الولاية لغة: الولاية بكسر الواو معناها السلطان، وبفتح الواو وكسرها معناها النصرة. وقال سيبويه: الوَلاية بالفتح المصدر، والوِلاية بالكسر الإسم مثل الإمارة والنقابة. ومن معانيها أيضاً الوصاية، فيقال: أولى فلاناً على اليتيم أوصاه عليه(1). وولي الشيء، ووليَ عليه وِلايةً ووَلايةً أي ملك أمره وقام به فهو وليه(2). والولي ضد العدو، والولي في أسماء الله تعالى هو الناصر، وقيل المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها، كما في قوله تعالى: (وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيرا) (3). فولاية الله لعباده عبارة عن تصرفه في شؤونهم وتوليه أمورهم(4). وكل من ولي أمر أحد فهو وليه، أي قائم بأمره(5). ومن هذا المعنى اللغوي الأخير اخذ المعنى الفقهي للولاية، حيث عرفها فقهاء المسلمين، بانها: (تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى)_(6).

فالولاية تشعر بسلطة الولي على من هو تحت ولايته، ولكن يؤخذ على هذا التعريف مأخذان: الأول- انه يعرف الولاية ببيان حكمها لا بشرح حقيقتها وبيان أهم خصيصة فيها ألا وهي الرعاية، حيث يلاحظ على هذا التعريف مدى تركيزه على عنصر السلطة في تحديد مهمة الولي، وإغفاله لعنصر الرعاية الذي هو غرضها الحقيقي(7). والثاني- هو ما جاء في آخر التعريف من عبارة (شاء أو أبى)، فالمشيئة والإباء إنما يتصوران ممن له مشيئة وإباء وهما لا يكونان إلاّ مع التمييز، فالفقهاء أرادوا بهذا التعريف ان يكون التنفيذ جبراً على المولى عليه من دون التفات الى مشيئته وإبائه ان كان له مشيئة وإباء بالفعل(8).

أما في مجال الفقه القانوني، فقد عرفها بعض شراح القانون متأثرين بما ذهب اليه الفقهاء المسلمون في هذا الصدد بقولهم: (الولاية صفة تقوم بشخص تجعل له سلطاناً على غيره في نفسه أو ماله أو فيهما جميعاً جبرا عنه)(9).وعرفها بعض آخر من الشراح مركزاً على الجانب الموضوعي في الولاية بانها: (الرعاية الواجبة أو الرعاية المسؤولة للطفل في نفسه وفي ماله)(10). وقد حاول فريق ثالث التوفيق بين الجانب الموضوعي والجانب الحكمي في الولاية، فعرفها بانها: (تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى والإشراف على شؤونه ورعايته)(11). من خلال هذه التعريفات، وحتى يمكننا الوقوف على حقيقة الولاية لا بد لنا من بيان الخصائص التي تمتاز بها وهي كالآتي:

أولاً- الرعاية: وهي الغاية الأساسية من الولاية على النفس وغرضها الحقيقي الذي لولاه لما قامت بنظامها الشرعي المعروف. وتشمل الرعاية كل ما يتعلق بشخص من هو تحت الولاية (المولى عليه) مادياً ومعنوياً، من إنفاق وتأديب وتطبيب وتزويج، وغير ذلك من الرعاية الواجبة على الولي تجاه من هو تحت ولايته، سواء تمت هذه الرعاية من الولي مباشرة أو بصورة غير مباشرة، كما في حالة حضانة الأم لطفلها، والتزام وليه بأجر حضانته(12).

ثانياً- السلطة التي يباشرها الولي على المولى عليه، بالقدر الذي تحميه من الانحراف وترده عن المروق من ولايته وتمكنه من مباشرة الرعاية الواجبة عليه. وهي سلطة خولها القانون للولي لا لتحقيق مصلحته الذاتية فحسب بل مصلحة المولى عليه بالدرجة الأساسية لتوفير الحماية اللازمة له طيلة فترة الولاية عليه. فضلاً عما تتطلبه رعاية المولى وتوجيهه تربوياً، من طاعة مفروضة نحو الولي وبقائه تحت رقابته المستمرة(13).

ثالثاً- مسؤولية الولي عمن هو في ولايته بالنسبة لما يقع منه من أفعال أو تصرفات تضر بالغير، فضلاً عن مسؤوليته عن التصرفات التي تصدر منه (أي الولي) والتي تضر بشخص أو مصلحة المشمول بولايته مادياً أو معنوياً. وتعتبر السلطة التي يباشرها الولي على المولى هي الأساس القانوني لمسؤوليته ومحاسبته عن أي تقصير أو إهمال يصدر منه في حق المولى، حيث يرتب عليه القانون الجزاء المناسب والذي قد يصل الى سلب الولاية منه على نحو ما سنأتي على بيانه في محله(14).

رابعاً- نيابة الولي عمن هو في ولايته، فالولاية في جوهرها – كما يرى غالبية فقهاء القانون(15). – هي ضرب من النيابة، والتي هي بمعناها العام قيام شخص مقام آخر في التصرف عنه. ذلك ان الولي يعتبر هو الممثل الشرعي للمولى، فيقوم مقامه في جميع الشؤون التي تتصل بشخصه والتي تقبل النيابة، من عقود وأفعال ومخاصمات في الحقوق(16). وتسمى هذه النيابة القانونية وذلك لاستنادها من حيث المصدر الى القانون وتكفل القانون نفسه برسم حدود هذه النيابة وتعيين شخص النائب فيها وبيان القيود الواردة على سلطاته(17).

خامساً- تعتبر الولاية من الحقوق التي لا تقبل الإسقاط لان الشارع أعتبرها وصفا ذاتياً لصاحبها لازماً له لا ينفك عنه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو لتعلق حق الغير بها(18). حيث تمتاز الولاية التي هي من حقوق الأسرة بانها ممنوحة لأصحابها لا لتحقيق مصلحتهم الشخصية فحسب، بل لتحقيق مصلحة الشخص الخاضع لها بوجه خاص، ومصلحة الأسرة كلها بوجه عام(19). فالولاية لا تقتصر على منح الولي سلطة على الغير (المولى)، بل تفرض عليه في الوقت ذاته واجب استعمال هذه السلطة في مصلحة هذا الغير، بحيث تبدو وكأنها مزيجاً مركباً من الحق والواجب معاً(20). لذا فهي تخرج عن دائرة التعامل فلا يصح التنازل عنها ولا التصرف فيها بأي شكل من الأشكال(21). بعد هذا العرض لأهم التعريفات التي قيلت في الولاية، وبعد بيان الخصائص التي تمتاز بها يمكننا ان نعرف الولاية بانها: سلطة قانونية مقررة شرعاً لشخص على آخر يكون بمقتضاها على الأول واجب رعاية الثاني، وحقه في إمضاء التصرفات النافعة له جبراً عنه.

___________________________

[1]– أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور- لسان العرب- دار صادر- بيروت- 1376 هـ- 1956م- مج 15- فصل الواو- حرف وي- ص407، مجد الدين الفيروز آباذي- القاموس المحيط- المطبعة المصرية- ط3- 1352هـ- 1933م- ج4- فصل الواو- ص402.

2 – بطرس البستاني- محيط المحيط- بيروت- لبنان- 1286هـ- 1870م- مج2- باب الواو- ص2287.

3 – سورة النساء/ 45.

4 – أبو عبدالله محمد بن عمر بن حسين الرازي – التفسير الكبير – المطبعة البهية المصرية – مصر – ط1 – 1357 هـ – 1938م – ج10 – ص116،ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي – انوار التنزيل واسرار التأويل – المعروف بتفسير البيضاوي – دار الجيل – بيروت – 1329هـ – ج5 – ص 113، محسن علي البلتستاني – النهج السوي في معنى المولى والولي – مطبعة الآداب – النجف الاشرف – 1388هـ – 1968م – ص10.

5 – ابن منظور – مصدر سابق – ص410، بطرس البستاني – مصدر سابق – ص2288، د.نزيه حماد – نظرية الولاية في الشريعة الإسلامية – دار القلم – دمشق – الدار الشامية – بيروت – الطبعة الأولى – 1414هـ – 1994م – ص7.

6 – زين الدين ابن نجيم الحنفي – البحر الرائق شرح كنز الدقائق – دار المعرفة – بيروت – لبنان –ط2 – بلا سنة طبع – ج3 – ص117، عبد الرحمن الجزيري – الفقه على المذاهب الأربعة – قسم الأحوال الشخصية – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – ط5 – 1988 – ج4 – ص28.

7 – انظر: مصطفى احمد الزرقاء – الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد – ج1- المدخل الفقهي العام إلى الحقوق المدنية – مطبعة الجامعة السورية – ط3 – 1371هـ – 1952م – ص542 – هامش رقم (2)، حسني نصار – تشريعات حماية الطفولة – حقوق الطفل في التشريع الدستوري والدولي والمدني والجنائي والتشريع الاجتماعي وقواعد الأحوال الشخصية – منشأة المعارف – الاسكندرية – بلا سنة طبع – ص336.

8 – احمد ابراهيم بك – أحكام التصرف عن الغير بطريق النيابة – مطبعة العلوم – القاهرة – 1359هـ – 1940م – ص6.

9 – انظر: د.صبحي محمصاني – النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية – مكتبة الكشاف – بيروت – 1948 – ج1 – ص59، د.عبد المنعم البدراوي – المدخل للقانون الخاص – دار الكتاب العربي – مصر – ط1 – 1957 – ص140، احمد ابراهيم بك – مصدر سابق – ص6، صالح جمعة حسن – الولاية على النفس في الشريعة الإسلامية والقانون – بحث مقارن – مؤسسة الرسالة – ط1 – 1396هـ – 1976م – ص31.

0[1] – حسني نصار – مصدر سابق – ص317، د.بدران أبو العينين بدران – حقوق الأولاد في الشريعة الإسلامية والقانون – مؤسسة شباب الجامعة – الاسكندرية – 1981 – ص1، شامل رشيد ياسين – عوارض الأهلية بين الشريعة والقانون – مطبعة العاني – بغداد – ط1 – 1974 – ص337.

1[1] – د. عبد الرحمن الصابوني – الأحوال الشخصية – ج1 – الزواج والطلاق وآثارهما – جامعة حلب – 1965 – ص476.

2[1] – د.بدران أبو العينين بدران – مصدر سابق – ص1،حسني نصار – مصدر سابق – ص 317.

3[1] – حسني نصار – مصدر سابق – ص318، د.محمد سامي مدكور – نظرية الحق – دار الفكر العربي – مصر – 1953 – ص12، محمد كمال عبد العزيز – الوجيز في نظرية الحق – مطبعة الاستقلال الكبرى – مصر – بلا سنة طبع – ص137.

4[1] – حسني نصار – مصدر سابق – الصفحة نفسها، د.محمود سعد الدين الشريف – شرح القانون المدني العراقي – نظرية الالتزام – مطبعة العاني – بغداد – 1374هـ – 1955م – ج1 – ص421.

5[1]– د. عبد الرزاق أحمد السنهوري- شرح القانون المدني- النظرية العامة للالتزام – دار الكتب المصرية – القاهرة- 1934- ج1- ص207، د. سليمان مرقس- الوافي في شرح القانون المدني- 1- المدخل للعلوم القانونية- مطبعة السلام- مصر- ط6- 1987- ص778، أحمد ابراهيم بك- مصدر سابق- ص3 وما بعدها، د. عبد الرحمن الصابوني- مصدر سابق- ص76، د. محمود سعد الدين الشريف- مصدر سابق- ص128. وجدير بالذكر يرى بعض الفقهاء ان الولاية لا تحقق معنى النيابة، فالأب أو الجد أو الوصي يتصرف أي منهم في شؤون الصغير أو المحجور عليه بما له من ولاية، فهو لا يتصرف نيابة عن الصغير، ولكنه يتصرف إبتداءً بما له من ولاية على الصغير ثابته له شرعاً. انظر: علي الخفيف- أحكام المعاملات الشرعية- مطبعة السنة المحمدية- القاهرة- ط4- 1371هـ- 1952م- ص109، د. شفيق شحاته- نظرية النيابة في القانون الروماني والشريعة الإسلامية – مجلة العلوم القانونية والاقتصادية- مصر- س1- ع1-2 –1959- ص47 و ص306. والذي يبدو لنا ان الولاية قد تحقق معنى النيابة في جوانب ولا تحققها في جوانب أخرى. فالولي ينوب عن المولى في مباشرة عقد زواجه مثلاً، كما ينوب عنه أمام الجهات القضائية، ولكن لا توجد نيابة عندما يقوم الولي بمباشرة سلطاته في رعاية المولى وحفظه وتعليمه وتأديبه وغيرها من الأمور التي تتعلق بشخص القاصر والتي يباشرها الولي أصالة عن نفسه لا نيابة عن الغير.

6[1]- يخرج عن هذا التمثيل ما لا يقبل النيابة مثل حلف اليمين، فلا يسوغ للإنسان ان يحلف اليمين بدلاً عن غيره حتى لو كان وليه أو وصيه لان ذلك يرجع الى ذمة الحالف الشخصية. وهذا ما نصت عليه المادة (112) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 بقولها: (تجري النيابة في طلب التحليف ولا تجري في اليمين). انظر: د. محمود سعد الدين الشريف- مصدر سابق- الصفحة نفسها ، د. سليمان مرقس- أصول الإثبات واجراءاته في المواد المدنية في القانون المصري- مقارناً بتقنينات سائر البلاد العربية- عالم الكتب- القاهرة- 1981- ج1- ص605.

7[1] – د. عبد المجيد الحكيم- الوسيط في نظرية العقد- مع المقارنة والموازنة بين نظريات الفقه الغربي وما يقابلها في الفقه الإسلامي والقانون المدني العراقي- شركة الطبع والنشر الأهلية- بغداد- 1387هـ- 1967م- ج1- ص171، جاسم لفته سلمان- النيابة عن الغير في التصرف القانوني- بحث مقارن- كلية القانون- جامعة بغداد- 1411هـ- 1991م- ص121 وما بعدها.

8[1] – انظر في ذلك فتوى شرعية تقضي بان: (ولاية الأب والجد وصف ذاتي لهما، فلو عزلا أنفسهما فلا ينعزلان، بناء عليه لا يجوز للأب أو الجد ان يتنازل عن ولايته على أولاده إلى زوجته فإذا تنازل فلا يكون لتنازله قيمة). مجلة المحاماة – مصر – س4- ع6- 1924- رقم: 429- ص572.

9[1] – لذا يسمي بعض شراح القانون هذا النوع من الحقوق بالحقوق الغيرية لانه لا يقصد بها مصلحة أصحابها وإنما مصلحة الغير الذي تقررت تلك الحقوق لأجله. انظر: د. اسماعيل غانم- محاضرات في النظرية العامة للحق- مكتبة عبد الله وهبة- مصر- ط2- 1958- ص 16، د. حسن كيرة- المدخل الى القانون- منشأة المعارف- الاسكندرية- 1971- ص446.

20 – انظر: مصطفى أحمد الزرقاء- الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد- ج2- المدخل الى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي- مطبعة الجامعة السورية- دمشق- ط3- 1377هـ- 1958م- ص12، جميل الشرقاوي- دروس في أصول القانون- الكتاب الثاني- نظرية الحق- دار النهضة العربية- القاهرة- 1966- هامش ص37. ولعل ازدواج أو تعدد المصلحة في حق الولاية هو الذي يجعلها تتردد بين معنى النيابة تارة وعدم النيابة تارة أخرى، كما مر بنا.

[1]2 – وقد أكد المشرع السوري على هذه الخاصية في الولاية، فنص في المادة (170/ 1) من قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لسنة 1953 على ما يلي: (للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر وماله وهما ملتزمان القيام بها). كما أكد على ذلك أيضاً المشرع المغربي في الفصل (149) من مدونة الأحوال الشخصية المغربية لسنة 1957. وبهذا الصدد قضت محكمة النقض السورية بان: (ولاية الجد على القاصر حق للقاصر لا يملك الولي التنازل عنها مادم اهلاً لها). قرار رقم: 234/ أساس 241- تاريخه 25/ 5/ 1973- مجلة المحامون- نقابة المحامين- سورية- س38- ع1-2- 1973- ص188. وفي قرار آخر لها جاء فيه: (للأب ولاية على نفس القاصر وماله وهو ملزم بها). قرار رقم: 536/ شرعية/ ق 649- تاريخه: 28/8/1981- مجلة القانون- الجمهورية العربية السورية- وزارة العدل- س33- ع1-4- 1982- ص85. ومن تطبيقات القضاء العراقي في هذا الخصوص، قضت محكمة التمييز بانه: (ليس للأبوين حق الاتفاق على بقاء الصغير لدى أمه حتى بلوغه سن الرشد، وللأب طلب الصغير اليه عند تجاوزه سن الحضانة، رغم وجود الاتفاق المذكور). وكذلك قضت بان: (ولاية الأب والجد ولاية طبيعية لا يمكن عزله منها). انظر: ابراهيم المشاهدي- المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز- قسم الأحوال الشخصية- مطبعة أسعد- 1989- ص118 و ص357.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .