الاختصاص المحلى لقاضى التنفيذ:

أثير كلام كثير حول الاختصاص المحلى لقاضى التنفيذ مع أن المشرع قد حدده على أساس أن يكون الاختصاص بالتنفيذ لأقرب المحاكم إلى المال الذى ينصب التنفيذ عليه. فإن كان ينصب على عقار كان الاختصاص لقاضى التنفيذ بالمحكمة الجزئية التي يقع العقار – أو أحد العقارات – في دائرتها، وان كان منقولا فالمختص هو القاضي الذى يقع ذلك المنقول في دائرة اختصاصه – وهو أمر لا يمكن أن يتبين الا عند الحجز – إذ به يمكن ضبط موقع المنقول. أما إذا لم يكن للمنقول موقع مستقر أو ثابت فان المنازعات المتعلقة بالتنفيذ عليه – وهى قد تثور قبل الحجز في بعض الفروض – ترفع إلى قاضى التنفيذ الذى يقع موطن المدين في دائرة اختصاصه. وأما في حجز ما للمدين لدى الغير – فالاختصاص لقاضى التنفيذ الذى يتبعه موطن المحجوز لديه.

وكل هذه قواعد لا توجد أية صعوبة في تطبيقها – وانما ثار الخلاف بالنسبة لأمرين:

(أولهما) هل يتعلق تحديد الاختصاص المحلى لقاضى التنفيذ بالنظام العام؟

قال البعض بذلك على أساس أن الاختصاص النوعي لهذا القاضي معتبر من النظام العام لأن المشرع نص على أنه يختص (دون غيره) بالفصل في المسائل التي نص عليها القانون – فدل بذلك على أن لقاضى التنفيذ اختصاصا قاصرا عليه لا تشاركه فيه محكمة أخرى فهو ليس دائرة في المحكمة التي يتبعها وانما هو محكمة داخل المحكمة لها اختصاص يستبعد اختصاص غيرها – ولما كانت قواعد الاختصاص النوعي من النظام العام فقد اعتبر الاختصاص المسند إلى قاضى التنفيذ متعلقا بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق على خلافه، وللقاضي أن يتعرض له من تلقاء نفسه.
ثم قيل أن الاختصاص المحلى لهذا القاضي يرتبط باختصاصه النوعي فيجب لذلك أن يعتبر من النظام العام أسوة به. وأرى غير ذلك لأن القول بأن قاعدة الاختصاص متعلقة بالنظام العام أو غير متعلقة به معقود بضوابط قانونية محددة ليس منها هذا الارتباط المزعوم بين الاختصاص النوعي والاختصاص المحلى لقاضى التنفيذ.
كما قيل من جهة أخرى بأن اختصاص قاضى التنفيذ (محليا) يعتبر من النظام العام لأنه جاء على خلاف المادة (49) فينطبق عليه حكم المادة 62/2 من حيث عدم جواز الاتفاق – مقدما – على ما يخالفه.
وهذه حجة أقوى لاستنادها إلى نص وان كان لفظيا، ولكنها أيضاً مردودة بأن اسناد الاختصاص إلى محكمة غير محكمة موطن المدعى عليه لا يعتبر من النظام العام الا إذا كان يستهدف أغراضا معينة لا تتحقق مع اتفاق الخصوم مقدما على خلافه وذلك حماية الطرف الضعيف في الاتفاق (تراجع المذكرة الايضاحية على المادة 62) وفيما عدا ذلك فالاختصاص المحلى ليس من النظام العام قولا واحدا وهو ما انعقد عليه اجماع الفقه التقليدي.
والواقع أن اختصاص قاضى التنفيذ انما يتحدد طبقا للقواعد العامة ولم يأت المشرع فيه بأي استئناف مقصود به حماية أي طرف من أطراف التنفيذ ضعيفاً كان أم غير ضعيف، وسواء في ذلك التنفيذ على العقار أو على المنقول أو حجز ما للمدين لدى الغير – بل أن كل ذلك متفق مع القاعدة العامة التي تقرر اختصاص القاضي الذى يتخذ الاجراء في دائرته.

أما (الأمر الثاني) الذى ثار الخلاف حوله – فهو يتعلق باتخاذ جملة اجراءات تنفيذية بموجب سند واحد – فهل يختص بها قاض واحد من قضاة التنفيذ أم يختص بكل اجراء من هذه الاجراءات قاضى التنفيذ الذى يتخذ الاجراء في دائرته؟

قيل أن الهدف من انشاء نظام قاضى التنفيذ هو توحيد القاضي الذى يختص بمنازعات التنفيذ وتثبيت التنفيذ في محكمة واحدة حرصا على عدم تشعبه من حيث اجراءاته أو منازعاته.
ولهذا قيل بأن طلب التنفيذ الأول هو الذى يحدد قاضى التنفيذ الأوحد الذى يختص بكل اجراءات التنفيذ اللاحقة ومنازعاته وله أن يستنيب عنه قضاة التنفيذ في المناطق الأخرى لاتخاذ اجراءات أخرى (أسوة بما هو مقرر في القانون اللبناني مثلاً).
وهذا حل مثالي ولكن لا تساعد عليه النصوص الحالية ولا تساعد عليه الحالة التي يسير عليها التنفيذ أمام قضاة التنفيذ الجزئيين في قانوننا الحالي. ولهذا نعتقد أن كل تنفيذ له استقلاله وله (بالتالي) قاضيه ولو كان السند واحداً.
فلو حجز ت على سيارة في قليوب كان قاضى تنفيذ قليوب هو المختص بإجراءات واشكالات هذا الحجز والمنازعات المتعلقة به حتى لو كانت موضوعية.
ولو حجزت بعد ذلك بنفص الحكم على منقولات أخرى للمدين في شبرا كان قاضى تنفيذ شبرا هو المختص بالحجز على المنقولات وما يتفرع عنه من منازعات.
فالعبرة في ربط التنفيذ بقاض معين ليست بوحدة السند التنفيذي بل بوحدة الاجراء المتخذ بمقتضاه – ولكل اجراء استقلاله ومنازعاته وبالتالي فان لكل اجراء قاضيه. وليس في ذلك أدن مخالفة لقواعد الاختصاص المحلى لقاضى التنفيذ.

تقييم لنظام قاضى التنفيذ:

إن نظام قاضى التنفيذ في حد ذاته يبدو نظاما صالحا ولكن النظام الموضوع بمقتضى قانون 1968 قد ثبت عواره عند التطبيق العملي نظرا لمخالفته للصورة المثلى المتكاملة التي يجب أن يكون عليها هذا النظام، ولأنه قد جمع في وقت واحد بين نقيضين هما نظام المحضرين ونظام قاضى التنفيذ.
ولهذا لا أرى الغاء هذا النظام الآن – انما أعتقد أن من الأوفق النظر في اصلاحه بما يشد أزره ويتفق مع طبيعته والمستويات المختلفة التي يجب اني كون عليها – وفقا لما هو معمول به في الدول الأخرى. ويكفى أن فرنسا قد أخذت أخيراً بهذا النظام – غير أنه إذا تبين أن امكانياتنا لا تؤهلنا لهضم هذا النظام أو لإحلاله محله الصحيح فلا بأس من الاذعان للأمر الواقع فالرجوع إلى القديم على ما فيه من عيوب أفضل من الأخذ الجزئي بنظام جديد يقترن بالقديم ويرفع بأحكام استثنائية تخالف القواعد العامة من جملة نواح وتسفر عن مسخ عديم الجدوى.
فالواقع أن كل ما أسفر عنه تطبيق نظام قاضى التنفيذ منذ سنة 1968 حتى الآن هو احالة اشكالات التنفيذ من القضاء المستعجل إلى القضاء الجزئي العادي مما أدى إلى انكماش حجم العمل في القضاء المستعجل والى ضعف مستوى الأداء في قضاء الاشكالات لعدم التخصص وعدم التجانس.
وقد انتهى الأمر أخيراً إلى احالة اشكالات التنفيذ مرة أخرى للقضاء المستعجل، ومهما يكن من شك في مدى مطابقة هذا القرار للنصوص القانونية المتعلقة بتحديد اختصاص قاضى التنفيذ (دون غيره) – فإننا نعتقد أن هذا الوضع قد يكون أفضل من الوضع السابق.
والواقع أنه يجب أن تنشأ دوائر متخصصة للتنفيذ في كل محكمة جزئية وفى كل محكمة كلية ولا تنشغل الا بهذا العمل – مع الحاق المحضرين بهذه الدائرة تحت اسم (مأموري التنفيذ) ليقوم القاضي ازاءهم بدوره الصحيح في التوجيه والرقابة.
عندئذ يمكن القول بأن انشاء جدول لطلبات التنفيذ وملف لكل طلب وعرض كل اجراء على القاضي – كل هذه تدابير مثمرة فعلاً.
وعندئذ يمكن القول بأن جميع المنازعات المتعلقة بكل تنفيذ أمام قاض واحد أو أمام محكمة واحدة – متخصصة – هو أيضاً تدبير له جدواه ونتائجه المفيدة. أما بغير ذلك – فلا يصلح هذا النظام للتطبيق العملي الأمثل.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .