من الملاحظ ان اغلبية التشريعات تجيز للأجنبي مهما كانت جنسيته ان يكتسب جنسيته وفق شروط حددها قانون هذه الدولة الاخيرة فالسماح للفرد بتغيير جنسيته يتفق مع المادة (15) من حقوق الإنسان والتي اقرت حق الفرد في تغيير جنسيته والذي ادى بدوره إلى انهاء مبدأ الولاء الدائم الذي كان سائداً في العصور القديمة ومع هذا فقوانين بعض الدول لا تجيز للوطني الخروج من جنسيته الاصلية واكتساب جنسية اخرى بالتجنس الا بأذن مسبق من رئيس مجلس الوزراء كما في مصر والسعودية وهذا يدل على استمرار التأثر بمبدأ الولاء الدائم ويعدّ التجنس صورة من صور اكتساب الجنسية الطارئة (اللاحقة) كون هذا النوع من الجنسية يتم في تاريخ لاحق من الميلاد فالتجنس يتم وفقا لا رادة الشخص طالب التجنس من خلال طلب يتقدم به إلى السلطة المختصة في الدولة المانحة ووفقا لشروط تحددها هذه الاخيرة وهذا الطلب يخضع لسلطتها التقديرية وهذا ما يطلق عليه بالتجنس العادي وهناك حالة اخرى يخضع فيها التجنس لا رادة الفرد طالب التجنس وهذا يتم بمجرد اعلان الرغبة منه بالانتماء الى الصف الوطني ومن دون الحاجة الى تقديم طلب الى السلطة المختصة في الدولة المانحة وهذا ما يطلق عليه (التجنس الخاص) …وتناول في هذا الموضوع التجنس العادي اولاً ثم ثانيا التجنس الخاص . وقد اخذ المشرع العراقي بنوع ثالث من التجنس اطلق عليه التجنس الاستثنائي .

اولاً : التجنس العادي

التجنس العادي : يعد هذا النوع من التجنس من الصور المألوفة لاكتساب الجنسية الطارئة (اللاحقة) وهو تعبير ارادي يصدر من جانب الفرد طالب التجنس ويخضع للسلطة المختصة في الدولة المانحة الا ان منح هذا النوع من التجنس للافراد يتطلب شروطاً تحددها كما سبق القول الدولة المانحة(1). وقد اشار قانون الجنسية العراقي النافذ ذو الرقم 43 لسنة 1963 المعدل الى هذا النوع من التجنس في المادة 8 /ف2 منه أنه يشترط لتجنس الاجنبي البالغ سن الرشد بالجنسية العراقية ان تكون له اقامة في العراق مدة عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم طلب التجنس وان يقدم خدمات نافعة للبلاد تتحقق فيه الصفات التي تدل على لياقته للانضمام إلى الصف الوطني وان تكون له وسيلة عيش في العراق وكل هذا بشرط خضوع طلبه لموافقة السلطة التقديرية للدولة المانحة ومما تجدر الاشارة اليه ان المادة 8/ف1 كانت قد نظمت حالة تجنس المواطن العربي الا انه بصدور القانون ذي الرقم 5 لسنة 1975 (قانون تجنس العرب) الغيت الفقرة الاولى من المادة الثامنة اعلاه . وقد تضمن قانون الجنسية والمعلومات المدنية رقم 46 لسنة 1990 غير النافذ مواد عالجت التجنس العادي فقد اشارت المادة السابعة على تجنس المواطن العربي والمادة الثامنة على تجنس الاجنبي . وبنفس الاتجاه ذهب المشرع المصري في المادة 4/ف1 من قانون الجنسية النافذ والتي تضمنت في طياتها شروط التجنس العادي (2). وهذا ايضا ما انتهجه المشرع الاردني في المادة 12من قانون الجنسية الاردنية وكذلك المادة الرابعة/ف2 والخاصة بتجنس العربي(3).

ثانياً: التجنس الخاص

ان الذي يميز التجنس الخاص باعتباره سببا من اسباب اكتساب الجنسية الطارئة (اللاحقة) هو قيامه بناءاً على تعبير ارادي يصدر من جانب الفرد طالب التجنس هذا التعبير الذي يتم بإعلان رغبة إلى السلطة المختصة المانحة للجنسية . إلا ان أهم ما نلاحظه ان هناك صورا متعددة من صور كسب الجنسية والتي تعد ايضا من قبيل الكسب اللاحق (الطارئ) للجنسية كونها تتحقق عند ولادة الإنسان وبالتالي لا يمكننا ان نعدها من صور الجنسية الاصلية فهذا النوع من انواع التجنس يختلف عن التجنس العادي كون اجراءات منحه لا تتطلب من الفرد تقديم طلب اكتساب الجنسية وفقا للإجراءات المعروفة والمعتادة في التجنس العادي حيث انها تمنحه وفق شروط معينة تحددها قوانين الجنسية المعروفة في الدول مع احتفاظ المتجنس بالحق في ردها او ان تعرض عليه شريطة ان يعلن رغبته في اكتسابها خلال مدة معينة من الزمن فالفرد المتجنس يكتسب جنسية الدولة المانحة بمجرد توفر شروط التجنس ودون الحاجة إلى تقديم طلب كما في التجنس العادي (4). الا اننا في هذه الحالة لا يمكن ان نتصور ان كسب الجنسية سيتم باثر رجعي لان الجنسية ستثبت للفرد بمجرد توفر الشروط المطلوبة لكسب الجنسية . واهم ما يميز هذا النوع من التجنس انعدام السلطة التقديرية ، للسلطة المختصة بمنح الجنسية (5). ومن الامثلة على هذه الصورة الخاصة من التجنس ما نصت عليه المادة التاسعة من قانون الجنسية العراقية ذي الرقم 42 لسنة 1924 الملغي والتي تمنح الصفة الوطنية للشخص الذي ولد في العراق من اب اجنبي شريطة أن يعلن عن رغبته خلال سنة من بلوغه سن الرشد بالتجنس بالجنسية العراقية ويصبح عراقيا بعد ذلك شرط عدم اكتسابه جنسية اجنبية عند اقامته خارج العراق (6). يتضح لنا من المادة السابقة ان المشرع العراقي قد اعتمد في منح الجنسية الطارئة في هذه المادة على اساس حق الاقليم وحده متجاهلا بذلك حق الدم والشروط التي تلزم لاندماج الاجنبي في الصف الوطني وقد جاء المشرع العراقي في قانون 43 لسنة 1963 بنصوص جديدة عندما جعل ولادة الاجنبي في العراق من حالات التجنس العادية الجوازية والتي لم يقتصر امر اكتسابها على مجرد صدور اعلان رغبة من الشخص طالب التجنس(7). ان موقف المشرع العراقي الذي سبق ذكره في حقيقته ليس الا صورة من الصور التي سيتم ذكرها في حالات التجنس ويتميز هذا النوع من التجنس بانه لا يخضع للسلطة التقديرية للدولة المانحة لكون طالب التجنس قد حصل على جنسية الدولة المانحة بمجرد توفر شروط معينة ومن دون الحاجة إلى تعبير ارادي صادر من قبله ولعل هذا السبب هو الذي دفع الفقه إلى تسمية هذا النوع من التجنس بالجنسية الممنوحة بفضل القانون (8).او الجنسية الممنوحة بحكم القانون(9). او الجنسية القانونية اللاحقة(10).

ثالثاً: التجنس الاستثنائي او فوق العادة

من الممكن ان تكتسب الجنسية العراقية بالتجنس فوق العادة من غير الحالات التي سبق ذكرها في قانون الجنسية العراقية ذو الرقم 43 لسنة 1963 المعدل النافذ بناءً على مقتضيات المصلحة العامة ويتم اكتساب الجنسية العراقية وفق هذه الحالة بقرار تشريعي يصدر من مجلس قيادة الثورة وبغض النظر عن جنسية طالب التجنس ويتم منح الجنسية استناداً الى احكام الفقرة (أ) من المادة 42 من الدستور العراقي المؤقت لسنة 1970(11). فجاء في قرار مجلس قيادة الثورة ذي الرقم 342 في جلسته المنعقدة في 19/8/1984 ما يلي : (استناداً الى احكام الفقرة (أ) من المادة الثانية والاربعين من الدستور قرر مجلس قيادة الثورة ما يلي :

1- يعتبر المواطنون المبينة اسماؤهم في القائمة المرفقة بهذا القرار (من اسرة أ .ل) عراقيين من التبعية العثمانية سابقاً وتصحح شهادات جنسياتهم وسجلاتهم وفقاً لذلك .

2- يتولى وزير الداخلية تنفيذ هذا القرار(12).وجاء في قرار آخر (استناداً الى احكام الفقرة (أ) من المادة الثانية والاربعين من الدستور قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 24/8/1986 ما يلي :

1- يعتبر المتوفى (س. ع. أ) والدا (أ. س. أ. ل) عراقيا من التبعية العثمانية سابقاً وتصحح شهادات جنسية اولاده واحفاده وفقاً لذلك .

2- يتولى وزير الداخلية تنفيذ هذا القرار(13).

وهذا القرارات وغيرها غير خاضعة لاحكام قانون الجنسية العراقية النافذ بما يتعلق بشروط التجنس وحالاته وهنا لابد من الاشارة الى ان التشريعات العربية المقارنة تفتقر الى مثل هذا النوع من التجنس .

رابعاً : السلطات المانحة للتجنس

حيث اننا نلاحظ ان السلطات المختصة بالفصل في طلبات التجنس في الدول مانحة الجنسية تختلف من تشريع إلى اخر فمنها من يوكل الفصل في طلب التجنس إلى السلطة التشريعية كما في هولندا و بلجيكا ومنها من يوكل الفصل إلى السلطة القضائية كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية و الاتجاه السائد والغالب في التشريعات أنه موكول إلى السلطة التنفيذية باعتبارها السلطة المختصة بمهمة الفصل في طلبات التجنس كما في العراق وبقية الدول العربية (14).

__________________

[1]- د. غالب الداؤدي ، ازدواج الجنسية في القانون الاردني والمقارن ، المصدر السابق ، ص 219.

2- انظر م4/ف5 من قانون الجنسية المصري ذو الرقم 26 لسنة 1975 والتي سيتم بحثها في الفصول القادمة.

3- انظر م12 وكذلك المادة4 من قانون الجنسية الاردني رقم6 لسنة 1954 النافذ والتي سيتم بحثها في الفصل القادم .

4- د. هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، المصدر السابق ، ص 134.

5- د. شمس الدين الوكيل ، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب ،ط3، مطبعة م.ك. ، الاسكندرية ، 1968، ص107 ومابعدها.

6- انظر المادة 9 من قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 الملغى والذي سيتم التطرق اليها بشيء من التفصيل في حالات التجنس في الفصل الثاني .

7- انظر المادة 6 من قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 المعدل النافذ والملحق بالرسالة .

8- Mary ، observation sar La Jurispradence en tant gue source du droit ، Etade Ripert ، Paris ، 1950 ، P. 370 .

9- د. محمد كمال فهمي ، ط 1978 ، المصدر السابق ، ص76 .

10- د. شمس الين الوكيل ، المصدر السابق ، ص108 .

11- الدكتور غالب الداودي ، القانون الدولي الخاص الجنسية والمركز القانوني للأجانب واحكامها في القانون العراقي ، مصدر سابق ، ص 57 . وينظر كذلك المادة (1) من الدستور العراقي المؤقت لعام 1975 .

12- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية ذي العدد 3009 في 3/9/1984 .

13- قرار مجلس قيادة الثورة ذو الرقم 679 في 24 /8/1986 المنشور في جريدة الوقائع العراقية .

4[1]- د. هشام علي صادق ، دروس في القانون الدولي الخاص ، المصدر السابق ، ص 71 .

المؤلف : يونس محمود كريم النعيمي
الكتاب أو المصدر : احكام التجنس في قانون الجنسية العراقية
الجزء والصفحة : ص10-14

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .