يعد انشاء الاوراق التجارية والعمليات المتعلقة بها عملاً تجارياً مطلقا(1). ومن ثم يشترط فيمن يوقع عليها ان يكون اهلاً للقيام بالأعمال التجارية . ويُلاحظ على القوانين التجارية في الدول المختلفة انها لم تنظم المسائل المتعلقة بالأهلية ومن ثم لابد من البحث في ثنايا القانون المدني لمعرفة شروط الاهلية اللازمة للقيام بالعمل التجاري(2). وتختلف اهلية الشخص المعنوي عن اهلية الشخص الطبيعي ، فالشخص المعنوي تتحدد اهليته وفقاً لما ينص عليه سند انشائه (العقد او القانون المؤسس)(3). اما الشخص الطبيعي فان اهليته تتحدد ببلوغه سن الرشد دون ان يعتريه عارض من عوارض الاهلية ، ويختلف سن الرشد باختلاف القوانين في الدول المختلفة ففيما يخص قانون العائلة الانكليزي لعام 1969 فقد حدد سن الرشد بابتداء الموعد السنوي لتاريخ ميلاد الشخص الثامن عشر(4). في حين حددت القوانين المدنية لبعض الدول سن الرشد باتمام الثامنة عشرة من العمر(5). بينما اعتبرت قوانين بعض الدول سن الرشد باتمام الحادية والعشرين من العمر(6) . ويلحق بحكم البالغ سن الرشد الصبي الماذون له بالتجارة(7).

وتشمل احكام الاهلية الرجل والمرأة على السواء، وبالتالي يمكن للمرأة ، اسوة بالرجل ، سواء أكانت متزوجة ام غير متزوجة ان تكون من الملتزمين الصرفيين بأية صفة كانت، ولايشذ عن هذا الحكم الا بعض القوانين التجارية كالقانون التجاري اللبناني الحالي حيث نص صراحة على ان المرأة المتزوجة لاتملك الاهلية التجارية الا إذا حصلت على رضا زوجها الصريح او الضمني(8) . وذات الحكم كان مطبقاً في فرنسا قبل صدور قانون 8 شباط 1922 إذ كانت المرأة المتزوجة ممنوعة من الالتزام الصرفي اما بعد صدور هذا القانون اصبح لها الحرية في انشاء الالتزام الصرفي ، كما ان القانون الانكليزي قبل صدور قانون المرأة المتزوجة لعامي 1935 و 1949 كان يعد المرأة غير قادرة على ان تلتزم بموجب الورقة التجارية اما بعد صدور تلك القوانين فقد أصبحت المرأة أهلاً للالتزام الصرفي(9). إن اختلاف القوانين في تحديد سن الرشد ، قد يثير تنازعاً بين القوانين حول تحديد القانون الذي يحكم أهلية الموقّع على الورقة التجارية في حالة ما إذا وقّع شخص ورقة تجارية في دولة يشترط قانونها سناً للرشد يختلف عن السن الذي يشترطه قانون الدولة التي ينتمي اليها بجنسيته ، فما هو القانون الذي يُرجع اليه في تحديد أهلية الموقّع ؟ لقد نصت أغلب القوانين التجارية على ضرورة الرجوع ، في تحديد أهلية الالتزام الصرفي ، إلى قانون الدولة التي ينتمي اليها الملتزم بجنسيته ، ثم استدركت الأمر ، ونصت على انه إذا كان قانون تلك الدولة يعتبر الموقّع ناقص الأهلية ، فان التزامه الصرفي يبقى صحيحاً إذا وضع توقيعه على الورقة التجارية في دولة يعتبره قانونها كامل الأهلية ، وهذا هو اتجاه قانون جنيف الموحد ، والقوانين المستمدة منه (10) .

أما فيما يخص قانون الحوالات التجارية الانكليزي ، فانه لم يتضمن نصاً حول موضوع القانون الذي يحدد الأهلية اللازمة لانشاء الورقة التجارية ، أو العقود المرتبطة بها ، مما يقتضي الأمر ضرورة الرجوع إلى القواعد العامة في القانون الانكليزي التي تحكم الأهلية العقدية ، وبموجب تلك القواعد فان الأهلية يتم تحديدها وفقاً لقانون المكان الذي يقيم فيه الشخص ( قانون الموطن ) ولكن المشرّع الانكليزي قد أضاف لهذا المعيار معياراً آخر ليخفف من غلواء قانون الموطن ، فأجاز للمحكمة الاعتماد في تحديد أهلية الشخص بالاستناد إلى القانون الذي يتبعه ذلك الشخص بجنسيته (11) . وقد يحصل ان يوقع تاجر على ورقة تجارية بعد ان تشهر المحكمة افلاسه، فهل يؤثر ذلك الاشهار على صحة الالتزام الصرفي للتاجر المفلس؟ يذهب الراي الراجح في الفقه إلى ان اشهار الافلاس لايفقد التاجر اهليته بل يبقى متمتعا باهلية كاملة بحيث يستطيع التعامل مع الغير ولكن هذا التعامل لايمكن التمسك به قبل دائنيه ومن ثم فان توقيع المفلس على الورقة التجارية يعد صحيحا في علاقة المفلس بمن تعامل معه ولكن لاينتج اثاره الا عند انتهاء التفليسة واسترداد المفلس لامواله(12). وقد تحرّم بعض القوانين على بعض الاشخاص ، كالموظف او المحامي ، القيام بالأعمال المتعلقة بالتجارة ومن ضمنها التعامل بالاوراق التجارية ولكن مع ذلك فان هذا التحريم لايؤثر على صحة الالتزام الصرفي للموقع المحرّم عليه القيام بالاعمال التجارية وان كان بالامكان توقيع العقوبات الانضباطية التي فرضتها تلك القوانين بحقه(13).

وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز العراقية بان “قبول المحامي تظهير الكمبيال باسمه يعرضه للعقوبات الانضباطية المنصوص عليها في قانون المحاماة ، ويبقى التظهير صحيحا(14). ولما كان المشرع التجاري قد اشترط توافر الاهلية اللازمة للقيام بالتصرفات القانونية ، لصحة التزام الموقع على الورقة التجارية فان توقيع ناقص الاهلية او عديمها لايقحمه في طائفة الملتزمين الصرفيين إذ ان التزامه الصرفي يكون باطلاً وببطلان التزامه ينعدم تضامنه مع غيره من الملتزمين الصرفيين(15). حتى وان كان القاصر سيء النية مرتكبا لوسائل الاحتيال التي توهم الغير وتجعله يعتقد عن غلط انه يتعاقد مع شخص كامل الاهلية(16). لان نص المشرع التجاري الخاص ببطلان التزامات ناقص الاهلية او عديمها قد جاء بشكل مطلق و”المطلق يجري على اطلاقه إذا لم يقم دليل التقييد نصاً او دلالة(17). وهذا على خلاف مايذهب اليه غالبية فقهاء القانون التجاري الفرنسي الذين يرون ان القاصر لايمكنه التمسك ببطلان التزامه تجاه الحامل حسن النية متى كان القاصر كامل الشعور بما ارتكبه من غش تجاه الغير ، كأن يقدم اوراقاً مزورة لاثبات كمال اهليته ، مستندين في رايهم هذا إلى المادة (1310) من القانون المدني الفرنسي التي تقضي بعدم امكانية القاصر من الدفع بالقصر ضد الالتزامات الناشئة عن الجرائم واشباه الجرائم التي ارتكبها(18) .

________________

1- انظر المادة (6) من قانون التجارة العراقي النافذ.

2- هناك بعض القوانين ، كقانون الحوالات التجارية الانكليزي (المادة 22) وقانون التجارة الاردني (المادة 15) ، قد نصت صراحة على اخضاع الاهلية التجارية لاحكام القانون المدني.

3- انظر المواد (48/4) من القانون المدني العراقي ، (53) من القانون المدني المصري. اما في القانون الانكليزي فان اهلية الشركة تختلف باختلاف التشريع الذي تتأسس بموجبه فان كانت الشركة مؤسسة بمرسوم ملكي فيكون لها اهلية واسعة لاحدود لها بعكس الشركة المؤسسة بتشريع من البرلمان او بموجب قانون الشركات لعام 1985 والتي تكون اهليتها مقيدة وفقا للسلطات الممنوحة لها. نقلاً عن د. مجيد حميد العنبكي ، مبادئ العقد في القانون الانكليزي ، كلية الحقوق، جامعة النهرين ، 2001 ، ص60 – 62.

4- المادة الاولى من تشريع اصلاح قانون العائلة الانكليزي لعام 1969، نقلا عن د.مجيد العنبكي، مبادئ العقد … ، مصدر سابق ، ص 51.

5- انظر المواد (106) من القانون المدني العراقي ، (43) من القانون المدني الاردني ، (46) من القانون المدني السوري ، (215) من قانون الموجبات والعقود اللبناني.

6- انظر المواد (244) من القانون المدني المصري ، (244) من القانون المدني الليبي.

7- وهذا مورد اختلاف اخر بين قوانين الدول المختلفة ، فبينما اشترطت بعض القوانين لاعطاء الاذن ان يكون الصبي قد بلغ الخامسة عشرة من العمر ، كما هو الحال بالنسبة للقانون المدني العراقي (المادة 98)، نجد جانبا اخر من القوانين كالقانون المدني المصري (المادة 112) ، قد اشترطت لاعطاء الاذن بلوغ الصبي الثامنة عشرة من العمر.

8- انظر المادة (11) من القانون التجاري اللبناني.

9- Maurice Megrah and Frank R. Ryder، Byles on bill of exchange، 25th edition، London، 1983، p. 55.

10- انظر المواد ( 2 ) من قانون جنيف الموحد ، ( 48 ) من قانون التجارة العراقي النافذ ،
( 630 ) من قانون التجارة الأردني ، ( 388 ) من قانون التجارة المصري النافذ .

(11) See: Robert Charles Clso، International Law of Commercial، Law-Book، 2nd edition، London، 1961، P. 447 – 448.

12- د. عزيز العكيلي ، احكام الافلاس والصلح الواقي ، عمان ، 1997 ، ص86. د. اكرم ياملكي ، القانون التجاري ، الاوراق التجارية ، ط1 ، بغداد ، 1976 ،ص20.

13- د. صلاح الدين الناهي ، الوسيط في شرح القانون التجاري ، احكام الاوراق التجارية ، ط4 ، شركة الطبع والنشر الاهلية ، بغداد ، 1962 ، ص69 . د. مصطفى كمال طه ، الاوراق التجارية … ، مصدر سابق ، ص33-34.

14- قرار محكمة التمييز العراقية رقم 404 /مدنية ثانية /1974 بتاريخ 19/11/1974، النشرة القضائية ، العدد الرابع ، السنة الخامسة ، ص144. انظر في المعنى نفسه ايضا قرار محكمة التمييز العراقية رقم 426 /مدنية اولى/1975 بتاريخ 19/11/1975 مجموعة الاحكام العدلية ، العدد الرابع ، السنة السادسة ، 1975 ، ص89 .

15- انظر المواد (22) من قانون الحوالات التجارية الانكليزي ، (114) من القانون التجاري الفرنسي، (46) من قانون التجارة العراقي ، (385 ، 479) من قانون التجارة المصري النافذ . وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز العراقية بان “تظهير الصغير باطلا” قرار رقم 884 /مدنية ثالثة /1974 بتاريخ 5/9/1974 ، النشرة القضائية ، العدد الثالث ، السنة الخامسة ، 1974، ص119.

16- د. صلاح الدين الناهي ، الوسيط … ، مصدر سابق ، ص71. د. علي سلمان العبيدي ، عدم التمسك بالدفع في قانون الصرف المغربي ، بحث منشور في المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد ، العدد الثاني ، 1977 ، ص61 .

17- المادة (160) من القانون المدني العراقي .

18- See : Lescot et. Roblot، op. cit.، p. 151; Rene Roblot، op. cit.، p. 97.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .