مقال للقاضي مقدم محرز عطياني عن الخطورة الأجرامية و أثرها على العقوبة

ماهي الخطورة الأجرامية :

هي حالة العدوان الكامنة في نفس المجرم , والتي يجسدها بافعاله المجرمة قانونا ,بطريقة غير عادية وخارجة عن المألوف .
من خلال هذا التعريف نستنتج منه وجود ركنان اساسيان لقيام الخطورة الاجرامية . الركن الاول : هو حالة العدوان الكامنة في نفس المجرم , بمعنى وجود نية اجرامية وعزم واصرار وقناعة مترسخة لدى المجرم على ارتكاب الفعل الاجرامي دون ان يكون هناك مؤثر خارجي يدفعه الى القيام بافعاله , سوى النزوة الاجرامية الذاتية الآثمة . فالشخص الذي يرتكب جريمة السطو من اجل المال بدافع ذاتي آثم , ليس كالمجرم الذي يرتكب جريمة استيفاء الحق بالذات وهو واقع تحت تأثير خارجي اصلة العدوان الاساسي الواقع من الغير عليه , حيث ان حالة العدوان لم تكن كامنة اصلا في نفسه لولا وجود هذا الاعتداء .
الركن الثاني : هو تجسيد المجرم لهذه العدوانية الكامنة في نفسة على ارض الواقع وبافعال مجرمة قانونا , غير عابه او مرتاب من القانون او من احد ولا يدخل في حساباته نتائج افعاله , وكل ما يهمه تحقيق اهدافه الآثمة بغض النظر عن النتائج والاضرار التي تلحق بمصالح الغير وما مدى جسامتها . المهم في الأمر انه يخطط وينفذ نواياه بأسلوب وبطريقة شنيعة ليست عادية وغير مالوفة , كمن يقتل امرأة ويمثل في جثتها بعد ان ينتهي من تحقيق نزواته وغرائزه . او كمن يقدم على سم اطفال انتقاما وثأرا من الغير.

ما مدى تأثير الخطورة الأجرامية على العقوبة :

المشرع في سياستة العقابية اكتفى بالموازنة بين الجريمة والعقوبة , ولم يتطلع الى الموازنة بين العقوبة والمجرم , الا في عدد قليل من الجرائم . انما ترك هذه المسألة للسلطة التقديرية للقاضي , وخوله بالكشف عن خطورة المجرم من خلال ظروف وملابسات كل جريمة على حدى . ولكنه حصر هذه السلطة التقديرية في مدة العقوبة الواردة في النصوص القانونية , ولم يتركها على الاطلاق . من الاجدر بالمشرع ان ينص صراحة في مواد قانونية منفصلة ومستقلة تمنح القاضي سلطة واسعة في تغليظ العقوبة اذا ما وجد ان المجرم خطير وان لم تكن اسباب التشديد غير متوفرة , ولكنه وجد خطورة اجرامية كبيرة كامنة في نفس المجرم , فالشخص المحرض لطرف على آخر ليس كالشخص المحرض للطرفين على بعض , على الرغم من ان المجرمان ارتكبا نفس الفعل الاجرامي , وتوافرت لهما نفس النوايا , لكن الفرق بسيط في نظر القانون الا انه مهم بالنسبة لمن ينظر ويتمعن في الخطورة الاجرامية للثاني .ولما كانت الخطورة الاجرامية تقتضي ان يكون الفعل الاجرامي المرتكب خارج عن المألوف وغير عادي فأنه لابد وان تكون هناك نصوص قانونية غير عادية واستثنائية تتلائم معه . لأنه الهدف الاساسي من العقوبة هو ردع الجاني , فالجاني الغير عادي المرتكب لفعل غير عادي ,عدالة يجب ان يعاقب عقاب غير عادي .ولا يستوي ان يعاقب عقاب الشخص العادي. اذ من الضروري ان يعلم ويدرك كل من تسول له نفسه ان يرتكب افعال اجرامية غير مألوفة ان المجتمع سينظر اليه بطريقة مغايرة وغير مألوفة الامر الذي قد يحد ولو على الاقل من بشاعة الجريمة التي تهدد استقرار الاشخاص وطمأنينيتهم . لأن مبدأ فلسفة العقوبة يقوم على الحد من الجريمة اولا, ومن ثم معاقبة الجاني ثانيا