دور الادعاء العام في رصد و معالجة انتهاكات حقوق الانسان
القاضي جمعه فرج خلف

يكتسب موضوع رصد حالات التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها الموقوفين والسجناء واهميته القانونية بسبب ما يمثله من مساس خطير بأهم حقوق الانسان وحرياته الاساسية ابتداء بحقه في الحياة والسلامة البدنية والذهنية وصولا الى حقه في الكرامة الانسانية وهو ما حدا بأغلب التشريعات الجنائية الداخلية او الدولية الى النص على تجريمه.

حرية الانسان الشخصية هي اعز ما يملك وقوام حياته ووجوده واساس في بنيان المجتمع السليم وكلما كانت هذه الحرية مصانة ومكفولة لها ضمانات وجودها كما ازدهر المجتمع واذا كان هناك بعض القيود على حرية الفرد فان القواعد الاصولية المقررة هي ان الاصل في الاشياء الإباحة ،والاصل في الانسان البراءة وان الضرورات تقدر بقدرها وان الاستثناء لا يقاس عليه وهي قواعد من المتعين مراعاتها واحترامها عند وضع القواعد التنظيمية لحريات الأفراد بما لا يمس حريات الافراد الا بالقدر الضروري.

فالمساس بالحقوق الشخصية للفرد لا تبرره الا مصلحة اعلى هي حماية المجتمع الذي يكفل لكل شخص حماية حريته فلا يقبض عليه او يتم توقيفه او يفتش هو او مسكنه الا في الاحوال التي ينص عليها صراحة في القانون وبناءا على امر صادر من موظفين تتوفر فيهم ضمانات خاصة تكفل استقلالهم وسلامة تصرفاتهم ولقدسية الحرية الشخصية ينص عليها غالبا في صلب دساتير الدول .

وهي القوانين العليا للبلاد تحت عنوان (ضمانات الحقوق) لتسمو نصوصها على غيرها من التشريعات وفي طليعتها الاعلان العالمي لحقوق الانسان في الامم المتحدة عام 1948 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادرة في المنظمة العالمية عام 1966 وسوف نتناول بعض المبادئ التي لا يجوز الاعتداء عليها او خرقها ومنها

1. مبدأ حق الانسان في الحياة

اولت الاتفاقات الدولية لحق الانسان في الحياة اهمية خاصة وجاء التعبير عن ذلك في المادة 6/1 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (لكل انسان الحق الطبيعي في الحياة ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان اي فرد عن حياته تعسفاً) اذ ان من الحقائق البديهية ان جميع الناس خلقوا متساوون وقد وهبهم الله حقوقاً معينة لا تنتزع منهم ومن هذه الحقوق حقهم في الحياة والحرية والسعي لبلوغ السعادة .

وقد نص الدستور العراقي لسنة 2005 في المادة (14) منه (المواطنون سواسية امام القانون ، دون تفريق بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي) وقد نصت المادة (37 اولاً أ و ب) من الدستور على انه ((حرية الانسان وكرامته مصونة)) وانه لا يجوز توقيف احد او التحقيق معه الا بموجب قرار قضائي ونرفق نسخة ضوئية من القرار المرقم 15/اتحادية/2011 اكمالاً للفائدة وقد اقر المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 الحماية الكاملة لهذا الحق ، من خلال التأكد على اتاحة الفرصة المتكافئة للإنسان ورعايته ، ووضع عقوبات شديدة لمن يعتدي على حياته . حيث جاء في المادة (405) ق.ع فرض عقوبة السجن المؤبد او المؤقت لكل من يقتل نفساً عمداً وكذلك جاء في المادة (406) ق.ع على معاقبة كل من يقتل نفساً عمداً بالإعدام في حلات الظروف المشددة الواردة فيها .

