الــغـــــــير – Le Tiers :

ذكرنا فيما تقدم أن التنفيذ قد يتعدى إلى الغير فيصبح ذلك الغير طرفا فيه وشخصا من أشخاصه مع أنه لم يكن طرفا في المنازعة التي صدر فيها الحكم المراد تنفيذه أو في العقد الرسمي المطلوب تنفيذه.
ولا يتعارض ذلك مع القاعدة المعروفة في شأن الأحكام والتي تقرر أن أثر الأحكام نسبى أي أنها كالعقود لا تنفع ولا تضر غير أطرافها.
ذلك أن الغير في كل موطن من مواطن القانون معنى متميزا. فالغير في باب نسبية العقود والأحكام يختلف عن (الغير) في الصورية وعن (الغير) في اثبات التاريخ.
ولكلمة (الغير) في مقام تنفيذ الأحكام معنى يفترق عن المعنى المقصود بالغير في مقام بيان أثر الحكم. وسنعرض فيما يلى لإيضاح هذا المعنى.
ولقد وردت في شأن تنفيذ الأحكام على الغير المادة (285) من قانون المرافعات الجديد. وهى تنص على أنه لا يجوز للغير أن يؤدى المطلوب بموجد السند التنفيذي ولا أن يجبر على أدائه الا بعد اعلان المدين بالعزم على هذا التنفيذ قبل وقوعه بثمانية أيام على الأقل.
كما جاء باب حجز ما للمدين لدى الغير في المادة (344) مرافعات جديد، أنه يجب على المحجوز لديه بعد خمسة عشر يوما من تاريخ تقديره (بما في ذمته) أن يدفع إلى الحاجز المبلغ الذى أقر به أو ما يفي منه بحق الحاجز وذلك متى كان حق الحاجز وقت الدفع ثابتا بسند تنفيذي “وكانت الاجراءات المنصوص عليها في المادة (285) قد روعيت.
ولم يورد المشرع تعريفا للغير ولم يضرب أمثلة. وقد يبدو غريبا أن يجرى التنفيذ ضد الغير لأنه لا يتصور أن يقضى الحكم بالزام شخص، لم يكن طرفا في الدعوى، بفعل أمر أو بأداء شيء. الا أنه ينبغي أن نفرق بين الاشخاص الذين قد يعود الحكم عليهم بالنفع أو الضرر (فهؤلاء لا يجوز طبقا للقواعد العامة أن تقضى المحكمة بإسناد حق لهم أو بفرض التزام عليهم الا إذا اختصموا في الدعوى) – وبين غيرهم ممن لا يمسهم الحكم شخصيا ولكن يقتضى تنفيذه اشتراكهم أو تدخلهم فيه اما بحكم قيام علاقة قانونية بينهم وبين أحد الخصوم، واما بحكم وظائفهم، واما بسبب صفة متحققة فيهم، فهؤلاء وان لم يكونوا طرفا في الخصومة الا أنهم عند التنفيذ يجدون أنفسهم ملزمين بعل أمر أو أداء شيء أو دفع مبلغ من النقود.. وهؤلاء هم المقصودون بكلمة “الغير” في مقام التنفيذ.
وقد ضرب قانون المرافعات الفرنسي في المادة 550 منه أمثلة لهم فذكر منهم الحراس وحفظة الودائع والسجلات وغيرهم ممن يلزمون بتحقيق ما ورد في الحكم – وأشارت المادة 547 من قانون المرافعات الفرنسي إلى بعض الأعمال التي يقوم بها الغير لتنفيذ الأحكام فذكرت شطب التسجيلات أو محو القيود ودفع المبالغ، وأي شيء آخر يقوم للغير بعمله أو يقع على عاتقه.
وهذه النصوص تساعد على فهم المقصود بالغير في المجال.

ويقرر الشراح أنه لتحقق معنى الغير المقصود هنا – أي الغير الذى يمكن تنفيذ الحكم عليه – يلزم توافر الشروط الآتية:

أولاً: ألا يكون الشخص المطلوب منه التنفيذ قد اختصم في الدعوى بشخصه أو مثله فيها أحد أطرافها بحكم القانون، أي لا يكون ماثلا في الخصومة ولا ممثلا فيها وألا يكون خلفا لأحد أطرافها.
ثانياً: ألا تتعلق له مصالحة شخصية بموضوع الحق المراد اقتضاؤه ولا يعود عليه من اجراء التنفيذ نفع ولا ضرر، ولذلك يستوى عنده أن يتم التنفيذ لمصلحة أي من الخصمين.
ثالثاً: أن يكون من واجبه الاشتراك في تنفيذ الحكم أو السند التنفيذي بوجه عام، وذلك بسبب صفته أو وظيفته أو علاقته بالخصوم.

ومن أمثلة الغير في مجال التنفيذ مأمور الشهر العقاري الذى يقوم بمحو القيد أو شطب التسجيل بناء على حكم قضائي. وكذلك كاتب المحكمة المختص بحفظ الودائع الذى يقوم بصرف قيمة الوديعة لمن يصدر الحكم لصالحه له بملكيتها.

وأخيراً فان حجز ما للمدين لدى الغير يعطينا صورة مثالية للغير المقصود في هذا البحث فان المحجوز لديه يلزم بوفاء ما تحت يده إلى الحاجز عندما يقضى لهذا الحاجز بدينه على مدينه المحجوز عليه. وقد نصت على ذلك المادة 344 على ما سبق القول، ودلت، بإشارتها إلى ضرورة مراعاة أحاكم المادة 285 على أن المحجوز لديه يعتبر قانونا من الغير في معنى المادة 285.

وعلى ضوء ما تقدم لا يعتبر من الغير الذى يمكن اجباره على التنفيذ:

من كان ممثلا في الخصومة وان لم يكن ماثلا فيها بشخصه ومثاله وارث المحكوم عليه فان الحكم الصادر ضد مورثه يسرى عليه، وكذلك الشأن بالنسبة لأى خلف للمحكوم عليه، لأن متى اعتبر طرفا أو خلفا لأحد الخصمين فانه من ثم لا يعتبر من الغير.

من يدعى لنفسه حقا يتأثر بإجراء التنفيذ ولم يكن مختصما في الدعوى، ومثاله حائز العقار([22]) بالنسبة للحكم الذى يصدر في دعوى بين شخصين لا يعتبر الحائز خلفا لأحدهما([23]) فانه وان كان يعتبر من الغير لأنه ليس طرفا أو خلفا لأحد الخصمين الا أنه من الغير الذى لا يجوز التنفيذ عليه.

شروط التنفيذ على الغير:

وقد اشترطت المادة 285 لصحة التنفيذ على الغير أن يسبق ذلك اعلان المدين بالعزم على التنفيذ على الغير أن يسبق ذلك اعلان المدين بالعزم على التنفيذ قبل اجرائه بثمانية أيام على الأقل، والحكمة من ذلك واضحة وهى تمكين المدين المحكوم عليه من الاعتراض على التنفيذ أو منع التنفيذ ضد الغير إذا كان له الحق في ذلك أو تمكين ذلك المدين من تنفيذ الحكم بنفسه، واجتناب الضرر الذى قد يلحقه من تنفيذه على الغير، كما لو كان هذا المحكوم عليه قد أودع مثلا في أحد البنوك مبلغا من المال وأصدر شيكات بهذا المبلغ كله وكان أحد دائنيه قد أوقع حجزا تحت يد البنك، وأراد أن يستوفى دينه من البنك المحجوز لديه، فان مصلحة المحكوم عليه ظاهرة في عدم اجراء التنفيذ على البنك حتى لا يتعرض لمفاجأة انعدام الرصيد عندما يتقدم حملة الشيكات إلى البنك بطلب صرفها، مما قد يوقعه تحت طائلة قانون العقوبات.
ويلاحظ أن الذى يعلن هنا هو المدين أي الطرف السلبى في الخصومة وهذا هو ما نص عليه المشرع وهو ما يتفق مع حكمة التشريع.
وحكم المادة 285 يسرى على التنفيذ الجبري كما يسرى على التنفيذ الاختياري. فان البعض يقرر أنه لا يجوز للغير “أن يؤدى” المحكوم به ولا أن “يجبر على أدائه”.
ولذلك فان البنك في المثال الذى سقناه إذا قام بالوفاء للحاجز يكون مسئولا ويعتبر الوفاء الحاصل منه غير صحيح فيلزم بالوفاء مرة ثانية، ما لم تكن الاجراءات المنصوص عليه في المادة 285 قد أتبعت، وهى اعلان المحكوم عليه بالعزم على هذا التنفيذ وانتظار مضى ثمانية أيام بعد هذا الاعلان.
والجزاء على عدم مراعاة هذه الاجراءات: هو بطلان التنفيذ. فاذا وقع التنفيذ على الغير أو بمعرفة الغير دون اعلان المحكوم عليه بالعزم على ذلك أو قبل مضى ثمانية أيام على اعلانه، كان ذلك التنفيذ باطلاً.
غير أنه يجب أن يتمسك صاحب الشأن بهذا البطلان لأنه مقرر لمصلحة خاصة فلا يجوز أن يتمسك به الا من شرع لحمايته وهو المدين من جهة والغير من جهة أخرى وإذا سكت عنه فانه يسقط لعدم التمسك به، ويسقط كذلك من باب أولى إذا تنازل عنه صراحة. ومن ثم فان الغير إذا قام بوفاء الدين المحكوم به وفاء اختياريا لا يجوز له أن يتمسك بعد ذلك ببطلان التنفيذ لعدم مراعاة حكم المادة (285).
أما عن السندات التنفيذية التي تسرى عليها هذه القواعد، فان جواز التنفيذ على الغير مع مراعاة الاجراءات، المنصوص عليها، يلحق بالأحكام وبالعقود الرسمية، بمعنى أنه يجب اتباع هذه الاجراءات سواء أكان السند المراد تنفيذه حكما أو عقدا رسميا، ولهذا عبرت المادة (285) بقولها “المطلوب بموجب السند التنفيذي، وكانت المادة 474 في القانون القديم تعبر عن ذلك بكلمة “المحكوم به، وتنص في نهايته على أن النص يسرى غذى كان السند التنفيذي عقدا رسمياً.
ويلاحظ أنه لا يشترط بالنسبة للأحكام أن يكون الحكم قد أصبح نهائياً حتى يمكن تنفيذه على الغير بل يجوز التنفيذ على الغير حتى لو كان الحكم غير نهائي مادام مشمولا بالنفاذ المعجل.
أما الحكم الذى لا يكون نهائيا ولا مشمولا بالنفاذ المعجل فبديهي أنه لا ينفذ على الغير بل ولا ينفذ حتى على ذات المحكوم ضده.
غير أن هناك من الأحكام ما لا يجوز تنفيذه الا إذا كان نهائيا. ومثال ذلك الحكم الصادر بمحو قيد الرهن فقد نصت المادة 45 من قانون الشهر العقاري على أنه (لا يجوز محو القيد الا بمقتضى حكم نهائي أو برضا الدائن بتقرير سمى منه) ففي حالة المحو القضائي أو الإلزامي يجب أن يكون الحكم الصادر بذلك قد أصبح نهائيا حتى يمكن تنفيذه.
ويقاس على هذه الحالة ما يماثلها أي ما يرد نص خاص بشأنه يمنع تنفيذ الحكم على الغير الا إذا أصبح نهائياً.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .