تجاوز الموظفين حدود وظائفهم.. نصوص بحاجة إلى التعديل
سلام مكي

غالبا ما يوجد القانون، لمعالجة ظاهرة اجتماعية او إدارية او سياسية منتشرة في المجتمع او في مؤسسات الدولة، من حيث وضع العقوبات والضوابط والأسس التي تحدد المسارات التي على افراد المجتمع اتباعها ونادرا ما نجد قانونا استبق وجود حالة ما ليعالجها، وهذا ما حدث مع القوانين المعنية بالنزاهة، حيث استحدث المشرع هيئة معنية بمكافحة الفساد المالي والإداري قبل انتشار ظاهرة الفساد وتحوله الى ظاهرة إدارية منتشرة في مؤسسات الدولة، وذلك من خلال اصدار الأمر 55 لسنة 2004 إضافة الى استحداث مكاتب المفتشين العموميين.

ولم يتم تعديل الأمر 55 الذي تم بموجبه استحداث المفوضية المعنية بالنزاهة الا عام 2011 بموجب القانون رقم 30 لسنة 2011. هذا القانون، لم يضع جرائم او نصوصا عقابية جديدة، وانما استند على قانون العقوبات، واعتبر الجرائم التي ينص عليها ذلك القانون، هي الجرائم المشمولة بأحكامه، وهو ما جاء بالمادة الأولى منه، حيث عرف قضية الفساد، على انها احدى الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات، جريمة الاختلاس والرشوة وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم وغيرها من الجرائم.

ونلاحظ ان قانون العقوبات، صدر عام1969 في وقت، يختلف تماما عن الوقت الحالي، من حيث التطور الكبير والهائل في الإدارة والوظيفة العامة، إضافة الى استحداث أساليب وطرائق جديدة لممارسة الفساد الإداري والمالي، كما ان النصوص التي كانت صالحة ورادعة في وقت تشريع قانون العقوبات، قد لا تكون كذلك في وقتنا الحاضر، في ظل اختلاف فلسفة الحكم ونهج الدولة وطريقة تعاملها مع الموظف والوظيفة. وقد تنبه المشرع الى هذا الأمر، من جانب واحد، قد لا يبدو مهما مثل تعديل النصوص العقابية التي تخص بعض الجرائم والتي لا تتناسب عقوباتها مع طبيعة الفعل المرتكب، حيث تم تعديل المادة135 من قانون العقوبات، بموجب الأمر 55 لسنة2004 من خلال إضافة فقرات جديدة الى المادة أعلاه لغرض وضع ظروف مشددة خاصة بقضايا النزاهة.

الإشكالية تكمن في قضايا تجاوز الموظفين حدود وظائفهم، فمن خلال متابعة الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم المختصة بحق متهمين بقضايا فساد، نجد ان اغلب تلك القضايا يتم تكييفها وفق قضايا تجاوز الموظفين حدود وظائفهم. وان تلك القضايا نصت عليها المواد 330 وما بعدها. ومن خلال الاطلاع على الفقرات العقابية لها، نجد انها بسيطة ولا تتناسب مع جسامة ما يرتكب من أفعال بحق المؤسسات التي يعمل بها الموظف. فالمادة 330 مثلا تنص: يعاقب بالحبس كل موظف او مكلف بخدمة عامة امتنع بغير حق عن أداء عمل من اعمال وظيفته او اخل عمدا بواجب من واجباتها نتيجة لرجاء او توصية او وساطة او لأي سبب آخر غير مشروع. اما المادة 331 فتنص: يعاقب بالحبس وبالغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين:

كل موظف او مكلف بخدمة عامة ارتكب عمدا ما يخالف واجبات وظيفته او امتنع عن اداء عمل من اعمالها بقصد الاضرار بمصلحة أحد الافراد او بقصد منفعة شخص على حساب آخر او على حساب الدولة. اما المادة340 فتنص: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس كل موظف او مكلف بخدمة عامة احدث عمدا ضررا بأموال او مصالح الجهة التي يعمل فيها او يتصل بها بحكم وظيفته او بأموال الاشخاص المعهود بها اليه.

فهذه المواد وغيرها، تنطبق على اكثرقضايا الفساد، ويتم الحكم عليهم استنادا لها. وللأسف، ان العقوبات التي تضمنتها لا تتناسب مع فداحة الأفعال التي يقومون بها. فإحداث الضرر بشكل متعمد بمصالح الدولة، يعني هدر مليارات الدنانير في مشاريع وهمية او لا وجود لها، يعني القدرة على استغلال النص القانوني لغرض ارتكاب اعمال الفساد.

والضرر الذي تتحدث عنه المادة340 هنا، غير محدد المقدار، فقد يكون مبلغا بسيطا وقد يكون ضخما، العقوبة أيضا غير منطقية، فهي اما السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس. والحبس هنا قد يكون شهرا او شهرين وقد يكون خمس سنوات. اما المادة330، فهي أيضا تتضمن عقوبة غير رادعة ولا يمكنها ان تحمي مصالح الدولة. فالحبس لكل من يمتنع عن أداء عمل من اعمال وظيفته.

وهذا الامتناع قد يؤدي الى ضرر كبير بمصالح الجهة التي يعمل فيها. المادة331، فهي الأشد فداحة، حيث انها وضعت عقوبة الحبس او الغرامة او كليهما، لمن خالف واجباته الوظيفية بقصد الاضرار بمصلحة احد الأفراد بقصد منفعة شخص على حساب الدولة.. حيث يمكن الحكم بغرامة بسيطة على من تسبب بهدر الملايين، وهو حكم يخضع للسلطة التقديرية للقاضي المختص، ولا يمكن لأي جهة محاسبته، مادام ملتزما بالقانون. في حين لو تم تعديل هذه النصوص، لغرض تشديد العقوبات التي تطال كل من يتقصد الاضرار بمصالح الدولة، لقلت جرائم تجاوز الموظفين حدود وظائفهم بدرجة كبيرة، وهي كما قلنا سابقا الجرائم الأكثر ارتكابا في مؤسسات الدولة، خصوصا في الحالات التي تشهد عمليات فساد كبرى.

إعادة نشر بواسطة محاماه نت