مناقشة قانونية حول وضع بدائل للعقوبات السالبة للحرية

المنظور القضائي لسياسة عقابية قائمة على دعم بدائل العقوبات السالبة للحرية

Mohamed BENALILOU

محمد بنعليلو

مقدمة

لا أحد ينكر مكانة السجن في الأنظمة العقابية التقليدية، ولا أحد ينكر أيضا الانتقادات الموجهة لمرتاديه في مجال التأهيل، هذه التجاذبات أفرزت تجليات تشريعية لتدابير بديلة للعقوبة السالبة للحرية، باعتبار ما تعطيه، حسب المدافعين عنها، من آليات عقابية جديدة تخدم المنظور الجديد للعقاب.

وبالنظر لتعدد المقاربات التي تناولت فكرة بدائل العقوبات، اخترنا معالجة هذه المسألة في معناها الواسع، من غير تناول هذه التدابير البديلة بالتفصيل والاكتفاء ببيان الموقف القضائي من تطبيقات بعضها.

لقد تواترت دعوات الهيئات الدولية الرامية إلى تشجيع الإشراف القضائي على تنفيذ العقوبات البديلة، للخروج من أزمة العقوبة التي تشهدها السياسات الجنائية التقليدية، مما دفع العديد من التشريعات إلى إسناد اختصاص تنفيذ هذه العقوبات لجهات قضائية، وأحدثت لذلك مؤسسات قانونية مختصة (قاضي تطبيق العقوبات، قاضي الحرية والاعتقال) أو منحت اختصاص تنفيذها لمؤسسات قضائية قائمة (النيابة العامة، هيئات قضائية).

غير أن التعامل القضائي مع موضوع بدائل العقوبات، سجل مواقف مترددة، بين من يتمسك باستخدام العقوبات الحبسية كجواب جنائي وحيد، (حال القضاء في معظم المجتمعات العربية حاليا) وبين من ينادي بتطوير بدائل للعقوبات السالبة للحرية، بسبب عدم استقرار التوجهات التشريعية، بما يحول دون تحقيق سياسة عقابية مقروءة من القضاة قبل غيرهم لأن الاستخدام القضائي لبدائل الاعتقال لا يمكن أن يتطور ويؤثر على معدل الاعتقال إلا في إطار سياسة تشريعية متماسكة ومستقرة وقابلة للقراءة من طرف الساهرين على الاعتقال الاحتياطي.

ومما لا شك فيه أن العوامل التي يمكن أن تؤثر على الاختيار القضائي تتعدد بحسب كل مرحلة من مراحل المحاكمة الجنائية. فسواء قبل المتابعة من خلال إيجاد “بدائل الملاحقة القضائية” وتوسيع دور النيابة العامة، لزيادة معدل الاستجابة الجنائية وإعمال بدائل المتابعة. أو بعد المتابعة الجنائية باعتبارها أساس معالجة السلوك المنحرف في المجتمع، بما يجعل أعضاء النيابة العامة في تساؤل مستمر عن مستوى (الخطورة) وعن المعايير التي تتيح لهم اللجوء إلى الاعتقال عوض اللجوء إلى ترك الاعتقال. لأجل ذلك نعتقد أن الحل بالنسبة لتدابير العقوبات ليس تشريعيا محضا وإنما هو حل قضائي بامتياز، أما وأن نسعى إلى تطوير بدائل الاعتقال الاحتياطي، في ظل السياسات القائمة فإن ذلك سيكون مؤشر فشل أي سياسة تشريعية لبدائل الاعتقال.

ومن بين التدابير التي نرى أن لها دورا بالغا في موضوع بدائل العقوبة السالبة للحرية هناك “الوساطة الجنائية” باعتبار دورها ليس كبديل للمتابعة القضائية ولكن كبديل للاعتقال. فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الموروث الثقافي والديني أمكن تمديد آثارها إلى ما بعد المتابعة القضائية و لم لا إلى ما بعد الإدانة، طبعا مع ما يقتضيه الأمر من كثير حذر ومهنية عالية لتفادي إمكانية إعادة إنتاج “منطق التأثير والتأثر”.

بالموازاة مع ذلك لا يمكن إغفال تدابير المراقبة القضائية التي يحتل فيها الإشراف القضائي مكانة متميزة في جل الأنظمة القضائية، فهي تتخذ وتراقب من طرف القضاء (التحقيق أو قاضي الحرية والاعتقال)، وفي أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة، غير أن قياس استخدامها يقتضي وقفة تأمل لمعرفة المدى الحقيقي لتأثير قرارات المراقبة القضائية على خفض عدد قرارات الاعتقال، وبالتالي ما إذا كان هذا التدبير يشكل فعلا تدبيرا بديلا للاعتقال، خاصة إذا سلمنا بوجود عقبات حقيقة تحول دون تطوير المراقبة القضائية بما في ذلك ثقافة قضائية غير متكاملة حول الطابع الاستثنائي للاعتقال الاحتياطي، عدم فعالية ومصداقية التدبير، نقص المراقبين، قصور بعض النصوص القانونية عن تحدد مضمون التدبير بدقة، قلة استعداد القضاة لخوض هذه “المخاطرة. ينضاف إلى ذلك الاعتراضات الإيديولوجية أو الثقافية، المسيطرة في المجتمع.

وعموما ينبغي الإشارة إلى ما يمكن تسميته بمواطن ضعف الممارسة القضائية في علاقتها ببدائل الاعتقال التي ترجع إلى نتائج البحث الاجتماعي وعدم موثوقية المعلومات التي يقدمها، وضعف النتائج التي حققتها المرافعة الوجاهية قبل اتخاذ قرار الاعتقال، إضافة إلى المشاكل الهيكلية والتشريعية التي تواجه المؤسسات القضائية التي تم خلقها لهذه الغاية من قبيل قاضي تطبيق العقوبات وقاضي الحرية والاعتقال، بما جعل تأثيرها محدودا للغاية.

نفس التصور الذي يحكم مرحلة ما قبل المحاكمة، يسري أيضا على مرحلة إصدار الحكم، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه المرحلة التي تتأثر بشكل كبير بقرار الإحالة الفورية، التي اعتبرت حركة معاكسة لإصدار أحكام بعقوبات بديلة، بما تشكله من ضغط على القضاة لفائدة الزيادة في الاعتقال. كما أن الهوة الواقعية بين إصدار أحكام بعقوبات بديلة وتنفيذ هذه الأحكام أدت إلى ردود فعل لدى قضاة اعتبروا أن الأحكام ينبغي أن تصدر بعقوبات “فعالة” والفعالية طبعا حسب تقديرهم تتجلى في “الحبس النافذ”، لأن ضعف مراقبة الالتزامات المفروضة قضائيا عند الحكم بعقوبات بديلة جعل القضاة ينظرون إلى هذه التدابير على أنها وسيلة إفلات من العقاب.

إن العقوبات البديلة تهدف إلى تمكين المتهم من تجنب السجن، مع ما لها من تأثير عقابي أكبر من العقوبات السالبة للحرية خاصة بالنسب لفكرة إعادة الإدماج وتفادي تكرار حالات العود وهو المنطق الذي يبرر التدخل القضائي في حالة عدم الامتثال للالتزامات التي يقرها الحكم القضائي لفرض احترام ذلك ولو من خلال تغيير التدبير بعقوبة سالبة للحرية.

خـــلاصــــة :

يلاحظ في الممارسة القضائية أن بعض القضاة يجهلون التدابير البديلة، يجهلون مضمونها، يجهلون معناها، و يجهلون استخدامها، وتقييم نتائجها، لذا ينبغي مصاحبة أي تدبير تشريعي بعمل

تحفيزي وتدريبي لتوعية القضاة بأهمية التدابير البديلة، ولا ينبغي حسب رأيي في مجال تنفيذ العقوبات البديلة التمسك بفكرة أن الأمر هو أساسا من اختصاص الدولة بل ينبغي التفكير في “خوصصة” تنفيذ التدابير البديلة، في نوع من التراجع عن فكرة السيادة الوظيفة أمام فكرة السيادة الرمزية على الأقل في هذا الشأن.