مناقشة قانونية حول نظام تسليم المجرمين

اولا : تعريف تسليم المجرمين

إن اصطلاح ” تسليم المجرمين او extradition بالفرنسية و هذا الإصطلاح استخدم لأول مرّة في مرسوم 19 فيفري 1791 في فرنسا و استخدم لأول مرّة في بريطانيا في قانون التسليم سنة 1870.

لا يوجد تعريف محددة لتسليم المجرمين و هذا الامر يرجع لعدة اسباب و هذا بسبب اختلاف قواعد الدول في الأخذ بهذا النظام و كذلك ظهور مشكلة إمكانية تسليم الرعايا من عدمه .

و من أهم التعريفات التي أطلقت على نظام تسليم المجرمين ما يلي :

تعريف الدكتور جندي عبد المالك : ” عمل تقوم بمقتضاه الدولة التي لجأ أرضها شخص متهم أو محكوم عليه في جريمة بتسليمه
إلى الدولة المختصة بمحاكمته أو تنفيذ العقوبة عليه ”

تعريف الدكتور محمد الفاضل :” هو أن تتخلى دولة عن شخص موجود في إقليمها إلى دولة أخرى بناءا على طلبها لتحاكمه عن جريمة
يعاقب عليها قانونها أو لتنفيذ فيه حكما صادرا عليه من إحدى محاكمها ”

تعريف عبد الأمير حسن :”أحد مظاهر التضامن الدولي لمكافحة الجريمة تقوم بموجبه دولة ما بتسليم شخص مقيم في
إقليمها إلى دولة أخرى تطلبه لتحاكمه عن جريمة انتهك بها حرمة قوانينها أو لتنفيذ فيه حكما صادرا عليه من
إحدى محاكمها”

ثانيا – طبيعة التسليم

لقد ظهر إختلاف كبير في تحديد طبيعة تسليم المجرمين و ظهرت 3 إتجاهات نجملها فيما يلي :

الإتجاه الأول : يرى أنّ التسليم يعد من أعمال القضاء لأن هدفه توقيع العقوبة على المجرم الذي انتهك حرمة قوانين الدولة طالبة التسليم فالسلطة التي تقوم بإجراءات التسليم والفصل فيه هي السلطة القضائية (وكيل الجمهورية و النائب العام على مستوى المجلس القضائي و على مستوى المحكمة العليا )

الإتجاه الثاني :وفقا لهذا الإتجاه فإن التسليم هو عمل إداري من أعمال السيادة تباشره الحكومة بمقتضى هذا الحق، ولا يمكن للسلطة
القضائية أو الدولة طالبة التسليم إجبار حكومة الدولة المطلوب منها التسليم على التسليم، إذا ما رأت هذه الأخيرة أن شروط التسليم غير
متوفرة أو أنه لا يجوز التسليم في مثل هذا النوع من الجرائم، أو لأي سبب أخر يحول دون التسليم القانوني.

الإتجاه الثالث : وفقا لهذا الإتجاه فهناك طبيعة مزدوجة للتسليم، فهو من جهة يعتبر عملا قضائيا من حيث الإجراءات التي يقوم بها
القضاء، في إصدار أوامر بالقبض والتحقيق وإصدار قرار التسليم ومن جهة أخرى فإن القرار النهائي لقبول التسليم، أو رفضه يبقى
للسلطة السياسية, ويصبح دور القضاء دورا استشاريا.

و هذا ما اخذ به المشرع الجزائري من خلال لرجوع إلى أحكام المواد 704 إلى 710 من قانون الإجراءات الجزائية فإنّ وزارة الخارجية هي من تتلقى طلبات التسليم و تخضع طلب التسليم للفحص أما الإجراءات المتعلقة بالاستجواب والقبض المؤقت فالفصل في طلب التسليم بالقبول أو الرفض كله يعود إلى الجهة القضائية و هي الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا .

و نرى ان المشرع الجزائري قد عالج الاحكام عندما تكون الجزائر مطلوب منها التسليم فقط و لم يعالج لنا احكام التسليم عندما تكون الجزائر مطالبة بالتسليم .

