رغبة من التشريعات في الحفاظ على حقوق الدائنين، والحيلولة دون السماح للمدينين السيئي النية في التصرف الضار بذممهم المالية وما يترتب على ذلك من إنقاص تلك الذمة الأمر الذي ينعكس أثره على حقوق الدائنين فقد تم تشريع ما يسمى بالحجز الاحتياطي. فالحجز الاحتياطي بهذا المعنى هو عبارة عن تدبير او إجراء احترازي يهدف الدائن من ايقاعه إلى غل يد المدين من التصرف الضار بأمواله سواء بإخفائها أو تهريبها او بكل تصرف يهدف إلى إخراج تلك الأموال من حيازته ليتجنب من وضع الدائن يده عليها استيفاءاً لحقوقه. إن الحجز الاحتياطي يكتسب أهميته من خلال ما يرتبه من آثار في الواقع العملي في معاملات الأفراد، إذ عن طريق الحجز الاحتياطي يتمكن طالب الحجز من التأثير على مركز مدينه المالي، إلا أن هذا الإجراء قد يعكس عن صورة سلبية إذ لم يمارس وفق الغرض المنشود له كأن يستخدمه طالب الحجز من أجل إلحاق الضرر بمدينه من خلال الحجز الكيدي على أمواله(1).

وقد أجاز المشرع العراقي(2). لكل دائن ان يستصدر أمراً من المحكمة المختصة بتوقيع الحجز الاحتياطي على أموال مدينه المنقولة والعقارية الموجودة لديه او تلك التي لدى الشخص الثالث ما يكفي لوفاء الدين وملحقاته ، إلا أن استصدار امر الحجز مرهون بأن يكون بيد الدائن سند رسمي او عادي بدين معلوم ومستحق الأداء وغير مقيد بشرط. كما يمكن الاستناد على أوراق متضمنة الإقرار بالكتابة مقدمة من الدائن كسبب لا يقاع الحجز الاحتياطي إذا لم يكن للدائن سند رسمي أو عادي، إلا أن المحكمة لها مطلق الصلاحية في قبول تلك الأوراق من عدمها بحسب كفايتها لذلك(3). والأصل أن أموال المدين جميعها ضامنة لديونه، بمعنى انه يجوز ايقاع الحجز عليها، إلا أن المشرع قد استثنى بعض الأموال من إمكانية ايقاع الحجز عليها ، وذلك لكونها ذو طبيعة خاصة او ان ايقاع الحجز عليها يلحق ضرراً جسيماً بالمدين كما ان عدم جواز ايقاع الحجز قد يرجع لأسباب إنسانية او اقتصادية او اجتماعية(4).

أما ما يتعلق بإجراءات طلب الحجز الاحتياطي ، فالملاحظ ان المشرع العراقي(5). قد أوجب على طالب الحجز التقدم بعريضة مشتملة على اسم الدائن والمدين وكذلك الغير ان وجد وشهرتهم ومحل إقامتهم والسند الذي يستند إليه طلب الحجز ومقدار الدين المطلوب الحجز من أجله مع توقيع الدائن على هذه العريضة وبيان تاريخها ، فضلاً عن ذلك كله يتوجب على طالب الحجز تقديم كفالة رسمية او تأمينات نقدية مقدارها عشرة بالمائة من قيمة الدين المطالب به ضماناً لما قد يترتب على الحجز من ضرر إذا ظهر ان طالبه غير محق. ويبرز دور التبليغات في الحجز الاحتياطي من خلال ما قرره المشرع من وجوب تبليغ المدين او المحجوز تحت يده بأمر الحجز وذلك ليتسنى لهم اتخاذ الاجراءات اللازمة لدفع ايقاع الحجز ، وفي هذه الحالة على طالب الحجز ان يقيم الدعوى لتأييد حقه بالحجز خلال ثمانية ايام من تاريخ تبليغ المدين او الشخص الثالث وذلك إذا وقع طلب الحجز قبل إقامة الدعوى ، وبخلافه يبطل طلب الحجز بناءاً على طلب المحجوز على أمواله او المحجوز تحت يده(6).أن الزام طالب الحجز بوجوب رفع دعواه لتأييد حقه بالحجز خلال مدة زمنية محددة وهي ثمانية ايام يجد تبريره للحيلولة دون ابقاء الحجز مدة طويلة فضلاً عن إظهار رغبة الدائن الجدية في المطالبة وعدم السماح للحجوز الكيدية(7).

وفي كل الأحوال، يبطل طلب الحجز بعد مضي ثلاثة اشهر، ويعتبر كأنه لم يكن إذا لم يقم طالب الحجز بتبليغ المحجوز على أمواله او إذا لم يقم الدعوى لتأييد حقه في المدة المذكورة آنفاً(8).من هنا يظهر عدم فعالية طلب الحجز إذا انتفى أحد أركانه الأساسية ، ألا وهو تبليغ المحجوز على أمواله او المحجوز تحت يده بأمر الحجز ، إذ بدون إجراء التبليغات المقررة ، يتعذر على الطرف الآخر العلم بوقوع الحجز ، وحسناً فعل المشرع العراقي بأن جعل من البطلان جزاءاً على عدم تبليغ أمر الحجز للخصم الآخر وذلك حتى لا يحدث توان في هذا الإجراء البالغ الأهمية مما يسلب حقاً من حقوق الخصم التي اقرها المشرع. وإذا ما تقرر الحجز الاحتياطي بناء على طلب في عريضة الدعوى او أثناء السير فيها ، عندها يتم الاكتفاء بتبليغ أمر الحجز إلى المحجوز على أمواله أو الشخص الثالث المحجوز تحت يده وتعد الدعوى القائمة متضمنة طلب تأييد الحجز(9).مما تقدم يتضح ان دور التبليغات في الحجز الاحتياطي يختلف باختلاف وقت التقدم به وذلك فيما إذا قدم طلب الحجز قبل إقامة الدعوى او إذا قدم أثناء السير فيها. أما ما يتعلق بطلب الحجز المقدم قبل إقامة الدعوى ، فيلاحظ تشدد المشرع بخصوص إجراء التبليغات بحيث يترتب على عدم اجراء تلك التبليغات على النحو المقرر بطلان طلب الحجز ، ويبدو طبيعياً هذا الإجراء على اعتبار ان طلب الحجز قبل إقامة الدعوى قد ينفي علم المدين او المحجوز تحت يده بطلب الحجز مما يتحتم تبليغه ، أما طلب الحجز المقدم أثناء السير في الدعوى ، فظاهر الحال يوحي بعلم الخصم بطلب الحجز من خلال حضوره جلسات المرافعة وبالتالي علمه بوقوع طلب الحجز. وفيما يتعلق بالافتراض الاخر والذي يمكن توقعه بشأن طلب ايقاع الحجز ، فهو إمكانية وقوعه بعد صدور الحكم ، ففي هذه الحالة لابد من تبليغ المحجوز على امواله او الشخص المحجوز تحت يده ان وجد بأمر الحجز ، وغاية التبليغات في هذه المرحلة هو لتحديد جلسة لنظر المحكمة اعتراضات كلاً من طالب الحجز والمحجوز على أمواله او المحجوز تحت يده، بعدها تبت المحكمة في أمر الحجز فإما ان تؤيد ايقاعه او تقرر رفعه ، وفي كل الأحوال إذا تغيب مقدم الاعتراض في الجلسة المحددة عندها تقرر المحكمة رد اعتراضه(10).

تجدر الإشارة ان موقف الشخص الثالث او المحجوز تحت يده بعد تبليغه بقرار الحجز لا يعدو عن أحد الاحتمالات الآتية، فإما ان يقر بعائدية تلك الأموال الموجودة في حيازته للمدين ففي هذه الحالة يتوجب عليه الحفاظ عليها وعدم تسليمها للمدين وإلا كان ضامناً، والاحتمال الآخر ان ينكر عائدية الأموال التي في حيازته للمدين ففي هذه الحالة على الدائن الإثبات حسب القاعدة القائلة بأن البينة على المدعي أما سكوت المحجوز تحت يده فيعتبر دليلاً على وجود المال المحجوز لديه وعائديتها للمدين ما لم يثبت خلاف ذلك(11) وإذا ما توصلت المحكمة إلى قناعة مفادها ضرورة ايقاع الحجز الاحتياطي ، عندها تقوم بتنفيذه، وتبقى التبليغات محتفظة بأهميتها كإجراء لا يمكن الاستغناء عنه ، حيث يتوجب تبليغ المحجوز عليه أو الشخص الثالث المحجوز تحت يده إن وجد، وتحتل التبليغات دوراً مهماً في هذه المرحلة وذلك ليتسنى الطعن في قرار الحجز(12).لقد حدد المشرع العراقي(13). التظلم كطريق للطعن يتمكن بموجبه الدائن الذي قررت المحكمة رفض طلبه بالحجز ، كذلك المدين المحجوز على امواله او الشخص الثالث المحجوز تحت يده ، من التظلم على أمر الحجز وذلك في الجلسة المحددة لنظر الدعوى او من خلال تقديم عريضة في غضون ثلاثة ايام من تاريخ تبليغه بأمر الحجز إلى المحكمة التي أصدرته، حيث يبين في العريضة اوجه تظلمه من الحجز كله او بعضه ، ويتوجب بطبيعة الحال تبليغ الحاجز بصورة من التظلم مع ورقة دعوة يبين فيها الجلسة المحددة لنظر التظلم. فعن طريق التبليغ يتمكن الحاجز من تهيئة كل ما من شأنه تقوية مركزه وتدعيم موقفه ازاء تثبيت الحجز الاحتياطي فضلاً من اعداد دفوعه وأدلته في الجلسة المحددة لنظر التظلم ويجب على المتظلم مراعاة المدد وإلا سقط حقه في التمسك بهذا الطعن.

_________________________________________________

1- تنبغي الإشارة إلى أن الحجز الاحتياطي يختلف عن الحجز التنفيذي من حيث الاهداف التي تسعى اليها كل من الإجراءين. للمزيد من التفصيل راجع : محمد مقبل سيف ، الحجز الاحتياطي ، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون ، جامعة بابل ، 1997.

2- راجع الفقرة (1) من المادة (231) مرافعات عراقي.

3- راجع الفقرة (2) من المادة (231) مرافعات عراقي.

4- راجع المادة (62) من قانون التنفيذ العراقي رقم (45) لسنة 1980.

5-راجع الفقرات (1-2) من المادة (234) مرافعات عراقي.

6- راجع الفقرة (1) من المادة (237) مرافعات عراقي.

7- عبدالرحمن العلام، شرح قانون المرافعات المدنية ، ج4 ، مطبعة الزهراء ، بغداد، 1990، ص 311.

8- راجع الفقرة (2) من المادة (237) مرافعات عراقي.

9- راجع الفقرة (3) من المادة (237) مرافعات عراقي.

10- راجع المادة (238) مرافعات عراقي.

11-راجع المادة (241) كذلك المادة (243) مرافعات عراقي.

12- راجع المادة (239) مرافعات عراقي.

13- راجع المادة (240) مرافعات عراقي.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .