الضمانات القانونية أثناء توقيف المتهم في التشريع العراقي

يعد التوقيف من الإجراءات الخطيرة والمهمة التي يمكن ان تتخذ ضد المتهم ، لان له مساس بحريته الشخصية أولاً ،والتي حماها الدستور في المادة (37/ب) بقوله((لايجوز توقيف أحد أو التحقيق معه ألا بموجب قرار قضائي))، ولما قد يترتب عليه من مساس بسلامة جسمه نتيجة لما يعانيه من ظروف صعبة اثناء وجوده بالموقف ثانياً . ولهذا لابد ان يحاط المتهم بالضمانات الكفيلة أثناء اللجوء لهذا الاجراء،وهذا ما سنتطرق إليه في هذا الموضوع.

1 – مفهوم التوقيف: يقصد بالتوقيف حجز المتهم قبل صدور الحكم عليه ويعرف ايضا بأنه اجراء احتياطي وقتي يوضع بموجبه المتهم في مكان معين بامر من جهة قضائية وللمدة المقررة قانونا ، وتحاول الجهات المختصة خلالها التاكد من ثبوت التهمة او نفيها ويخضع المتهم الموقوف لنظام خاص . وعرف ايضا بانه اجراء تحفظي ضد من ينسب اليه ارتكاب جناية او جنحة يخشى فيه فيما لو ترك حرا طليقا ان يؤثر على الشهود او يعبث بالادلة أو يحاول الهرب للإفلات من العقوبة التي قد توقع عليه ” (3) . وعرف ايضا بانه ” سلب حرية المتهم بإيداعه في السجن خلال مرحلة الخصومة الجنائية او لفترة منها.

ومهما قيل بصدد تعريف التوقيف فان الجميع متفق على انه اجراء من اجراءات التحقيق تفرضه ضرورات معينة ، وهو ليس بعقوبة ، وعليه يجب ان لا تسرف سلطات التحقيق في استعمال هذه الرخصة ما لم تكن ضرورية ولصالح التحقيق (5) .

2– الجهة المختصة بإصدار أمر التوقيف : ان المشرع العراقي جعل اصدار امر التوقيف بيد قاضي التحقيق ، الا انه وللضرورات العملية اجاز للمحقق ذلك على سبيل الاستثناء بالنسبة للمتهم بارتكاب جناية عند وجوده في منطقة نائية ولا يمكنه الاتصال بالقاضي المختص (1) .
وحسنا فعل المشرع العراقي عندما قصر الامر على قاضي التحقيق أوالمحكمة وجعلهما السلطة الاصيلة في اصدار امر التوقيف باستثناء اعطاء هذه السلطة للمحقق في المناطق النائية ، وذلك لكونهما يمتازان بالكفاءة والاستقلال وحسن التقدير الذي يطمئن معه إلى اتخاذ هذا الاجراء بشكل سليم .

3 – الأحوال التي يجوز فيها التوقيف : حدد المشرع العراقي الحالات التي يجوز فيها للسلطة المختصة إصدار امر التوقيف وهي :-
الجريمة التي عقوبتها الحبس لمدة تزيد على 3 سنوات او السجن المؤقت او المؤبد ، إذ ان الاصل في هذه الجرائم هو ان تقرر السلطة المختصة توقيف المتهم ، اما الاستثناء فهو اطلاق سراح المتهم بتعهد مقرون بكفالة او بدونها إذا رأى القاضي ان ذلك لا يضر بسير التحقيق ولا يؤدي إلى هروب المتهم.
الجريمة التي عقوبتها 3 سنوات فاقل او الغرامة فالاصل ان يقرر اطلاق سراح المتهم او الاستثناء هو جواز توقيفه إذا كان اطلاق سراحه يضر بسير التحقيق او يؤدي إلى الهرب .
الجريمة المعاقب عليها بالاعدام يجب فيها التوقيف ولا يجوز اطلاق السراح بكفالة .
إن تحديد الحالات التي يمكن فيها لقاضي التحقيق او المحكمة اصدار امر التوقيف او اطلاق السراح تشكل ضمانة للمتهم ، إذ يستطيع من خلال هذا التحديد معرفة مقدار السلطة التي يملكها قاضي التحقيق او المحكمة في اللجوء لاصدار امر التوقيف وبالتالي الطعن بهذه القرارات عند عدم قناعته مما يعني امكانية نقض هذه القرارات والتخلص من اثارها الماسة بسلامة الجسم.

4 – تحديد مدة التوقيف : التوقيف إجراء استثنائي تسوغه ضرورات عملية مهمة ، لذا فهو اجراء مؤقت بحكم طبيعته ولابد ان ينتهي بانتهاء الضرورات التي دعت إليه .
إن لقاضي التحقيق أو المحكمة الحق في ان يامر بتوقيف المتهم لمدة لا تزيد على 15 يوما في كل مرة وهذا يعني ان للقاضي سلطة تقديرية في تحديد مدة التوقيف من (24) ساعة إلى (15) يوما ، وذلك لان النزول بهذه المدة يكون من مصلحة المتهم وبالتالي فهو ضمانة له لانه لا يجوز للقاضي اصدار امر بالتوقيف لمدة اكثر من (15) يوما والا كان قراره باطلا بالنسبة للمدة الزائدة.

ومن الضمانات الاخرى المقررة للمتهم ضرورة تمديد مدة التوقيف عند انتهائها وان يكون التمديد بحضور المتهم امام القاضي لسؤاله عن معاملته في التوقيف والفترة التي قضاها فيه ، وعليه يجب على قاضي التحقيق عدم اصدار قرار بتمديد مدة التوقيف عند عدم احضار المتهم امامه . الا ان ما يجري عليه العمل في قضايا التحقيق هو قيام القاضي بتمديد مدة التوقيف من دون احضار المتهم امامه ، ولهذا نؤيد ما ذهب اليه البعض بضرورة النص من قبل المشرع العراقي على وجوب حضور المتهم امام قاضي التحقيق عند تمديد مدة توقيفه ، فقد تتكون لدى القاضي قناعة بضرورة اطلاق سراح المتهم وعدم تمديد توقيفه . كذلك ندعو اعضاء الادعاء العام إلى تعزيز دورهم الرقابي الفاعل في زيارة المواقف والاطلاع على احوال الموقوفين والاستفسار منهم عن اوضاعهم داخل الموقف والاستماع لشكاوى الموقوفين ورفع التقارير إلى المراجعة المختصة .

5 – حق المتهم في الطعن بقرار التوقيف وحقه في طلب اطلاق سراحه بكفالة او بدونها ، إذ نصت المادة 249 / ج من قانون اصول المحاكمات الجزائية على انه ” لا يقبل الطعن تمييزا على انفراد في القرارات .. واي قرار اخر غير فاصل في الدعوى … ويستثنى من ذلك قرارات القبض والتوقيف واطلاق السراح بكفالة او بدونها ” كما تنص ( الفقرة أ من المادة 265 ) من القانون نفسه على انه ” يجوز الطعن تمييزا امام محكمة الجنايات من ذوي العلاقة المنصوص عليهم في المادة 249 … وفي القرارات الصادرة من قاضي التحقيق خلال ثلاثين يوما تبدأ من اليوم التالي لتاريخ صدورها ” . أما بالنسبة لطلب اطلاق السراح بكفالة او بدونها فقد نصت (المادة / 111) من القانون المذكور على انه ” للقاضي الذي اصدر القرار بالتوقيف ان يقرر اطلاق سراح المتهم بتعهد مقرون بكفالة او بدونها قبل انتهاء مدة التوقيف مع مراعاة الفقرة (ب) من المادة
109 … ” .

6 – ضرورة عدم تجاوز مدة التوقيف ربع الحد الأقصى للعقوبة
نصت ( الفقرة ج من المادة 109) من قانون اصول المحاكمات الجزائية على إنه لا يجوز أن يزيد مجموع مدد التوقيف على ربع الحد الاقصى للعقوبة ولا يزيد بأية حال على ستة أشهر واذا اقتضى الحال تمديد التوقيف اكثر من ستة اشهر ، فعلى القاضي عرض الامر على محكمة الجنايات لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على ان لا تتجاوز ربع الحد الاقصى للعقوبة او تقرر اطلاق سراحه بكفالة.

ويؤخذ على نص (الفقرة ج من المادة 109) من قانون اصول المحاكمات الجزائية انها اوجبت عدم زيادة مدة التوقيف على ربع الحد الاقصى للعقوبة ، الا ان هذه المدة طويلة فالمتهم قد يمضي ربع الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة المتهم بارتكابها ثم يتبين بعد ذلك براءته من تلك التهمة المنسوبة إليه هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى ان تمديد التوقيف إلى ربع الحد الاقصى للعقوبة لا يتماشى مع التعليمات الخاصة بالسقوف الزمنية الخاصة بحسم الدعاوى الجزائية التي حددت سقف زمني لحسم الدعاوى وحسب نوع الجريمة . فبالنسبة للجناية حددتها باربعة أشهر والجنح بشهرين وشهر واحد بالنسبة للمخالفات ، ابتداءً من تاريخ الاخبار ، فان تجاوز هذه السقوف يخل بالضمانة المقررة للمتهم وهي الاسراع في حسم القضية وهي الغاية المتوخاة من تحديد السقوف الزمنية ، لان حسم تلك الدعاوى في الوقت المحدد يخفف المعاناة التي يتعرض لها المتهم اثناء وجوده في اماكن التوقيف . لذا ندعو المشرع العراقي إلى تخفيف الحد الاقصى للمدة التي يمكن ان يبقى فيها المتهم موقوفا وجعلها سنة واحدة كحد أعلى ما عدا الجرائم المعاقب عليها بالإعدام ، إذ يجوز أن تزيد على هذه المدة .

7 : المعاملة اللائقة للموقوف : لا يقبل إيداع أي متهم في الموقف إلا بناءً على امر
صادر من السلطة المختصة بإصداره ، وعند ايداع المتهم الموقف يخضع لمعاملة

خاصة تختلف عن معاملة المحكومين ، وهذا الامر تفرضه ظروف التحقيق فالمتهم لا يزال في موضع اتهام ولم تثبت ادانته ، القاعدة تقضي بان المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، ويسمح للموقوف بارتداء ملابسه الخاصة فهو لا يزود بملابس خاصة بالموقوفين على عكس المحكومين الذين يزودون بملابس خاصة وهذا مسلك محمود ، لان السماح للمتهم بارتداء ملابسه الخاصة لا يشعره بانه في موضوع ادانة بل على العكس يمنحه الثقة بامكانية اثبات براءته ، وهذا الامر يعزز من حالته النفسية وبالتالي المحافظة على سلامة جسمه . لكن يجوز لادارة الموقف ومراعاة للصحة او النظافة ان تقرر ارتداء الموقوفين لملابس خاصة بهم توزع لهم على نفقة الدولة . وتجيز بعض الدول للموقوف ارتداء بدلة السجن ان رغب في ذلك وإلا فله الحق بارتداء ملابسه الخاصة .

أما بالنسبة للغذاء فإن الموقوفين يزودون بوجبات طعام يفترض ان تكون كافية من حيث الكمية والنوعية للمحافظة على سلامة اجسامهم ، ويسمح للموقوفين الحصول على كميات اضافية من الطعام عن طريق الزيارات الدورية التي يقوم بها الاهل والاصدقاء لهم ، كما يسمح لهم بشراء المواد الغذائية من الاماكن المخصصة لبيعها على نفقتهم الخاصة .

و بالنسبة للحالة الصحية للموقوفين في تشريعنا العراقي فلا يوجد طبيب خاص بالموقف ، ولا يتم الكشف عليهم بصورة دورية على عكس بعض التشريعات التي اخذت بالكشف الاسبوعي بالنسبة للموقوفين الذين يعانون من امراض مزمنة او امراض خطيرة وهذا ما اخذ به القانون الانكليزي .

ويمكن نقل المتهم الموقوف إلى اقرب مؤسسة صحية عند حدوث تدهور في حالته الصحية ليلا او نهارا . ولهذا ندعو المشرع العراقي إلى ضرورة تخصيص طبيب مختص يشرف على الموقوفين ويقوم بزيارات دورية ( اسبوعية او شهرية ) لهم للاطلاع على احوالهم الصحية ويفضل ان يكون هذا الطبيب مفرغا للعمل في الموقف .

وبالنسبة لمستلزمات النظافة الشخصية فيوجد حلاق في الموقف ولكن لا يجبر الموقوف على الحلاقة إلا لأغراض صحية ويسمح للموقوفين بالاستحمام داخل الموقف اسبوعيا كما يتم اخراجهم من الموقف وتعريضهم لأشعة الشمس حسب الظروف .
أما بالنسبة للحالة الامنية للموقوفين فان المشرع العراقي عمد إلى الفصل بين الرجال والنساء وهذا الفصل ضروري جدا لان للاختلاط عواقب وخيمة . كما فصل المشرع بين البالغين والأحداث ، وهذا مسلك محمود جدا لان الاختلاط بين البالغين والاحداث له اثار سلبية منها امكانية المساس بسلامة جسم الحدث من قبل البالغين عن طريق الاعتداء عليه بالضرب او الجرح او اجبارهم على ممارسات لا اخلاقية . كذلك يقوم المشرفون على الموقف بزيارات دورية للبحث عن الأسلحة الجارحة التي قد تصل إلى الموقوفين عن طريق الأقارب والأصدقاء أثناء الزيارات ، لهذا ندعو المكلفين بإدارة المواقف إلى تشديد الرقابة على الاطعمة والمواد المجلوبة اثناء الزيارات والقيام بتفتيشها بدقة من اجل ضبط المواد المحظورة ، كذلك فرض العقوبات التأديبية على الموقوف الذي توجد بحوزته مواد ممنوعة . ولهذا فقد يلجأ المسؤولون في المواقف إلى استخدام حديد الأيدي والارجل . الا ان هذا الامر لا يجب اللجوء اليه إلا في حالات محددة ولمدة معينة . لذا كان على المشرع الانتباه اليه و وضع نص خاص في التشريعات العقابية الخاصة بإدارة المواقف ومعاملة الموقوفين . بشكل يسمح باستخدام هذه الوسيلة على سبيل الحصر ، كوقوع هياج او اعتداء جسيم او خشية الحاق ضرر جسيم بشخص المتهم او غيره ، على ان لا يتجاوز التكبيل (72) ساعة ، فإذا تطلب الامر التكبيل لمدة تزيد على ذلك لابد من حصول إذن من المراجع المختصة . كذلك يجب وضع التعليمات الخاصة باستخدام تلك الوسائل في مكان ظاهر للموقوفين للتعرف على الضوابط التي تجيز تكبيلهم منعا لتعسف رجال السلطة في اللجوء لهذه الوسيلة ، لان التكبيل هو إجراء وقائي .

أما بالنسبة للعمل داخل الموقف فلا يجبر الموقوف على العمل ولكن يمكن اجبارهم على تنظيف الموقف ، ويعفى من ذلك من كانت حالته الصحية لا تسمح له بذلك . ومن الضمانات الاخرى المهمة للمتهم هي الزيارات التي يقوم بها اعضاء الادعاء العام واللجان التفتيشية الخاصة لما لها من دور في ضبط المخالفات التي تتعلق بأحوال الموقوفين والاستماع لشكاوى الموقوفين .

8 – عرض المتهم على طبيب مختص بعد انتهاء التوقيف : توجب بعض التشريعات ضرورة عرض المتهم بعد القبض عليه أو بعد توقيفه على طبيب مختص او على طبيبه الخاص والذي يختاره من اجل التثبت من عدم تعرضه للافعال الماسة بسلامة جسمه . ولم يحو القانون العراقي نصاً من هذا القبيل ، لذلك ندعوه إلى ضرورة النص على وجوب عرض المتهم على طبيب مختص بعد توقيفه ، كونه يمثل ضمانة حقيقية للمتهم ، ويمنع سلطات التحقيق من اللجوء إلى الأساليب غير المشروعة والتي تسبب ضرر للمتهم