ثالثا – آثار التسليم

ان تسليم المجرمين يرتب اثارا بالنسبة للدولة الطالبة و المطلوب منها التسليم

أ – مبدأ التخصيص

ويقصد به أن تكون متابعة الشخص المطلوب تسليمه عن الوقائع المتابع بها والمسلّم لأجلها فقط و لا يجوز للجهات القضائية
متابعته عن امور اخرى لم ترد في طلب التسليم فنجد ان معهد القانون الدولي في دورته المنعقدة في أكسفورد عام 1880,
نصّ على : ” أنّ الحكومة التي سلّم لها مجرم هارب مجبرة على عدم محاكمته أو عقابه إلاّ عن الفعل المحدد الذي سلّم من أجله إلاّ إذا كان هناك اتفاق خاص ينص على خلاف ذلك”.

و الهدف من هذا المبدأ هو القضاء على التحايل والغش في التسليم كأن يطلب لأجل جريمة عادية لكن الغاية من التسليم هو المتابعة لأجل جريمة سياسية.

ب – تنفيذ التسليم

وهي المرحلة التي تلي إجراءات الموافقة على التسليم وتبدأ بصدور أمر الموافقة على التسليم من طرف الدولة المطلوب منها
التسليم بالمكان والزمان المحددين للتسليم. و غالبا ما يتم التسليم عن طريق الإنتربول (المنظمة الدولية للشرطة الجنائية ) و من اهم عناصر تنفيذ التسليم ما يلي :

* مدّة التسليم : أغلب المعاهدات والنصوص القانونية حددت مدّة زمنية .يجب أن يجري خلالها التسليم, و إذا لم يتّم خلال هذه
المدّة جاز للدولة المطلوب منها التسليم إطلاق سراح الشخص المطلوب في حين ذهبت قوانين أخرى ليس لإطلاق سراح الشخص
المطلوب فحسب وإنما إلى رفض التسليم ولو جدد الطلب مرّة أخرى عن نفس الجريمة . و استاثناءا يجوز ترتيب موعد جديد اذا تعذر
التسليم بسبب مرض شديد للشخص المطلوب تسليمه او بسبب ظروف طارئة خارجة عن ارادة الدولة .

* مكان التسليم : وقد جرى العمل على أن يكون مكان التسليم هو أحد موانئ أو مطارات الدولة المطلوب منها التسليم أو أحد نقاط
الحدود بالنسبة للتسليم الذي يتم بين الدول المتجاورة وهناك العديد من الاتفاقيات التي تحدد مكان التسليم وكيفية التسليم .

ج- نفقات التسليم

إنّ عملية التسليم تتطلب إنفاق بعض الأموال وقد تكون ذات قيمة معتبرة نظرا لإجراءات المتخذة و قد ظهر إتجاهين في هذا الإطار و هما :

الاتجاه الأول : يرى ان عبء نفقات التسليم تقع على عاتق الدولة طالبة التسليم وقد يتّم تعويض الدولة المطلوب منها التسليم
عن كل ما أنفقته حتى يتّم استكمال التسليم .

الاتجاه الثاني : وهو أن تتحمل كل دولة النفقات التي تتطلبها عمليّة التسليم التي تنفق من قبلها في إقليمها .

د-إعادة التسليم:

ويقصد به أنّ تسلم الدولة التي استلمت الشخص إلى دولة أخرى بناءا على طلبها , بنفس إجراءات التسليم التي تم بها جلبه
إليهاذهب المشرع الجزائري إلى أنه لا يجوز إعادة تسليم الشخص المسلّم إلى دولة أخرى بناءا على إجراءات التسليم , إلاّ بعد
استصدار موافقتها ويعود ذلك إلى كون سيادتها مازالت قائمة في حين سيادة الدولة الجزائرية على الشخص المسلّم لها عارضة
وفي حدود الجريمة المسّلم بشأنها. غير أنّ هذه السيادة ليست دائمة ,فهي تسقط إذ ما كان في إمكان الشخص المسلّم أن يغادر
الأراضي الجزائرية, وقد مرّت عليه المدة القانونية والمحددة بشهر وعليه يجوز تسليمه دون الرجوع إلى موافقة الدولة التي سلمته
لأول مرّة. و اعادة التسليم قد تكون لدولة ثالثة و قد تكون للدولة المطلوب منها التسليم و هنا كيون التسليم مؤقتا فقط .