نشأة وتطور فـكـرة العـمل

لقد نشأت فكرة العمل وتطورت مع نشأت وتطور الإنسان منذ القدم.
إلا أن نظرة الإنسان لهذه الفكرة قد أخذت عدت صور وأشكال عبر الحضارات من القديمة إلى الحديثة.

مما أثر على قيمة العمل وتقديره. ضيقا واتساعا، احتقارا وتقديسا. وهو ما سوف نتعرض إليه في هذا البحث من خلال إلقاء نظرة وجيزة على مفهوم العمل عبر الحضارات القديمة إلى العصور الوسطى وفي مبادئ الثورة الفرنسية وفي المذاهب الاقتصادية الحديثة -الرأسمالية منها والاشتراكية.

مفهوم العمل في الحضارات القديمة
إن الحضارات القديمة ومما لاشك فيه لم تقم من العدم، وإنما كانت نتيجة عمل مضني قام به الإنسان في القديم وهو ما تؤكده مختلف الديانات السماوية والنظريات القديمة والحديثة والتي تعتبر كلها بأن العمل البشري هو مصدر الإنتاج والتطور والرخاء في أية مرحلة من مراحل تطور البشري إلى أن هذه الديانات والنظريات تختلف في تقييمها لهذا العمل وفي من يستفيد بثماره.

* في الحضارة المصرية: التي قامت على العمل الجبار سواء بالنسبة للفلاحة أو بالنسبة إلى الصناعة التي كانت راقية ومزدهرة آنذاك.

حيث عرفت مصر القديمة منذ عهودها الأولى، صناعة البرونز لإنتاج الأسلحة وصناعة الآجر والإسمنت والزجاج والفخار والخشب والجلد والنسيج واستعمال الكمياء في الصناعة واشتهرت مصر القديمة أيضا بالفكر العلمي كالرياضيات والهندسة والأهرام خير شاهد على ذلك.

وتتكون الفرقة العاملة من الرجال الأحرار والعبيد والرقيق يشرف عليهم رئيسا يؤدي لأفرادها أجورهم.

* أما الحضارة البابلية : فقد اهتمت بالصيد أكثر من الزراعة لوعرة أراضيها وكثرة الحجارة فيها كما أن أغلب البابليين كانوا يعملون في باطن الأرض ويستخرجون المعادن مثل الحديد، الذهب، والفضة والرصــــاص

بالإضافة إلى بعض الصناعات التي كانوا يقومون بها مثل النسيج الآجر وبعض الصناعات الأخرى، ومما يجب التنبيه إليه هوان الحضارة البابلية بقيادة مؤسسيها حمو رابي والذي حكمها بالعدل لمدة 43 سنة وقد وضع لها قوانين تفوق 280 قانونا رتبت ترتيبا يكاد يكون الترتيب العلمي الحالي فقسمت كالتالي قوانين خاصة بالأملاك المنقولة والأملاك العقارية والتجارة والصناعة والأجرة والأضرار الجسيمة والعمل وهذه الحضارة هي من الحضارات القليلة القديمة التي حددت الأجور من قبل الدولة كما كانت هذه الحضارة عظيمة ومتطورة وطورت الكثير من العلوم وعلمتها اليونان وذلك نتيجة إقبال شعبها على العلم والعمل معا، 28 قرن فبل الميلاد.

* الحضارة الفينيقية : تعتبر هي أيضا من أقدم الحضارات (28 قبل الميلاد) حيث اشتهر أهلها بالتجارة الخارجية والصناعة كصناعة الزجاج والمعادن والأسلحة والمجوهرات، وباحتكاكهم بالحضارات الأخرى عن طريق التجارة الخارجية مكنتهم من الاستفادة من أحداث توصلت إليه تلك الحضارات من اختراعات وطرق الصناعة وطرق الإنتاج.

* اليهود: من أكثر الشعوب إقبالا على العمل حيث عملوا أيام النبي سليمان عليه السلام في مختلف المجالات (الفلاحية و تربية المواشي….) ومع زيادة ثروتهم اهتموا بالتجارة ونجحوا فيها حتى أصبحوا مضرب المثل فيها.

* الحضارة الرومانية : تعتبر هذه الحضارة من أهم الحضارات القديمة التي اشتهرت بالازدهار الاقتصادي والمادي الذي لا يفوقهم إلى الازدهار الأوروبي بعد الثورة الصناعية. وذلك بفضل كد الكادحين من العبيد الفقراء المفروض عليهم من طرف الأشراف والنبلاء وكلها أعمال يدوية التي كان يرى جماعة اللاتين أن العمل اليدوي القوي هو سبب قوة النفوس والأجسام لاستخدامها أي أجسام العبيد والفقراء لحماية النبلاء والأشراف من اعتداءات الغير. أما التجارة فلم تكن ذات بال عند الرمان لأنهم يرون فيها بأنها عمل غير شريف مادامت تهدف إلى الشراء بأرخص الأثمان والبيع بأرفعها.

وبعـد أن جاءت الديانة المسيحية بنظرة جديدة للعمل حيث كان السيد المسيح عليه السلام يشتغل بيديه، وضع الفتى (سان بول) مبدأ إجبارية العمل حيث قال: “أن الذي لا يعمل لا يأكل”.

وفي الأخير نقول بأن الرومان والكثير من الحضارات القديمة لم يقدروا قيمة العمل كما أنهم لم ينصفوا العمال والطبقات المغلوبة على أمرها مثل العبيد والفقراء والفلاحين ولم يمنحوهم حقوقهم وحرياتهم خوفا من الثورة عليهم وعلى أملاكهم وسلطتهم وبالتالي لم يمكنوهم من استغلال ثمرة عملهم وجهدهم واستفادتهم بإنتاجهم.

الخــاتـمـة
إن قيمة العمل ومفهومه لم تعرف إلا بعد مجيْ الديانات السماوية في بادئ الأمر وقيام الثورة الصناعية في أوربا فيما بعد أضف إلى ذلك عدم وجود علاقات عمل محددة قائمة على أسس مبادئ قانونية أو عرفية معينة. ولم تكن قوة العمل سوى سلعة أو بضاعة يتحكم في سوقها الأشراف والنبلاء.

مفهـوم العمل في القـرون الوسطى

عرفت القرون الوسطى بالنظام الاقتصادي، وهو نظام ملك فيه الأسياد والنبلاء والأشراف مساحات زراعية شاسعة يستغلونها بواسطة الرقيق والأقنان -أي عبيد الأرض- وهو نظام وجد بصفة خاصة في دول القارة الأوربية ويوجه الخصوص فرنسا وبريطانيا.

وهؤلاء الأقنان والرقيق يعملون في أرض سيدهم ولا يخرجون منه إلا بموافقته ومن أهم واجباتهم أثناء استغلال الأراضي أن يدفعوا مجموعة من الضرائب والإيجارات بعضها للدولة والبعض الآخر للسيد المالك إضافة إلى تقسيم أوقات عملهم من ثلاثة إلى خمسة أيام في حقول مالكهم مجانا وباقي الأيام لحسابهم الخاص في القطع المؤجرة لهم من سيدهم وما يلاحظ هنا أن هذا النظام كان يقوم على الولاء المتبادل بين السيد والعبيد فمن ناحية يدافع العبيد عن سيدهم عندما يتعرض لهجوم خارجي ومن ناحية أخرى يستفيدون من حماية السيد لهم ومنحهم نوع من الحرية في ممارسة بعض النشاطات الخاصة بهم وبعد أن بدأت المدينة في على الاعتراف بنوع من الشخصية القانونية للرقيق ومنحهم بعض الحرية المقيدة.
ومع تطور المدينة زادت الحاجيات الضرورية للمجتمع وتطور المستوى الثقافي لدى الفئات العالية الذي أجبر الأسياد على تشكيل

ومع تطور المدينة زادت الحاجيات الضرورية للمجتمع وتطور المستوى الثقافي لدى الفئات العالية الذي أجبر الأسياد على تشكيل نوع من العادات والأعراف المهنية والتي أصبحت مع مرور الزمن تشكل قوانين محددة للعلاقات بين العمال وأرباب العمل وبقي الحال في مد وجزر حتى قيام الثورة الفرنسية سنة 1789م.

التي ارتبط مفهوم العمل فيها على مبدأ سلطان الإرادة وحرية التصرفات القانونية والتعاقدية.

وهذا ما نصت عليه المادة الأولى من إعلان الثورة “بأن الناس يولدون ويعيشون أحرارا ويتساوون في الحقوق” ووضعت المادة الرابعة مفهوم الحرية المقصود به” الحرية هي القدرة على القيام بكل ما لا يضر الآخرين” ومن بين الإجراءات الأولى التي اتخذتها الثورة الفرنسية هي إلغاء العمل بنظام الطوائف.

وتأسيس حرية العمل بمقتضى مرسوم يسمى Decret d’Allard الصادر في 1791التي أعطت العمال ممارسة المهنة التي يرونها مناسبة لهم ومنحت التجمعات العمالية والمهنية تبعا لمنع نظام الطوائف والاحتكارات المهنية.
وبهذا أصبح كل فرد حر في اختيار عمله لحسابه أو لحساب غيره وانتج هذا الوضع نظريات لاقت رواجا كبيرا آنذاك وهي الحق الطبيعي.

وبعد قيام الثورة الصناعية وانتشار استعمال الآلات كثرت البطالة الجماعية مما نتج تعقيد العلاقات وتوترها بين العمال وأرباب العمل نتيجة ارتفاع حجم وعدد اليد العاملة في مقابل ضعف حجم عرض العمل مما نتج عنه وفقا لقانون السوق وانخفاض رهيب في الأجور والضمانات المالية والمهنية والاجتماعية إلى جانب ضعف الاستقرار في العلاقات المهنية إضافة إلى هجرة الفلاحين للأراضي الزراعية والالتحاق بالمدن بحثا عن منصب عمل يضمن لهم زيادة في الدخل وتحسين ظروف معيشتهم الاجتماعية والاقتصادية.
ونتيجة لهذه الأوضاع المتردية التي أصبح يعيشها العمال لسيما بعد ارتفاع مستواهم الثقافي ونضج وعيهم السياسي والاجتماعي وتأكدهم من سوء أحــوالهم بمــرور زمـــــن.

وأخـذوا يتجمعــون في شــكل تجمعات ونقابات سرية وعلنية للمطالبة بتحسين أحوالهم المادية والاجتماعية والمطالبة بجدية لانتزاع حقوقهم بأي أسلوب كان (الإضرابات، العنف، والتخريب أحيانا)حيث قولبت هذه الأساليب بغلق أبواب المصانع وأماكن العمل من طرف أصحابها مما أثبت بحجة لا جدال فيها فشل مذهب الحرية التعاقدية وبالتالي فشل مبدأ سلطان الإرادة في تنظيم وحكم علاقات العمل تنظيما وحكما وعدلا.

مفهوم العمل في الأنظمة الحديثة
(الاشتراكي والرأسمالي)

يتفق الفكر الاقتصادي الحديث على أن العمل هو العامل الأساسي للإنتاج وهو المصدر الرئيسي لكل ثروات التي ينتفع بها الإنسان.

إلا أن الفكر الرأسمالي رغم اعترافه بقيمة العمل بحيث جعله مصدر قيمة الأشياء والخدمات والسلع وهو بالتالي مصدر فائض القيمة- أي الربح- ومصدر الثروة.

لكنه لم ينصف العمال الذين يبذلون جهد العمل ويتضح هذا حاليا في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الرأسمالي الذي يتكون من طبقتين:

-الطبقة البرجوازية المالكة للثروة ووسائل الإنتاج.
– الطبقة الكادحة المالكة لقوة العمل فقط والتي هي دائما في تبعية للطبقة الأولى التي تمتلك مقاليد السلطة والتوجيه وتتحكم في القرار الاقتصادي والاجتماعي.

ونفس القيمة للعمل نجدها في الفكر الاشتراكي إلا أن الاختلاف بينهما هو كيفية توزيع الفائدة الحاصلة من العمل التي يرى أن توزع على العمال بكاملها بالتساوي وهذا ينتج عنه إجحاف في حق بعض العمال ذوي المهارات الإنتاجية العالية من جراء تطبيق المساواة الشكلية وما إلى ذلك من مشاكل التطبيقية الأخرى في التجسيد الميداني لهذا التوجه.

مفهوم العمل في الشريعة الإسلامية

إن العمل في مفهوم الشريعة لا يقتصر على المفهوم الشائع أو النظرة الشائعة التي تنظر إلى العمل على أنه مجرد تقديم كد بدني مقابل أجرة زهيدة لا تترك العامل يرتقي في نظرهم من درجة العبيد والرق إلى درجة الإنسانية العادلة.
بل الشريعة تنظر إلى مفهوم العمل وتربطه بعمل الدنيا والدين معاً. أي العمل الدنيوي بشتى أشكاله وأنواعه من جهد بدني وفكري واستثمار الأموال لتنمية وتشغيل البطالين وسد حاجة المحتاجين واستغلال الثروات التي سخرها الخالق للمخلوقات والتعليم وغيرها من الأعمال.

وقد ورد تعبير العمل ومعناه في حوالي 360 آية قرآنية. وهو مقترن – أي العمل – بالإيمان.
وفي مجال الربط بين العمل والإيمان:
يقول عز وجل:{ فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} صدق الله العظيم.

وأما السنة النبوية فقد أشادت هي الأخرى قولاً وعملاً بالعمل حاثة عليه وعلى إتقانه. قال عليه الصلاة والسلام:” ما أكل أحد قـط خيراً من أن يأكل من عمل يده”. وفي مجال ربط العمل بالإتقان قال عليه الصلاة والسلام “أحل ما أكل العـبد، كسب الصانع إذا نصح”. وقال أيضا “إن الله بحب إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه”.

لأن إتقان الأعمال والإخلاص فيها من أهم عوامل التطور والرقي والازدهار والتقدم.

وكما حث الإسلام العمال على الكد والجد حث أيضا أصحاب العمل على إنصاف العمال وإعطائهم حقوقهم كاملة غير منقوصة حيث قال عليه السلام:”أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”.

هذه بعض الأدلة المختصرة التي وردت في الكتاب والسنة التي تحث العامل على العمل ولا يصلح إيمانه إلا إذا صلح عمله، كثيرة ومتعددة كثرة وتعدد مجالات النشاطات والأعمال؛ من صيد وصناعة الحديد، وصناعة الأسلحة والبناء والتشييد وصناعة الألبسة والتربية والتعليم والتجارة …إلخ.
نشأة وتعريف قانون العمل ونطاق تطبيقه

النشأة:
يعتبر قانون العمل من القوانين الحديثة النشأة حيث أنه لم تتبلور أحكامه ومبادئه في شكلها المتميز والمستقل إلا إبنداءً من بداية هذا القرن لتعرف بعد ذلك تطورا سريعا وتشكل بذلك مجموعة من القواعد القانونية والتنظيمية التي تحكم مختلف أوجه العلاقات الناتجة عن العمل التابع (العمل المأجور).

التعريف:

لقد عرف هذا القانون بعدة تعريفات وتسميات مختلفة مثل القانون الصناعي الذي كان يطبق على عمال قطاع الصناعي في المراحل الأولى للثورة الصناعية ثم القانون العمالي والقانون الاجتماعي اللذان حاءا فيما بعد.

هذا الاختلاف في التسميات أدى إلى ظهور اختلاف في النظرة إلى أهمية ودور مهمة هذا القانون لدى كلا من الفقهاء والرأسماليين والاشتراكيين.

وعل ضوء المعطيات السابقة باختلافها في التنسميات والتعـاريف فإنه يمكن تعريف قانون العمل كالتالي:

“هي مجموعة القواعد القانونية التنظيمية والاتفاقية التي تحكم وتنظم مختلف أوجه العلاقات القائمة بين كل من العمال والمؤسسات المستخدمة وما يترتب عنها من حقوق والتزامات قانونية للطرفين “.

وبهذا المفهوم فإن محتوى قانون العمل الحديث يتضمن ما يلي:

أ-من حيث محتوى النصوص: يتشكل من قواعد التشريعية والتنظيمية إلى جانب الأحكام التي يقررها العمال ومستخدميهم ضمن اتفاقية العمل الجماعية ونظم العمل الداخلية، باعتبارها أهم المصادر المهنية لقانون العمل من القواعد التي كثيرا ما يلجأ إليها القضاء عند البت في منازعات العمل.
ب- من حيث مجال التطبيق: فإنه يطبق على مختلف العمال أينما كانوا إلا ما استثني منها بنص صريح مثل قطاع الوظيف العمومي أو القضاء أو الدفاع نظرا لخصوصية هذه القطاعات.

ج- من حيث الجوانب التي ينظمها: فأنه يمتد إلى كل ما له علاقة بالعمل والعمال في حياتهم المهنية أو الاجتماعية العامة مثل تنظيم النشاط و الحماية و الضمان الاجتماعي و التقاعد و غيرها من الحالات التي قد تمر على العامل أثناء أو بعد حياته المهنية.

خصائص و مميزات قواعد قانون العـمل

لقد بلغ قانون العمل درجة متقدمة من الاستقلالية و التكامل، جعلت من أحكامه و قواعده بعدة خصائص و صفات أصبحت تشكل الهوية الخاصة التي تفرق بينه وبين القواعد القانونية الأخرى حيث يتفق الفقه الحديث على مجموعة من الخصائص تتمثل في ما يلي:

ا- الصيغة الآمرة: إن قانون العمل قد نشأ في ظل التعاقدات الفردية في البداية حيث كان مبدأ سلطان الإرادة هو القانون المطبق على مختلف العلاقات التعاقدية في شتى المجالات، و بهذا تعرضت مصالح العمال وحقوقهم للإجحاف و الانتهاك من جراء سيطرة و قوة مستخدميهم الذين كانوا يمارسون ذلك تحت حماية القانون المطبق آنذاك أي قانون السوق ولذلك جاء تدخل الدولة لوضع قواعد منظمة لعلاقات العمل متشددا نوعا ما في صياغة هذه القواعد و عدم السماح لأطراف هذه العلاقة بتجاوزها.

و تتجلى هذه الصيغة الآمرة في عدة نواحي:

1- أنها تهدف إلى حماية الطبقة العاملة بصفة خاصة.

2- ضمان التطبيق السليم لقواعد قانون العمل عن طريق فرض إجراءات جزائية متفاوتة في الشدة على كل مخالفة لهذه القوانين حيث لا يكاد يخلوا أي نص تشريعي أو تنظيمي من الأحكام الجزائية.

ب- ذاتية المصدر: إن الدور الذي لعبته الطبقة العاملة و ممثليهم في وضع قواعد وأحكام قانون العمل قد طبع هذا القانون بنزعة متميزة، تتمثل في اعتماد هذا القانون بشكل كبير على المطالب والظروف والضمنيات التي يتميز بها قطاع النشاط، إلى جانب المطالب الخاصة بالعمال و ذلك عند صياغة أحكام هذا القانون.

جـ – الواقعية وتنوع الأحكام: نظرا لتنوع مجالات العمل من حيث طبيعة المهن و النشاطات و اختلاف الحالات الفردية للعمال، فأن طابع الواقعية والتكيف مع هذه الاختلافات يفرض تنوع أحكام هذا القانون. الأمر الذي يفرض على الهيئات التشريعية الاكتفاء بالتشريع في المسائل العامة المشتركة بين مختلف القطاعات.

و ترك الجوانب التنظيمية و العملية والمسائل الخاصة بكل قطاع أو نشاط مهني إلى النصوص التنظيمية التي تصدرها الهيئات التنفيذية. نظرا لما تمتاز به هذه الهيئة من مرونة و سرعة في اتخاذ الإجراءات العملية أو إلى المؤسسات المستخدمة بالاشتراك مع ممثلي العمال لاتخاذ الإجراءات المناسبة لهما والمتمثلة على وجه الخصوص في الاتفاقيات أو الاتفاقات الجماعية.

د‌- التوجه نحو التدويل: نظرا لتقارب بين الدول وانتشار وسائل الاتصالات وتطورها إلى جانب ظهور المنظمات الدولية المتخصصة كالمنظمة الدولية للعمل ومنظمة العمل العربية، السوق الأوروبية المشتركة … الخ، ونظرا لما يصدر عنها من اتفاقيات دولية متعدد الأطراف أو ثنائية إلى جانب التعاون النقابي بين مختلف النقابات المختلفة كل هذا أو غيره كثير جعل المجتمع الدولي وكأنه دولة واحدة حيث يلاحظ تشابه كبير في قواعد قانون العمل في مختلف الدول على اختلاف اتجاهاتها السياسية والإيديولوجية والاقتصادية بما يكرس وجود قانون دولي للعمل وهذا أنتج الاتجاه نحو التدويل.

تطـور تشريع العـمل في الجـزائر

لقد مرت تشريعات العمل في الجزائر بعدة مراحل متمايزة تبعا لما أحاط بها من معـطيات وعـوامل سياسية واقتصادية في كل مرحلة.

وإلى حين إصدار المنظومات التشريعية العمالية المرتبطة بالإصلاحات ابتداعا من 1988 فإنه يمكن التمييز عبر مسار التطور بين المراحل الرئيسية التالية:

المـرحـلـة الأولى
القانون الأساسي العام للوظيف لعمومي: 1962/1971

هذه الفترة تغطي المرحلة التي أعقبت استرجاع السيادة الوطنية وما تخللها من إصدار نصوص سعت في مجملها إلى التخلص من مساوئ القانون الاستعماري الفرنسي. إلى غاية صدور ميثاق وقانون التنظيم الاشتراكي للمؤسسات سنة 1971 (بموجب الأمر 71/74).

في هذه المرحلة تميز الوضع بالتباين والاختلاف المحسوس بين الأنظمة المطبقة على عمال مؤسسات القطاع العام، حيث نجم عنه ترحال وظيفي وعدم استقرار مهني بالرغم ما بالقانون الأساسي العام للوظيف العمومي ( أمرية 66/133 بتاريخ 2جوان 1966) من مبادئ وأحكام تحد من مساوئ عالم الشغل (الترسيم، الترقية، الحماية الاجتماعية، التقاعد…..إلخ).

المرحلة الثانية

مرحلة التسيير الاشتراكي

هذا التطور فرض ضرورة الاهتمام بالعمال من حيث سن التشريعات والأنظمة التي تكفل لهم الرعاية والحماية اللازمتين، على اعتبار أنهم الوسيلة والغاية في عملية التنمية.

وهو ما تجلى عبر الطرح الذي أورده التنظيم الاشتراكي سنة 1971 بموجب الأمر 71/74 والذي بمقتضاه أصبح العامل منتجا ومسيرا. وهو الطرح الذي تجاوز نظام الأجرة والذي لا ينسجم مع النظام الاشتراكي كاختيار للبلاد أنذاك.

المرحلة الثالثة

القانون الأساسي العام للعامل 78/12 SGT

صدور القانون الأساسي العام للعامل 78/12 بتاريخ 5 أوت 1978 الذي يهدف إلى وضع أسس وقواعد هامة يقوم عليها عالم الشغل في محاولة لتوحيد المعالم الأساسية وأبعاد النظام القانوني الذي يحكم جميع العاملين بغض النظر عن القطاع الذين ينتمون إليه ( عام أو خاص )

مع سن قوانين أساسية نموذجية خاصة بكل قطاع، على أن تقوم كلها على الأسس الواردة بالقانون الأساسي العام للعمال 78/12 وتحدد بموجب مرسوم.

المرحلة الرابعـة
قانون علاقات العمل (ما بعد 1990)

لقد كان للإصلاحات الاقتصادية والتطورات السياسية المترتبة على دستور فيفري 1989 الأثر البالغ على إعادة تنظيم القطاع العام الاقتصادي وتكييف علاقات العمل بما يتجاوب والخصائص العامة التي أصبحت تسود القطاع العام الاقتصادي( الاستقلالية والمتاجرة ).

إلا أن معظم هذه القوانين أهملت كثيرا من المستخدمين خارج القطاع الاقتصادي أي “الوظيف العمومي”.
مصادر وأسس قانون العـمل

إن أهم مصادر و أسس القوانين المنظمة للعمل ببلدنا الجزائر مستخلصة من:
1- أهم أحكام الدستور الجزائري.
2- قائمة الاتفاقيات الدولية الموافق عليها من طرف الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والتي وقعتها بتواريخ مختلفة بعد الاستقلال.

– المصدر الأول –
* أحكام الدستور الجزائري المتعلقة بالعمل.

إن أهم الأحكام المتعلقة بالعمل في الدستور هي تلك الواردة في المواد من 54 إلى 59 من الدستور.

المرجع: المرسوم الرئاسي رقم 96-438 المؤرخ في 26 رجب عام 1417 هـ الموافق لـ 7 ديسمبر 1996، يتعلق بإصدار نص الدستور المصادق عليه في استفتاء 28 نوفمبر سنة 1996 “الجريدة الرسمية الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية “ج ر” رقم 76 لسنة 1996″

المادة 54: الرعاية الصحية حق للمواطنين.
المادة 55: لكل المواطنين الحق في العمل.

يضمن القانون في أثناء العمل الحق في الحماية والأمن والنظافة. الحق في الراحة مضمون، ويحدد القانون كيفيات ممارسته.

المادة 56: الحق النقابي معترف يه لجميع المواطنين.
المادة 57: الحق في الإضراب معترف به ويمارس في إطار القانون.

يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق، أو يجعل حدودا ممارسته في ميادين الدفاع الوطني، أو في جميع الخدمات أو الأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع.

المادة 59: تحظى الأسرة بحماية الدولة والمجتمع.
المادة 59: ظروف معيشة المواطنين اللذين لم يبلغ سن العمل، واللذين لا يستطيعون القيام به واللذين عجزوا عنه نهائيا مضمونة.

– المصدر الثـاني –
الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل الموافق عليها
من طرف الجمهورية الجزائرية

منقول