تسمية القواعد الجنائية الإجرائية :

اختلفت التشريعات الجنائية في تسمية القانون الذي يحدد الإجراءات الواجب إتباعها في الخصومة الجنائية، فمنها ما أطلقت عليه اسم قانون أصول المحاكمات الجزائية وهذا ما فعله المشرع العراقي واللبناني والسوري والأردني، ولكن هذه التسمية يؤخذ عليها مأخذان(1):-

الأول: هو أنها تسمية غير جامعة لأنها تقتصر على إجراءات المحاكمة دون ما يسبقها من إجراءات تحريك الدعوى والتحقيق فيها وما يعقبها من إجراءات تنفيذ العقوبة.

أما المأخذ الثاني: هو كون هذه التسمية غير مانعة، وذلك لأن وصف الجزاء وصف جنس يندرج تحته أكثر من نوع من أنواع الجزاء منها المدني والإداري والدستوري وكذلك منها الجنائي.

كما أطلقت تشريعات أخرى على هذه القواعد تسمية قانون تحقيق الجنايات، وهذا ما فعله التشريع الفرنسي (الملغى) والتشريع المصري الصادر عام 1875 وتشريع عام 1904، ولكن هذه التسمية انتقدت أيضاً كونها تسمية غير جامعة تقتصر على إجراءات الادعاء والتحقيق دون ما يلحقها من إجراءات في مرحلتي المحاكمة وتنفيذ العقوبة، بالإضافة إلى أن كلمة (الجنايات) لا تمتد إلى الجنح والمخالفات(2).

ويقترح البعض(3) في تسمية القواعد الجنائية الإجرائية بقانون إجراءات الدعوى الجزائية، ومن جانبنا نرى بأن هذه التسمية غير جامعة، فقد يسبق تحريك الدعوى الجنائية مجموعة إجراءات كالتحري وجمع الاستدلالات، كما أن ما هو معلوم بأن الدعوى الجنائية تنتهي بصدور الحكم فيها، فلا تشمل هذه التسمية إجراءات تنفيذ الحكم على المحكوم عليه.

كما أن هناك من الفقهاء(4) من يقترح تسمية هذه القواعد بقانون الخصومة العقابية، وهذا الرأي هو الآخر منتقد لأن تسميتها بهذا الاسم هي تسمية غير جامعة، كما أنها تنحصر على العقوبة دون التدابير الاحترازية(5).

وتتجه التشريعات الحديثة في كل من مصر في تشريعها رقم(150) الصادر عام 1950 والمشرع الفرنسي والمشرع الإيطالي في تشريعه رقم (447) الصادر عام 1988 إلى تسمية القواعد الجنائية الإجرائية بقانون الإجراءات الجنائية، وهذه التسمية هي الأخرى قد وجه لها النقد على أساس أن هذه القواعد لا تنطوي على مجرد إجراءات بل تشتمل على قواعد تحكم سير الخصومة المدنية التي تتبعها(6). وهذا الانتقاد في الحقيقة محل نظر لا ينال من هذه التسمية، بسبب كون القواعد التي تحكم سير الخصومتين الجنائية والمدنية هي قواعد إجرائية، فتسمية هذه القواعد بقانون الإجراءات تمتد إلى هاتين الخصومتين، أما بالنسبة إلى وصف هذه الإجراءات بأنها جنائية فمرجعه إلى أن الأصل في هذه الإجراءات كونها تنظم الخصومة الجنائية وما يسبقها وما يلحق بها من إجراءات، فتتناول هذه القواعد للخصومة المدنية أو المراكز غير الجنائية لا يكون إلا بصفة تبعية ثانوية(7)، ونتيجة لعدم وجاهة الانتقاد التي تعرضت إليه هذه التسمية ولكونها تسمية شاملة للتعريف بما تتضمنه قواعد الإجراءات الجنائية فمن جانبنا نؤيد الأخذ بها في تسمية هذه القواعد كونها الشق الإجرائي للقانون الجنائي الذي ينفرد بذاتيته الخاصة تجاه غيره من القوانين الإجرائية والموضوعية.

________________

1- ينظر: د. عبد الفتاح مصطفى الصيفي، تأصيل الإجراءات الجنائية، دار الهدى للمطبوعات، الإسكندرية 2004، ص11.

2- ينظر: د. عبد الفتاح الصيفي، النظرية العامة للقاعدة الإجرائية الجنائية، دار المطبوعات الجامعية’، الإسكندرية، (بلا سنة طبع)، ص47-48، د. حسن صادق المرصفاوي، المرصفاوي في أصول الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف، الإسكندرية، بلا سنة طبع، ص5.

3- ينظر: الأستاذ عبد الأمير العكيلي و د. سليم حربة، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، ج1، منشورات المكتبة الوطنية، بغداد 1988، ص7.

4- ينظر: د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، القاهرة 1988، ص6.

5- ينظر: د. عبد الفتاح الصيفي، تأصيل الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص12.

6- ينظر: د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص6-7.

7- ينظر: د. عبد الفتاح الصيفي، تأصيل الإجراءات الجنائية، المرج السابق، ص12.

خصائص القاعدة الجنائية الإجرائية :

تشترك القواعد الجنائية الإجرائية في خصائص معينة تتمثل فيما يلي:

أولاً: الطبيعة القانونية

فالقواعد الجنائية الإجرائية ذات طبيعة قانونية، وبناءاً على ذلك فهي قواعد تتوافر فيها الصفة الآمرة وصفة العمومية والتجريد، فالقاعدة الجنائية الإجرائية هي قاعدة قانونية آمرة تعد من النظام العام، أي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها وكل اتفاق من هذا القبيل يعد باطلاً(1)، فإذا ارتضى إنسان أن يقبض عليه وأن يودع في السجن مباشرة من قبل الشرطة أو الادعاء العامة بوصفه سلطة اتهام بغير محاكمة، معترفاً بذنب ما ومؤثراً الخضوع لعقوبة هذا الذنب دون حاجة إلى محاكمة، فإن هذا الرضا من جانبه ولو صادفه قبول من جانب السلطات العامة، لا يكون له بأي حال من الأحوال أثر في الاستغناء عن المحاكمة، لأنه لا بد من دعوى جنائية يمحص القاضي أساسها ويخلص من هذا التمحيص إلى إصدار حكمه فيها، وبغير ذلك لا تكون هناك شرعية ما للعقوبة، فلا عقوبة بدون محاكمة.

ولا يعني كون القاعدة الجنائية الإجرائية آمرة أن قانون الإجراءات الجنائية يحتوي على نظير لما يسمى في القانون الخاص بالقواعد المكملة أو المفسرة لإرادة المتعاقدين والتي يحل حكمها محل الإرادة في حالة سكوت الأطراف المتعاقدة، فكل ما يمكن التسليم بوجوده في هذا القانون أنه توجد فيه قواعد مقررة لمصلحة المتهم فيما يتعلق بمجريات المحاكمة، فكل القواعد الجنائية الإجرائية هي قواعد آمرة، وإذا لم تطبق قاعدة ما من تلك القواعد على المتهم حلت محلها قاعدة آمره هي الأخرى(2).

وصفة (الأمر) هذه يستلزمها قوة إلزام تجبر المخاطبون بالقاعدة الجنائية الإجرائية على عدم الخروج عن إطارها، وهذه القوة الملزمة تتمثل بأنواع مختلفة من الجزاءات الإجرائية المتمثلة في إهدار الأثر القانوني للإجراء المخالف للقاعدة الإجرائية، وقد تتوافر صفة الإلزام عن طريق القهر المادي لصاحب الشأن على تنفيذ التكليف المخاطب به مثل جواز ضبط ا لمتهم وإحضاره بالقوة أمام المحقق إذا رفض الحضور بمحض إرادته، كما قد يترتب على مخالفة القاعدة الإجرائية جزاء عقابي كمعاقبة الشاهد على امتناعه عن الإدلاء بشهادته، وقد يكون الجزاء مدنياً مثل الحكم بمصادرة مبلغ الكفالة الذي يودعه الطاعن بطريق الطعن بالتمييز (النقض) إذا لم يقبل طعنه أو قضي برفضه أو بعدم جوازه أو بسقوطه، كما أن الجزاء قد يكون تأديبياً كالقواعد التي تخاطب موظفي الدولة المكلفين بالقيام بواجبات الخصومة الجنائية كالقاضي وأعضاء الادعاء العام ومساعديهم(3). أما بالنسبة للعمومية والتجريد، فلا يجوز أن تنظم قواعد الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى قضية محددة بذاتها أو بالنسبة إلى متهم معين، فكل نص يخرج عن هذه الخصوصية يكون بمناءى عن الإطار القانوني(4). وبناءاً على ذلك فإن للقواعد الجنائية الإجرائية ذاتية خاصة ومتميزة عن القواعد الإجرائية الأخرى التي تسعى إلى تحقيق أغراض مختلفة، فالتطبيق السليم لقواعد القانون الجنائي بشقيه العقابي والإجرائي هو إحدى مهام الدولة، أما تطبيق قواعد القانون الخاص ليس سوى وسيلة لحماية الحقوق الخاصة التي يسعى صاحبها إلى درء الاعتداء عليها، فمن هنا كان الخضوع لأحكام القانون الجنائي مجرداً عن الإرادة الخاصة لأطراف الدعوى الجنائية (لأنها من النظام العام).

فارتكاب السلوك الإجرامي يمنح الدولة الحق في منازعة المتهم قضائياً لتطبيق القانون الجنائي واستيفاء حقها بالعقاب بصرف النظر عن إرادة الخصوم في الدعوى، على العكس من قواعد القانون الخاص التي يلجأ الأفراد إلى حكمها بشكل اختياري يفتح لهم باب القضاء إن شاءوا، وبالتالي يعلن لهم القضاء حكم القانون في النزاع القائم بينهم، وهذا الحكم لا يكون حتماً هو حكم الحقيقة الواقعية العادلة(5).

ثانياً: الطبيعة الإجرائية (الشكلية)

تتميز القاعدة الجنائية الإجرائية بأنها قاعدة شكلية لا تنظم علاقات موضوعية، وإنما يقتصر تنظيمها على العلاقات التي تنشأ عن الخصومة الجنائية، وتسمى بالعلاقات الإجرائية، وبمعنى آخر إنها ليست قواعد تقويمية لتوجيه سلوك الأفراد الاجتماعي كما هو شأن قواعد قانون العقوبات، وإنما هي بوجه عام تسعى إلى تنظيم العلاقات التي تنشأ في العملية الإجرائية التي تستهدف تطبيق قانون العقوبات والى تحديد نطاق الضمانات الواجب احترامها عند ممارسة هذه العلاقات الإجرائية(6). وكثيراً ما تدق التفرقة ما بين القواعد الموضوعية والقواعد الإجرائية كقواعد شكلية، فمعيار المكان الذي وضعت فيه القاعدة لا يسعف في تحديد طبيعة القاعدة هل هي موضوعية أم إجرائية (شكلية)، فقد يحتوي قانون الإجراءات على قاعدة موضوعية، وقد يحتوي قانون العقوبات على قاعدة إجرائية، وكذلك معيار الغاية أو الهدف لأن القواعد الإجرائية تسعى إلى تحقيق مصلحة المتهم، أما القواعد الموضوعية فغايتها تحقيق مصلحة المجتمع في العقاب استناداً إلى المقولة الشائعة بأن: “قانون الإجراءات هو قانون الشرفاء وقانون العقوبات هو قانون الأشقياء”، هو الآخر معيار منتقد لأن هناك قواعد إجرائية تكون ضد مصلحة المتهم كالقواعد التي تحدد مدة الطعن، وهناك قواعد موضوعية تسعى إلى تحقيق مصلحة الفرد كالقواعد المتعلقة بوقف التنفيذ. والرأي الراجح في معيار القطع بالطبيعة الشكلية أو الموضوعية لقاعدة جنائية ما، هو المعيار الذي يستند إلى جوهر القاعدة، فإذا كان جوهر القاعدة ينصب على صميم حق الدولة في العقاب فهي قاعدة موضوعية، أما إذا كان يقف عند حدود مجرد رسم الطريقة أو أسلوب يجب إتباعه في اقتضاء حق الدولة في العقاب فهي قاعدة إجرائية.

ثالثاً: الطبيعة النسبية والتبعية

لا يستهدف المشرع من القواعد الجنائية الإجرائية تحقيق نتائج مطلقة بالنسبة إلى الكافة ولا يخاطب بها جميع المواطنين كما هو الحال في القواعد الجنائية الموضوعية، بل إنه يقتصر في توجيه الخطاب إلى بعض الأشخاص والذين يطلق عليهم بالأشخاص الإجرائيين فهم الذين يساهمون في الروابط الإجرائية التي تتوافر في الخصومة الجنائية(7)، كالقواعد التي تنظم سلطة الادعاء العام وسلطة المحكمة، فجميعها قواعد نسبية لا تخاطب غير الأشخاص المكلفين بمباشرة هذه الإجراءات.

أما بالنسبة لطبيعتها التبعية، فإنها مجرد وسيلة لتطبيق قانون العقوبات في إطار الشرعية الجنائية، فقواعد قانون العقوبات هي القواعد الأصلية التي تتبعها القواعد الإجرائية المنظمة للخصومة الجنائية، فلا يتصور وجود قانون للإجراءات بدون قانون عقوبات، وذلك لأن الأخير يبين حدود سلطة الدولة في العقاب بينما ينظم قانون الإجراءات كيفية الوصول إلى تطبيق هذه السلطة في إطار الشرعية الإجرائية، ولكن هذه التبعية لا تعني إعطاء نوع من الأفضلية أو الأولوية أو الأهمية لقانون العقوبات على حساب قانون الإجراءات، لان قانون العقوبات ذاته لا يمكن تطبيقه إلا من خلال قواعد الإجراءات الجنائية، فلا عقوبة بغير حكم قضائي، فالتبعية لا تعني أكثر من التلازم بين القانونين مع افتراض وجود قانون العقوبات من الناحية المنطقية قبل قانون الإجراءات(8).

رابعاً: السرعة في الإجراءات والوصول إلى الحقيقة

تقتضي العدالة الجنائية السرعة (غير المخلة) في الإجراءات، حتى يتسنى لقانون الإجراءات الجنائية أن يؤدي دوره بشكل فعال في الوصول إلى الحقيقة، ومن هنا كان لا بد لقواعد الإجراءات أن تمتاز بالسرعة لأن التباطؤ في الإجراءات يؤدي إلى إطالة الخصومة الجنائية وتوسيع الفارق الزمني بين الجريمة وعقاب فاعلها، وذلك لأن فاعلية العقوبة ودورها في تحقيق أغراضها الاجتماعية يتناقص كلما طال الزمن الفاصل بين توقيعها وبين ارتكاب الجريمة(9).

كما تؤدي سرعة الإجراءات في حالة الحكم بالبراءة إلى تقليص أمد الخصومة وبالتالي تقلل من حجم الأضرار التي تصيب المتهم البريء من جراء رفع الدعوى عليه ووقوفه موقف الاتهام، يضاف إلى ذلك أن بطء الإجراءات يؤدي إلى اختلاط ذاكرة الشهود وبالتالي يصبح من العسير أو من غير المحقق الوصول إلى الحقيقة الموضوعية.

فما يستلزم لسرعة الإجراءات هو اتسام قواعد الإجراءات الجنائية بالبساطة والوضوح، لأنه يكون لموقفي الاتهام والمحاكمة رهبة قد توقع الاضطراب في نفس الفرد، فلا يسعه الحال لحسن الدفاع عن نفسه، فيكون أمام عنصر السرعة مصلحتان يدل ظاهرهما على التعارض إحداهما مصلحة المجتمع التي تتطلب السرعة في معرفة المتهم ما إذا كان بريئاً لتعلن براءته أو مذنباً فيوقع عليه الجزاء الذي يستحقه، والثانية هي مصلحة المتهم الذي يبغي سرعة الإجراءات ليخلص من موقف الاتهام المسلط عليه. ولكن على الرغم من ذلك يكون في حاجة إلى التأني ليثبت براءته، فالسرعة يجب أن لا يكون مبالغاً فيها لدرجة الإخلال بحق المتهم في الدفاع عن نفسه، ففي سرعة القضاء بالإدانة ردع المرتكب لجريمة (ردع خاص) وزجر لمن تسول له نفسه بإتيانها (ردع عام)، والتعجيل بإثبات البراءة فيه رفق بالفرد وحريته من أن تبقى مهددة بالمساس بها مدة طويلة(10). بيد أنه لا يكفي أن تتميز القواعد الجنائية الإجرائية بالسرعة في الإجراءات لتحقيق الغاية المبتغاة منها، بل أن الشرط الأساسي في جني الفائدة المرجوة هو حسن أعمال هذه القواعد من قبل القائمين على تطبيقها وتفهمهم لها تحقيقاً للعدالة، ووضعها موضع التنفيذ بروح مشبعة بالرغبة في الوصول إلى معرفة الحقيقة، فالقواعد الجنائية الإجرائية تهدف إلى كشف الحقيقة لكي تعمل نصوص قانون العقوبات إن ثبت الجرم المسند إلى المتهم أو لينتهي الأمر إلى تبرئته إن لم يقم الدليل على ارتكابه السلوك الإجرامي، فتتجلى أهمية قانون الإجراءات الجنائية في أنه ما لم تكن قواعده من الدقة والوضوح لتحري وجه الحق، فقد يسفر العمل به عن ظلم بعض الأبرياء(11). وعلى هدي ذلك يتوضح لنا بأن القواعد الجنائية الإجرائية تسعى دائماً إلى كشف الحقيقة الموضوعية على العكس من القواعد الإجرائية الأخرى التي يكون همها الأول هو تطبيق القانون الموضوعي المتبع من قبلها، فالقاضي المدني يحكم بالدليل المقدم له من قبل الخصوم دون أي دور إيجابي – عموماً – من قبله، حتى وإن كان هذا الحكم مجافياً للحقيقة الواقعية. وهذا كله نتيجة حتمية للدور المرسوم للقواعد الجنائية الإجرائية في رعاية مصلحة المتهم والمجتمع في آن واحد، على خلاف قانون المرافعات المدنية الذي يسعى إلى الفصل في النزاع القائم بين الطرفين (الخصوم) وفقاً للدليل المتوفر لديه والمقدم من قبل الخصوم، فغاية وجوده هي تطبيق القانون المدني الذي يرعى المصلحة الخاصة دون المصلحة الاجتماعية، وهذا ما يؤكد بدوره الذاتية الخاصة بالقواعد الجنائية الإجرائية تجاه غيرها من القواعد الإجرائية الأخرى سواءاً أكانت خاصة أم عامة.

خامساً: قواعد موزعة بين أكثر من نص(12)

يغلب على القواعد الجنائية الإجرائية الخصيصة الموزعة، أي أن شقي التكليف والجزاء لا تتوافر في نص قانوني واحد، وإنما يوزع مضمونها على أكثر من نص، فالنصوص القانونية إما أن تكون كاملة أو ناقصة، والنص الكامل هو الذي يتضمن قاعدة قانونية كاملة مثل ما نصت عليه المادة (243) من قانون أصول المحاكمات الجزائية من أنه “إذا انقضى ثلاثون يوماً على تبليغ الحكم الغيابي الصادر في المخالفة وثلاثة أشهر على تبليغه بالحكم الصادر في الجنحة وستة أشهر في الجناية دون أن يقدم المحكوم عليه نفسه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو إلى أي مركز للشرطة ودون أن يعترض عليه خلال المدة المذكورة أصبح الحكم بالإدانة والعقوبات الأصلية والفرعية بمنزلة الحكم الوجاهي”(13) أما النص الناقص فهو الذي لا يستوعب قاعدة قانونية كاملة بل تتوزع على أكثر من نص يتضمن إحدى نصوص هذه القاعدة على شق التكليف، ويتناول النص الآخر شق الجزاء، وهذا الشق الأخير قد يكون ضمن نصوص قانون الإجراءات الجنائية أو ضمن نصوص قانون العقوبات أو ضمن نصوص القانون المدني أو القانون التأديبي. إذاً إن ظاهرة النص غير المستوعب هي الظاهرة الغالبة على نصوص القانون الجنائي الإجرائي، على العكس من قانون العقوبات الذي غلبت على نصوصه صفة النص المستوعب.

_______________

1- ينظر: د. رضا حمدي الملاح، ذاتية الدعوى الجنائية، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق/جامعة القاهرة، 2003، ص79.

2- ينظر: د. رمسيس بهنام، الإجراءات الجنائية (تأصيلاً وتحليلاً)، منشأة المعارف، الإسكندرية 1977، ص53-54.

3- ينظر: د. أحمد فتحي سرور، أصول قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1969، ص5-6.

4- ينظر: د. أحمد فتحي سرور، الشرعية والاجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية، القاهرة 1977، ص63، د. نائل عبد الرحمن صالح، محاضرات في قانون العقوبات (القسم العام)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان 1995، ص22.

5- ينظر: د. محمد زكي أبو عامر، الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف، الإسكندرية 1994، ص15.

6- ينظر: د. أحمد فتحي سرور، اصول قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1969، ص6، ولنفس المؤلف، الشرعية والاجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية، القاهرة 1977، ص66.

7- ينظر: د. أحمد فتحي سرور، اصول قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1969، ص6.

8- ينظر: د. أحمد فتحي سرور، الشرعية والإجراءات الجنائية، ص65.

9- ينظر: د. رضا حمدي الملاح، المرجع السابق، ص85.

10- ينظر: د. عمر السعيد رمضان، مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1967، ص4-5، د. حسن صادق المرصفاوي، المرصفاوي في أصول الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف، الإسكندرية، (بلا سنة طبع)، ص6-7.

11- ينظر: د. حسن صادق المرصفاوي، المرصفاوي في أصول الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص6-7.

12- ينظر: د. أحمد فتحي سرور، اصول قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1969، ص7.

13- وكذلك ما نصت عليه المادة (245) الأصولية من أنه: “أ- إذا كان الاعتراض مقدماً ضمن مدته ولم يحضر المعترض عليه في أية جلسة من جلسات المحاكمة الاعتراضية دون معذرة مشروعة رغم تبليغه وفق الأصول أو إذا هرب من التوقيف، تقرر المحكمة رد الاعتراض ويعتبر الحكم الغيابي المعترض عليه بعد تبليغ قرار الرد وفق الأصول بمنزلة الحكم الوجاهي لا يقبل الطعن فيه إلا بالطرق القانونية الأخرى”

وكذلك ما نصت عليه المادة (312) من قانون الإجراءات الجنائية المصري من أن: “يبطل الحكم إذا مضى ثلاثون يوماً دون التوقيع عليه ما لم يكن صادراً بالبراءة”.

المؤلف : فاضل عواد محميد الدليمي
الكتاب أو المصدر : ذاتية القانون الجنائي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .