السلطة الرابعة كتعطيل السلط الثلاث جريمة في حق الإنسانية

من المعلوم أن كل دول العالم تخطب ود الديمقراطية التي هي حكم الشعوب لنفسها بنفسها عن طريق أساليب الانتخابات الحرة والنزيهة . وما كل دول العالم الخاطبة لود الديمقراطية بديمقراطية ذلك أن دولا لها سجل مخز في الحكم الشمولي لا يتورع حكامها عن الانتساب للديمقراطية كذبا وزورا . ومعلوم أن أساس الحكم الديمقراطي كما حددته فلسفة مونتسكيو هو الفصل بين السطات الثلاث التشريعية ، والقضائية ، والتنفيذية لأن تركز هذه السلط في يد حاكم واحد أو نظام واحد معناه الشمولية أو التوتالتارية أو الدكتاتورية ، وهي أن يكون الحاكم والنظام هو المشرع والقاضي والمنفذ والمعلن في نفس الوقت .

وبقدر ما ترحب الأنظمة الديمقراطية بالسلطة الرابعة التي هي سلطة الإعلام التي تصدق الرأي العام القول والخبر ، ويكون ذلك سببا في تحريك السلط الثلاث لممارسة صلاحياتها وهي سلطة التشريع والقضاء والتنفيذ ، فإن الأنظمة الشمولية التي تستأثر بالسلط الثلاث ترى في السلطة الرابعة مصدر حرج كبير لها ، وتريد السيطرة عليها بطرق الإغراء أو التهديد .

ولا يقل تعطيل السلطة الرابعة عن تعطيل السلطات الثلاث خطورة . فالديمقراطية تكون مهددة بعدم الفصل بين السلط تماما كما تكون مهددة بتعطيل السلطة الرابعة أو ضمها إلى السلط الثلاث . وفي البلاد التي قطعت شوطا في الديمقراطية يظهر بوضوح الدور الذي تلعبه السلطة الرابعة ، فهي ملاذ الشعوب عندما تقصر السلط الثلاث في أداء واجبها على الوجه المطلوب . وقد تعتبر بعض الأنظمة السلطة الرابعة مجرد مطية تمتطيها من أجل الدعاية والتسويق لأدائها مهما كانت العيوب التي تشوبه . وقد تحلم بعض الأنظمة بشهادة السلطة الرابعة في بعض الحالات التي تكون لصالحها ، ولكن إذا تعلق الأمر بحالات ليست لصالحها نجدها تتبرأ من السلطة الرابعة ، وقد يصل الأمر إلى حد اتهامها ، وتجريمها ، واختلاق جرائم تنسب لها للنيل منها لأنها مارست مهمتها دون أن تخشى السلط الثلاث . وكم من حق غمط ولولا أن الله عز وجل هيأ له لسان السلطة الرابعة لضاع .

فالذين ينكرون على السلطة الرابعة دورها لن يكونوا أكثر من أناس يضعون أقدامهم فوق السلط الثلاث وهذا يعني وضع أقدامهم فوق رؤوس الشعوب ازدراء لها . ولا تجد أحدا ينزعج من السلطة الرابعة إلا وهو يخشى أن تفتضح ممارسته التي تتخطى القانون ولا تحترمه . ولا تجد من يحترم القانون يخشى السلطة الرابعة بل بالعكس تجده يتمنى لو أن السلطة الرابعة تلتفت إليه لتدافع عن احترامه للقانون . بينما عندما يدوس على القانون تصير السلطة الرابعة أعدى أعدائه لأنه يخشى سلطة الشعب وسلطة الرأي العام بعد تدخل السلطة الرابعة التي هي في حقيقة أمرها سلطة الشعب وسلطة الرأي العام .

ولقد مرت بالوطن العربي مهازل ضم فيها وزراء السلطة التنفيذية إلى سلطتهم السلطة الرابعة فكان ذلك عنوانا على الشمولية في أبشع صورها كما الحال في أبشع الأنظمة من نازية وفاشية وما كان على شاكلتها في الحكم المتسلط . ولقد أبانت السلطة الرابعة عن فعالية كبيرة في فضح الأنظمة الإجرامية كما هو شأن النظام الصهيوني في آخر جرائمه ضد الإنسانية التي فاقت جرائم النازية كما عبر عن ذلك الزعيم الكوبي فيدال كاسترو ، وهو ما لم يرض الصهاينة الذين يريدون الشماعة النازية لفائدتهم مع أنهم يمارسون أبشع من ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني . لقد ألحق الإعلام أكبر الخسائر بالصهيونية حيث عرى وجهها البشع للعالم وهي التي صمت آذان العالم بالبكاء والعويل والشكاوى من المحارق والمعتقلات النازية . فالذي يبكي من المحارق والمعتقلات النازية يجب أن يكون شعبه بلا سلاح ولا جيش كما هو حال بعض الدول التي أعلنت طلاقها مع مفهوم القوة العسكرية لأنها ترى في قوة القانون القوة الحقيقية .

أما أن يكون الشعب الصهيوني هو أكثر شعوب العالم تسلحا وتدريبا على الحروب والقتل والتقتيل والدمار الشامل حتى أن الشعب الصهيوني برمته هو الشعب الوحيد الذي يخوض المناورات العسكرية دون غيره من شعوب العالم ، كما أنه الشعب الوحيد الذي يشاهد عبر وسائل الإعلام يقف فيه الجندي الرسمي بجانب المستوطن المدني مع وجود عدة عسكرية عند المدني أكثر من العسكري . فشعب كهذا لا يحق له أن يتباكى أمام العالم ، ويرتزق بأسطورة المحرقة والمعتقلات النازية . لقد فضح الإعلام الصهاينة وكانت السلطة الرابعة هي السلطة التي حركت ملف حصار غزة بعدما سكتت عنه السلط الثلاث حتى في دول العالم الأكثر تبجحا بالديمقراطية في الغرب الذي يسوق لديمقراطية أحادية التصور إذ لا يستفيد منها إلا الغربيون وحدهم ولا تصل منها إلى شعوب العالم الأخرى غير الرائحة والدعاية الفارغة .

فلا مبرر لأن يعيب أحد على السلطة الرابعة قيامها بواجبها خصوصا في أقطار تتداخل فيها السلط الثلاث التداخل الشمولي الداعي إلى وجود سلطة رابعة قوية تناضل من أجل فك الارتباط بين السلط الثلاث . إن وجود السلطة الرابعة هو مؤشر على وجود الحرية ، وغيابها هو مصادرة للحرية . وعلى الأنظمة التي منعت بعض الفضائيات من استعمال أقمارها الصناعية الخاصة بالبث أن تشطب لفظة حرية من قواميسها كما هو الحال بالنسبة لفرنسا التي تجعل الحرية ركنا من أركان كيانها عندما يتعلق الأمر بالفرنسيين ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين يتم مصادرة فضائية الأقصى لأن إسرائيل المدللة تريد ذلك . وعلى الأنظمة العربية التي صادرت الفضائيات الدينية أن تخاف ربها عوض الخوف من إسرائيل .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت