الأمن والديمقراطية : أية علاقة؟

مقدمة :

يعد موضوع العلاقة بين الأمن والديمقراطية من المواضيع المعقدة والحساسة، الذي لازال بحاجة إلى تحليل معمق لفهم العلاقة الجدلية القائمة بين الأمن والديمقراطية، من خلال دور الأمن في تحقيق قيم الديمقراطية، ودور هذه الاخيرة في كونها مجموع آليات فعالة في تجسيد الأمن.

يرى الفقهاء و المحللين أن هناك علاقة إرتباط واضحة بين الأمن والديمقراطية، الى الحد الذي يرى بعضهم أنه لا ديمقراطية بغير أمن، ولا أمن في ظل غياب الديمقراطية. فالأمن هو أحد المقومات الرئيسية لقيام الديمقراطية والشعور بها ورؤيتها على أرض الواقع، فكلما زادت الديمقراطية تزايد الأمن ، وكلما قلت درجة الديمقراطية تراجع الأداء الأمني وأدى ذلك لا محالة إلى الفوضى وعدم الإستقرار، الأمن دائما حامي للديمقراطية بوجود أجهزة أمنية ذات الكفاءة المهنية والتقنية العالية.

وبالتالي فهو يشكل العمود الفقري للحياة وبقاء الإنسان وإستمراره، والديمقراطية هي الوسيلة لتحقيق هذا الأمن بمفهومه الشامل. إذا كانت الديمقراطية شرطا ضروريا للأمن ، فالأمن كذلك يعد ركنا أساسيا من أركان تحقيق الديمقراطية لأنه بفضله يتم إستقرار الدولة و إستمرارها.

إذن : ما طبيعة العلاقة بين الأمن والديمقراطية ؟

كيف يمكن للأمن تحقيق الديمقراطية؟

ماهي المتطلبات الديمقراطية للأمن؟

أولا :إشكالية العلاقة بين الأمن والديمقراطية

إن إشكالية العلاقة بين الأمن والديمقراطية هي إشكالية تعرفها جل المجتمعات المعاصرة، ومن أهمها عملية المواءمة بين الممارسة الديمقراطية وحماية حقوق وحريات المواطنين والمواطنات من جهة، وبين متطلبات تحقيق الأمن والحفاظ على النظام العام داخل المجتمع من جهة أخرى.

هناك من يرى أن اعتبارات الأمن تتصادم مع متطلبات الديمقراطية، ومن الصعب المواءمة بينهما، حتى في الدول ذات الديمقراطيات الراسخة، خاصة في أوقات الأزمات، ومنهم من يرى ، أن هناك إرتباطاً وثيقاً بين مفهومي الأمن والديمقراطية، وأن تحقّق الأمن ضروري للحياة الديمقراطية، وأن الديمقراطية تؤدي لتعزيز الأمن. الدولة الديمقراطية تهدف دائما إلى حماية الأفراد من كل ما من شأنه المساس بحقوقهم وحرياتهم، لكن عندما ترى أن هناك خطر يهددها أو يقع توثر بين مبادىء الديمقراطية وأمن الدولة، لها الحق في الدفاع عن نفسها بإتخاد إجراءات إستثنائية ولو طلب الأمر المس بالحقوق والحريات العامة، وذلك من أجل إستمرار النظام الديمقراطي في الدولة ، كما شهدت ذلك بريطانيا وفرنسا في مناسبات عدة عندما تعرضت لأعمال شغب خطيرة هددت كيان الدولة فلجأت في آخر المطاف إلى إجراءات تتعارض بشدة مع حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا والمنصوص عليها في قوانين البلاد.

إذا رجعنا إلى التاريخ قليلا سنلاحظ أن كل المجتمعات التي قدمت الأمن على الديمقراطية قد فشلت، في حين نجحت المجتمعات التي قامت بتبني الديمقراطية الإنتقالية، بمعنى أن النظام السياسي الذي يختار القهر والتعذيب ومنع المواطنين من ممارسة حقوقهم التي نصت عليها القوانين الدولية، كخيار لإنجاز إستقراره وتحقيق امنه، لا يجد أمامه سوى التوترات والإضطرابات، لإن إحترام الديمقراطيات للحريات التي تأسست عليها، هو الذي يضمن نجاحها في التعامل مع التهديدات التي يتعرض لها أمنُها، وعدم إحترام الحريات يزيد من التهديدات الأمنية للأنظمة الديمقراطية، بل وقد يهدد بقاءها، مثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية حينما وضعت الأمن والإستقرار فوق الديمقراطية على قائمة أولوياتها إنتهت بالفشل في تحقيق أيّ منهما.

ترتيبا على ذلك، فالديمقراطية هي قاعدة الأمن والإستقرار والإزدهار والتقدم والتوازن الاجتماعي، وهي ضمان حرية الإنسان وكرامته وإحترام حقوقه، وهي الطريق إلى بناء المواطن الذي يكون درعاً لوطنه، وحامياً لمبادئه وتطلعاته وأهدافه، لا خطراً عليها ومهدداً لها.

هناك حالات ومواقف قد يبرز فيها قدر من التناقض بين بعض الممارسات الديمقراطية ومتطلبات الحفاظ على أمن وسلامة وإستقرار وإستمرار الدولة، لكن في نفس الوقت عندما تكون هناك رقابة قانونية وإعلامية على ممارسات الأمن والديمقراطية ، ويقتنع الجميع بأن تطور وتقدم الأمن هو تقدم وتطور للديمقراطية والعكس صحيح، سنصل آنذاك إلى نوع من التقارب والتوافق والتكامل بين الأمن واليمقراطية.

المغرب كما هو معلوم عرف تطورا على مستوى حقوق الإنسان لا سيما منذ إعتماد سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية في دستور 2011، ومن بين الأشياء الأساسية التي جاء بها ، هو تنصيصه من خلال تصديره على أن “المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة”. من هنا يجب الحفاظ على الحريات التي نصت عليها كل دساتير المملكة المغربية بخاصة الدستور الاخير، الذي خصص الباب الثاني منه للحريات والحقوق الاساسية، وضمان حماية النظام العام كمطلب اساسي في الدولة. ومن وسائل وآليات تحقيق حماية النظام عن طريق تنظيم الحريات وحماية الحقوق، نجد على المستوى المؤسساتي وبموجب الدستور الجديد إحداث ودسترة مؤسسات وهيئات لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وهيئات أخرى للنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية. أما على المستوى القضائي، تم الإرتقاء بالسلطة القضائية كسلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية والملك هو ضامن إستقلالها، وإنشاء محاكم إدارية للدفاع عن مصالح المواطنين والمرتفقين ضد تدخلات وقرارات الإدارة غير القانونية، ناهيك عن تكريس الحق في التعويض عن الخطأ الذي نص عليه الفصل 122 من الدستور، وإحداث المحكمة الدستورية التي تشكل ركيزة أساسية لتعزيز دولة القانون، مهمتها ضمان التطبيق الفعلي لمقتضيات الدستور. وعلى المستوى الأمني تم تكريس مبادىء الحكامة الأمنية الجيدة، من خلال دسترة مجلس الأعلى للأمن الذي ينص عليه الفصل 54 من الدستور، باعتباره مؤسسة دستورية يتولى وضع الإستراتيجيات وتدبير الملفات الأمنية الكبرى التي تعرفها البلاد، بالإضافة إلى العمل على إحترام حقوق وضمانات المتهم المنصوص عليها دستوريا وقانونيا.

وعليه، لكي يتم تحقيق المعادلة بين الأمن والحريات يجب تبني أسلوب الشفافية والحكامة الأمنية وربط المسؤولية بالمحاسبة، في هذا الاطار أشارت كلمة السيد عبداللطيف الحموشي بمناسبة الذكرى 61 لتأسيس المديرية العامة للامن الوطني التي نظمت بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، إلى أنه “لا سبيل للتمتع بالحقوق والحريات بدون نعمة الأمن، ولا سبيل لإرساء الأمن والإستقرار بدون إحترام حقوق الإنسان”

ثانيا : الأمن وتحقيقه للديمقراطية

لتحقيق الديمقراطية يجب توفر عدة متطلبات أمنية، تتجلى في وجود جهاز أمني يعمل على محاربة كل أشكال الفساد والإنحرافات وعلى تكريس مبادىء الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص وإحترام حقوق الإنسان وصونها، وتطبيق أحكام القانون والدستور وإشراك كل الفعاليات في القرارات، كذلك التوفر على عناصر بشرية مؤهلة بدنيا وتقنيا، لأن مؤسسات النظام الديمقراطي في حاجة الى هذه الأجهزة التي توفر لها جو آمن ومستقر لكي تسطيع القيام بمهامها ووظائفها، بغض النظرعلى حجمها وتوجهاتها ومواقفها، ولتأمين مقراتها وأنشطتها التي تنظمها.

فالأجهزة الأمنية ذات المستوى المرتفع من المهنية والإحترافية والمزودة بأحدث التقنيات اللازمة لأداء مهامها، تزيد من قدرتها على توفير جو آمن للممارسة الديمقراطية بكل حرية و أمان، وبالتالي تحقيق الديمقراطية داخل الدولة رهين بمدى كفاءة الأجهزة الأمنية.

ثالثا : المتطلبات الديمقراطية للأمن

وضع سياسة امنية شاملة تساير تطور الجريمة في أبعادها الوطنية والدولية، بغية الحفاظ على الوحدة الترابية والسيادة الوطنية وعلى الأمن العام للمواطنين والمواطنات.

العمل على توسيع مساحة العمل المشترك بين الأجهزة الأمنية وباقي المؤسسات الأخرى الرسمية منها وغير الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، الذي أصبح اليوم وبفضل دستور 2011 يشارك في صناعة القرار العمومي عبر مجموعة الآليات والميكانيزمات.

توفير الوسائل المادية و اللوجيستيكية للأجهزة الأمنية ليكونوا ذوي فعالية أكثر، تضمن أمن وحماية المواطن وممتلكاته، والتدخل في حالة الطوارئ، وتقديم الدعم والمساندة للسلطات المحلية في مجال حفظ الأمن العام بتوفير الموارد البشرية المؤهلة القريبة من إنتظارات المواطنين، التي تسهل لهم ممارسة حقوقهم وحرياتهم .

وقد جاءت خطـة العمـل الوطنيـة في مجال الديقراطية وحقـوق الانسـان بمجموعة من الأهداف والتدابير نذكر منها :

ضبط وتقنين إجراءات ومساطر الحقوق ذات الصلة بالوصول إلى المعلومات الأمنية، مع ضبط ” سرية المعلومات” وتحديد درجتها وطرق رفعها وفق الممارسات الفضلى القائمة دوليا.

تقوية ثقة المواطنين والمواطنات في الأمن في إطار الوعي بالحقوق والمسؤوليات

تقويـة أداء المؤسسـة البرلمانيـة في مجـال التقصـي حـول انتهـاكات حقـوق الإنسـان مع إخضـاع الأجهـزة الأمنيـة للرقابـة البرلمانيـة .

إستحضار البعد الأمني في وضع خطط التهيئـة الحضرية وتصميم التجمعات السكنية الجديدة والأحياء بضواحي المدن بشكل يضمن أمن المواطنين والمواطنات.

إلزام المنظومة التعميرية والأمنية بنصب كاميرات يكون بإمكانها المساعدة على مكافحة الجريمة وحماية الأشخاص والممتلكات.

إستكمال تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بترشيد الحكامة الأمنية

تعميم وتدريس مادة حقوق الانسان وأحكام القانون الدولي الإنساني ضمن برامج التكوين الأساسي والمستمر الخاص بالموظفين المكلفين بتنفيذ القانون.

خاتمة :

هكذا يتبين لنا ان العلاقة بين الأمن والديمقراطية هي علاقة عميقة وجوهرية.. بمعنى أن الديمقراطية هي بوابة الأمن و الإستقرار، وبمقدار التخلي عن مقتضيات وآليات الديمقرطية، بذات المقدار يتم تهديد الأمن بكل مكوناته.

وفي ذات السياق، ان تحقيق الممارسة الديمقراطية السليمة والفعالة له بطبيعة الحال متطلبات أمنية لا بد من توافرها حتى يتم عمل آليات الممارسة الديمقراطية بمستوياتها وأشكالها وصورها المختلفة وتأمينها، كما ان الأمن لا يتحقق إلا من خلال توافر بيئة ديمقراطية يلتزم فيها الجميع بأحكام الدستور والقانون.

عموما يبقى الأمن والديمقراطية لهم هدف مشترك يتمثل في خدمة الإنسان والحفاظ على حقوقه وحمايتها، والملاحظ أن المجتمعات التى تعرف رؤية مشتركة حول الممارسة الديمقراطية والأمنية، هى المجتمعات التى يتحقق فيها أعلى مستوى للأمن و الديمقراطية .

حميد ملاح

باحث في العلوم القانونية

إعادة نشر بواسطة محاماه نت