الوكالة بالعمولة عقد يلتزم بمقتضاه الوكيل بالعمولة بان يجري باسمه تصرفا قانونياً لحساب الموكل في مقابل أجر (1). وبهذا نجد أن الوكيل بالعمولة يرتبط بعقدين الأول هو عقد وكالة بالعمولة الذي يتم إبرامه بين الوكيل والموكل وتكون علاقة الوكيل بالعمولة بالموكل علاقة وكالة تجارية، وتصفى علاقتهما بمقتضى أحكام هذه الوكالة. والعقد الثاني هو العقد الذي يبرم بين الوكيل والغير حيث يقوم الأول بالعمل باسم نفسه لحساب موكله ولا يظهر فيه اسم هذا الأخير (2). ولا شان لعقد الوكالة بالعمولة بهذه العلاقة لأن الوكيل يتعاقد باسمه هو لذا يكون وحده مسؤولاً عن الآثار المترتبة عن العقد المبرم بينهما (3). وعند مقارنة موقف الاسم المستعار بموقف الوكيل بالعمولة، يظهر لنا التشابه الكبير بينهما، فكلاهما يتصرف مع الغير المتعاقد معه باسمه الشخصي دون أن يظهر شخصية موكله وان كان التعاقد يتم لحساب هذا الأخير. وبتعبير آخر انه يبدو أمام الغير وكأنه المتعاقد والمستفيد الحقيقي من التعاقد فينصرف إليه ((أي إلى الوكيل)) أثر العقد الذي يبرمه مع هذا الغير، ثم يقوم الوكيل بعد ذلك بنقل أثر التصرف إلى الموكل تنفيذا لعقد الوكالة المبرم بينهما من قبل (4). وعلى الرغم من هذا التشابه الذي يكاد يصل إلى حد التطابق من حيث المفهوم بين التعاقد باسم مستعار والوكالة بالعمولة، إلا أن هناك ثمة فوارق بينهما.

أولاً: الأصل في التعاقد باسم مستعار إنه عقد من عقود التبرع إلا إذا تم الاتفاق على أن يكون بأجر، في حين نجد أن الوكالة بالعمولة عقد من عقود المعاوضة الملزمة للجانبين إذ أن المفروض أنها تمت بأجر أو عمولة، إلا إذا اتفق على خلاف ذلك، وتعتبر العمولة العنصر الجوهري الذي يميز الوكالة بالعمولة عن الوكالة العادية (المدنية) غير التجارية، وكلمة عمولة تعني المقابل الذي يتقاضاه الوكيل بالعمولة نظير أدائه مهمته ومنها استمد هذا العقد اسمه (5)، وتستحق العمولة بمجرد إتمام إبرام الصفقة دون النظر لتنفيذها من عدمه، لأن إبرام الصفقة يعد تنفيذا لعقد الوكالة، أما إذا تضمنت الوكالة شرط الضمان، يجب عندئذٍ لكي يستحق الوكيل بالعمولة الأجرة (العمولة) أن تنفذ الصفقة فعلاً لان الوكيل بالعمولة يعد ضامنا في هذه الحالة لتنفيذ الصفقة (6). هذا وقد تتخذ العمولة صورة نسبة مئوية من قيمة الصفقة وقد يتفق على أن تكون هذه العمولة بصورة مبلغ معين محدد ابتداء (7).

ثانياً: إن الوكالة التي تربط الوكيل بالموكل في التعاقد باسم مستعار هي وكالة مستترة تخضع لأحكام القانون المدني وبالأخص في ما يتعلق بالأهلية اللازمة لمباشرة التصرف. ولما كان الوكيل يعقد التصرف باسمه الشخصي وينصرف إليه أثر العقد دائنا أو مدينا فان الأهلية المطلوبة فيه هي الأهلية اللازمة لمباشرة التصرفات القانونية.

في حين نجد أن الوكالة بالعمولة عمل تجاري محترف بحكم القانون وبموجب نص الفقرة (16) من المادة (5) من قانون التجارة العراقي رقم30 لسنة 1984، فتجارية الوكالة بالعمولة ترتبط في مباشرة هذه الوكالة بشكل مشروع و إلا اعتبرت عملا مدنيا (8). ولذلك ليس من المهم أن يكون موضوع الوكالة بالعمولة القيام بعمل تجاري لكي يضفي الوصف التجاري على الوكالة بالعمولة. فسواء كان العمل المعهود به للوكيل بالعمولة عملاً من طبيعة مدنية أو تجارية، وسواء أكان محل هذا العمل من عروض التجارة أم من غيرها فان الوكالة بالعمولة تعتبر تجارية بشرط ممارستها في شكل مشروع. لذا عند التحدث عن الأهلية اللازمة بالنسبة للوكالة بالعمولة، نجد انه يشترط بالنسبة للموكل الأهلية المقررة في القانون المدني، أي أن يكون قد أتم الثامنة عشر من العمر، أو أن يكون مأذونا بالاتجار إذا كان مميزا وبلغ الخامسة عشرة من العمر، ويعتبر الشخص المعنوي أهلا للتعاقد بمجرد اكتسابه الشخصية القانونية (9).

أما بالنسبة للوكيل فيجب أن تراعى فيه أحكام قانون الوكالة التجارية رقم 51 لسنة 2000 حيث حصرت المادة (4) منه ممارسة مهنة الوكيل بالعمولة بالعراقيين فقط. وإذا كان الوكيل شركة فيشترط أن تكون أسهما مملوكة للعراقيين وان تكون مسجلة في العراق.

وتشترط الفقرة (ب) من المادة الرابعة من هذا القانون أن يكون الوكيل متمتعا بالأهلية القانونية وأكمل الخامسة والعشرين من العمر.

ثالثاً: أختلاف التعاقد بأسم مستعار عن الوكالة بالعمولة من حيث علاقة الغير المتعاقد مع الوكيل بالموكل المستتر في الحالة التي يعلم فيها هذا الغير إن من يتعاقد معه ليس ألا وكيلاً مستتراً ولم تكن لهذا الغير مصلحة في تحديد الشخص الذي تنصرف إليه آثار العقد. حيث تنشأ في التعاقد باسم مستعار علاقات قانونية مباشرة بين المتعاقد مع الأسم المستعار والمستعير للاسم (الموكل) متى كان هذا المتعاقد يعلم صفة الاسم المستعار أو كان يستوي لديه التعامل مع هذا الأخير أو مع المستعير للأسم أعمالا لنص المادة (943) من القانون المدني العراقي والمادة (106) من القانون المدني المصري.

وعلى العكس من ذلك بالنسبة للوكالة بالعمولة حيث لا تنشأ كقاعدة عامة علاقة مباشرة بين الموكل والغير المتعاقد مع الوكيل بالعمولة حتى ولو علم هذا الغير اسم الموكل وحقيقة العلاقة ولم تكن له مصلحة بارزة في تحديد الشخص الذي تنصرف إليه آثار العقد وذلك نظراً للطبيعة الخاصة للوكالة بالعمولة. (10).

بذلك يتبين لنا الفارق ما بين فكرتي التعاقد باسم مستعار والوكالة بالعمولة والذي يجعل كل واحد منهما يختلف عن الأخرى رغم التشابه الكبير بينهما.

_______________

1- انظر د. مصطفى كمال طه – أصول القانون التجاري – مطبعة الدار الجامعية – بيروت -1982 – ص75، وانظر د. قدري عبد الفتاح الشهاوي- مصدر سابق – ص325.

2- أنظر د. باسم محمد صالح – القانون التجاري – القسم الأول- دار الحكمة – 1987- ص226.

3- انظر نوري طالباني – القانون التجاري – بغداد – 1979 – ص138-139.

4- وقد قضت محكمة النقض المصرية بهذا الشأن بأن (( الوكيل بالعمولة فردا كان أو شركة هو الذي يتعاقد مع الغير باسمه الشخصي أصيلا لحساب موكله فيكتسب الحقوق ويتعهد بالالتزامات أزاء الغير الذي يتعاقد معه ولكنه في حقيقة الأمر ليس بالأصيل وإنما هو يعمل لحساب الموكل الذي كلفه بالتعاقد ويستوي أن يباشر التصرف بنفسه أو بواسطة غيره طالما أن التصرف يكون باسمه هو ومن ثم فهو الملزم دون غيره لموكله ولمن يتعامل معه وله الرجوع على كل منهما بما يخصه من غير أن يكون لمن تعامل معه أو لموكله أن يرجع كل منهما على الآخر بشيء)) طعن رقم 320 لسنة 71ق – جلسة 11/4/2002، انظر د. موسوعة مراد لأحدث أحكام محكمة النقض الجنائية والمدنية المصرية – إعداد د. عبد الفتاح مراد –ج4- 2002م – ص 243-244.

5- انظر د. محمود سمير الشرقاوي – القانون التجاري – ج1- دار النهضة العربية – القاهرة- 1982-ص2، د.مراد فهيم – القانون التجاري – العقود التجارية وعمليات البنوك- 1982 – ص88 انظر أيضاً د. حافظ محمد إبراهيم – القانون التجاري العراقي- النظرية العامة – الشركة الإسلامية للطباعة والنشر المحدودة – بغداد- بلا تاريخ- ص411.

6- د. باسم محمد صالح – القانون التجاري – مصدر سابق – ص238.

7- انظر د. اكرم ياملكي وفائق الشماع – القانون التجاري – جامعة الموصل – الموصل – 1980 – ص138.

8- أنظر د. باسم محمد صالح – القانون التجاري – مصدر سابق – ص82.

9- انظر المواد (106، 98/1، 48) مدني عراقي.

10- ولكن مما تجدر ملاحظته أن هناك بعض الاستثناءات التي ترد على القاعدة العامة والتي تبيح رجوع الموكل على الغير المتعاقد مع الوكيل بالعمولة احدهما على الآخر ويمكن إجمال هذه الاستثناءات بما يأتي :

1. ان للموكل والناقل في الوكالة بالعمولة بالنقل رجوع مباشر على الآخر للمطالبة بالحقوق الناشئة عن عقد النقل و في جميع الأحوال يجب إدخال الوكيل بالعمولة بالنقل في الدعوى. وهذا ما نصت عليه المادة (81/ف1) من قانون النقل العراقي رقم 80 لسنة 1983 وللمرسل إليه رجوع مباشر على كل من الموكل والناقل والوكيل بالعمولة بالنقل للمطالبة بالحقوق الناشئة عن عقد النقل طبقا لنص المادة (81/ف2) من قانون النقل العراقي رقم 80 لسنة 1983.

ورجوع المتعاقد مع الوكيل بالعمولة على الموكل أو رجوع الأخير على الوكيل بالعمولة يتم بموجب دعوى مباشرة فرضت بموجب القانون وليس لان الموكل أصبح متعاقدا إذ أن الناقل لم يتعاقد مع الموكل وإنما مع الوكيل مع العمولة الذي يتعاقد معه باسمه الشخصي لحساب الموكل.

انظر في ذلك د. صبري حمد خاطر – الغير عن العقد – رسالة الدكتوراه مقدمة إلى جامعة بغداد – 1413هـ – 1992 م – ص24.

2. في حالة إعسار الوكيل بالعمولة المكلف بالبيع قبل قبض الثمن من المشتري فانه يجوز للموكل مطالبة المشتري مباشرة بأداء الثمن إليه.

3. في حالة إعسار الوكيل بالعمولة المكلف بالشراء قبل تسليم البيع فانه يجوز للموكل مطالبة البائع مباشرة بتسليم المبيع إليه وهاتين الحالتين الأخيرتين يفرضهما واقع وطبيعة الوكالة بالعمولة.

أنظر في ذلك د. باسم محمد صالح – القانون التجاري – مصدر سابق – ص242.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .