بحث مستقبل نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق للسيد الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة أمن الدولة
1 – تمهيد:
تحدثت في مقال سابق عن نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق، والحقيقة أن استقرار هذه النظرية في الحياة القانونية منذ أمد بعيد مظهر من مظاهر ما أوجده علم الأخلاق من أثر في القواعد القانونية، فالأخلاق تنتهي عن كل عسف وظلم عند استعمال الحق استعمالاً يلحق الضرر بالغير، فبعد أن كان هذا النهي بوحي من الأخلاق الكريمة لأجزاء على مخالفته، أصبح قاعدة قانونية يرتب المشرع عليها آثارًا في محيطه القانوني، ومن ثم فقد تبلورت القاعدة الأخلاقية في صورة قاعدة قانونية ملزمة.

ولا شك أن هذه النظرية قد ارتكزت أول ما ارتكزت عليه بفضل قاعدة رومانية شهرية تؤكد أن التمسك بحرفية الحق والذهاب في استعماله إلى نهاية حدوده يؤدي إلى ظلم فاحش وينطوي على خطأ بين summum jus summa injuria.

2 – فصل القضاء الفرنسي في استقرار النظرية:
وأنه رغم خلو القانون المدني الفرنسي من نص فإنه كان للقضاء الفرنسي الفضل الأول في إنشاء هذه النظرية فلاقت رواجًا في الأدب القانوني litterature juridique نادي القضاء الفرنسي بوجوب تطبيق هذه النظرية احترامًا لقواعد الأخلاق التي ورثها عن القانون الكنسي وتأسيسًا على فكرة الوظيفة الاجتماعية للحق fonction sociale .

مر القضاء الفرنسي في هذا الصدد بثلاثة مراحل تميل في التوسع إلى تطبيق هذه النظرية، ففي المرحلة الأولى اعتبر مجرد استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير intention de nuire كافيًا لانعقاد مسؤولية صاحب الحق مسؤولية مدنية مبنية على فكرة الخطأ الوارد في المادة (1382) من القانون المدني الفرنسي، ولكنه كان من نتيجة صعوبة إثبات هذا القصد أن افترضه عند استعمال الحق بدون فائدة sans utilité تعود على صاحبه

وانتهى في هذه المرحلة الثانية إلى أن مجرد استعمال الحق بغير فائدة كافٍ لتوافر هذا الخطأ حتى ولو لم يوجد قصد الإضرار بالغير، وأخيرًا استقر هذا القضاء وركن إلى معيار موضوعي بحت فاعتبر أن استعمال الحق استعمالاً غير عادي anormal موجب لمسؤولية صاحبة عن تعويض الضرر الناشئ عن هذا الاستعمال كما قد يتعرض لجزاء عيني بإيقاف هذا الاستعمال أو محو آثاره إذا استدعت ذلك مصلحة الغير.

3 – الجزاء في القانون الروماني:
لقد توسع الحاكم القضائي le préteur في جريمة الاعتداء على الغير injuria فجعلها تشمل حالات الخطأ تحت ستار الحقوق ومن ثم فقد أصبح الجزاء الناشئ عن هذه النظرية جزاءً جنائيًا فمن يخطئ عند استعمال حقه أي يتعسف في استعماله على حد تعبير بعض الشراح فقد ارتكب جريمة الاعتداء على الغير وهي جريمة جنائية خاصة تحميها دعوى تقديرية أي يقدر القاضي العقوبة فيها وهي جريمة خاصة يحصل المجني عليه فيها على مبلغ الغرامة التي يحكم بها القاضي وهي جريمة تلحق الوصمة والعار بصاحب الحق
delit, pénal, privé. Protegé par une action estimatoire infamante.

4 – مخاطر النظرية:
ولا شك فإن تطبيق هذه النظرية يؤدي إلى رقابة تحكيمية يمليها القاضي على الأفراد عند تقديره لكيفية استعمالهم للحقوق المخولة لهم قانونًا، يتحكم القاضي في الدوافع الشرعية عند استعمال الحق، يبحث القاضي في تلطيف نصوص القانون فينشئ حدودًا للحقوق غير التي رسمها المشرع الأمر الذي قد يؤدي بالمواطنين إلي عدم الثقة فيما يمنحهم القانون من حقوق وفيما يوجده المشرع من مزايا لاستعمال هذه الحقوق، فيتجرد القانون من كل قيمة فعلية طالما أنه في وسع القاضي أن يقرر بوجود خطأ عند إتيانهم لأعمال استعمالاً لحقوقهم مستندين فيها إلى كلام أورده المشرع بين ثنايا مواده، ومن ثم فقد انعدم الاستقرار الاجتماعي لدى الأفراد فشلت يدهم في التمتع بحقوق كفلها القانون.

5 – مستقبل النظرية:
ولكنه رغم كل هذه المخاطر التي يستهدف لها صاحب الحق فقد استقرت هذه النظرية في محيطنا القانوني ولم تصبح لهذه المخاطر اعتبار في هذا الشأن منذ أن أصبح الحق وظيفة اجتماعية وبسبب الضرورات الاجتماعية لحقوق الآخرين.
فلم تعد الحقوق مزايا مطلقة بقدر ما أصبحت وظائف يعترف بها القانون للفرد في حدود مصالح المجموع.
إن القاضي هو أقدر الناس في معرفة الحقيقة والوصول إليها بل أنه أقدر من المشرع في هذا السبيل إن القاضي هو الذي يلائم بين الحقوق ومدى استعمالها بوحي من القواعد الأخلاقية لأفراد هذه الجماعة، إذا كان له ذلك فقد اندرجت القاعدة الأخلاقية في نطاق القواعد القانونية فتمتعت بوافر الحجية وفائق الإجلال.

6 – خاتمة:
وعلى كل حال وبعد تلاوة نص المادة الخامسة من القانون المدني المصري والذي يشمل معيارًا واسع المدى فالأمل في نجاح هذه النظرية معقود على تطبيقها بمعرفة قضائنا المصري.
والله ولي التوفيق.

المراجع
القانون المصري
1 – المسؤولية المدنية: للأستاذ مصطفى مرعي.
2 – الملكية والحقوق العينية: للدكتور كامل مرسي.
3 – مدى استعمال الحقوق الزوجية: للدكتور السعيد مصطفى السعيد.
4 – الموجز في الالتزامات: للدكتور السنهوري.
5 – نظرية سوء استعمال الحقوق: للأستاذ حسين عامر.
6 – شرح نظرية الالتزامات: للدكتور حشمت أبو ستيت.
7 – المدخل لدراسة القانون: للدكتور محمد علي عرفة.
8 – مقدمة القانون: للدكتور السنهوري والدكتور حشمت.
9 – التدليس في القانون: للدكتور عبد السلام ذهني.
10 – القانون الروماني: للدكتور محمد عبد المنعم بدر.
11 – القانون الروماني: للدكتور علي بدوي.
12 – أحكام المعاملات الشرعية: للشيخ علي الخفيف.
13 – مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان: للأستاذ محمد قدري.
14 – مجلات المحاماة والتشريع والقضاء ومجلات كلية الحقوق والقانون والاقتصاد.
15 – مجموعة القواعد القانونية.
16 – المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الجديد.
القانون الفرنسي
1 – بلانيول وريبير.
2 – كولان وكابيتان.
3 – والتون.
4 – جوسران.
5 – هنري وليون مازو.
6 – دي هنت.
7 – ديمولومب.
8 – اسمان.
9 – سالي.
10 – القاعدة الأخلاقية في الالتزامات المدنية لريبير.
11 – نظرية سوء استعمال الحقوق لماركوفتش.
12 – مقال لأنطوان مازاس مدير مدرسة الحقوق الفرنسية ببيروت سنة 1945.
13 – مشروع قانون الالتزامات الفرنسي الإيطالي والتقرير الخاص.