هل أنت محام ..؟!

ألمحامى هو إنسان عاقل ..

فهو رجل يتفاعل مع الواقع ؛ قراءة أو مشاهدة أو استماع ؛ ثم يلتهمه بعقله ووجدانه ؛ ليعيد إخراجه عن طريق قلبه ؛ ووسيلته في ذلك لسانه ؛ رابطاً الواقع بالخيال عن طريق إيجاد الحلقات المفقودة التي يعقلها ثم ينزلها على الواقع من خلال العقل السليم ؛ والمنطق القويم ؛ والاستنباط السديد ؛ والاستقراء الرشيد ..
انه ذلك الإنسان الذي يتمكن من السمو والرقى بسمات نفسه وخصائصها ليكون جديراً لان يطلق عليه لقب ” محام ” بغض الطرف عن دينه أو عقيدته أو فكره أو جنسيته أو بلده أو أمته ..
من هنا تكون لديه المكنات السامية ؛ والقدرات العالية ؛ لأن يكون أديباً بارعاً ؛ ومفكراً متميزاً ؛ وفيلسوفاً قادراً ؛ وحصيفاً ناطقاً ؛ وسياسياً متزناً ؛ ومبدعاً متفرداً ؛ وسباقاً جاهزاً ؛ ومبتكراً خالقاً ..

ذلك أن المحاماة هي المهنة الوحيدة التحى تقتضى آلياتها ؛ وتفرض على المحامى عند أدائه النموذجي في أداء عمله أن يمس كثير من جوانب المهن والحرف الأخرى ؛ وقواعد وأساسيات ممارساتها ؛ فيرجع لضوابط هذه المهن والحرف ؛ رابطاً ذلك بالقواعد القانونية المجردة التي يجب أن تضبط هذا السلوك عند أصحاب هذه المهن أو الحرف ؛ حتى يستطيع أن يفهم آليات الأداء النموذجي الذي يتطلبه القانون ؛ رابطاً ذلك بالواقع الذي حصل حتى يتمكن من أن يكون خير سفير ووكيل عن أصحابها ..

انه ذلك الرجل الذى ياخذ المحاماة اسلوب حياة ؛ واسلوب الحياة يقتضى اندماج عمليتى الانعكاس والخلق ؛ فهما لاينفصمان بعضهما عن بعض ؛ لان الانسان المحامى ليس منفصلاً عن الواقع ؛ وعندما تواتيه الفرصة ليتفتح وينطلق فانه يتحول الى عالم صغير يحمل فى طياته ثقافة الجنس البشرى السابق عليه ؛ اما حاضره فيتمثل فى ” تواجد ” عصره فى كيانه ؛ انه يعيش حياة جامعة تجعل كل ما يدور فى العالم من حوله مسائل فى مرمى اهتمامه بقدر ما يطرق أو يمس اليات مهنته .. وبناء امته .. انها حياة تأكل فى كفها كل دروب الدنيا ؛ فهو يشارك فى الحركة الشاملة للكون ؛ وهو ما يعنى انه يجب ان يشارك فى ان واحد فى ان يكون مرآة للكون وان يساهم فى حركته .. انه يحمل العالم بين جنباته ؛ واعماله تحول العالم من حوله المفروض عليه الى عالم يقيمه هو او يشارك الى ابعد حد فى ايجاده ..

فهو ذلك الانسان الذى يجب ان تكون سماته تجمع بين استنباط قوانين الاستيعاب والتحول داخل اجهزته ؛ ليعيد اخراجها بفلسفته ومنطقه ولسانه الى الكون مرة اخرى .. فى اطار منظومة قانونية ثقافية شاملة لانشاز فيها ولا اضطراب ..

ومن ثم فان الحديث عن المحامى ؛ هو حديث عن ذلك الانسان المتمكن من اداء مهنته ؛ الذى تتذبذب حرارة ادائه دائماً بين الحسن والنبوغ والعظمة ؛ كلما تمكن من اداء اليات مهنة المحاماة ؛ فيكون صاحب براعة منتظماً .. فكراً مرتباً .. ومنطقاً مقنعاً .. واداءا متمكناً .. وثقافة شاملة .. وعلماً متجدداً .. ولغة يروضها ويمتطى ظهرها بسلاسة .. مؤدياً رسالته عن طريق الاستنباط والاستقراء المرتبط بالعقل والمنطق والعرف وقواعد القانون والثقافة العامة ..

انه ذلك الانسان المبدع الذى يستطيع ان يرى فى المطروح عليه مالايراه غيره .. ويقرأ الكلمات التى لم تكتب وكان ينبغى كتابتها حتى يستقيم الامر .. خياله ينزله واقعاً ليكون بمثابة دليل وبرهان ينير الطريق فى قضيته ؛ سكوته فكراً .. وكلامه حكنة ؛ وتفكره عبرة .. ليس بذىء مهزار .. ولايتحدث بلغة الارذلون .. ليس امعة يحسن اذا احسن الناس ويسىء اذا اساءوا .. بل هو صاحب رسالة دائماً محسن .. قائد .. صاحب رسالة وامانة وعقيدة ..

لكن ما يطرح الان على الساحة قد يجعل الاوراق تختلط فى كثير من الاحيان ؛ فيقاس الامر بميزان غير الميزان ؛ واليات غير تلك التى يجب ان تكون ؛ واطروحات واقعية اذ انزلناها على قواعد مهنة المحاماة فانها ستؤدى الى نتائج غير المنتظرة خاصة فى هذه العقود المتأخرة ..
ونستطيع ان نميز اداء شخصية المحامى الذى يتخذ المحاماة مهنة ورسالة فى جوانب عدة ؛ هى جوانب اساسية تذاب فيها السواد الاعظم من الملكات والمكنات والقدرات التى يجب ان يتميز بها المحامى ؛ بيد ان اهمها ثلاثة جوانب :

الجانب الأول : الأداء المهني :
ليس كل من تم قيده برقم مسلسل فى نقابة المحامين هو محام .. هذه حقيقة لاستطيع ان ينكرها عاقل محايد يتخذ من الواقع منهاجاً ودليلاً .. وشرعة يحياها وواقعاً يعيشة ؛ فللمحامى ادوات براعة فى المهنة اهمها القدرة على الاداء والثقاقة القانونية التى تسير بجوارها الثقافة العامة ؛ والقدرة على استعاب ما يعرض عليع من قضايا ؛ وحسن الفهم والادراك ؛ هذا الفهم والادراك قد يشير عليه بحسن بالتوقف لعدم خسارة ما هو اعظم من كسب المال ؛ ولابد من توافر حسن الاستماع اذ به يكتمل الفهم ؛ وتتصل الصورة ؛ وتتم رسم اللوحة التى يجب ان يقرأها ؛ حتى اذ ما انطلق بعدها لا يخطأ .. اذ كيف يجيب من لم يفهم السؤال او يشاهد الصورة التى امامه بطريقه صحيحة او يفهم المغزى من الكلمات التى بين السطور ؛ او الايحاءات الى يستخرج كنوزها مما يعرض عليه .. ؟ أو الايماءات التى يلتقطها التقاطاً .. وكذلك ربط الواقع بالخيال وايجاد الحلقات المفقودة ؛ والمقصود ليس الخيال المطلق ؛ وانما هو الخيال الواقعى المرتبط بالمعروض عليه حتى يصل الى التفكير السليم لعرض قضاياه من خلال المنطق والعقل والاستنباط والاستقراء .. ولعل اهم ما يميز المحامى المتمكن من ادوات مهنته والياتها ان تكون لديه القدرة والحنكة على التوقف حينما يكون التوقف ” حرفية ” تحفظ له كرامته وتصونها .. ماذا يقول ..؟ وما يجب الا يقال ..! واذا قال فكيف يقال ..؟ ولمن يقال ..؟ وبأى اسلوب ..؟ وبأى كلمات ..؟ فانزال الناس منازلهم كما جاء فى الاسلام هى حكمة بالغة يجب ان يتعلمها المحامى دونما نفاق او تسلق ..! وذلك بما يناسب مكانة المحامى السامية المرموقة التى يجب ان يحافظ عليها ؛ احتفاظه بالحياة ذاتها ..

الجانب الثاني : الأداء السياسي :
يقصد بالأداء السياسي تفاعلات المحامى مع القضايا الوطنية التى تهم امته بصفة عامة ؛ ومهنته بصفة خاصة ؛ ومدى براعته فى جذب الانتباه ؛ ولفت الانظار من الساة والعامة فى آن واحد الى قضيته ؛ وحسن الدفاع عن تلك القضبة التى يدافع عنها ؛ او يتبنى مناصرتها .. والبراعة فى حسن معالجتها ؛ والتفوق فى الانتقال بها الى الجانب الذى يناصر قضيته ..
ويقصد بالاداء السياسى كذلك مدى تمكنه من حسن عرض قضيته التى يتحدث فيها ؛ عرضاً يقتضى التأخير او التقديم فى الاحداث لدلالة وحصافة مطلوب .. او لغة وترتب جمل وحسن منطق يأخذ بالالباب ؛ وفهمه للواقع من حوله ؛ ولمن يتحدث معه ؛ على طريقه انه ليس باالخب ولكن الخب لا يخدعه ؛ ويحسن الوصول الى قصده وبغيته دونما كذب او خيانة ؛ فيحسن – ان جاز لنا التعبير – اللعب مع كبار الساسة بأدواتهم لكن من خلال مبادئه وقيمه ؛ محتفظأ بقيمه ومبادئه ؛ فى زمن وطأت كثير من اقدام الساسة على اختلاف شاكلتهم كل ما هو جميل وامتطت كل ما هو قبيح تحت زعم عقيد باطلة قبيحة مفادها : ” ان الغاية تبرر الوسيلة ” .. !

الجانب الثالث : الأداء النقابى :
ويدخل ضمن هذا الجانب قدرة المحامى على التواصل مع زملائه فكراً واقعياً ؛ ومنطقاً نقابياً ؛ واداءا متميزاً ؛ لتلبية خدماتهم ومتطلباتهم فى شتى المجالات ؛ على تنوعها ؛ ومن هذا الجانب ايضاً حسن الترتيب والتنظيم لنجاح المحامى ليمثل زملائه ؛ فقدرته على الاقناع لحصد الاصوات هو طريق مشروع ؛ اليات هذا الطريق ليست موجودة عند الجميع ؛ وهو امر على اهميته القصوى بالنسبه لمن يريد ان يخوض هذه المعارك التى يصدق عليها وصف ” معارك طاحنة ” تستخدم فيها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ؛ ولن يكون المرء متجنياً ان زعم انا النجاح فى العقود الاخيرة يكاد ان يكون قاصراً على العصبيات.. الدينية .. او القبيلية .. او الحزبية … حتى توارى واختفى كثير من المحامين المحترمين الاكفاء خلف ستائر النسيان لانهم لم يستطيعوا التواصل نقابيا مع زملائهم ؛ فتفوق عليهم من هم ليسوا بالاكفاء او حتى من ليس لديهم الشخصيات التى تستطيع ان تضيف للعمل النقابى ؛ و لن نكون متجازوين اذا قلنا ان بعضهم تابعون بطريقة مسفة او مزلة ..!
وربما يقول قائل ان هناك جوانب اخرى يجب ان تكون للانسانا المحامى ؛ ونرد على ذلك : بان جميع الجوانب الاخرى من الممكن ان تذوب فى هذه الجوانب الثلاث ؛ ذلك ان من يتمتع بتوافر هذه الجوانب الثلاث سيكون لدية المقدرة على التفاعل مع جميع العناصر الاخرى ..

واذا كان الانسان المحامى وحدة واحدة ؛ وشخصية غير منفصلة ؛ فان شخصيته ربما اكتسبت هذه الجوانب بصورة متزنة كما كان عليه السلف الصالح الذى ارتقع بالمهنة والمحاماة عنان السماء فكان النقيب وزيراً ؛ والمحامى رئيساً وزراء ..

وربما اكتسبت هذه الجوانب بنسب متفاوته فيكون المحامى مهنى بارع بنسبة اعظم ؛ ثم بصورة اقل سياسى ؛ ثم بصورة اقل نقابى ..
وربما كان المحامى نقابى فى المقام الاول ؛ لكنه خاملا الذكر ضعيف القدرات فى الجانب المهنى او السياسى .. فربما اكسبت شخصيته جانب يزيد عن الاخر ؛ فيوصف بانه مهنى بارع ؛ لكنه غير سياسى او نقابى ؛ وربما وصف بانه سياسى متمكن لكنه لايتمكن من ادوات مهنة المحاماة فيكون بينه وبينها البون الشاسع .. وقد يوصف بانه نقابى لدية القدرة على النجاح والاداء ؛ او ربما لدية القدرة على ا النجاح دون الاداء بعد النجاح ؛ لكنه يوصف بانه ليس محامى مهنى .. على الرغم من تكرار تمثله نقابيا لزملائه .. لانه غير متمكن من ادوات المهنة .. وليس بالسياسى البارع ..
لكن تبقى فى النهاية حقيقة ساطعة سطوع شمس قيظ الصيف .. وعلامة مضيئة اضاءة القمر فى الليالى البيضاء من الشهر العربى .. ودليل كفلق الصبح انه لايقال عن الانسان انه محامى الا اذ كان يتصف بالاداء المهنى كما سلف ان عرفناه انفاً فى بداية كلامنا .. فارجع واقرأه .. وتمعن جيداً .. وتدبر ملياً .. ثم اجب : هل انت محام ..؟