنها أنهت تبرعها.

وكذلك إذا كانت ترضع بأجر وانتهت المدة المتفق عليها ولم يستغن الطفل عن الرضاع أجبرت على مد الإجارة لمدة أخرى تكفي لاستغناء الطفل عن الرضاعة إذا لم يقبل الطفل ثدي غيرها دفعاً للضرر عن الرضيع، وهي لا يلحقها من ذلك ضرر حيث يجب لها أجر المثل عن المدة الثانية.

الفَصل الثّاني
108- أجرة الرضاع:والكلام في هذا الفصل يتناول الأمور الآتية:

1- من التي تستحق أجرة على الرضاع؟.

2- متى يستحق الأجر؟.

3- المدة التي تستحق فيها أجرة الرضاع.

4- مقدار الأجرة.

5- وعلى من تجب ؟.

1- من التي تستحق أجرة على الرضاع؟فذهب الحنفية: أن التي تقوم بالإرضاع إما أن تكون الأم أو غيرها، والأم إما أن تكون زوجة لوالد الرضيع أو معتدة منه بطلاق بائن أو رجعي، أو انتهت عدتها. فإن كانت زوجة أو معتدة من طلاق رجعي فلا تستحق أجرة على الإرضاع مطلقاً سواء كان واجباً عليها أو لا، لأن أجرة الرضاع ليست عوضاً خالصاً بل هي أشبه بالنفقة، لأن المقصود منها تغذية الأم ليدر لبنها الذي هو غذاء للصغير، ولأن الإرضاع واجب عليها ديانة عندهم، والواجب الديني لا يستحق عليه أجر، ولأن نفقتها في هذه الحالة واجبة على الأب باعتباره زوجاً أو مطلقاً فلا يجمع لها بين نفقتين في وقت واحد، لأنه غير معهود في الشرع.

وإن كانت معتدة من طلاق بائن ففي إحدى الروايتين في المذهب تجب لها النفقة، لأن الزوجية قد انتهت بالطلاق البائن فأشبهت الأجنبية. وفي الرواية الأخرى لا تجب لها النفقة على الإرضاع، لأن زوجيتها وإن انقطعت بالطلاق البائن إلا أنها تجب لها النفقة على مطلقها على والد الرضيع مادامت في العدة، فلو أوجبنا لها أجرة على الرضاع لكانت جامعة بين نفقتين في وقت واحد. وفقهاء المذهب وإن اختلفوا في الترجيع لتلك الروايتين إلا أن الفتوى على الثانية وهي التي تمنع وجوب النفقة.

أما إذا انتهت عدتها فتستحق الأجرة قولاً واحداً سواء كانت متعينة للإرضاع أو لا، لأنها أصبحت أجنبية من كل وجه وارتفعت نفقة عدتها لقوله تعالى في شأن المطلقات: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]. وإذا كان المانع من وجوب أجرة الرضاع للمعتدة هو استحقاقها نفقة للعدة على والد الرضيع فيكون عدم استحقاق الأجرة على الرضاع للمطلقة مرتبطاً بوجوب النفقة لها لا بكونها معتدة

. وعلى هذا إذا قامت بالإرضاع لا تستحق أجراً عليه مدة سنة، وبعد انقضائها تستحق الأجرة إلى أن تنتهي مدة الرضاع، لأنها صارت في حكم التي انقضت عدتها.

وكذلك لو كانت أسقطت نفقة عدتها في مقابل طلاقها منه يكون حكمها كحكم من انقضت عدتها في استحقاق الأجرة لانقطاع نفقتها من الأب، وكذلك التي تزوجت بدون عقد موثق فإنها لا تستحق نفقة على زوجها إذا لم يعترف بالزوجية.

2- متى تستحق المرضع الأجر على الرضاع؟

إذا كانت المرضع هي الأم فإنها تستحق الأجر بمجرد الإرضاع، ولا يتوقف استحقاقها على سبق اتفاق بينها وبين الأب ولا على قضاء القاضي به، ويكون الأجر المستحق هو أجر مثلها إلى أن يتفقا على قدر معين، وتكون ديناً على الأب لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء منه، فلو ماتت الأم قبل قبضه كان لورثتها حق المطالبة به باعتباره جزءاً من تركتها، ولو مات الأب قبل قبض الأم له أخذ من تركته كسائر الديون، وكذلك لا تسقط بموت الرضيع.

وإنما استحقت الأم الأجر دون توقف على اتفاق سابق لأن القرآن رتب الأجر على الإرضاع في قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} فقد أمرت الآية بإعطاء الأجر بمجرد الإرضاع دون تقيده بقيد آخر.ولأن إقبال الأم على إرضاع وليدها قبل الاتفاق على الأجر لا يدل على أنها متبرعة به، لأن عطفها وحنانها على وليدها هو الذي دفعها إلى الإرضاع، ولا يعقل أن تراه يتلوى أمامها من الجوع وتتركه بدون إرضاع حتى يتم الاتفاق مع أبيه.

أما غير الأم فإنها لا تستحق الأجر بمجرد الإرضاع، بل لا تستحقه إلا من وقت الاتفاق، لأنها مستأجرة للإرضاع فلا تستحق الأجرة إلا من يوم العقد.

3- مقدار المدة التي تستحق فيها أجرة الرضاع:لا تستحق الأم أجراً على الرضاع لأكثر من سنتين باتفاق الحنفية حتى ولو زاد إرضاع الطفل عن هذه المدة لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فقد جعلت الآية تمام الرضاع كمال الحولين وليس بعد التمام زيادة.

فلو زاد عن الحولين لا تجب أجرة على الزيادة وإن جاز ذلك الرضاع. ولو اتفق الأب والأم على إنقاص المدة عن الحولين جاز إذا كان في ذلك مصلحة الرضيع لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}.

4- مقدار أجرة الرضاع:مقدار الأجرة التي تستحقها الأم في الحالات التي تستحق فيها الأجر هو ما اتفقت مع الأب عليه إذا اتفقا على شيء قبل الإرضاع، وإن لم يكن بينهما اتفاق على قدر معين فإنها تستحق أجر المثل وهو الأجرة التي تقبل امرأة أخرى أن ترضع به، فإذا تنازعا قدره القاضي بذلك، فإن طلبت أكثر من ذلك لا تجاب إلى طلبها.

5- على من تجب أجرة الرضاع؟إذا كان للرضيع مال وجبت الأجرة في ماله، لأن رضاع الصغير هو غذاؤه، وغذاؤه من نفقته، والأصل في النفقة أنها تكون من مال الشخص، فإن لم يكن له مال فتكون على أبيه إن كان موسراً.فإن كان معسراً وقادراً على الكسب أجبرت الأم على إرضاعه ويكون الأجر ديناً على الأب يدفعه لها إذا أيسر، وإن كان معسراً عاجزاً عن الكسب أو متوفى وجبت أجرة الرضاع على من تجب عليه نفقة الصغير من الأقارب لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ…} إلى أن قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث نفقات الأقارب