القوات المتعددة الجنسية والتزاماتها الدولية

وسام نعمت السعدي / ماجستير قانون عام

يتحدث البعض عن حصانات تتمتع بها القوات المتعددة الجنسية وعن إعفاءات قضائية عن جرائم قد تقترف فوق الأقاليم التي تمارس عملها فيها، ويحاول البعض التسويق لمثل هذه الفرضيات أو إعطائها جانباً قانونياً معيناً، ولكن يغفل هؤلاء إن هذه القوات لا يمكن أن تكون بمعزل عن المسئولية أو أن تكون فوق القانون، حيث أنها تبقى ملزمة بالتزامات قانونية يجب احترامها وعدم تجاهلها بأي شكل من الإشكال، ونعرض لأبرز هذه الالتزامات وكما يلي:
1- القانون الجنائي الدولي: والذي يحدد الجرائم الدولية على اختلاف أشكالها (جرائم الحرب، جرائم ضد الإنسانية، جرائم ضد السلام، جريمة إبادة الجنس البشري، وجريمة العدوان ) وبالتالي يخضع لنصوص التجريم الواردة في هذا القانون جميع الأشخاص الذين يثبت أدانتهم بجريمة من تلك الجرائم، وان نصوص هذا القانون لا تتحدث عن أي استثناءات يمكن تمنح لأحد وأي دولة تحاول أن تمنح نفسها إستثناءات خاصة فأنها تفعل ذلك بقانون القوة لا بقوة القانون. والمحاكم المختصة بتطبيق هذا القانون هي محكمة لاهاي لمجرمي الحرب والمحكمة الجنائية الدولية.

2-القانون الدولي لحقوق الإنسان: والذي يفرض على الجميع احترام أحكامه ومبادئه بما في ذلك القوات المتعددة الجنسيات وعدم جواز الإخلال بها بأي شكل من الإشكال وبالتالي فإنها تسأل عن جميع الممارسات التي تشكل انتهاكاً أو خرقاً لهذا القانون، وبالتالي لا تملك هذه القوات أن تقيد حقاً من حقوق الإنسان أو أن تعتدي عليه سواءً أكان حقاً من الحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو المدنية. ويقع على عاتق المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية المعنية بحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى مراقبة مدى التزام هذه القوات بهذه الحقوق.

3- القانون الدولي الإنساني: تبقى هذه النصوص ملزمة لهذه القوات في جميع تصرفاتها، خاصة ما يتعلق منها بحماية المدنيين وتوفير الحماية القانونية اللازمة للفئات المحمية دولياً بمقتضى اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وملحقيها الإضافيين لعام 1977 خاصة تلك المقررة للأطفال والنساء وللأعيان المدنية كالمستشفيات ودور العبادة والمؤسسات التعليمية والمرافق الخدمية وغيرها. وبالتالي فان مسئولية هذه القوات تبقى قائمة عن الجرائم التي ترتكبها متى ثبت ارتكابها تلك الأفعال. ويكون من واجب الهيئات الدولية والوطنية الحكومية وغير الحكومية والأفراد تحريك الشكاوى ضد تلك القوات ويكون للمحاكم الجنائية الدولية الحق في محاكمتها عن تلك الجرائم.

4- ميثاق الأمم المتحدة: حيث يحكم هذا الميثاق عمل قوات الأمم المتحدة لحفظ السلم و القوات الدولية العاملة بتخويل منها وبالتالي يجب إن لا تتجاوز الأعمال التي تقوم بها هذه القوات حدود حفظ الأمن والسلم الدوليين وفي كل الأحوال يجب أن لا تخل بمقصد من مقاصد الأمم المتحدة أو هدفاً من أهدافها. وبالتالي أن لا تتخذ هذه القوات من عملها مبرراً للتدخل في الشؤون الداخلية للدول أو أن تحول دون تمكين الشعوب من حقها في تقرير مصيرها بان تعمل على تكرس حالة الاحتلال أو يصدر عنها تصرفات تعد خرقاً لسيادة الدولة واستقلالها، وبالتالي فان أي تجاوز في عمل هذه القوات يمكن معه مسائلتها أمام الهيئات الدولية بما في ذلك محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي للأمم المتحدة بالقدر الذي يسمح به نظامها الأساسي.
5- مبدأ السيادة الإقليمية: فالقوات المتعددة الجنسية باعتبار أنها قوات أجنبية وان ما ينظم عملها هو اتفاق بين طرفين فان هذه القوات ملزمة باحترام السيادة الإقليمية للدولة التي توجد على إقليمها وان لا تقوم بأي تصرف يمس تلك السيادة فينقصها أو يخل بها، وانطلاقاً من مبدأ السيادة تستأثر الدولة بممارسة اختصاصاتاتها السيادية في تصريف شؤونها بعيداً عن عمل تلك القوات.

6- مؤسسات المجتمع المدني: تتزايد يوماً بعد يوم الدور الذي تضطلع مؤسسات المجتمع المدني بأدائه، وقد أصبح لهذه المؤسسات حضوراً مهماً في ميدان مراقبة عمل القوات المتعددة الجنسيات وتوثيق الانتهاكات التي ترتكبها والممارسات المجرمةاو غير المشروعة. ويتميز في هذا الميدان دور المنظمات الدولية غير الحكومية التي تصدر تقاريراً دورية عن عمل هذه القوات وتحدد فيها صور عديدة من الانتهاكات وتحذر من الآثار السلبية الناجمة عن بعض التصرفات التي تقوم بها هذه القوات .

7- الاتفاقات المنظمة لعمل هذه القوات: جانب من هذه الالتزامات يتحدد في الاتفاقيات التي يجري إبرامها لتنظيم عمل هذه القوات، وبالتالي فان أي بنود ترد في تلك الاتفاقيات تحدد طبيعة عمل هذه القوات ومدة بقائها والمهام التي تضطلع بها والحدود التي تستطيع العمل في إطارها تكون ملزمة لها. وأي إخلال بهذه البنود يكون مدعاة لقيام المسئولية الدولية لهذه القوات.

منقول