ملاحظات منظمة القضاة الليبيين على مشروع تجريم التعذيب والاختفاء القسري

وجهت منظمة القضاة الليبيين الى أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية بالمؤتمر الوطني العام ملاحظاتها حول مشروع قانون قانون التعذيبوالاختفاء القسري والتمييز المقدم من وزارة العدل والمعروض على اللجنة. وكانت المنظمة قد عقدتبالتعاون مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيبورشة عملبمناسبة اليوم العالمي للتعذيب بشهر يونيو 2012 الماضي مناهضة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة وأصدرت توصياتها للسلطة التشريعية لمعاجة الخلل التشريعي المحلي وقامت باحاتها للمؤتمر الوطني العام وسلمتها لديوان الرئاسة. فاذا وضعت وزارة العدل مشروع قانون بتجريم التعذيب من وحي هذه التوصيات، عادت المنظمة لتثني على بنوده المتقدمة في موازاة انتقاد الثغرات الماثلة فيه.وبذلك، تعبر منظمة القضاة عن التزامها ليس فقط في الدفاع عن استقلالية القضاة ومصالحهم المعنوية والمادية، انما أيضا عن منظومة حقوق الانسان والمواطنة، وهو التزام ورد في صلب نظامها التأسيسي. وتتابع المفكرة أعمال المنظمة منذ نشوئها وتتعاون مع رئيسها القاضي مروان الطشاني لانجاز تقرير عن القضاء العربي لسنة 2012.

المنظمة الليبية للقضاة كاحدى مؤسسات المجتمع المدني المستقلة والمعنية بالشأن القضائي والقانوني والحقوقي من ضمن أهدافها الرئيسية التعليق على مشاريع القوانين وإبداء رأيها وتقديم المقترحات البديلة ومن هذا المنطلق، اطلعت المنظمة الليبية للقضاة على مشروع تجريم التعذيب والاختفاء القسري المعروض على لجنتكم لدراسته تمهيدا لعرضه في الجلسة العامة على المؤتمر الوطني العام للتصويت عليه.

ونجد من الأهمية والضرورة الاشارة الى أن التشريع الداخلي الليبي أهمل نصوص التعذيب ولم يعطها الأولية الكاملة في توفير الضمانات والحماية اللازمة للضحية فلم ترد الا في نص واحد في قانون العقوبات الليبي المادة 435/ خاصة بتعذيب المسجونين والتي تنص (كل موظف عمومي يأمر بتعذيب المتهمين أو من يعذبهم بنفسه يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات) وإن كان هذا النص اعتبر جريمة التعذيب جريمة خطيرة وصنفها كجناية الا أنه لم يعرّف التعذيب بشكل شمولي كما ورد في المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب الذي حدد أنواعه كحدوث ألم جسدي أو عقلي أو التخويف أو الارغام او المعاملة القاسية والمهينة كذلك التمييز أو السكوت عنه. ومن هذه الناحية، يظهر النص الوارد في قانون العقوبات الموضوع سنة 1953 الحالي قاصرا وعاجزا عن تلبية طموحات النشطاء المهتمين بالتعذيب وكذلك الضحايا.

ومن أهم التوصيات التي انتهت اليها الندوة التي عقدتها المنظمة بالتعاون مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، الآتية:

1) المنع والحظر المطلق للتعذيب بكافة صوره وأشكاله مهما كانت الظروف والمبررات،

2) تضمين الدستور القادم مبادئ حقوق الانسان والعهود والمواثيق الدولية المناهضة للتعذيب،

3) تضمين الدستور القادم نصا يقضي بعدم جواز سقوط الدعوى الجنائية والمدنية الناشئة عن التعذيب بالتقادم،

4) تعديل القوانين الداخلية الحالية بما يتفق وجميع الصكوك الدولية المصادق عليها من قبل الدولة الليبية،

5) مطالبة السلطات الليبية على ضرورة الانضمام والتصديق على البرتوكول الاختياري لأتفاقية مناهضة التعذيب،

6) ممارسة الضغوط على السلطة التشريعية لتضمين القانون الجنائي نصوصا تجرم أعمال التعذيب سواء من أمر بالتعذيب أو باشره أو قصر في التبليغ عنه وكان حاضرا له بمناسبة وظيفته وسكت عنه،

7) تمكين مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في مجال حقوق الانسان من زيارة مراكز الاحتجاز والاطلاع على وضع المحتجزين ظروف حجزهم،

8) إتخاذ التدابير المناسبة الرامية لدعم ضحايا التعذيب،

9) تنظيم دورات تدريبية وتأهيلية لمأموري الضبط القضائي والجهات المشرفة على مراكز الاحتجاز ورجال القضاء والأطباء الشرعيين والطاقم الطبي وكل من يتعامل مع المحتجزين.

وتبعا لهذه التوصيات، وضعت وزارة العدل مشروع قانون تجريم التعذيب والاختفاء القسري والتمييز المعروض على لجنتكم وهو يتكون من تسع مواد حيث عاقب في المادة الثانية بالسجن مدة خمس سنوات لكل قام أو أمر بألحاق أذى بدني أو معنوي بمعتقل. والمميز في هذا المشروع هو شمول العقوبة لمن قام فعلا بالتعذيب ولمن أمر بذلك عكس النص السابق الذي يعاقب الفاعل الاصلي فقط. كما أن النص عاقب من سكت عن التعذيب رغم قدرته على ايقافه، وهذا الأمر يعد نقلة كبيرة في التشريع المحلي وهي محاولة جيدة لتوفير كافة الضمانات لعدم الافلات من العقاب لأي شخص اشترك أو ساهم أو أمر بالتعذيب أو سكت عن تعذيب انسان وصنف جرائم التعذيب والاختفاء القسري والتمييز كجناية أقل عقوبة لها هي خمس سنوات وتزداد مع طبيعة الضرر الواقع على الضحية فتكون ثماني سنوات اذا كان نتج عن الفعل ايذاء جسيم وعشر سنوات اذا كان الايذاء خطيرا أما في حالة وفاة المجني عليه تكون العقوبة المؤبد.

ولم يكتف المشروع بذلك بل منع العفو عن جرائم التعذيب لأي سبب ورتب عقوبات تبعية في المادة السادسة لمن يصدر ضده حكم قضائي تتمثل في حرمانه من حقوقه المدنية والسياسية ضعف مدة العقوبة المحكوم بها ومنعه من تولي أي وظيفة عامة مدى الحياة.

ثم جاءت المادة الثامنة من المشروع لتعاقب بذات العقوبة كل مسؤول سياسي أو تنفيذي أو قائد عسكري أو من يقوم مقامه اذا ارتكبت الجريمة من أحد تابعيه وتبين أنه لم يتخذ التدابير اللازمة لمنع ارتكابها أو لكشفها أو دون عرضها على السلطات المختصة بالتأديب والتحقيق والمحاكمة.

ومن هذه الزوايا، يشكل هذا القانون لو تم إقراره نقلة كبيرة في عملية تجريم التعذيب وتشديد الرقابة والملاحقة على مرتكبيه وتقديمهم للمحاكمة ترسيخا لمبدأ عدم الافلات من العقاب وحفظ حقوق الضحايا. والمميز في مشروع القانون هو معاقبة الثوار الذين يستغلون انتماءهم للثورة والدفاع عنها لتبرير ارتكاب مثل هذه الجرائم (مادة 4).

عيوب المشروع

ورغم أن هذا المشروع يشكل تطورا تشريعيا لافتا ألا أنه يعاب عليه اغفاله لبعض الجوانب المهمة وهي:

أولا،على الرغم من انضمام ليبيا لاتفاقية مناهضة التعذيب بتاريخ 16 مايو من العام 1989، إلا أن مشروع القانون، قد خلا من تعريف منضبط للتعذيب كما هو وارد في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ظروف سوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة أو اللاانسانية،

ثانيا، كان من الممكن للمشروع أن يدرج نصوص اتفاقية مناهضة التعذيب باعتبارها تشريعا وطنيا ليييا وفقا لانضمام ليبيا الى اتفاقية مناهضة التعذيب كبديل عن مشروع القانون الحالي مع اضافة ما يتعلق بالخصوصية المحلية،

ثالثا،أغفل مشروع القانون النصعلى عدم جواز سقوط الدعوى الجنائية والمدنية الناشئة عن التعذيب بالتقادم، الأمر الذي يجعل هناك امكانية لافلات الجناة من العقاب،

رابعا: لم يتعرض المشروع لابطال أى أقوال أو اعترافات، يثبت انها جاءت كنتيجة للتعذيب، أو خشية التعذيبللتعذيب واعتباره باطلة بموجب القانون.

وتاليا، وفي الوقت الذي تحيي فيه المنظمة الليبية للقضاة وزارة العدل على تقديمها لهذا المشروع الذي لو تم اقراره بعد دراسة الملاحظات وتعديل ما يجب تعديله منها سيشكل نقلة كبرى في التشريع العقابي الليبي بخصوص التعذيب، فان المنظمة الليبية للقضاة ترى من واجبها الاشارة الى بعض التوصيات الهامة من أجل مناهضة جريمة التعذيب، نجملها على النحو التالي:

1/ ضرورة أن تتناغم جميع التشريعات مع مفهوم منع التعذيب الذي ورد في إتفاقية مناهضة التعذيب،

2/ ضرورة التدخل التشريعي بضرورة وجود محام مع المتهم في كافة مراحل الدعوى الجنائية بدءا من مرحلة القبض والاحتجاز ثم مرحلتي التحقيق والمحاكمة،

3/ عدم الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي وأن تقوم الجهات القائمة بالاحتجاز، على الفور، بتقديم معلومات دقيقة عن أسباب وأماكن المحتجزين إلى أقاربهم ومحاميهم،

4/ وضع السجون أو دور التوقيف التابعة لمختلف الأجهزة الأمنية تحت رقابة القضاء ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية،

5/ حظر وتجريم استيراد أجهزة التعذيب و تحريم صنعها أصلا، وتجريم تواجدها في السجون أو مقار الاحتجاز،

6/ توعية الجهات المعنية بالتحقيق بأن تعذيب المتهم بأنواع العذاب السائدة هو عمل غير إنساني، وأن الحصول على اعترافات أو معلومات هامة قد يتم بلا لجوء إلى التعذيب، وإنما يتم وفق دراسات نفسية دون تعذيب، وهذا ما هو سائد في معظم البلاد المتقدمة،

7/ أن يساهم الإعلام بوسائل اتصاله المسموعة والمرئية والمقروءة بنشر الوعي بين الجماهير بأن التعذيب عمل شائن يدخل في باب الجريمة.