ان الخبرة لغة تعني العلم بالشيء ويقال خبر فلان الشيء أي عرف حقيقته، اما الخبير لغة فيعني العالم، اما تعريف الخبير قانونا فهو ذلك الشخص الذي يمتلك بعض الصفات او المؤهلات العلمية او الفنية في مجال علمه او اختصاصه تمكنه من اعطاء الرأي بخصوص المهمة المنتدب اليها، اما الخبرة فهناك من يعرفها بانها اجراء يتعلق بموضوع الدعوى يتطلب الالمام بمعلومات فنية خاصة لإمكان استخلاص الدليل منها، او انها تقدير يبديه اصحاب الفن او الاختصاص في مسألة فنية لا يستطيع قاضي الموضوع معرفتها بمعلوماته الخاصة(1). تعتبر الخبرة من الوسائل التي تعين او تساعد على اظهار الحق وكشف وجه الدعوى، ويمكن القول بان الشريعة الاسلامية السمحاء قد اعتدت واعتمدت قول اهل الخبرة، فقد قبل النبي (ص) قول القائف وسر عليه الصلاة والسلام حينما اثبت نسب اسامة (رض) من زيد (رض) بمقارنة الشبه في اقدامها(2).وقد اشارت الاية الرابعة من سورة القيامة الى قوله تعالى: ( بلى قادرين على ان نسو يبنانه) أي اختلاف بصمات الاصابع من شخص لاخر.

ان ما يستوجب الركون الى الخبرة هو اقتضاء حال الدعوى للاستعانة برأي خبير او اكثر خاصة في الامور العلمية والفنية البحتة التي تحتاج بالدرجة الاساس الى كفاءات فنية متخصصة وعلة ذلك افتقار قاضي الموضوع الى مثل هذه الامكانات العلمية والفنية، مثل الحاجة لتعين مهندسي بناء مختصين دعت الضرورة الركون الى خبرتهم في نزاع اثير امام المحكمة بين صاحب بناء ومقاول بشأن حسن تطبيق القواعد الصحيحة في البناء او تقدير وتحديد الاضرار الحاصلة في البناء نتيجة الاستخدام غير الصحيح له، او قد تحتاج المسألة الى خبير مختص بالخطوط والبصمات وغير ذلك من الامور التي لا يمكن التوصل الى معرفتها الا ممن له خبر ودراية علمية بخصوص المسألة موضوع النزاع(3). ان مجال عمل الخبرة يتعلق بالامور الفنية البحتة من دون التعرض الى مسائلها القانونية او كيفية اعطاء التكيف القانوني لموضع الدعوى لكون ذلك لا يدخل ضمن اختصاص الخبير المنتدب وبهذا تعتبر الخبرة اجراء تحقيق يقصد منه الحصول او المساعدة للحصول على معلومات ضرورية في فرع من فروع المعرفة، عن طريق اصحاب الاختصاص(4).

ولما كان قول الخبير ليس شهادة مباشرة في موضع النزاع انما هو تقرير فني يتعلق فقط بالمسألة الفنية القائمة في الدعوى جاز للقاضي ان يحكم بمقتضاه اذا وافق الادلة الاخرى القائمة في الدعوى، كما يجوز له تركه او ترك بعضه اذا رأى عدم سلامته او عدم سلامة بعضه لكونه يخالف ادلة اخرى مقنعة وواضحة في الدعوى، وذلك لان القاضي لا يحكم الا بما تطمئن اليه نفسه حسب الادلة المقدمة في الدعوى، وليس هذا انكاراً للفائدة العلمية لتقدير الخبير ولكن قد توجد ادلة اخرى اكثر دلالة وقوة ووضوحا في محل النزاع(5). ان قول الخبير هو بمثابة شهادة يستعين به القاضي في الدعوى القائمة، وجب ان يراعى في هذا المجال المقال الشبه التي ترد الشهادة فيجب الا يكون الخبير الذي قدم تقريره في الدعوى قريبا لاحد الخصوم او قريبا لزوجته او صهرا لاحد الخصوم او وكيلا له او لزوجته في اعماله او وصيا او قيما او مظنونا وراثته بعد موته، كما يجب ان لا تكون بينه وبين احد الخصوم عداوة او خصومة ما لم تكن هذه الخصومة قد اقيمت بعد الدعوى يقصد منعه من الادلاء بقوله او تقريره(6).

ان المحكمة غير ملزمة بتقرير الخبير ولكنها اذا اخذت به فعليها ان تضمن قرار حكمها راي ذلك الخبير لان تقريره يعتبر سببا من اسباب الحكم فلا يجوز انكاره الا عن طريق الطعن به تزويرا فهو حجة بما تضمنه من امور قد يفتح للقاضي باب الحقيقة(7). اما اذا لم يأخذ القاضي بتقرير الخبير وقضى برأي مخالف لذلك تماما او قد يأخذ بجزء منه ويترك الجزء الاخر فعليه هنا ان يبين السبب او الاسباب التي دفعته او اوجبت عليه عدم الاخذ بتقرير الخبير(8). من هذا لمنطلق يمكن القول ان قاضي الموضوع هو صاحب الرأي الفاصل في الدعوى، اما رأي الخبير الذي ينتهي اليه بما يستنبطه من معاينة محل النزاع او الشهود فليس له اية حجية قانونية ملزمة، واقصى ما يكون لذلك التقرير هو قوة اقتناع تتجه الى عقل القاضي مع ما يتجه اليه ايضا من تفنيد الخصوم لرأي الخبير، ويتعين على القاضي تكوين عقيدته من خلال ذلك(9).

_________________

1- د. سليم ابراهيم حربة، محاضرات القاها على طلبة الدراسات العليا (الماجستير) للعام الدراسي 2000- 2001 (ادلة الاثبات – الخبرة).

2- صحيح البخاري 3/ 193 (كتاب الفرائض باب القائف)؛ د. عوض عبد الله ابو بكر، الاثبات في الفقه الاسلامي، مجلة الجامعة الاسلامية، العدد (59) 1403، ص118.

3- م(132) اثبات العراقي: (الخبرة تتناول الامور العلمية و الفنية و غيرها من الامور اللازمة للفصل في الدعوى دون المسائل القانونية)؛ د. توفيق حسن فرج، قواعد الاثبات في المواد المدنية و التجارية، موسسة الثقافية الجامعة، الاسكندرية، 1983، ص190؛ عز الدين الدناصوري و حامد عبد الحميد عكاز، التعليق على قانون الاثبات المصري، عالم الكتب القاهرة، ص290.

4- د. عباس العبودي، شرح احكام قانون الاثبات المدني العراقي، دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان، الاردن، 1999، ص327.

5- د. محمد يحيى مطر، الاثبات في المواد المدنية و التجارية، الدار الجامعية، الاسكندرية، 1987، ص227؛ الدناصوري و عكاز، المصدر السابق، ص291؛ (اذا كان تقرير الخبراء لمصاريف الدعوى و التكفين و الفاتحة مغالى فيه فيجب انتخاب خبراء غيرهم من الملمين بمثل هذه الامور ) قرار تمييزي عراقي رقم 76، م اولى، 1980، مجموعة الاحكام العدلية عدد (1) لسنة 1980.

6- انور العمروسي، اصول المرافعات الشرعية، ص365؛ (على المحكمة انتخاب خبراء قبل موعد اجراء الكشف لتمكين الخصوم من بيان اعتراضهم حول شخص الخبير طبقا للمادتين 133- 134 من قانون الاثبات) قرار تمييزي عراقي رقم 2792، ح، 1979، مجلة الاحكام العدلية، عدد (1) لسنة 1980، ص142.

7- د. عباس العبودي، شرح احكام قانون الاثبات المدني، ص340؛ م(140) اثبات عراقي: (راي الخبير لا يقيد المحكمة و عليها اذا قضت بخلاف رايه ان تضمن حكمها الاسباب التي اوجبت عدم الاخذ براي الخبير كلا او بعضا)؛ (على المحكمة تلاوة تقرير الخبير بحضور الطرفين و السؤال منهما عما لديهما بشأنه و من ثم اصدار قرارها المناسب في ضوء ذلك) قرار محكمة التمييز العراق 35، ب، 1980 محكمة الاستئناف بصفتها التمييزيه، مجموعة الاحكام العدلية العدد (1) 1980، ص143؛ قرار المحكمة العليا الاماراتية في الطعن المدني رقم 95 لسنة 9 ق.ع في 8، 12، 1987، ص133، المجلة العربية للفقه والقضاء العدد (10)1989.

8- د. محمد حسن قاسم، الاثبات في المواد المدنية و التجارية،ط1، الدار الجامعية بيروت، 2001، ص320.

9- د. ادم وهيب النداوي، شرح قانون الاثبات، ص279؛ (تقيم راي الخبير يعود لمحكمة الموضوع ما دامت الخبرة غير مشوية بنقض او غموض) ، قرار تمييزي سوري قد 453 اساس لعام 1999 قرار 3182 لعام 1999 في 37، 9، 1999 مجلة المحامون السورية العدد 5، 6، لسنة 1999، ص492؛(ان عدم دعوة الخبراء للمناقشة و الاكتفاء بتقاريرهم و عدم الحاجة الى خبرة جديدة، كل ذلك من المسائل التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع) قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 265، 1987 رقم 56 في 12، 3، 1987 المجلة العربية للفقه و القضاء، جامعة الدول العربية العدد (9) 1989، ص193.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .