القيمة القانونية لإفادة المخبر السري / القاضي ذياب خلف حسين الجبوري

تصبح المحاكمة عادلة عندما تتوافر للمتهم ضمانات حق الدفاع , فحق الدفاع المقدس اقره دستور جمهورية العراق الصادر سنة 2005 وهو مقرر في غالبية التشريعات الجنائية الاجرائية . وبما ان مهمة سلطة التحقيق هي الكشف عن الحقيقة سواء كانت الحقيقة تؤدي في النهاية الى ادانة المتهم ام تبرئته , لذلك كانت على سلطة التحقيق ان توازن في اجراءاتها بين المصلحة العامة في كشف الحقيقة وضمانات حق الدفاع , دون ترجيح احداهما على الاخرى . ولما كان اقرار المشرع لفكرة (المخبر السري) هو لغاية محددة تتمثل في محاولة الكشف عن الحقيقة وبخاصة الجرائم الخطيرة والغامضة , لذلك على سلطة التحقيق ان تأخذ افادة المخبر السري على محمل الجد دون التفريط بضمانات حق الدفاع . من هنا كان لا بد من دراسة القيمة القانونية لإفادة المخبر السري في ثلاث فقرات :

الاولى – واتناول فيها قيمة افادة المخبر السري في قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 2005

الثانية – واتناول فيها قيمة افادة المخبر السري في دستور جمهورية العراق الصادر سنة 2005 .

الثالثة – التعامل مع المخبر السري .

اولا – قيمة افادة المخبر السري في قانون اصول المحاكمات الجزائية

وبهذا الصدد لا بد من القول ان ليس للقاضي – وبخاصة قاضي التحقيق – ان يدع مشاعره وعواطفه تتحكم فيه لمجرد اخبار سري تقدم له عن واقعة معينة او متهم معين , بل عليه ان يكون دائما عادلا ومنصفا . ولذلك ينبغي عليه عندما يتقدم اليه مخبر سري بمعلومات معينة ان يستجوب المخبر السري عن كل التفصيلات (الهامة والتافهة ) والتي وردت في اخباره فيناقشه كل كلمة قيلت في اخباره , وعلى ضوئها تبدأ مرحلة البحث والتحري عن مصداقية المعلومات الواردة في الاخبار . وذلك لان افادة المخبر السري ليست دليلاً –كباقي الادلة – يمكن الركون اليه لإصدار قرارات فورية كالقبض على المتهم , بل انها مجرد معلومة يمكن الاستفادة منها في عملية البحث والتحري عن الحقيقة . وبالأساس القانوني لما نقوله هو ما يأتي :

1 – الفقرة (2) من المادة (47) الاصولية تنص على انه : (( للمخبر في الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي وجرائم التخريب الاقتصادي والجرائم الاخرى المعاقب عليها بالإعدام او السجن المؤبد او المؤقت ان يطلب عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهداً , وللقاضي ان يثبت ذلك مع خلاصة الاخبار في سجل خاص يعد لهذا الغرض ويقوم بإجراء التحقيق على وفق الاصول مستفيداً من المعلومات التي تضمنها الاخبار , دون بيان هوية المخبر في الاوراق التحقيقية )) .

وصراحة النص تقول (( وعدم اعتباره شاهداً)) وبما انه ليس (شاهدا) فهو قانوناً لا يحلف اليمين القانونية , لان من يحلف اليمين القانونية هم المدعون بالحق الشخصي والمشتكي والشهود والخبراء غير القضائيين حصراً , وحيث ان المخبر السري ليس (شاهداً)ولا (يحلف اليمين القانونية) فإخباره اذاً هو افادة مجردة لا ترقى الى مرتبة الدليل هذا من جانب , ومن جانب اخر فان القانون صرّح بان الغاية من قبول افادة المخبر السري هي الاستفادة : (( من المعلومات التي تضمنا الاخبار )) , فهي اذاً معلومات مجردة تعين سلطة التحقيق في التحري عن الادلة لا غير .

2 – افادة المخبر السري تتعارض مع نص الفقرة (أ) من المادة (60) من قانون اصول المحاكمات الجزائية ونصها : (( يسال الشاهد اسمه ولقبة وصناعته ومحل اقامته وعلاقته بالمتهم والمجنى عليه والمشتكي والمدعي بالحق المدني ..)) . والسؤال منه عن علاقة المذكورين هو للتأكد من حيادية الشاهد وعدم انحيازه الى طرف من اطراف الدعوى , في حين ان المخبر السري لا يسال عن شيء من ذلك .

3 – كما ان افادة المخبر السري تتعارض مع نص الفقرة (ب) من المادة (60) من قانون اصول المحاكمات الجزائية والتي توجب تحليف الشاهد الذي اتم الخامسة عشرة من عمره قبل اداء شهادته يميناً بان يشهد بالحق .

وحيث ان المخبر السري لا يحلف اليمين القانونية كما اشرنا لذلك انفاً , فان افادة المخبر السري من حيث القيمة القانونية بحكم شهادة من لم يتم الخامسة عشرة والتي تسمع بلا يمين , ويجوز سماعها على سبيل الاستدلال لا غير .

4 – كذلك فان قبول افادة المخبر السري في مرحلة التحقيق يتعارض مع نص الفقرة (أ) من المادة (57) من قانون اصول المحاكمات الجزائية ونصها (( أ – للمتهم والمشتكي والمدعي بالحق المدني والمسؤول مدنياً عن فعل المتهم ووكلائهم , ان يحضروا اجراءات التحقيق …. )) وحق المتهم ووكيله بالحضور في اجراءات التحقيق يستلزم منح المتهم او وكيله فرصة مناقشة المذكورين عن طريق القاضي المختص وتوجيه ما الديهم من اسئلة , في حين ليس بإمكان المتهم ولا وكيله الحضور عند تدوين افادة المخبر السري .

5 – وكذلك ايضاً فان قبول افادة المخبر السري يتعارض مع نص المادة (175) من قانون اصول المحاكمات الجزائية والتي اجازت (( للمحكمة من تلقاء نفسها او بناء على طلب الخصوم ان تناقش الشاهد وتعيد مناقشته والاستيضاح منه عما ادلى به في شهادته للتثبت من الوقائع التي اوردها )) . وبما ان افادة المخبر السري تدون في مرحلة التحقيق فقط وبصورة سرية , فهو اذاً لم يحضر المحاكمة , وبالنتيجة ليس بامكان محكمة الموضوع مناقشة المخبر السري عما ورد في اخباره .

ما تقدم من قواعد قانونية تقلل من اهمية وقيمة افادة المخبر السري , وتجعل منها مجرد قرينة بسيطة (للاستدلال) فقط كقيمة شهادة لم يتم الخامسة عشرة من عمره والتي تدون بلا يمين

ثانياً – القيمة الدستورية لإفادة المخبر السري

وبصددها نلاحظ المسائل الجوهرية الاتية :

1 – الدستور هو المضلة العليا لباقي التشريعات والمنظم لعمل السلطات الثلاث بما فيها السلطة التشريعية , اذ ينبغي على السلطة التشريعية ان لا تصدر قانوناً مخالفاً لأحكامه عملاً بأحكام المادة (93) من الدستور الصادر سنة 2005 ونصها : (( تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي :

اولاً : الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة . )) وبالرجوع الى نص المادة (19/رابعاً) من الدستور نجد انها تنص على انه : (( حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة)) .

وتحليل النص المتقدم , اضافة الى ما ذكرناه من ملاحظات في الفقرة (اولاً) من هذه الدراسة , يقودنا الى القول ان حق الدفاع للمتهم منتهك من هذه الجهة خاصة عندما يكون المخبر سرياً , اذ ليس للمتهم ان يعرف من هو المخبر السري وقد يكون خصمه , او من له عداوة معه , كما لو كانت للمخبر السري علاقة بزوجة المتهم فينبغي من اخباره الزج به في التوقيف ليخلو له الجو فترة من الزمن .

كما ان حق الدفاع منتهك ايضاً في مرحلة المحاكمة , حيث لا يحضر المخبر السري اثناء المحاكمة – حتى ولو في جلسة سرية لمناقشته – وبالتالي ليس للمتهم ولا وكيله امكانية مناقشته عما ورد اخباره . لذلك نستطيع القول ان حق الدفاع (غير مكفول) وهو (منتهك) من هذه الجهة .

2 – كما ان قبول كما ان قبول افادة المخبر السري يتعارض مع نص الفقرة (سابعاً) من المادة (19) من الدستور والتي تنص على ان : (( جلسات المحاكم علنية الا اذا قررت المحكمة جعلها سرية )) . وعلنية المحاكمة تقتضي حضور المخبرين والشهود والمشتكين جلسات المحاكمة , في حين ان المخبر السري مستثنى من هذه العلانية , فلا يحضر , ولا يكلف بالحضور , ولا يكشف عن هويته . وبالنتيجة لا يعرف من هو للوقوف على غرضه الحقيقي من الاخبار ومدى صدق نواياه .

وبالتالي فان نص الفقرة (2) من المادة (47) الاصولية مخالف للدستور ويتعين الغاؤها . وبتقديرنا المتواضع بالإمكان اللجوء الى المحكمة الاتحادية العليا للمطالبة بإلغاء النص المذكور عملاً بنص المادة (93/اولاً) من الدستور .

ثالثا : التعامل مع المخبر السري

ابتداءً لا بد من القول ان المخبر السري قد يكون صادقاً في اخباره وقد يكون كاذباً وبهذا الصدد نلاحظ ما يأتي :

1 – اذا كان المخبر السري صادقاً في اخباره , فهو من الممكن ان يستفيد من مبدأ مكافأة المخبرين الذي اعتمده المشرع في قانون مكافأة المخبرين رقم 23 لسنة 2008 , حيث يقترن بمبدأ (المكافأة) مع عناصر (صحة الاخبار السري) , كما لو ادى الاخبار السري الى القبض على الجناة , او استرداد المال المسروق او المختلس .

2 – اما اذا كان المخبر السري كاذباً في اخباره , فيتعين اعمال نص المادة (243) من قانون العقوبات ونصها : (( كل من اخبر كذباً احدى السلطات القضائية او الادارية عن جريمة يعلم انها لم تقع , او اخبر احدى السلطات المذكورة بسوء نية بارتكاب شخص جريمة مع علمه بكذب اخباره , او اختلق ادلة مادية على ارتكاب شخص ما جريمة خلاف الواقع , او تسبب باتخاذ اجراءات قانونية ضد شخص يعلم براءته , وكل من اخبر السلطات المختصة بأمور يعلم انها كاذبة عن جريمة وقعت . يعاقب بالحد الاقصى لعقوبة الجريمة التي اتهم بها المخبر عنه , اذا اثبت كذب اخباره . وفي كل الاحوال لا تزيد العقوبة بالسجن عشر سنوات)) .

وبهذا الصدد نرى ان اعمال النص المتقدم , واجب قانوناً , فهو يضع حداً لكثير من المخبرين السريين من ان يتقدموا باخبارات كاذبة من شأنها تضليل القضاء واشغاله , فضلاً عن الاضرار بالأبرياء .

ولهذا السبب ايضاً دأب مجلس القضاء الاعلى الموقر في العديد من التوجيهات بشأن التعامل بحذر مع افادات المخبرين السريين وعدم العجلة في اصدار قرارت القبض قبل جمع الادلة والتثبت من صدقية الإخبار , ومن ذلك الاعمام المرقم 232/مكتب/2008 في 16/3/2008 والمرافق صورته للبحث

والله الموفق ولله الحمد اولاً واخراً

إعادة نشر بواسطة محاماة نت