نظرة الفقه القانوني للخسائر الرأسمالية

المؤلف : حيدر نجيب احمد فائق سعيد المفتي
الكتاب أو المصدر : الخسائر الضريبية في قانون ضريبة الدخل العراقي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

اختلف الفقه القانوني في موقفه من الخسائر الرأسمالية ، إذ أنقسم الفقه إلى فريقين:
الأول: يتجه إلى إخضاع الأرباح الرأسمالية(1). للضريبة وما يترتب على ذلك من خصم للخسائر الرأسمالية من وعاء الضريبة.
أما الفريق الثاني : اتجه هذا الفريق إلى معارضة خضوع الأرباح الرأسمالية للضريبة وبالتالي عدم جواز خصم الخسائر الرأسمالية وهذا ما سنعرض له على النحو التالي:

أولاً: الاتجاه المؤيد لإخضاع الأرباح والخسائر الرأسمالية للضريبة

يستند هذا الاتجاه إلى العديد من المبررات التي تؤيد خضوع الأرباح الرأسمالية للضريبة وبالتالي ضرورة خصم الخسائر الرأسمالية وتنـزيلها من الدخل طالما كانت الأرباح الرأسمالية تخضع للضريبة، ومن أهم هذه المبررات:

1. إن فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية وخصم الخسائر يساعد على توازن الموازنة العامة، إذ من خلال فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية يمكن تحقيق فائض يستخدم في سد العجز الذي يصيب الموازنة العامة(2).

2. إن فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية يؤدي إلى المساهمة في تحمل الأعباء العامة، فلما كانت الأرباح الرأسمالية تمثل عنصراً من عناصر الثروة المملوكة للمكلف وإن مبدأ العمومية في فرض الضريبة يفرض ويقتضي أن تساهم كل ثروة من الثروات بعناصرها المختلفة في تحمل الأعباء العامة، ونتيجة ذلك فإن الأرباح الرأسمالية المشمولة بالضريبة ستساعد في تحمل الأعباء العامة أيضاً باعتبارها عنصراً من عناصر الثروة المملوكة للمكلف(3).

3-تقتضي قواعد العدالة شمول الأرباح والخسائر الرأسمالية عند فرض الضريبة، فقواعد العدالة تفرض أن يدفع كل شخص أو مكلف دين الضريبة وإن عدم شمول الضريبة للأرباح الرأسمالية سيؤدي إلى وجود أشخاص يتحملون دفع دين الضريبة وهم الأشخاص الذين حققوا ربحاً اعتيادياً خاضعاً للضريبة عادة وفقاً لأحكام القانون مع وجود أشخاص حققوا أرباحاً رأسمالية ولا يدفعون أي ضريبة فلا عدالة في ذلك.

وبعبارة ثانية سيكون هناك أشخاص يتحملون الأعباء العامة وهم المكلفون بدفع الضريبة عن الأرباح الاعتيادية وبالمقابل نجد أشخاصاً لا يتحملون أي عبء من الأعباء العامة بالرغم من تحقق الربح لديهم، أو يتحملون العبء ولكن بنصيب لا يتساوى مع ما يتحمله الغير من المكلفين وما يترتب على ذلك من انعدام عدالة توزيع الأعباء العامة بين المكلفين في المجتمع. كما إن عدم فرض الضريبة على هذا النوع من الأرباح يؤدي إلى التفاوت بين الطبقات في المجتمع (زيادة الهوة بين أفراد المجتمع)، حيث نجد أشخاصاً تتراكم لديهم الثروة العائدة لهم، ومن أسباب ذلك عدم فرض الضريبة على ثرواتهم التي تتحقق نتيجة الأرباح الرأسمالية، وبالمقابل نجد أشخاصاً تكون الضريبة قد مست جزءً من ثرواتهم(4).

إضافة إلى ذلك فإن الأرباح الرأسمالية تتحقق عادة لدى الأشخاص الذين تكون دخولهم مرتفعة وإن قواعد العدالة تقتضي مساهمة هؤلاء في تحمل الأعباء العامة اكثر من غيرهم من المكلفين الذين يملكون دخول منخفضة وما يترتب على ذلك من إعادة توزيع الدخول لصالح الأشخاص المكلفين الذين تكون دخولهم منخفضة نسبياً(5).

4. إن عدم فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية على أساس إنها غير دورية وغير ثابتة يمكن الرد عليه بالقول إن هناك دخولاً تفرض عليها الضريبة باعتبارها دخولاً اعتيادية خاضعة للضريبة بموجب أحكام القانون أي تعتبر مصدراً من مصادر الدخل مع كونها غير منتظمة وغير دورية ومتكررة مثل (دخول الفنانين – دخول الوكلاء بالعمولة…)(6). إضافة لذلك فإن الأرباح الرأسمالية قد تكون متوقعة وتؤخذ بنظر الاعتبار من جانب المستثمر أي المكلف عند قيامه بعمليات الاستثمار والتي يهدف من ورائها إلى تحقيق الربح وبالتالي فهي لا تختلف عن الأرباح التجارية والصناعية والتي تفرض عليها الضريبة كربح اعتيادي باعتبارها من مصادر الدخل الخاضعة للضريبة(7).

5. إن فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية يساهم في توفير إيرادات لخزانة الدولة ومن ثم الاستفادة منها في تمويل وتشجيع مشاريع التنمية الاقتصادية وبشكل خاص في البلدان النامية(8).

6. إن عدم فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية قد يؤدي إلى الابتعاد عن عمليات الإنتاج من جانب المكلفين واللجوء إلى المضاربة وما يؤدي ذلك إلى الإضرار بالاقتصاد القومي(9).

ثانياً: الاتجاه المعارض لخضوع الأرباح والخسائر الرأسمالية للضريبة

يتجه الفريق الثاني من الفقهاء إلى عدم جواز خضوع الأرباح الرأسمالية للضريبة وما يترتب على ذلك من عدم جواز خصم الخسائر الرأسمالية من وعاء الضريبة، ويستند هذا الاتجاه أو هذا الفريق إلى العديد من المبررات هي :-
1. إن فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد القومي وإضعاف التنمية الاقتصادية.
فرؤوس الأموال تستثمر عادةً في الدول التي تدر عائداً كبيراً للمستثمر وبالتالي فإن شدة الضرائب من حيث شمولها للأرباح الرأسمالية أيضاً يؤدي إلى قلة الاندفاع نحو استثمار الأموال في هذه الدول ومن ثم التأثير على الاقتصاد القومي والتنمية في البلدان التي تكون بأمس الحاجة إلى العملة الأجنبية وإلى استثمار الأموال الأجنبية وبخاصة البلدان النامية. إضافة إلى ذلك فإن فرض الضريبة على هذه الأرباح يؤدي إلى قلة الادخار من قبل المكلفين لأن الأفراد يدركون إن كل ثروة تتوفر لديهم تكون خاضعة للضريبة وبالتالي إلى قلة الاندفاع نحو استثمار أموالهم التي تتجمع لديهم من الادخار . كما إن الأرباح الرأسمالية التي تتولد من اندماج المؤسسات بعضها مع البعض الآخر لما كانت خاضعة للضريبة فإن ذلك يقلل من اندماج المؤسسات وبالتالي عرقلة التوسع الاقتصادي، ثم إن فرض الضريبة على هذا النوع من الأرباح لا يوفر المساعدة للمنشآت على تعويض خسارتها، ذلك لأن المنشآت التي لحقتها خسارة بحاجة إلى ما يعوضها عن هذه الخسارة، فتكون الأرباح الرأسمالية بمثابة التعويض للنهوض من جديد(10).

2. إن فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية يتنافى مع الأسس الحديثة لفرض الضرائب، فالضريبة تفرض عادة على مصادر متجددة لكي تتمكن الدولة من الاعتماد عليها في الإنفاق العام والقيام بواجباتها في حين إن الأرباح الرأسمالية قد تحصل وقد لا تحصل فهي مصدر غير دوري وغير متجدد(11). وبعبارة ثانية إن هذه الأرباح لا تتوافر فيها صفة الدخل الذي يتميز بالدورية والانتظام والتجدد وبالتالي لا تفرض عليه الضريبة(12).

3. إن فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية يؤدي إلى الازدواج الضريبـي ذلك لأن (الزيادة في القيمة الرأسمالية للأصل تعكس زيادة في الإيرادات المتوقعة لذلك الأصل، وإن فرض الضريبة على الزيادة في إيرادات الأصل في سنوات تحققها وكذلك الأرباح الرأسمالية الناتجة من التصرف بهذا الأصل في سنة تحققها يؤدي إلى حدوث ازدواج ضريبـي اقتصادي)(13). فكلما كانت الإيرادات المتولدة عن الأصل مرتفعة فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع قيمتها وطالما كانت هناك ضريبة تفرض على الأرباح المتولدة عن التصرف بهذا الأصل وكذلك على الإيراد المتولد منه باعتباره ربحاً اعتيادياً فيكون هناك مصدر تفرض الضريبة عليه مرتين، الضريبة الأولى على الربح المتولد من التصرف بهذا الأصل والضريبة الثانية على الإيراد أو الدخل المتولد عن إنتاج الأصل فيكون هناك ازدواج ضريبـي .
4. إن فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية يؤدي إلى التقليل من اندفاع الشركات والمنشآت التجارية لتجديد أصولها الثابتة بالبيع لما قد يترتب على ذلك من ربح وبالتالي الخضوع للضريبة

إضافة إلى ذلك فإن فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية يؤدي إلى (الحد من تداول السلع الرأسمالية، وتجميد النشاط التجاري والاقتصادي وبالتالي التقليل من الضرائب التي يمكن للدولة أن تجبيها من هذه الشركات والمنشآت).

كذلك فإن فرض الضريبة على هذه الأرباح يؤدي إلى التأثير على المنشآت التي تكون في بداية ممارستها لنشاطها الاقتصادي أو التجاري (منشآت حديثة العهد)، إذ تكون هذه المنشآت بأمس الحاجة إلى الدعم والتشجيع للاستمرار في مزاولة نشاطها وخاصة في الدول النامية(14). وعلى أساس ما تقدم ذكره من مبررات سواءً كانت تتجه إلى ضرورة خضوع الأرباح الرأسمالية للضريبة أو ما يؤدي إلى خضوع الخسائر الرأسمالية للخصم من وعاء الضريبة أو إلى معارضة خضوع الأرباح الرأسمالية للضريبة وما يترتب على ذلك عدم جواز خصم الخسائر الرأسمالية أي الخسائر المتولدة عن التصرف بأصول المنشأة أو المشروع، يرى الباحث إن مسألة إخضاع الأرباح الرأسمالية للضريبة لها فائدة وأبعاد إيجابية أكثر من جوانبها وأبعادها السلبية ذلك لأن إخضاع الأرباح الرأسمالية للضريبة واعتبارها مصدراً من مصادر الدخل سيوفر موارد مهمة للدولة لا يمكن الاستغناء عنها وما يساعد ذلك في تحسين قدرتها على الإنفاق وتسيير مصالحها كما هو الحال في فرض الضريبة على بقية المصادر الأخرى والاستفادة من مواردها في كافة المجالات الضرورية التي تحتاج إلى نفقات مستمرة من جانب الدولة .

ثم إن قواعد العدالة تقتضي خصم الخسائر التي تنتج من التصرف بالأصول الثابتة للمنشأة أو المشروع (المكلف) أي خصم الخسائر الرأسمالية بما في ذلك من تحقيق لمصلحة المكلف للتعويض عن خسارته والاستمرار بمزاولة نشاطه الاقتصادي. وبعبارة ثانية لما تقدم، إن خضوع الأرباح الرأسمالية للضريبة كمصدر من مصادر الدخل وما يترتب على ذلك من ضرورة خصم الخسائر الرأسمالية يضمن تحقيق مصلحة الدولة والمكلف معاً.
______________________
1- يقصد بالأرباح الرأسمالية الزيادة التي تحصل في قيمة الأصول العائدة للمنشأة أو المشروع عند التصرف بها بالبيع أو المقايضة وأن لا يكون هذا التصرف ضمن النشاط المعتاد للمنشأة وتكون هذه الزيادة ممثلة بالفرق بين قيمة شراء هذه الأصل وبين قيمة بيعها أو التصرف بها ، مشار إلى ذلك لدى : زكريا محمد بيومي، الضريبة على الأرباح الرأسمالية – دراسة مالية واقتصادية وقانونية مقارنة ، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد المصرية، السنة الخامسة والخمسون، 1985، ص269. إبراهيم حميد محسن الزبيدي، تحصيل دين ضريبة الدخل في العراق، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد، 2001، ص34.
2- محمد حمدي النشار، مصدر سابق، ص119-120.
3-محمد حمدي النشار، مصدر سابق، ص121.
4- محمد حمدي النشار ، نفس المصدر السابق، ص125-126.
5- زكريا محمد بيومي، الضريبة على الأرباح الرأسمالية، مصدر سابق، ص45-46.
6- زكريا محمد بيومي، الضريبة على الأرباح الرأسمالية ، مصدر سابق، ص45.
7- عبد الكريم صادق بركات، حامد عبد المجيد الدراز، علي عباس عياد، دراسات في النظم الضريبية، مؤسسة شباب الجامعة في الإسكندرية، 1975، ص148.
8- زكريا محمد بيومي، نفس المصدر السابق.
9- أحمد ثابت عويضة، ضريبة الأرباح التجارية والصناعية، مصدر الالتزام بالوفاء – دراسة مقارنة ، الكتاب الثاني، الطبعة الأولى، مطبعة أحمد مخيم، 1958، ص180.
10- محمد حمدي النشار، مصدر سابق، ص128، 132 – 133.
[1]1- محمد حمدي النشار، نفس المصدر السابق، ص146.
2[1]- زكريا محمد بيومي، الضريبة على الأرباح الرأسمالية، مصدر سابق، ص40.
13- زكريا محمد بيومي، نفس المصدر السابق، ص41-42.
كذلك أنظر محمد حمدي النشار، نفس المصدر السابق، ص148-149.
لمزيد من التفاصيل بخصوص الازدواج الضريبـي الاقتصادي أنظر : عبد الرحمن الجليلي، مبادئ علم المالية العامة، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف، بغداد، 1947، ص178. كذلك أنظر عبد المنعم فوزي، يونس أحمد البطريق، عبد الكريم بركات، المالية العامة ، الشركة الشرقية للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1970، ص319.
14- محمد حمدي النشار، مصدر سابق، ص136-137.