ومن واجبات الادعاء العام في الزيارات الميدانية الدورية لمراكز الشرطة والمواقف الاطلاع على القضايا التحقيقية وتفتيش المواقف والتأكد في توفر الشروط الصحية فيه وتدقيق مذكرات التوقيف والتأكد في مطابقتها لعدد الموقوفين والبت فيها او رفعها الى الجهات المختصة اضافة الى دور الادعاء العام في تحريك الشكوى العامة نيابة عن المجتمع في اي جريمة بحقوق المواطن او الدولة حيث اوجب القانون على الدوائر والمؤسسات كافة اخبار الادعاء العام بحدوث اي جنابة او جنحة تتعلق بالحق العام وقد دأبت هذه الجهات على مفاتحة الادعاء العام بطلب تحريك الشكوى الجزائية في الجرائم التي تقع فيها .

قام اعضاء الادعاء العام ومن خلال الزيارات الميدانية الى المواقف والمراكز وشاهدوا خروقات تمس حرية الاشخاص وسلامتهم وتم تثبيت ذلك في تقاريرهم وتم تحريك شكاوى ضد القائمين التحقيق والموضوع لا زال قيد الاجراءات التحقيقية . وقد تعاون معنا السادة قضاة التحقيق والسادة قضاة محاكم الموضوع حيث قام اعضاء الادعاء العام بدورهم بالشكل المطلوب و وفقاً لما رسمه القانون لهم ومانت هوامشهم على الاوراق التحقيقية ومطالعتهم تقارير الزيارات التي قاموا بها نابعة عن دراية تامة بمجريات التحقيق والمحاكمة ووفقاً لمتطلباته اكدت رئاسة الادعاء العام في مراقبة ومتابعة المواقف واتخاذ الاجراءات القانونية بحق كل من يثبت تورطه بابتزاز او ممارسات الاغتصاب بحق الموقوفات او المحكومات المودوعات في المواقف والسجون وغلق المحاجر ان وجدت ورصد الانتهاكات اطلاقاً من مبدأ الرقابة على المشروعية التي جاء بيها قانون الادعاء العام ونرفق نسخ ضوئية على سبيل المثال من نشاطات الادعاء العام في دائرة المدعي العام في الانبار بعد تعاون اجهزة الشرطة بكافة اقسامها معنا خدمة للصالح العام اكمالاً للفائدة .

2. مبدأ عدم جواز إخضاع الفرد للتعذيب او المعاملة القاسية .

نصت المادة الخامسة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على انه (لا يعرض اي انسان للتعذيب للعقوبات او المعاملات القاسية او الوحشية او الحط من الكرامة) وقد اقر هذا المبدأ في الدستور العراقي وقد نصت المادة 37 أ/ج منه (كرامة الانسان مصونة) او (يحرم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية ولا عبرة باي اعتراف انتزاع بالإكراه او التهديد او التعذيب وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه وفقاً للقانون)

وقد ورد هذا المبدأ في القانون العقوبات العراقي النافذ في المادة (333) منه ((يعاقب بالسجن او الحبس كل موظف او مكلف بخدمة عامة عذب او امر بتعذيب متهم او شاهد او خبير لحمله على الاعتراف بجريمة او للإدلاء بأقوال او معلومات بشأنها او لكتمان امر من الامور او لإعطاء رأي معين بشأنها ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة او التهديد)) . وقد جاء في تنفيذ توصيات اللجنة المشكلة بموجب الامر الديواني (8) لسنة 2012 في تفعيل الدور الرقابي وتحديدا دائرة المفتش العام ورئاسة هيأة الادعاء العام ومكاتب وزارة حقوق الانسان على منسوبي وزارتي الدفاع والداخلية ومحاسبة من يثبت تورطه في استخدامه اساليب القوة والاكراه والتغرير لانتزاع الاعترافات .

تعاصر زيارة دوائر الادعاء العام احيانا للمواقف والمراكز مع زيارة دوائر حقوق الانسان وقد تم تثبيت قيام بعض القائمين بالتحقيق بتعذيب المتهمين واجبارهم على الاعتراف بالاكراه كما انه لوحظ في الآونة الاخيرة قيام بعض زملاء المتهم في المواقف والمراكز بأحداث علامات في اجسادهم مثل اطفاء اعقاب السكائر في الجسم ووضع سلك حامي على اجسامهم لتترك اثارا في اجسامهم وكذلك استخدام عصارات تشبه الاميري على اجسامهم لكي يقوم بترك اثر عميق في اجسامهم بحجة وجود اثار تعذيب على اجسادهم بغية ارسالهم الى اللجنة الطبية لكي يتخذونها ذريعة للإفلات من العقوبات مما حدا بوزارة الداخلية – وكالة المعلومات والتحقيقات الوطنية بموجب كتابها المرقم ج ح /التنظيمات/م1 10184 في 21/7/2011 المعنون الى رئاسة الادعاء العام والمتضمن ازدياد حالات ارسال المتهمين المحالة قضاياهم الى محاكم الجنايات في الانبار للغرض اعلاه ويشترط في الاقرار في قانون اصول المحاكمات الجزائية ان لا يكون قد صدر نتيجة اكراه مادي او ادبي او وعد او وعيد .

رئاسة الادعاء العام اكدت في العديد من الاجتماعات مع السادة القضاة/اعضاء الادعاء العام برصد حالات التعذيب والانتهاكات التي تمارس من قبل القائمين بالتحقيق وارسالهم الى الطبابة واتخاذ الاجراءات القانونية بحق اي شخص .

ظهر من خلال الاطلاع على القضايا المحالة امام محكمة الموضوع انه تم هدر العديد من اعترافات المتهمين وكشوف الدلالة الذي اجري لهم بعد ربط التقارير الطبية التي تؤيد ان الاعترافات جرت تحت وطأة التعذيب والاكراه .

3. مبدأ عدم جواز الاخذ بأخبار المخبر السري الا بعد التأكد من صحته

لا يجوز اتخاذ اي اجراء قضائي ضد اي متهم بناءا على اخبار مخبر سري الا بعد ان يتأكد السادة قضاة التحقيق ونواب الادعاء العام من صحة هذا الاخبار وذلك الحيلولة دون ايذاء متهم برئ وكذلك يجب ان يكون هذا الاخبار معززا بأدلة وقرائن واسانيد اخرى .

ونرى بعد نهاية هذه الدراسة المبسطة ان نقدم بعض المقترحات :-

1. نرى ان يتم تعزيز دائرة الطب العدلي في الانبار والذي يوجد فيها طبيب عدلي واحد بلجنة طبية عدلية متكاملة لكي يتناسب مع عدد الحالات التي تعرض عليهم .

2. رفد دائرة المدعي العام في الانبار بعدد اخر من اعضاء الادعاء العام لمتابعة ورصد حالات التعذيب والانتهاكات التي تمارس من قبل القائمين بالتحقيق كون ملاك دائرة المدعي العام في الانبار لا يتناسب مع حجم الاعمال التي يقوم بها سيما بعد ازدياد عدد المواقف بشكل كبير في الوقت الحاضر .

3. نرى ان يتم الغاء النصوص القانونية الواردة في بعض القوانين مثل قانون الكمارك وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل التي تجيز للأشخاص مثل المدير العام في الكمارك صلاحية التوقيف وان يكون ذلك بشكل صريح سيما بعد صدور دستور العراق لسنة 2005 .

4. نرى ان يتم الكشف على اجساد الموقوفين عند تدوين اقوالهم قضائيا خاصة في قضايا الجنايات امام السادة قضاة التحقيق ونواب الادعاء العام والمحامي المنتدب وان يتم تثبيت ذلك تحريريا عند تدوين اقوال الموقوف قضائيا لبيان مصداقية المتهم عند احالة قضيته الى محكمة الجنايات لإمكان الاستنتاج ان الاصابات هي من صنع المتهم نفسه او من قبل زملائه .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت