دراسة عن التعريف بعلم اللغة الجنائي

من أهم الدراسات التكاملية التي ظهرت في الآونة الأخيرة وشهدت تطوراً سريعاً،ما يعرف بعلم اللغة الجنائي(Forensic Linguistics) الذي يشمل مجالات متعددة أهمها إثبات هوية المتحدث(Speaker Identification) من خلال البصمة الصوتية،وإثبات هوية المؤلف في حالة النصوص المكتوبة(Author Identification)، وتحليل الحوار (Discourse Analysis)،وعلم اللهجات Dialectology ،وتحليل الأصول اللغوية Linguistic Language Comprehensibility ،وإصلاح اللغة القانونية Legal language Reform، برينان (Brennan 2001).

وقد استخدمت نظريات وتطبيقات علم اللغة الجنائي بصورة مباشرة في الكشف عن بعض الجرائم التي شغلت الرأي العام العالمي،ومن أشهر الجرائم التي استخدم فيها علم اللغة الجنائي بصورة أساسية لكشف هوية الجاني،ما عرف في التاريخ الحديث بجريمة مغتصب يوركشير( Yorkshire Ripper) التي وقعت أحداثها في مدينة يوركشير البريطانية في ثمانينات القرن الماضي كما استخدمت مبادى هذا العلم في التحقيق في جريمة قتل جون بن راسمي(john Bein Rasmey) وما عرف بقضية سمبسن(simpson Case) وتفجيرات أوكلاهوما الشهير في الولايات المتحدة.(نولان) Nolan.

مجالات علم اللغة الجنائي

1- إثبات هوية المتحدث

إثبات هوية المتحدث هو أكثر مجالات هذا العلم شهرة وأكثرها استخداماً في النزاعات الجنائية والمدنية،فهذا المجال يستخدم نظريات وتطبيقات علم الأصوات الجنائي للتعرف على هوية الشخص من خلال صوته(روز)(Rose.2002) بعبارة أخرى،فان هذا هو المجال الذي تستخدم فيه المعارف التفصيلية بعلم الأصوات لإثبات تورط المتهم أو نفيه في قضية ما وذلك من خلال تحليل البيانات الصوتية المقترنة بالحدث الجنائي.

والمعلوم أن كثيراً من الدوائر الأمنية والعدلية على نطاق العالم والمسئولة عن مكافحة الجريمة وتتبع المجرمين،تقوم بالكثير من أعمال التنصت من خلال الأجهزة الالكترونية المتطورة على تحركات بعض المتهمين أو المشبوهين أو المتورطين فعلاً في أعمال إرهابية إجرامية أو مخالفات قانونية،وقد يتم ذلك من خلال التنصت على الهواتف،وزرع الأجهزة الحساسة الخفية في محيط الهدف أو المشتبه به أو المجرم للحصول على بينات صوتية تثبت جنائية المشتبه أو براءته.

ولما كانت هذه التسجيلات تستخدم عادة كأدلة إثبات في التحريات والإجراءات القضاية،فان ذلك يستوجب تحديد هوية المتحدث بدقة شديدة( كوينق)(Koenig.1993).

و عموما ًفإن التعرف على هوية المتحدث يمكن أن يتم بطريقتين أساسيتين هما:

1- طريقة التعرف على هوية المتحدث من خلال السمع العادي(Auditory Identification) عن طريق ما يعرف بطابور الشخصية الصوتي(Voice line- up).

2- طريقة التعرف على هوية المتحدث باستخدام التقنيات الحديثة ووسائل التحليل الصوتي التقني(Technical Speaker Identificaion)،وتشمل هذه الطريقة ما يعرف بالبصمة الصوتية(Voiceprint)..

2- تحليل الخطاب :

إن هذا الأجراء يقوم على تحليل النص المكتوب أو الشفهي وذلك بقصد الإجابة عن أسئلة مثل : من هو الشخص الذي ابتدر الحوار؟ وهل كان المتهم موافقاً على المشاركة في ارتكاب جريمة ما؟ أم هل كان مرغماً على القيام بعمل إجرامي ما؟(تيرسما)- Tiersma.2003.

وقد يشمل تحليل الخطاب تحليل وقائع ما يجري داخل المحاكم وغرف التحقيق،وهنا يقوم عالم اللغة الجنائي بالنظر في بعض ملامح استخدامات اللغة وتراكيبها وما يترتب على ذلك من مقاصد ومعان محددة فقد لوحظ- مثلاً- في جرائم مثل جرائم الاغتصاب والجرائم المتعلقة بالشرف،أن المتهم غالباً ما يجنح الى استخدام تراكيب مثل صيغة المبني للمجهول ليدفع عن نفسه التهمة الموجهة إليه ورغم أن ذلك قد يكون صحيحاً في كل الجرائم،إلا أن استخدام المبني للمجهول يتجلى بصورة أوضح في جرائم الشرف والتحرش الجنسي.

وهذا الامر يتطلب إلمام الباحث بمبادئ علم اللغة الاجتماعي وعلم المعاني والتراكيب والنحو(كوتس و آخرون)(coates.et .al.1944).

ويقول-تيرسما- Tiersma.2003- أن تحليل الخطاب يمكن أن يوفر معلومات مفيدة للإجراءات القانونية خصوصاً في حالة تحليل المعلومات المسجلة التي يقوم بتسجيلها رجال المباحث والشرطة السرية فعلى سبيل المثال: فان استخدام المتهم لضمير المتكلم(أنا) بدلاً عن ضمير المتكلمين (نحن)،ربما يدل على عدم موافقة المتهم على الاشتراك في مؤامرة جماعية وقد أشارت بعض التحليلات الى أن استخدام كملة مثل(آهـ) أو (نعم) أو (أيوه) قد لا تدل بالضرورة على موافقة المتهم على ارتكاب الجرم موضوع المحادثة فقد تستخدم هذه العبارات من قبل المستمع كتغذية راجعة للمتحدث يعني بها(فهمت ما تقول) كما يحدث عادة في المحادثات الروتنية اليومية كأن يقول لك شخص ( أنا ذهبت الى جدة أمس) فتقول (نعم) تقصد: (نعم ) فهمت ما تقول ،أو (نعم) ثم ماذا بعد؟ وقد تأتي مثل هذه العبارات كإشارة للمتحدث للاستمرار في حديثه،ولكن ليس بالضرورة علامة موافقة المشاركة في مشروع جريمة ما!

وقد اهتم الباحثون أيضاً بتحليل نوع الأسئلة التي تقدم للمتهمين من قبل المتحري أو أثناء المحاكمة فهناك أسئلة تفرض إجابات معينة نفياً أو إيجاباً كما هو الحال في اللغة الإنجليزية،حيث يوجد ما يعرف بـ(Tag Question) فمثل هذه الأسئلة التي تملى إجابات محددة ينظر إليها علم اللغة الجنائي على أنها أسئلة غير مناسبة في التحري الجنائي،لأن المتهم قد يضطر إلى الإجابة عنها بغير ما يود قوله: الأمر الذي قد يثبت عليه جرماً لم يرتكبه(برينان)-Brennan.2001- ومما تجدر الإشارة إليه أن مثل هذه التراكيب اللغوية لا توجد في اللغة العربية بنفس مضمونها في اللغة الإنجليزية.