المعنى العام للتجنس هو اندماج شخص من تبعة دولة معينة في جماعة دولة أخرى . والمعنى القانوني له هو منح الجنسية اللاحقة لشخص أجنبي من قبل دولة معينة بطلب منه بعد توافر الشروط القانونية المطلوبة فيه فهناك من ذكر التجنس بأنه عبارة عن استقرار المرء وإقامته في دولة معينة غير دولته الأصلية مدة محدودة بغية اكتساب جنسيتها والتخلي عن جنسيته الأصلية بحيث تنقطع صلته بجماعة دولته الأصلية ، ويندمج في جماعة الدولة الأجنبية التي يطيب له المقام فيها ويكتسب جنسيتها(1). أو هو بصفة عامة وسيلة يكتسب بها الأجنبي جنسية الدولة التي يبغي الانضمام إليها وبذلك فهو عمل إرادي يتوقف على إرادة الفرد طالب الجنسية وإرادة الدولة مانحة الجنسية من ناحية أخرى(2). او هو منح الجنسية لشخص أجنبي بناءً على طلبه وموافقة الجهات المختصة بعد توافر الشروط القانونية المطلوبة فيه وانقطاع صلته بجماعة دولته الأصلية بنية الولاء نحو الدولة التي تمنحه جنسيتها(3).

وهذا الأسلوب يجوز للرجل والمرأة اتباعه لتغيير الجنسية واكتساب جنسية أخرى لأنه يقوم أساسا على إرادة الإنسان في كسب العضوية في دولة أخرى غير دولته الأصلية بحرية واختيار. وقد يحصل بالتبعية لا على أساس الإرادة الحرة للإنسان وإنما على أساس التبعية عندما يكتسب الشخص جنسية دولة أجنبية تبعاً لحالة غيره. إلا ان إرادة الإنسان الحرة ورغبته في اكتساب جنسية دولة معينة لا تكون منتجة إلا بموافقة تلك الدولة ، بموافقة تمتلك فيها الدولة الأخرى سلطة تقديرية واسعة لان اكتساب الجنسية بالتجنس منحة تلتمس وليس حقاً يقتضى . ففي التجنس لا تفرض الجنسية بحكم القانون بمجرد توافر شروطه وإنما تمنح بعد التماس طالب التجنس. وللدولة الحق المطلق في منح جنسيتها لمن تشاء من طالبيها من الأجانب ولها ان لا تمنحها استناداً إلى ما تقتضيه مصلحتها هي دون مصلحة الفرد. كما انه يعتبر عملا من أعمال السيادة ، ولها ان تؤخر منح موافقتها دون ان يخضع قرارها للاعتراض. ويعتبر التجنس تعبيراً صادقاً للمبدأ القائل “للإنسان الحق في تغيير جنسيته الأصلية في حياته واكتساب جنسية أخرى “، لان الجنسية غير مبنية في وقتها الحاضر على فكرة الولاء الدائم . بل للشخص الحرية في أمر جنسيته إذ بإمكانه ان يطلب جنسية دولة أخرى ، وقد تعطى له هذه الجنسية بناءً على طلبه بعد توفر الشروط القانونية فيه وموافقة الدولة التي يريد ان يكتسب جنسيتها. بخلاف الجنسية الأصلية التي تمنح للشخص فور ميلاده دون حاجة إلى إجراء شكلي كتقديم طلب أو موافقة السلطة.

ولا يعني التجنس ان الشخص الذي يريد اكتساب جنسية دولة أجنبية يجب ان يكون متمتعاً بجنسية دولة ما . وإنما لعديم الجنسية أيضا الحق في اكتساب الجنسية اللاحقة بالتجنس. وقد يكون عادياً وقد يكون استثنائياً أو يكون مستنداً إلى محل الولادة فعندها يعطى للشخص حق اختيار جنسية الدولة التي ولد في إقليمها عندما يبلغ سن الرشد(4). كما انه قد تتوافر في الشخص كل الشروط المقررة لمنح الجنسية ومع ذلك لا تمنحه الدولة جنسيتها كأن تكون الدولة في حالة حرب وتخشى من تغلغل عناصر قد تكون وسيلة تجسس لدول العدو أو اثارة فتن داخلية أو نشر إشاعات ضارة بالدولة. وقد تكون الدولة في ظروف أخرى ولكن لأسباب أخرى اجتماعية أو اقتصادية ترى إزاءها رفض منح الجنسية كأن تكون الدولة تعاني من زيادة السكان أصلا وظروفها الاقتصادية غير ملائمة لإضافة أفراد آخرين لعنصر الشعب فيها. كما ان منح الجنسية أمر جوازي للدولة ، واختياري من جانب الفرد ولا تخضع الدولة أو الإدارة في رفضها أو تأجيلها المنح لرقابة أية جهة وإنما جعل الموافقة محصورة بجهة الدولة ” الإدارة ” .ففي العراق يعتبر قرار وزير الداخلية في هذا الشأن قرارا نهائياً غير قابل للاعتراض عليه لدى أية جهة كانت(5).

وقد سار المشرع المصري على هذا الاتجاه(6). وهو ما جاء في اتجاه المحكمة الإدارية العليا ، حيث جاء في حيثيات أحد قراراتها ” انه لما كان من الثابت من الأوراق ان الجهة الإدارية رفضت طلب التجنس المقدم من المدني تمشياً مع السياسة العامة التي انتهجتها الدولة في الوقت الحالي من إيقاف منح الجنسية المصرية للأجانب ، ولم يقدم الطاعن ما يدل على ان قرار الرفض مشوب يعيب بأساءه استعمال السلطة. ومن ثم يكون القرار المعطوف فيه مطابقاً للقانون ولا مطعن عليه ” (7). وسار على نفس الاتجاه كذلك في التعديل الوارد على القانون السابق في القانون الجديد المرقم 26 لسنة 1975 لورود ذات الأحكام الواردة في القانون السابق في القانون النافذ حالياً. وتختلف الدول في أساس منح الجنسية. ففي العراق فرض المشرع العراقي الجنسية الأصلية في عدة حالات منها. بسبب تبدل السيادة أو بسبب حق الدم المنحدر من الأب بصفة عامة أو بسبب حق الدم المنحدر من الأم وحق الإقليم معاً أو بسبب حق الإقليم مراعاةً للمبادئ الإنسانية ومكافحة اللاجنسية(8). أما في مصر فان أساس منح الجنسية يستند إلى الإقامة العادية في مصر والميلاد بإقليم الدولة أو كسب الزوج جنسية الدولة. وفي فرنسا حيث إنها تجعل من الإقامة العادية فيها الأساس الوحيد لمنح جنسيتها مع بعض الإستثناءات في هذا الأساس. ويمكن إجمال شروط التجنس بما يأتي :

1-الإقامة : يعتبر هذا الشرط الأساس لعملية التجنس وهو الإقامة والاستقرار لمدة طويلة يتبين من خلالها مدى ابتعاد الأجنبي عن مجتمعه واتصاله بالبلد الذي يقيم فيه ويرغب في الانضمام إليه. فمثلاً قانون الجنسية العراقي قد اشترط فيمن يلتمس التجنس بالجنسية العراقية انه قد أقام في العراق مدةً لا تقل عن عشر سنوات متتاليات ثم عاد وشدد من حيث المدة وجعلها خمس عشرة سنة متتالية بموجب التعديل الرابع المرقم 131 في 1972، سابقة على تقديم الطلب(9). على الرغم من ان القانون سابقا كان يشترط مدة خمس عشرة سنة وهو نفس ما سار عليه المشرع المصري في قانون الجنسية الحالي المرقم “6” لسنة 1975(10). بينما ذهب المشرع الفرنسي إلى إشتراطه مدة خمس سنوات من الإقامة العادية كشرط للتجنس سابقة على تقديم طلب التجنس لدرجة يبدو معها ان مقره وموطنه الأساسي فرنسا. ولم يفرق القانون في ان تبتدئ هذه المدة قبل بلوغ الطالب سن الرشد أو بعده . فكلها صحيحة ومقبولة لهذا الغرض. والإقامة تكون بصورة مشروعة ويجب ان تكون عملية الدخول إلى البلد المراد اكتساب جنسيته قد تمت بصورة مشروعة.

2-تقديم الطلب : وفي هذا الشرط لا يتم اكتساب الجنسية بسبب التجنس إلا بناء على رغبة الطالب وبإرادته . هذه الرغبة يلزم الإفصاح عنها للتأكد من وجودها ويكون ذلك بطلب صريح وواضح ، لذلك فتقديم هذا الطلب يعتبر عنصراً أساسيا في التجنس. فمثلاً قانون الجنسية العراقي اعتبر تقديم هذا الطلب عنصراً أساسياً في عملية التجنس ، وعلى طالب التجنس بالجنسية العراقية ان يحضر أمام المدير أو ضابط الجنسية لينظم له استمارة رقمها 3 يدرج فيها المعلومات الكاملة الخاصة بطالب التجنس(11). ويقدم هذا الطلب في أثناء إقامته في العراق.

3-ان يكون بالغاً سن الرشد بغية ان يكون طلب التجنس صحيحاً يلزم ان يصدر من أهل للتعبير عنه . ولا يستطيع التعبير عن هذه الرغبة بإرادة صحيحة كل شخص صغير أو مجنون أو معتوه أو امرأة متزوجة. فيجب ان يكون طالب التجنس ذا أهلية تامة باعتبار ان التجنس عمل إرادي يتطلب توافر الأهلية أسوة بالتصرفات القانونية. فالقانون العراقي يشترط بلوغ سن الرشد لطالب التجنس وكذلك الحال بالنسبة إلى المشرع المصري. وهناك قوانين في بعض الدول تشترط تحديد سن معينة لطالب التجنس دون اشتراط بلوغ سن الرشد ، مثل فرنسا التي حدد بتمام سن الثامنة عشرة مع شرط الإقامة . إذ ان الارتباط الحقيقي بالدولة المشترط أساسا للتجنس العادي هو الإقامة الاعتيادية فترة معينة في إقليم الدولة مانحة الجنسية كدليل على اندماج طالب التجنس في جماعتها.

4. المعرفة باللغة : تشترط بعض قوانين الدول كمصر وفرنسا الإلمام باللغة التي يتحدث بها أبناء البلد المطلوب التجنس بجنسيته. أما المشرع العراقي فلم يشترط الإلمام ومعرفته باللغة أصلا لمنح الجنسية للأجنبي بالتجنس.

5. ان يكون حسن السيرة والسلوك : وهذا شرط متفق عليه عند غالبية التشريعات الوطنية في منح جنسيتها للأشخاص المعتدلين الخالية صحفهم الجنائية من أية جريمة. ولا يكون محكوماً بجناية أو جنحة مخلة بالشرف إلا إذا كان قد أخلي سبيله من السجن(12). وقد الغي هذا الاستثناء رغم ان اخلاء سبيله من السجن بعد انتهاء محكوميته والعفو عنه يزيل عنه اثار العقوبة بموجب القانون النافذ المرقم 64 لسنة 1990. وكذلك الحال عليه في جمهورية مصر العربية(13).

6. خالياً من العاهات الجسمية والعقلية : وهذا أمر بديهي لان من كان مريضاً عقلياً يفقده هذا أهليته ويكون معدوم الإرادة وبالتالي لا يصح تجنس من كان ذاعاهة عقلية وان يكون صحيح الجسم ليكون طاقة تضاف إلى طاقة الشعب وهو ما اشترطه كذلك المشرع المصري(14).

7. اللياقة للانضمام إلى الوطنيين : لم يتساهل المشرع في قبول إدخال أجانب إلى المجتمع العراقي لعدم لياقتهم بهذا الانضمام فهذا الأجنبي لا رابطة له بالعراق غير الإقامة فيه . ولا تبرر الإقامة التسامح والتساهل في قبول أشخاص قد يكونون عالة على المجتمع اقتصادياً واجتماعياً أو أخلاقياً وصحياً ولهذا وضعت قيود تمنع تسرب مثل هؤلاء الأشخاص في مجتمع.

8. موافقة الحكومة : لا ينشئ الطلب المستوفي للشروط المطلوبة لطالب التجنس حقاً مكتسباً ضد الدولة . فللدولة سلطة تقديرية واسعة ويمنع الاعتراض على ما يصدر عنها من قرار باعتبار ان هذا العمل هو من أعمال السيادة. ولا يتم التجنس إلا بالموافقة على الطلب. وقد أعطي الاختصاص في إصدار الموافقة على التجنس وقبوله إلى وزير الداخلية بالنسبة لطالب التجنس العربي من غير الفلسطينيين . أما تجنس غير العربي فقد أعطى القرار مجلس الوزراء سلطة البحث في طلباتهم بناءً على اقتراح من وزير الداخلية.

9. تسلم شهادة التجنس واداء يمين الإخلاص للجمهورية العراقية . تلك هي أهم الشروط الواجب توفرها في طالب التجنس. وفي القانون المرقم 64 لسنة 1990 يجبر الاجنبي على اداء اليمين ويخير العربي في اداء اليمين.

________________________

1- د. غالب علي الداؤدي / القانون الدولي الخاص – النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية ، ط2 ، منقحة ، جامعة بغداد ، 1978 ، ص126.

2- د. عز الدين عبد الله / القانون الدولي الخاص ، جـ1 ، 1974 ، ص324.

3- سركوت سليمان المحامي / مدخل لدراسة قانون الجنسية العراقية المرقم 46 لسنة 1990 ، تقديم د. ضحى محمد سعيد النعمان ، مؤسسة نشر وطبع O.P.L.C ، 2002 ، اربيل.

4- للمزيد حول هذا الموضوع يراجع د. غالب الداؤدي ، مصدر سابق ، ص127 وما بعدها .

5- انظر المادة 9 من قانون الجنسية العراقي المرقم 43 لسنة 1963الملغي.

6- المادة 5 من القانون المرقم 82 لسنة 1958 الخاص بالجنسية المصري الملغي.

7- مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا ، السنة 14 ، العدد 2 ، قضية رقم 705 ، جلسة 12/4/1969 ، ص591-592.

8- د. غالب علي الداؤدي / مصدر سابق ،ص263.

9- د. غالب الداؤدي / مصدر سابق ، ص396-397 . ود. شمس الدين الوكيل / الموجز في الجنسية ومركز الأجانب ، ط 2، ص157.

10- المادة 4 من قانون الجنسية المصري المرقم 26 لسنة 1975.

11- الفقرة 3 من تعليمات الجنسية المرقمة (1) لسنة 1965 والاستمارة 3 الملحقة بها في ص7 من الوقائع العراقية عدد 1154.

12- الفقرة (د) من المادة 8 المعدل من قانون الجنسية العراقي المرقم 43 لسنة 1963 المعدل وقرار مجلس قيادة الثورة السابق المنحل رقم 997 الصادر في 3/7/1978 بإلغاء قانون رد الاعتبار المرقم 3 لسنة 1978 المعدل.

13- المادة 4 فقرة 4 ، الشرط الثاني من قانون الجنسية المصري لسنة 1975.

14- انظر الفقرة هـ من المادة 8 من قانون الجنسية العراقي والمادة 4 ف 4 الشرط الأول من قانون الجنسية المصري.

المؤلف : مصطفى سالم مصطفى النجفي .
الكتاب أو المصدر : المساواة ودورها في تولي الوظائف العامة
الجزء والصفحة : ص282-286

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .