العلاقة بين السلطات في النظام السياسي المغربي

طبيعة العلاقة التي تربط المؤسسة الملكية بالبرلمان. وهي علاقة إذا لم نحرق المراحل بالبحث والتحري لا تبتعد كثيرا عن المعادلة التي تربط بين المؤسسة الملكية والحكومة كما تبيناه سابقا. ولعل ما يؤكد فرضيتنا هذه هي الصلاحيات الدستورية الواسعة التي تجعل الملك المشرع الوحيد في مجال السلطة التشريعية وذلك في حالة غياب البرلمان، بالإضافة إلى أحقية الملك في طلب قراءة جديدة للقانون و إصدار الأمر بتنفيذ القانون واللجوء إلى الاستفتاء التشريعي، وافتتاح الدورات التشريعية و إنهاء حياة البرلمان قبل نهاية ولايته التشريعية والحلول محله في ذلك.فما هي النصوص الدستورية التي تخول للملك هذه السلطات؟ و ما هو جدوى البرلمان في إطار هذه المعادلة؟

تعتبر عملية إصدار القانون إجراء قانوني يأتي في آخر مراحل مسطرة التشريع وهو الإجراء الذي بدونه لا يمكن للقانون أن يخرج إلى حيز الوجود، و” تخلف الإصدار يجعل القانون ،قانونا غير دستوري من الناحية الشكلية وبالتالي يكون في حكم العدم، والعدم لا ينتج أثرا قانونيا تجاه الكافة”، ويعتبر الإصدار عملية لتدخل السلطة التنفيذية “الملك” في العملية التشريعية، فالطابع الملكي عل القانون يعتبر عنصرا أساسيا وبه ينتهي المسار التشريعي منذ أن كانت القاعدة القانونية مجرد فكرة تجسدت في شكل اقتراح.
ولما كانت الدساتير السابقة عن دستور 1992 تنص في الفصل 26 على أن “الملك يصدر الأمر بتنفيذ القانون” دون تحديد المدة التي ينبغي من خلالها إصدار الأمر بتنفيذ القانون. وعدم تحديد المدة كان يسمح للملك أن يتحكم في العملية التشريعية حيث لا يسمح بإخراج القانون إلى الوجود إلا حسب المدة التي يقدرها تلقاء نفسه إلى درجة قد يمتنع منعا كليا على إخراج القانون إلى حيز التنفيذ، وهو ما يؤكد على مدى التدخل المطلق الذي كان للملك في العملية التشريعية. بيد أن دستور 1992 سوف يؤدي إلى نقلة نوعية إلى حد ما في هذا الباب، عندما حدد المهلة التي يتوجب على الملك أن يصدر خلالها القانون. حيث يفيد الفصل 26 منه “يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته على الحكومة بعد تمام الموافقة عليه”، ونستشف من منطوق الفصل أن أجل الإصدار أصبح محددا في 30 يوما، وهي مدة طويلة بالمقارنة مع الدستور الفرنسي الذي حددها في مدة 15 يوما. وتعتبر مدة 30 يوما مدة تعطي للمك هامشا ليس بالصغير من الحرية في إصدار القانون من عدمه وهذا ما يؤكد المكانة التي يحتلها الملك في مواجهة البرلمان.
ورغم مستجدات دستور 1992 و1996 يطرح أستاد القانون الدستوري مصطفى قلوش “إشكالية تتعلق بالجزاء المترتب عن عدم إصدار القانون في الأجل الذي حدده الدستور؟” ، فغياب الجزاء يمكن مرة أحرى أن يعطي للملك الحرية المطلقة في إصدار القانون من عدمه. بخلاف الدستور الفرنسي الذي نص صراحة على الإجراء المتبع في حالة عدم إصار القانون في المدة الزمنية المحددة سالفا، حيث تنص المادة 59 من دستور 1958 على أنه في حالة عدم إصار رئيس الجمهورية للقانون في المدة المحددة يصدره رئيس الجمعية الوطنية” ولا حق للرئيس الجمهورية آن ذاك أن يعترض على هذا الإجراء.
ويجيبنا الدكتور مصطفى قلوش ” في حالة عدم صدور القانون في المدة المحددة دون أن يكون هناك ما يبرر الـتأخير، فإن الحكومة تكون هي المتحملة للمسؤولية أمام البرلمان وخاصة أن الدستور ينص في الفصل 61 على مايلي: تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول كما أن الفصل 26 يقرر ضمنيا بأن الإحالة تكون من البرلمان إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه. استنادا إلى ما ورد في الفصلين السابقين يمكن للبرلمان أن يستفسر الوزير الأول عن سبب عد صدور القانون وظهوره إلى حيز الوجود”. وإلا لن يكون هناك معنا للإضافة التي جاء بها دستور 1996 فالجزاء هنا يجب أن يكون حائلا والبرلمان الذي افتراضا هو صاحب السلطة التشريعية عليه أن يتدخل بالاستقصاء والسؤال عن مآل القوانين التي قدمها للحكومة من أجل النظر فيها، والتي بدورها ملزمة بمناقشتها بالمجلس الوزاري.
وإذا كانت عملية الإصدار تبرز بشكل لا يدع مجال للشك قوة حظور الملك في عملية التشريع، فحق طلب القراءة الجديدة الذي يخوله الفصل 67 للمك، والذي يعتبر بمثابة سلطة تمكن رئيس الدولة من إيقاف القانون الذي وافق عليه البرلمان. وهو حق يستعمل بعد موافقة البرلمان على القانون ثم يحال بعد ذلك على رئيس الدولة من أجل إصداره.
ووقت استعمال هذا الحق الذي يطلق عليه “حق الاعتراض أو طلب القراءة الثانية أو طلب القراءة الجديدة فإن الأثر المترتب عنه هو إيقاف القانون الذي وافق عليه البرلمان، الأمر الذي يجعل من ممارسة حق الاعتراض عقبة تحول دون ميلاد القانون”.
وحسب الفصل 67 من الدستور المغربي لسنة 1996 يتولى الملك الحق المطلق في استعمال صلاحية طلب قراءة جديدة للقانون وذلك بعد مصادقة البرلمان على مشروع أو اقتراح قانون قد يتبين للملك أن القانون الذي بين يديه تشوبه شائبة، فيتدخل ليطلب من البرلمان إعادة النظر في القانون الذي صوت عليه، وليس من حق البرلمان أن يرفض طلبه.
وقد يكون حق الاعتراض هذا حقا مطلقا وقد يكون نسبيالإ ففي الحالة الأولى يترتب عنها قبر المشروع إقبرا لا رجعة فيه، ولو بإعادة النظر في القانون من طرف البرلمان وتمت الموافقة عليه بالإجماع، أما الاعتراض الثاني النسبي يمكن للبرلمات التغلب عليه عن طريق الموافقة عليه وفق الشروط التي حددها القانون. والفرق بين الاعتراضين هو أن الاعتراض المطلق يعتبرا “حقا تشريعيا يمارسه رئيس الدولة باعنباره عضورا في السلطة التشريعية، بينما الثاني يعتبر حقا تنفيذيا يمارسه رئيس الدولة وينصب على تنفيذ القانون ريثما تعاد دراسته مرة أحرى على ضوء إعتراضات وملاحظات رئيس الدولة”.
ونافلة القول أن حق الاعتراض على القانون هو عمل يؤكد أحقية الملك في المشاركة في العملية التشريعية إلى جانب البرلمان، إذ إرجاع النص إلى البرلمان واشتراط أغلبية معينة من الأصوات تشكل معارضة حقيقية لتعبير النزاب التي تلزم القانون المعترض عليه، الأمر الذي سيشعرهم من جديد بمسؤولياتهم أمام رئيس الدولة ويجعلهم مضطرين إلى إعادة النظر من جديد في القانون محل الاعتراض.
وهذا ما يؤكد فرضيتنا مرة أخرى التي تفيد بتبعية البرلمان من خلال وظيفته الرئيسية المتمثلة في التشريع إلى متولي سدة الحكم بالبلاد.
ومن الحقوق الأخرى التي تترك للمك حيزا ليس بالصغير من أجل المشاركة في العملية التشريعية، إما بشكل مباشر كعرض القانون على الاستفتاء، أو غير مباشر عن طريق افتتاح الدورات التشريعية ومخاطبة البرلمان.
فحق ممارسة الاستفتاء الذي يخوله الدستور المغربي للملك الذي لا يحق لأي جهاز آخر ممارسته، والذي يبقي للملك السلطة التقديرية في هذا المجال باعتبار أن تقييم نطاق ومجال ممارسة هذا الحق في الأول والأخير يعود إليه، وهو حق يمنح للملك سلطة تجاوز البرلمان وعرض مشروع أو اقتراح قانون على الاستفتاء “ويعد هذا الاختصاص ذي فعالية كبرى في ردع البرلمان عن إقرار تضريعات لا تساير الاختيارات الملكية أو رفض تشريعات مبلورة لسياسة ملكية، ذلك أن موافقة الشعب على مشروع قانون رفضه البرلمان ينجم عنها حل مجلس النواب بصفة أوتومتايكية”.
وعملية الاستفتاء هي وسيلة قانونية يلجا إليها رئيس الدولة لاستفتاء شعبه عن أمور هامة في حياة الدولةن فهو وسيلة ربط مباشرة تمكنه من اللجوء إلى التحكيم الشعبي، الذي يبقى ملزما للجميع.
وقد نص الفصل 69 من الدستور امغربي أن “للمك أن يستفتي شعبه بمقتضى ظهير شريف في شأن كل مشروع أو اقتراح قانون، بعد أن يكون المشروع أو الاقتراح قد قرأ قراءة جديدةن اللهم إلا إذا كان نص المشروع قد أقر أو رفض في كلا المجلسين بعد قراءته قراءة جديدة بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم”. ويعتبر حق الاستفتاء حق ملكي محض يلجا إليه في الوقت الذي يشاء سواء كان أثناء الدورات البرلمانية أو خارجها، ولا يتقيد الملك في هذا الباب بأي مساطر من شأنها أن تسمح بالتثبت من السلامة القانونية للعملية.

كما يزمع الدستور المغربي على منح الملك حق توجيه خطاب إلى البرلمان مع افتتاح كل دورة تشريعية، حيث نص الفصل 28 على أن ” للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان ويتلي خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش”. وهو حق يمارسه الملك في أي وقت في أي وقت يرى فيه أن الدواعي تستوجب إخبار الأمة والبرلمان بحقائق الأمور، أوما يجب على البرلمان اتخاذه من تشريعات في مجال من المجالات.
وتبقى القيمة التي يملكها خطاب رئيس الدولة في مثل هذه الحالات قيمة مؤثرة يجب أن يؤخذ بها في المجال التشريعي نظرا لأهميتها ويتم تحويلها إلى نصوص قانونية من طرف البرلمان.
فالخطاب الملكي الموجه إلى ممثلي الأمة يكون في الغالب الأعم بمثابة البرنامج التشريعي التي سينهجه المجلسين خلال الدورة التشريعية. فما يتضمنه الخطاب الملكي يتوجب على البرلمان أن يجسدها في شكل قوانين استنادا إلى الفصل 28. وهذا الفهم يؤدي بنا مباشرة إلى القول بأن البرلمان في هذه الحالة يعتبر ناقدا لأهم وظيفة يمارسها وهي التصويت على القوانين إما بالقبول أو الرفض. وهذا الفهم هو الذي ذهب في إتجاهه مجموعة من الباحثين، الذين يعتبرون الخطاب الملكي هو دعوة للمجلس ليتخذ قرارا ونصا تشريعيا دون أي نقاش ودون أي تصويت.
وبعد تفحصنا للخطب الملكية الموجهة للبرلمان لا حظنا أن معظمها انطوت على توجيهات في الميدان التشريعي أو أمو تهم المجال الاجتماعي والاقتصادي، وارتكزت خصوصا على الأولويات والقطاعات التي ترى من الواجب الاهتمام بها والالتفاف إليها.
وتأسيسا على ما سبق يعتبر “الخطاب الموجه للبرلمان من أهم الآليات التي يملكها رئيس الدولة والتي بموجبها يساهم في توجيه العمل التشريعي، وتكمن هذه الأهمية فيما يتضمنه هذا الخطاب من تعاليم وتوجيهات يتم الاستئناس بها في سن النصوص الانونية.
بالإضافة لهذا الإطار الضيق الذي يمارس من خلاله البرلمان الوظيفة التشريعية كما أبرزناه سابقا، فإن البرلمان قد يحرم حرمانا تاما من ممارسة هذه الوظيفة. كحالة حل البرلمان، أوحين دخول البلاد في حالة الاستثناء، بالإضافة إلى الفترة المابين ولايتين. فكيف يتجلى ذلك؟
تتجلى أبرز التبريرات فيما يرجع لحل البرلمان إلى الحلول دون استبداد هذا الأخير وتعنته خاصة عندما يؤدي ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي، ويعرف هذا الحق بأنه إنهاء الولاية التشريعية للبرلمان قبلنهاية المدة التي حددها له الدستور.
وحق الحل هذا يوجد بيد الملك حسب الفصل 27 ، حيث يقوي مركزه تجاه البرلمان حينما يلاحظ تعنت أصبح يطفو على عمل هذا الأخير. وللملك أن يحل المجلسين معا أو أحدهما بشكل فردي، كما أن الملك لا يستطيع حل البرلمان كما هو منصوص عليه في الفصل 35 في حالة الاستثناء.
ويقع انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجديد في ظرف ثلاثة أشهر على الأكثر بعد تاريخ الحل ف72، وتبقى وظيفة التشريع في هذه الفترة بيد الملك.
و إن كان في حالة التي يتم الاعلان فيها على حالة الاستثناء لا يتم حل البرلمان ف35، إلا أن العمل الوظيفي لهذا الأخير يحد ويجمد طيلة فترة الاستثناء. ذلك أن الملك يستأثر بجميع السلطات التي خولها الدستور لكل سلطة.فالعمل بمضمون الفصل 35 يعني أن رئيس الدولة بمفرده هو المستحوذ على جميع الاختصاصات وصاحب الحق الوحيد في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة الأمور إلى أوضاعها الطبيعية ما لم يقرر الملك خلاف ذلك، حيث التقدير في هذا الشأن يكون بيده.

على سبيل الختم

أما بعد أن أجملنا القول حول غشكالية علاقة المؤسسة الملكية بالحكومة والبرلمان يمكن أن نخلص من خلال جولاتنا حول بنيات وحياض ذات الإشكال، إلى الفرضية التي وضعناها كأساس لمنطلقنا في هذه الدراسة. وهي لاختصار المسافات، سمو المؤسسة الملكية في علاقاتها مع المؤسسات الأخرى. وقد بررنا هذه الأرجحية منخلال معظم المحاور والمداخل التي تطرقنا إليها داخل المجال التداولي للموضوع. الذي يبرز بأن الملك يعتبر مركز كل السلطات بحكم صلاحيته الواسعة التي تدخل في اختصاص السلط الأخرى والتي يضمنها له الدستور حق ضمانه.هذا ما دفعنا إلى الحديث ليس عن توازن السلطات في لإطار المؤسسة الملكية بقدر الحديث عن مجالات تدخل المؤسسة الملكية في اختصاصات المؤسسات الأخرى. باعتبارها مؤسسة فوق السلطات.
فأين يتجلى سند المؤسسة الملكية من خلال المكانة المركزية التي يحتلها داخل النسق الدستوري والسياسي المغربي؟ ما الذي يبرر للملك بأن يكون الموجه الفعلي للسياسة العامة للبلاد؟ والمتحكم الحقيقي في المشهد السياسي؟ والمحدد ـ الإطار الذي تدور في فلكه باقي المؤسسات الأخرى؟

اعادة نشر بواسطة محاماة نت