الصلح في القضايا التجارية
حسان بن إبراهيم السيف
الصلح خير كله، وبركاته لا تكاد تحصى ولا تعد، ويكفي ما فيه من الأجر العظيم الموعود من الله عزوجل “ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما”، وكذلك ما قرره الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله “ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس”، وفي رواية “فإنه أبرأ للصدر وأقل للحنات”.

وفي بعض القضايا يكون السعي إلى التوفيق والمصالحة بين الخصوم أحوج من غيرها، ومن أهمها تلك القضايا الناشئة عن المنازعات التجارية، ولذا فقد نصت وثيقة أبوظبي للنظام الموحد للتوفيق والمصالحة بدول مجلس التعاون على إنشاء لجان للتوفيق والمصالحة وجعلت أول اختصاصاتها تسوية المنازعات المدنية والتجارية أيا كانت قيمتها، كما نصت في المادة الثالثة عشرة منها على أنه “على المحاكم عدم سماع أي دعوى من الدعاوى التي تدخل في اختصاص لجنة التوفيق والمصالحة إلا إذا قدم لها أحد الأطراف إفادة من اللجنة بعدم إتمام الصلح”، كما نصت المادة السادسة عشرة من الوثيقة على أن “تعمل اللجنة على حسم النزاع صلحاً خلال 30 يوماً على الأكثر من تاريخ حضور الأطراف أمامها ويجوز مدها باتفاق الطرفين”.

وفي تصوري أنه من المناسب أن يتم قيد الدعوى وتحديد موعد لنظرها، ويكون نظر لجنة التوفيق والمصالحة للدعوى خلال المدة التي بين قيد الدعوى والجلسة الأولى لنظرها، وهي في الغالب لا تقل عن 30 يوماً، ويمكن لطرفي النزاع أن يطلبا من ناظر القضية تأجيل الجلسة الأولى إلى موعد آخر إذا لم تكن المدة المحددة كافية للوصول إلى الصلح، وكان هناك مؤشرات توحي بإمكانية إنهاء القضية بصلحٍ مرضٍ للطرفين. وهذه الوثيقة قد اعتمدت من المجلس الأعلى في دورته 24 المنعقدة في الكويت بتاريخ 27 _ 28 شوال 1424هـ كقانون استرشادي لمدة أربع سنوات، وقد مضت عدة سنوات على هذه الوثيقة ولم تحظ المنازعات التجارية بدوائر للتوفيق والمصالحة، وهي التي لو وجدت ستكون بإذن الله من أكثر السبل للتخفيف من العبء الثقيل الملقى على كاهل القضاء التجاري، كما أنها ستكون كفيلة بالحد من تخلخل كثير من الكيانات التجارية التي أرهقتها الصراعات، وأنهكتها المنازعات، لا سيما إذا كانت تلك الصراعات بين أبناء الرحم الواحد، فحينئذ يكون الصلح فيها أحرى وأولى بالعناية درءاً لقطيعة الرحم ورأباً لصدع المودة بين تلك الأسر.

وفي تقديري فإن عمل دوائر التوفيق والمصالحة ينبغي أن يكون تحت إشراف المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع كما هو الحال في عمل هيئات التحكيم، لأن ذلك سيضفي عليها مزيداً من الجدية والثقة لدى أطراف النزاع، ومن ثم ستكون قراراتها ممهورة بالحكم القضائي المذيل بالصيغة التنفيذية من قبل الدائرة الناظرة للقضية، فيكون ذلك أدعى لتعاون أطراف القضية مع دوائر الصلح، ويكون أحرى بقبولهم وتقديرهم لعملها. ولو لم يكن من ثمار الصلح إلا أنه سببٌ لإبراء ذمم أطراف النزاع وإنهاء الخصومة بحكم قطعي لكان ذلك كافيا، وأذكر في هذا المقام أن إحدى المنازعات التجارية أقر فيها المدعى عليه باستحقاق المدعي للمبلغ الذي يطالب به، ولكنه طلب مهلة ستة أشهر لتسديد المبلغ، فرفض المدعي ذلك، وطلب من الدائرة التجارية أن تحكم بإلزام المدعى عليه، فحكمت الدائرة بذلك، واعترض المدعى عليه على الحكم، فمكثت القضية لدى الدائرة التجارية مدة تزيد على الستة أشهر قبل رفعها لمحكمة الاستئناف والتي ستمكث القضية لديها مدة مماثلة لها على أقل تقدير.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت