هل يثق الدستور بالسلطة التشريعية
القاضي سالم روضان الموسوي
إن اغلب الدساتير في العالم قد أكدت على مبدأ الرقابة الدستورية على القانونين ويقصد بهذه الرقابة وجود جهة قضائية أو سياسية، تتولى فحص القوانين التي تصدرها الجهات التشريعية بناء على طعن من الاطراف التي لها حق الطعن في عدم دستورية القوانين وفي العراق تتعدد الجهات التي لها هذا الحق وتشمل مؤسسات الدولة وكذلك المواطن العادي وعلى وفق الشروط التي وفرها القانون والدستور لذلك الطاعن، وهذا المبدأ المتمثل بالرقابة على دستورية القوانين

مرده إلى عدم الإفراط في الثقة تجاه سلطات الدولة عند عملها لان من يقوم على شؤونها هم من أبناء الشعب ولهم أهواء وأمزجة تتوحد أحيانا على شكل كتل وتيارات وأحزاب سياسية تشارك في تمثيل الشعب في مجلس النواب، ولهذه التجمعات السياسية برامج وأهداف تمثل مصالحها ومصالح القائمين عليها، وعلى وجه الخصوص في ظل تنامي التيارات الشعبوية، ومن الممكن أن تشرع قوانين تخالف فيها المبادئ الدستورية التي تعتبر الأساس الذي يجب أن تصدر بموجبه كل القانونين وان تعدل جميع القانونين الصادر على وفق ما وردت فيه من مبادئ لانه الأساس الذي تبنى عليه الدولة، لذلك لابد من وجود جهة تتولى فحص هذه التشريعات وبيان مدى مطابقتها عند وجود شك بعدم دستوريتها، وهو ما يسمى بالرقابة لدستورية على القانونين التي تتولاها المحكمة الاتحادية العليا في العراق ،

لذلك يرى البعض إن وجود هذا المبدأ الدستوري جاء من جراء عدم الثقة بالعمل السياسي في إتباع المبادئ الدستورية، ومن الممكن ان تغلب الاهواء على تلك المبادئ فتصدر القانونين على خلاف ما اقره الدستور وأثبتت لنا التجارب العالمية ، وكذلك تجربة القضاء الدستوري في العراق، أن الثقة في العمل التشريعي لا يمكن الاعتماد عليه حيث صدرت عدة تشريعات قد خالفت النصوص الدستورية النافذة ، وتم الحكم بعدم دستوريتها من المحمة الاتحادية العليا بعد الطعن فيها سواء من الافراد أو من المؤسسات، واخلص إلى القول بان الدستور لم يكن يثق بالجهات التشريعية في الأساس وانما وضع في نصوصه ما يعزز الشك والحذر من ميل السياسة وأهوائها وجنوح من يمارسها والابتعاد عن قيم الدستور، ما دعاه إلى وضع القيود الدستورية وبأشكال متعددة منها وضع الذي يتولى قيادة شؤون البلاد تحت القسم وجعل له عقوبة إن حنث به، كما وضع ضوابط لعملية التشريع واليات إدارة الدولة ووضع قيود تحد من السلطة المطلقه ، لذلك فان العمل التشريعي قائم على أساس الشك به والحذر منه ، الن الثقة المطلقة هي قرينة الاستبداد كما يقول احد رؤساء أمريكا توماس جيفرسون، ويقول أيضا بان )الثقة المطلقة بنواب الأمة ً،

وقد أثبتت ً خطيرا تكون وهما الثقة في كل مكان إنها قرينة الاستبداد( لذلك فان الاعتراضات التي يقدمها البعض على الأداء الحكومي أو على عمل المؤسسات التشريعية أو القضائية أو غيرها ليس القصد منه التجريح، وإمنا التحذير من الميل والجنوح نحوالمخالفه الدستورية، لان من يقوم بالعمل في النهاية هو إنسان ويستطرد توماس جيفرسون فيقول (يجب الاتبنى الحكومات الديمقراطية على تلك الثقة، وانما على أساس الشك والحذر، ولنتجنب في مسائل الحكم والسياسة كل حديث عن الثقة من ذلك بالانسان، ولنعمل بدال على تقييده بالدستور)، وهذا يعني في مضمونه بان نبتعد عن تقديس الأشخاص او القادة السياسيين، وانما البد من وضع توجيهاتهم مع مسطرة الدستور فان طابقتها نأخذ بها وان خالفتها نتركها ونتخلى عنها، ويذكر بان الرئيس الأمريكي جيفرسون هو أحد الآباء المؤسسين للوليات المتحدة، والكاتب الرئيسي إعلان الاستقلال(1776) وثالث رئيس للولايات المتحدة للفترة(1801_1809)وكان متحدثاً باسم الديمقراطية نادى مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان وكان له تأثير عاملي ، وما أشار إليه كان الأساس في نهوض الأمة الأمريكية وتطور الديمقراطية والرتقاء بالإنسان والحفاظ على القيم المثالية للمجتمعات المتحضرة، لذلك اتمنى ان يكون العمل على وفق الدستور لغرض ضمان الحريات والحقوق والرتقاء بالبلد نحو افاق التقدم لان مهمة الدستور الأساسية هي تقييد سلطة الحاكم وضمان حريات الافراد

إعادة نشر بواسطة محاماة نت