كيف صانت القوانين العُمانية مكانة المرأة؟
المحامي صلاح المقبالي

كثيراً ما تضج المحافل الدولية بشعارات مساواة المرأة بالرجل، وحقوق المرأة، ، وكثيراً ما نسمع في وسائل الأنباء عن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تحمل هذا الطابع، ولعل أبرز هذه المعاهدات الدولية هي معاهدة “السيداو” التي تُعنى بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وقد تم بوزارة التنمية الاجتماعية تشكيل اللجنة الوطنية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي تُعنى بمتابعة تطبيق بنود هذه الاتفاقية داخل السلطنة، لكنّ هذا التوقيع لا يعني بأي حال من الأحوال أن هناك نوعا من الاعتراف بوجود تمييز ضد المرأة في بلد ما، خصوصا وأن الدول الأطراف مطالبة بتطبيق بنود هذه الاتفاقية في حدود المستطاع انطلاقا من الواقع والحالة الاقتصادية والاجتماعية لكل بلد.

ونحن نحتفل اليوم بيوم المرأة العمانية، سنقوم في زاويتنا القانونية عبر “أثير” بتسليط الضوء على صون مكانة المرأة في القوانين العمانية إذ إن المتتبع لكافة القوانين العمانية منذ فجر النهضة المباركة، يجد أن السلطنة حافظت منذ الوهلة الأولى على مكانة المرأة وصانت لها كافة حقوقها، جاعلةً نصب عينيها ما قررته الشريعة الإسلامية الغراء من صون للمرأة وحقوقها ، وحافظت هذه القوانين على كرامة المرأة وصانت أنوثتها، فالمساواة لا تعني بأن يذاب كيان المرأة وتهدر أنوثتها وتترك مع الرجل على كفة واحدة دون مراعاة لهذه الخصوصية التي حباها بها الله سبحانه وتعالى، فانطلاقاً من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101 /96) ووفق القاعدة العامة تضمنتها المادة 17 منه، والتي مفادها بأن المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، ولا يوجد ثمة ما يميز بينهم، وهذا الأصل الذي يقوم عليه التشريع في السلطنة لم يكن غائباً قبل صدور النظام الأساسي، بل كان مبدأ مترسخاً يفرضه القائمون على الأمر فيما يضمنونه من قوانين ولوائح، وخير شاهد على ذلك خطابات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه وأمده بالصحة والعافية والعمر المديد – بمساواة المرأة مع الرجل وتكريمها بإشراكها في خدمة الوطن في مختلف المجالات.

ولعل أبرز سمات القوانين العمانية بحفظ حقوق المرأة وصونها ما جاء في قانون العمل العُماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (35 /2003) من أحكام، فقد نص على أحكام تضمنت حق المرأة في العمل مساواة مع الرجل، فقد خاطب القانون في أحكامه العامل بصرف النظر عن جنسه، إلا أن مزايا أفضل قد أوردتها نصوص خاصة في القانون كحق المرأة في عدم المساس بوظيفتها الاجتماعية، ومراعاة لطبيعتها حيث لا يجوز تشغيل النساء فيما بين الساعة السادسة مساء إلى السادسة صباحاً إلا في الأحوال والأعمال التي يصدر بتحديدها قرار من وزير القوى العاملة، كما أنه لا يجوز تشغيل النساء في الأعمال الضارة صحياً وأخلاقياً والأعمال الشاقة وغيرها من الأعمال التي تحدد بقرار من الوزير نفسه.

ومن هذه السمات ما أورده قانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (120/2004)، إذ يعد قانون الخدمة المدنية التشريع العام الذي ينظم شؤون الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، وقد وردت أحكام هذا القانون عامة ومجردة تخاطب الموظف دون تمييز بين الرجل والمرأة، وقد أقر القانون المبدأ الذي أوردته المادة 12 من النظام الأساسي للدولة وهو المساواة بين الموظفين في تولي الوظائف العامة وفقا للشروط التي يقررها القانون، وقد تضمن القانون بعض الأحكام التي خص بها المرأة بما يتفق وطبيعتها ويمكنها من أداء رسالتها الاجتماعية، وهي كالآتي: الحق في إجازة الأمومة والولادة مدتها 50 يوما براتب كامل، ومنحها إجازة بدون راتب لمدة لا تزيد عن عام لرعاية طفلها بعد انتهاء إجازة الولادة، وحق المرأة المسلمة في إجازة العدة وبراتب كامل مدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة، كما كفل القانون الحق للموظفة العمانية في الحصول على إجازة خاصة بدون راتب لمرافقة زوجها الموظف إذا أوفد للخارج لمدة لا تقل عن ستة أشهر سواء في بعثة أو منحة دراسية أو تدريبية أو إجازة دراسية وإذا نقل أو انتدب أو أعير خارج السلطنة، وغير ذلك من النصوص التي حفظت حق المرأة في تمكينها من التوفيق بين رسالتها الاجتماعية وواجبها الوظيفي.

ومن سمات القانون العماني كذلك ما نص عليه قانون الضمان الاجتماعي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (87/84) على حصول المرأة على معاش في الحالات التي تميزها عن الرجل، فقد منح الأرملة، وعرفها بأنها هي كل امرأة لم تبلغ الستين من عمرها وتوفي عنها زوجها وبقيت دون زواج وليس لها معيل ملزم قادر على نفقتها وليس لها مورد كاف للرزق، والمطلقة منحها معاشا وعرفها بكل امرأة لم تبلغ الستين من عمرها طلقها زوجها ولم تتزوج بعد وليس لها مورد كاف للرزق وليس لها معيل قادر على نفقتها، وخصص معاش ضمان اجتماعي للمهجورة وهي كل امرأة يهجرها زوجها لمكان يتعذر الاتصال به فيه سنة كاملة على الأقل ولا يوجد له موطن أو إقامة، ويكون إثبات الهجر بوثيقة شرعية، وكذلك البنت غير المتزوجة وهي البنت التي تجاوزت الثامنة عشرة من العمر ولم تبلغ الستين من عمرها ولم يسبق لها الزواج وليس لها معيل ملزم قادر على نفقتها وليس لها مورد كاف للرزق.

إن ما أوردناه هي من أبرز السمات، وهي على سبيل المثال لا الحصر، فالمتتبع لكافة القوانين والتشريعات في السلطنة يجد أنها لم تتجاوز هذا المبدأ في الحفاظ على حقوق المرأة وصون كرامتها، فالسلطنة هي من أول الدول في العالم التي سمحت للمرأة الحصول على أراض من الدولة، وهي صاحبة السبق بين كافة الدول العربية في ذلك، وغنيّ عن البيان ما يتعلق بالتعليم، فإنه لا خلاف أن في فرص التعليم هناك مساواة تامة بين المرأة والرجل فيه، فكلاهما سواسية في الحصول على التعليم، ولا حاجة للتطرق إلى ما تضمنه قانون الأحوال الشخصية من حقوق للمرأة وكفله لكرامتها وصون حقوقها، فهو قانون جاء بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الحنيفة، وإن المقام لا يسع للتطرق إلى ما تضمنه من أحكام بشأن المرأة وحقوقها ومساواتها مع الرجل، وكذلك ما تضمنته القوانين واللوائح الأخرى المعمول بها في السلطنة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت