مر نظام الملكية ، طبقاً للتصوير المبسط للتطور التا ريخي لهذا النظام(1) في مراحل متميزة هي : الملكية الجماعية (ملكية القبيلة )، والملكية العائلية ، والملكية الفردية. فقد بدأت ملكية الأرض ووسائل الانتاج الاخرى في الجماعات الانسانية الأولى (عقد جمع القوت) ملكية جماعية للقبيلة ، فلا يستأثر بشيء أحد افراد القبيلة دون سواء. فكل افراد القبيل يشتركون في ملكية الارض وما فيها من ثروات والاسلحة ، وغير من ادوات ومهمات . اما ما كان يجمعه الانسان الداني أو يعيده من نبات او حيوان لغذائه وغذاء غائلته فكان يخضع للتملك الشخصي. ولكن تطور الحضارة من حضارة بدوية إلى حضارية زراعية استتبع تطور الملكية من قبلية إلى عائلية . فاستخدام الانسان البدائي لوسائل الانتاج الزراعية الاكثر تطوراً كالمحراث، مكنه من زراعة الأرض والاستئثار بإنتاجها والاستقرار لفيها هو وعائلته. ولم يقف تطور الملكية عند هذا الشكل ، بل ظل تتطور لتصبح ملكية فردية ، مع الاحتفاظ ببعض أثار الملكية العائلية كالميراث والنصاب الذي يجب ان يبقى للورثة ولا تجوز الوصية فيه. ويتبين من لك ان الملكية الخاصة لوسائل الانتاج لم تظهر إلا في عهد الزراعة الأكثر تطوراً سواء على نطاق عائلة أو شخصي. وظلت الملكية نظاماً مسلماً به ، وجاء اعلان حقوق الانسان الصادر سنة 1789 في أعقاب الثورة الفرنسية يؤكد ان الملكية حق مقدس لا يجوز المساس به. ومن هنا تميزت الملكية بانها حق مطلق ومانح ودائم. وحاول بعض الفقهاء تأسيس حق الملكية على القانون الطبيعي . فالملكية عندهم حق طبيعي يستند إلى حرية الافراد وعملهم. ثم ظهر تيار جديد ينازع اصلاً في مشروعية الملكية الخاصة وينادي بالغائها، وخاصة ما تعلق منها بوسائل الانتاج ، واحلال الملكية الجماعية محلها منعاً لاستغلال الانسان لأخيه الانسان (2).

ونحن لا نريد الدخول في تفصيلات هذه الآراء ، وما قيل في تبريرها فذلك يخرج عن نطاق هذه الدراسة ، بل نكتفي بالإشارة إلى تراجع النزعة الفردية المتطرفة امام تيار جديد يهدف إلى تحقيق مصلحة المجموع. فلم يعد في الإمكان قياس حقوق مطلقة لا يحدها حد. ولهذا فأن التطورات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية اخذت تتجه بحق الملكية وجهة اجتماعية فمنذ مطلق هذا القرن اعلن الفقيه الفرنسي (ديجي) بأن الملكية ليست حقاً وانما هي “وظيفة اجتماعية” وقد ظهر صدى هذه النزعة الحديثة في تصور حق الملكية بأنه وظيفة اجتماعية في التشريعات الحديثة ، كما اشارت بعض الدساتير صراحة إلى ذلك. فالمادة 16 (أ) من الدستور المؤقت لسنة 1970 تنص على ان “الملكية وظيفة اجتماعية تمارس في حدود اهداف المجتمع ومناهج الدولة ، وفقاً لاحكام القانون”. ويقرر قانون اصلاح النظام القانوني لسنة 1977 بأن : “الملكية وظيفة اجتماعية ، لذلك ينبغي أن يعين القانون المدني الوظيفة الاجتماعية لكل نوع من انواع الملكية الخاص لوسائل الانتاج ، وان مخالفة الشروط التي يضمها القانون لاداء هذه الوظيفة الاجتماعية نستتبع اعادة النظر في حق صاحبها من قبل الدولة وتقرير نقلها إلى من يؤدي هذه الوظيفة الاجتماعية ” (3). ويترتب على تصور حق الملكية بأنه وظيفة اجتماعية ما يأتي:

(1) حيث يتعارك حق الملكية مع مصلحة عامة ، فالمصلحة العامة هي التي تقدم . وقد عبر قانون اصلاح النظام القانوني عن ذلك بقوله : “تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند تعارضهما في الملكية أو الانتفاع بها ” (4). فقد تقتضي المصلحة العامة مثلاً حرمان المالك من ملكه لقاء تعويض عادل يدفع إليه حسب الاصول العامة مثلاً حرمان المالك من ملكه لقاء تعويض عادل يدفع إليه حسب الاصول التي يحددها القانون (5).

(2). حيث يتعارض حق الملكية مع مصلحة خاصة هي أولى بالرعاية من مصلحة المالك ، فهذه المصلحة الخاصة هي التي تقدم. ويترتب على ذلك

(أ) على المالك أن يمتنع عن استعمال حقه إذا كان من شأن هذا الاستعمال ان يسبب للغير ضرراً غير مشروع (م 1051 مدني عراقي).

(ب) يجوز للغير أن يتدخل إيجابيا في انتفاع المالك بملكه ليتوقى ضرراً اشد من الضرر الذي يصيب المالك من التدخل. ومن امثلة ذك حق المجرى وحق المسيل، وحق المرور (المواد 1052 و 1058 و 1059 مدني عراقي)

(3) وقد تقتضي الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية أن يجبر الملك على القيام باعمال إيجابية لمصلحة الغير. ففي ملكية العلو والسفل (ملكية الطبقات ) إذا اتهدم السفل أو احتاج إلى ترميم فعلى صاحب السفلى بناؤه أو ترميمه لمصلحة صاحب العلو (1058 مدني عراقي). ويرى بعض الفقهاء أنه إذا انتهينا إلى ان الملكية بأنها وظيفة انكاراً لفكرة الحق ذاتها فمركز المالك يختلف اختلافاً جوهرياً عن مركز الموظف . فالمالك يباشر سلطاته لحسابه ولتحقيق مصلحته الخاصة ، اما مصلحة الجماعة فتتحقق بطريق غير مباشر . اما الموظف فيباشر السلطات التي تدخل في اختصاصه لحساب الجماعة بطريق مباشر. ولهذا ……. ان يقال أن للملكية وظيفة اجتماعية (6).

ونحن نرى ان ما قصدت إليه الفقرة (أ) من المادة (16) من الدستور المؤقت بعبارة ” وظيفة اجتماعية” ليس انكاراً للملكية الخاصة وانما صيانة لها وحماية لحق صاحبها فيها ولكن دون تسلط او استغلال تأباه العدالة الاجتماعية . وهذا ما تؤيده الفقرة (ب) من المادة نفسها بقولها “الملكية الخاصة والحرية الاقتصادية الفردية مكفولتان في حدود القانون …”.

ويتضح ذلك أيضاً من قول السيد رئيس بأن “مجتمعنا الاشتراكي هو المجتمع الذي لا تنعدم فيه الملكية الفردية وإنما ينعدم فيه الاستغلال وسنحدد فيه الملكية بما لا يجعلها تتعارض مع اهداف نظامنا الاشتراكي وفي التطبيق العملي للمراحل المتعاقبة “. ومما هو جدير بالملاحظة ان النزعة الحديثة التي تتجه بالملكية وجهة اجتماعية مهدت السبيل إلى ظهور الملكية الجماعية إلى جانب الملكية الخاصة فتأميم المشاريع الخاصة بنقل ملكية وسائل الانتاج من يد الافراد إلى الشعب ممثلاً بالدولة ، واستعمالها في سبيل مصلحة الجماعة. وهذا تحويل للملكية الخاصة إلى المليكة الجماعية (7) . ويعتبر التأميم أول وأهم طرق انشاء الملكية الاشتراكية. ويلاحظ كذلك ان القيود التي ترد على حق الملكية يتزايد عددها يوماً بعد آخر. ان الملكية ، كما يقول قانون اصلاح النظام القانوني ، “ذات مفهوم اقتصادي ، ولذلك فإن مضمون وطابع حق الملكية يتحددان ويتغيرات تبعاً لتطور العلاقات الاقتصادية في المجتمع وخطط التنمية ، وبالتالي يمكن أن تتخذ اشكالاً متنوعة ، وبأخذ استعمالها والتصرف بها صورة ومضامين تختلف عن ما كانت عليه وما ستؤول إليه ” ، وان من الاهداف العامة للقانون المدني ، في التطور الثوري الاشتراكي الجديد ، واعتبار ملكية الدولة الشكل القيادي للملكية العامة على طريق بناء الاشتراكية وملاءمة الملكية الخاصة لمستلزمات مراحل البناء الاشتراكي ” و “توسيع نطاق الملكية العامة لتشمل أموال الدولة والتعاونيات ، والمنظمات الاجتماعية وحمايتها. ويترتب على ذلك تحديد نطاق الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، وتنظيم استعمال وسائل الانتاج التي يسمح القانون بتملكها من قبل الأفراد ، وتقييد تصرفات الأفراد في الأموال التي لها أهمية تاريخية بالنسبة للمجتمع ” (8). وهكذا فإن اشكال الملكية في مجتمع بناء الاشتراكية تحدد بالآتي :

(1) الملكية الاشتراكية :

وهي الملكية الجماعية لوسائل الانتاج ، ولهذا فإنها تعتبر القاعدة الأساسية للبناء الاشتراكي ، وتشمل :

(أ) ملكية الدولة (ملكية الشعب بأسره) ، وتشكل الصورة الأساسية من صور الملكية الاشتراكية لوسائل الانتاج ، وتحتل الدور القيادي الحاسم لبقية الصور ، وهي ترد على أهم وسائل كالأرض وما في باطنها والمعامل والبنوك ووسائل النقل وغيرها.

(ب) الملكية التعاونية ، وتنشأ عن ملكية مجموعة من المواطنين المتحدين بشكل اختياري لتكوين تعاونية للانتاج أو للتوزيع في مجال الزراعة وصيد الأسماك وغير ذلك. ويتصف هذا النمط من الملكية بالاشتراكية ما دام متميزاً بالعلاقات التضامنية والعمل التعاوني.

(جـ) ملكية النقابات وغيرها من المنظمات الجماهيرية والهيئات الاجتماعية .

(2) الملكية الخاصة : (الملكية الفردية )

وهي ملكية الاشخاص الطبيعيين أو المعنويين لوسائل الانتاج ، وهي ملكية غير مستغلة تقوم بدور محدد ومرسوم مركزياً، وتعتبر، كما رأينا، وظيفة اجتماعية تمارس في حدود اهداف المجتمع ومناهج الدولة.

(3) الملكية الشخصية :

وهي ملكية فردية غير مستغلة ترد على أموال الاستهلاك الضرورية من المنقولات ، غرضها اشباع الحاجات المادية والثقافية للمواطنين ، كالأدوات المنزلة والاثاث ووسائل الراحة الشخصية والمدخرات الناتجة عن العمل وغير ذلك.

(4) الملكية المختلطة :

ويضاف إلى الاشكال المتقدمة للملكية شكل رابع يتمثل بالملكية المختلطة ويقصد بها الجمع بين الملكية الاشتراكية والملكية الخاصة في قطاع معين من قطاعات النشاط الاقتصادي . ويتحقق ذلك باسهام الدولة بنسبة معينة في مشروع اقتصادية (51% مثلاً) واسهام القطاع الخاص بالباقي وتخضع هذه الملكية لرقابة الدولة ويقودها القطاع الاشتراكي.

_______________

1- نقول : طبقاً للتصوير المبسط للتطور التاريخي لنظام الملكية ، لنه كان يمكن أن يوجد معاً في فترة واحدة اكثر من شكل من الاشكال المختلفة الملكية ، ولكن مع غلبة شكل منها على الاشكال الاخرى.

2- راجع : كولان وكابيتان وجوليودولا مور الندير، المطول في القانون المدني ، ج2 باريس 1959 ، ف29.

3- انظر قانون صلاح النظام القانون رقم 35 لسنة 1977 ، منشورات وزارة العدل ، ص41.

4- قانون اصلاح النظام القانوني ، ص41.

5- انظر المادة 16 ف (جـ) من الدستور المؤقت لسنة 1970.

6- منصور مصطفى منصور ، حق الملكية او القانون المدني المصري ، القاهرة ، 1965 ، ص15.

7- راجع لطنطين كاتز اروف ، نظرية التأميم ، تعريب الدكتور عباس الصراف، بعداد ، 1972 ، ف54-51 وف ص54.

8- يرجع في تفصيل ما تقدم: منذر عبد الحسين الفضل، الملكية الاشتراكية في العراق في ضوء الاشتراكية العلمية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، رسالة دكتوراه بعداد ، 1980 ص349 وما بعدها.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .