من الخصائص الاخرى التي تتسم بها التبليغات القضائية، هي الصفة الرسمية، بمعنى انها صادرة عن جهة رسمية، وهي بذلك تعد من قبيل السندات الرسمية. والسند الرسمي، هو ما يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود اختصاصه ما تم على يديه أو ما أدلى به ذوو الشأن في حضوره(1).من خلال التعريف المتقدم يمكن تحديد الشروط الواجب توافرها لإمكانية اعتبار السند رسمياً، وهي وجوب صدور السند من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة والموظف هو كل شخص تعينه الدولة للقيام بخدمة عامة مستمرة وله درجة في ملاك الدولة الإداري، أما الشرط الثاني فيتمثل بصدور السندات من الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة في حدود سلطته واختصاصه الزماني والمكاني والوظيفي، والشرط الآخر هو وجوب مراعاة الأوضاع القانونية في إصدار السند(2).وعلى اعتبار ورقة التبليغ من الأوراق الرسمية، لذلك فتكون لها قوة السند الرسمي في الإثبات، فهي حجة بما دون فيها من بيانات فلا يجوز تكذيبها الا بالادعاء بالتزوير(3).

وقد جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية(4). (محضر الإعلان من المحررات الرسمية التي اسبغ القانون الحجية المطلقة على ما دون بها من أمور باشرها محررها في حدود مهنته ما لم يتبين تزويرها، ولا تقبل المجادلة في صحة ما أثبته المحضر في اصل الإعلان ما لم يطعن على هذه البيانات بالتزوير) وفي قرار آخر لهذه المحكمة(5).(لما كان المقرر ان ما يثبته المحضر بورقة الاعلان من إجراءات قام بها بنفسه أو وقعت تحت بصره تكتسب صفة الرسمية فلا يجوز اثبات عكسها الا بالطعن عليها بالتزوير وكانت الطاعنة قد اكتفت في اثبات عدم صحة ما دونه المحضر من بيانات بورقة اعلانها بالدخول في طاعة المطعون ضده على طلبها ضم التحقيقات التي اجريت مع المحضر الذي قام بالاعلان ولم تتخذ طريق الطعن بالتزوير على ذلك الاعلان فان هذا الادعاء لا يكفي بذاته للنيل من صحة وحجية الإجراءات التي أثبتت المحضر في اصل الاعلان قيامه بها).ومن اجل ان تكون ورقة التبليغ القضائي من الأوراق الرسمية وتكون حجة على الكافة لما ورد فيها من امور، ينبغي ان لا يكون مظهرها الخارجي يبعث على الشك من حيث وجود كشط أو محو أو تحشية فيها، وإذا ما وجد شيء من هذا القبيل فيها، أي في ورقة التبليغ، كان للمحكمة ان تستدعي الموظف أو القائم بالتبليغ من تلقاء نفسها من اجل استيضاح ذلك الايهام فيها(6).إذن، حتى يتمكن المخاطب بموجب ورقة التبليغ من تكذيب البيانات الموجودة في الورقة، لابد من سلوك الادعاء بالتزوير. والتزوير هو (تغير الحقيقة بقصد الغش في سند أو وثيقة أو أي سند آخر وذلك باحدى الطرق المادية أو المعنوية التي بينها القانون تغييراً من شأنه إحداث ضرر بالمصلحة العامة أو بشخص من الأشخاص)(7).وإذا ما ادعى المخاطب بموجب ورقة التبليغ بوجود تزوير هذه الورقة، فالمحكمة تبت بقبول ذلك الطلب أو رفضه وذلك بعد التأكد من الشروط التي حددتها المادة (36) من قانون الاثبات، حيث يترتب على تخلف هذه الشروط رفض المحكمة ذلك الطلب. وهذه الشروط يمكن تحديدها بما يأتي:

أولاً. ان يكون هناك ادعاء بالتزوير من قبل الخصم الذي يدعي تزوير السند.

ثانياً. ان يكون الادعاء بالتزوير منتجاً في النزاع، ومعنى ان يكون منتجاً أي ان يكون من شأنها إذا ثبتت ان توصل إلى اقتناع القاضي بما يؤثر على الحكم الذي يصدره.

ثالثاً. ان تكون هناك قرائن أو دلائل قوية على صحة الادعاء بالتزوير من شأنها ان تؤدي إلى قناعة المحكمة بذلك.

رابعاً. ان يقدم مدعي التزوير كفالة شخصية أو نقدية وذلك لتعويض الخصم الاخر إذا ما تبين عدم صحة الادعاء بالتزوير.

وفي حال تحقق هذه الشروط، عندها تقوم المحكمة باحالة الامر على قاضي التحقيق للتثبت من صحة الادعاء، بعدها تقرر المحكمة جعل الدعوى مستأخرة لحين صدور حكم أو قرار بات بخصوص واقعة التزوير. وقد اجاز المشرع لمدعي التزوير فرصة التنازل عن ادعائه فيجوز للمخاطب بموجب ورقة التبليغ والمدعي بتزوير تلك الورقة ان يتنازل عن ادعائه، وفي هذه الحالة لا يحكم عليه بالغرامة المقررة في قانون الاثبات، الا إذا ثبت للمحكمة انه لم يقصد بادعائه الا مجرد الكيد لخصمه أو عرقلة الفصل في الدعوى(8).اما إذا لم يتنازل المخاطب بموجب ورقة التبليغ عن ادعائه وانتهت المحكمة إلى ثبوت صحة ورقة التبليغ، ورفضت الادعاء بالتزوير، عندها يحكم على مدعي التزوير بالغرامة المقررة تستحصل تنفيذاً دون الإخلال بحق المتضرر من طلب التعويض(9).تجدر الإشارة إلى وجوب التفرقة ما بين افتراضين، الأول فيما لو صدرت ورقة التبليغ عن الموظف العام في حدود اختصاصه أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره، أما الافتراض الثاني فهي حالة قيام الموظف بتدوين البيانات والمعلومات في ورقة التبليغ تحت مسؤولية ذوي الشأن. فإذا ما ثبت ان القائم بالتبليغ قد انتقل إلى محل المراد التبليغ فيه وخاطب شخصاً له صفة في تسلم ورقة التبليغ، وامتنع ذلك الشخص من تسلمها، أو إذا اثبت القائم بالتبليغ انه وجد محل إقامة الشخص المطلوب تبليغه مغلقاً أو انه غائب عن موطنه فلا يجوز إثبات عكس كل ذلك بالشهادة أو بالقرائن، بل يجب اتخاذ سبيل الطعن بالتزوير وذلك لان هذه الورقة رسمية وقد حررها القائم بالتبليغ بنفسه وهو موظف عام وقد قام بذلك في حدود سلطته واختصاصه. أما إذا اقتصر دور القائم بالتبليغ على تدوين البيانات التي تروى له من الشخص المخاطب بموجب ورقة التبليغ، كان يدعي المراد تبليغه ان الشخص الذي سلمت اليه ورقة التبليغ ادعى صفة لم تكن له، أو انه اخبر القائم بالتبليغ غير الواقع، ففي هذه الحالات يقوم القائم بالتبليغ بتدوين بيانات ويظنها صحيحة بناء على ما تروى له، أو إذا خرج عن حدود سلطته، كل ذلك لا يلزم لتكذيبها الادعاء بالتزوير، بل يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات(10).

___________________________________________________

1- الفقرة (أولاً) من المادة (21) إثبات عراقي.

2- راجع: أستاذنا د. عباس العبودي، شرح أحكام قانون الإثبات العراقي، ط2، جامعة الموصل، 1997، ص103 ومابعدها.

3- د. أحمد أبو الوفا، التعليق على نصوص قانون المرافعات، ط3، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1979، ص112. د. محمود محمد هاشم، مصدر سابق، ص163-164.

4- قرار محكمة النقض المرقم 2337 لسنة 51 ق، جلسة 31/10/1982، أشار إليه الفكهاني، مصدر سابق، ص626.

5- قرار محكمة النقض المرقم 95 لسنة 54 ق/أحوال شخصية، جلسة 21/2/1989، أشار إليه الفكهاني، مصدر سابق، ص630-631.

6- راجع الفقرة (ثالثاً) من المادة (35) إثبات عراقي.

7- المادة (286) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

8- راجع بهذا المعنى المادة (38) إثبات عراقي، تجدر الاشارة أن الغرامة كانت لا تقل عن خمسين ديناراً قبل تعديلها، وقد أصبحت لاتقل عن ثلاثة آلاف دينار.

9- راجع بهذا المعنى المادة (37) إثبات عراقي.

10- راجع: محمد العشماوي، د. عبد الوهاب العشماوي، مصدر سابق، ص665-666. د. أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية والتجارية، مصدر سابق، ص436.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .