شرط وجود علاقة قانونية بين المستخدمين المتعاقبين
( المادة 74 من قانون 90 /11 )

تمهيد :
-1 من بين الوسائل العديدة التي لجأ إليها المشرع لحماية حقوق العمال في مواجهة الظروف السياسية والاقتصادية المتقلبة،
قاعدة استمرار عقود العمال في حال حدوث أي تغيير في الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة. وقد نص المشرع على هذه القاعدة في
المادة 74 ، الفقرة الأولى، من قانون علاقات العمل( 01 ) وهذا نصها : ( إذا حدث تغيير في الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة، تبقى
جميع علاقات العمل المعمول ا يوم التغيير قائمة بين المستخدم الجديد والعمال)( 02 ) وقد اجتهد القضاء والفقه على حد سواء –

لاسيما في فرنسا – في استنباط شروط تطبيق هذه القاعدة، والتي يمكن ذكرها بإيجاز فيما يلي:
-2 الشرط الأول: أن تكون عقود العمال المعنية بالاستمرار سارية المفعول وقت حدوث تغيير في الهيئة المستخدمة.

وعليه لا تنطبق القاعدة على العقود التي أيت قبل هذا التغيير ولا يتقيد ا المستخدم الجديد. كما أن النص لم يفرق بين عقود العمل لا من حيث المدة و لا من حيث النشاط.

-3 الشرط الثاني: حدوث تغيير في الوضعية القانونية للمستخدم.

أي تغير في المركز القانوني له بصفة عامة، بحيث يشمل هذا
العموم جميع الحالات التي يتغير فيها هذا المستخدم سواء عن طريق التصرفات الناقلة للملكية أو غير الناقلة للملكية.

-4 الشرط الثالث: استمرار الكيان الاقتصادي.

وهذا هو الشرط الذي سوف يكون محل هذه الدراسة، إذ شهد تطورا كبيرا وعبر مراحل متلاحقة، بفعل توسع الاجتهاد القضائي الفرنسي في تطبيق هذا الشرط، وموقف الفقه النقدي لهذا التوسع. ففي مرحلة أولى كان القضاء يشترط استمرار الكيان نفسه ( المؤسسة )، وفي مرحلة أخرى صار يشترط استمرار النشاط نفسه. ثم توسع بعد ذلك وأصبح يكتفي باستمرار نشاط مشابه ولا يشترط استمرار المؤسسة نفسها.وبناء على هذا التفسير الواسع لهذه القاعدة أصبحت محكمة النقض تقضي باستمرار عقود العمل في حالة تعاقب المستخدمين حتى في حالة عدم وجود أي علاقة قانونية بينهم ماداموا يقومون بنفس النشاط.

وعليه سوف نتناول في هذه الدراسة أهم مراحل تطور الاجتهاد القضائي في تطبيق هذا الشرط بدءً بمرحلة استمرار الكيان الاقتصادي نفسه، ثم مرحلة استمرار النشاط نفسه هذا في (المحور الأول). ثم في (المحور الثاني) نتناول الاتجاه الجديد للقضاء للتضييق من نطاق تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل باشتراط وجود علاقة قانونية بين المستخدمين المتعاقبين لتطبيق القاعدة المذكورة.

المحور الأول: مرحلة التوسع في تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل.
-5 امتدت هذه المرحلة في فرنسا إلى غاية سنة 1985 ، حيث شهدت عدة تطورات بدأت باشتراط استمرار الكيان الاقتصادي نفسه لتطبيق قاعدة استمرار عقود العمل. وقد عبرت عن ذلك محكمة النقض الفرنسية سنة 1934 بالقرار التالي : ” يشترط لتطبيق قاعدة استمرار عقود العمل أن يكون الكيان المستمر هو الكيان السابق نفسه، ولكن تحت إدارة جديدة “( 03 ).

أي دون أن تشترط
وجود علاقة قانونية بين المستخدمين المتعاقبين. وهي بذلك تقرر مبدأ اقتصاديا أصيلا وهو ارتباط العامل بالمؤسسة التي يعمل فيها وليس بصاحب العمل، وعليه كلما انتقلت المؤسسة انتقل معها العمال الذين يشتغلون فيها. وسنتدرج فيما يلي في تطورات الاجتهاد 146 القضائي عبر هذه المرحلة من خلال الحديث عن اشتراط استمرار النشاط نفسه أو نشاط مشابه له ( 01 ) ، ثم استمرار العمال في .( نفس الأعمال التي كانوا يقومون فيها أو ما يعرف بوحدة الأعمال ( 02

أولا- مرحلة اشتراط استمرار النشاط أو نشاط مشابه له:
-6 يشترط القضاء الفرنسي لاستمرار عقود العمل في حال تغير الوضعية القانونية للمستخدم استمرار المؤسسة بنشاطها المعهود قبل التغيير. وعليه يستبعد تطبيق هذه القاعدة متى توقف النشاط ائيا كما في حالة الإغلاق النهائي للمؤسسة. ومن أسباب الغلق النهائي مثلا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية بعدم تطبيق القاعدة عندما أصبحت المؤسسة من الناحية الواقعية غير قادرة على الاستغلال( 04 )، سواء كان ذلك بسبب سوء إدارة صاحب العمل مثلا، أو في حالة وفاة صاحب العمل وقرر الورثة إغلاق المؤسسة ( والتوقف عن النشاط ائيا، فالعمال في مثل هذه الحالة يسرحون ويسأل صاحب العمل عن كل الآثار التي تترتب على ذلك.

( 05
أما إذا توقف النشاط مؤقتا لوجود مانع ما، ليستمر بعد ذلك فإن هذا لا يحول دون تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل. فإذا حدث تغيير في الوضعية القانونية للمستخدم في فترة التوقف هذه فإن عقود العمال التي كانت سارية وقت التغيير تبقى، ما دامت المؤسسة قد استمرت في نشاطها من جديد تحت إدارة جديدة. ومن أهم الأمثلة عن التوقف المؤقت للنشاط حالات التسوية القضائية وتصفية الأموال، وفي ذلك قضت محكمة النقض الفرنسية أنه ” متى كانت الشركة في حالة تسوية قضائية ثم أسند أمر إدارا إلى مستأجر جديد فإن هذا الأخير يلتزم بالإبقاء على عقود العمال، وذلك رغم توقف النشاط فترة محدودة متى استمر المستأجر الجديد في ممارسة ( النشاط ذاته”( 06

-7 ثم تطور الاجتهاد القضائي في الاتجاه الموسع لتطبيق قاعدة استمرار عقود العمل، رغبة منه في الحفاظ على علاقات العمل واستقرار الأوضاع الاجتماعية للعمال. ففيما كان في السابق يشترط استمرار النشاط السابق نفسه وفي نفس المؤسسة أي في نفس الأمكنة وبنفس اُلمعدات، أصبح في هذه المرحلة يكتفي بتطبيق القاعدة رد وجود تشابه أو ارتباط بين النشاط السابق والنشاط الجديد بعد تغيير المستخدم. وتطبيقا لذلك نقضت محكمة النقض الفرنسية حكما لمحكمة الاستئناف لعدم تطبيقه القاعدة المذكورة رغم وجود تماثل في الأنشطة، فجاء في قرارها: ” كان يجب على قضاة الموضوع – بعد أن تبين لهم أن الشركة الجديدة التي حلت محل الشركة المفلسة، قد استخدمت جميع الأماكن التي كانت تستخدمها الشركة المفلسة، وأا ضمت إلى خدمتها جميع العمال، الأمر الذي يفيد
( استمرارها في مزاولة النشاط السابق وبالعمال أنفسهم- أن يقضوا باستمرار عقود العمل”( 07

-8 وبناء على ذلك متى ثبت أن النشاط الذي أصبح يمارسه المستخدم الجديد يختلف اختلافا جوهريا عن النشاط السابق أو أن الظروف الجديدة للعمل أصبحت تختلف عن الظروف السابقة بحيث لا يمكن استخلاص منها هذا التماثل، فإنه في هذه الحالة لا يمكن من قانون العمل، على L 122- تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل. وفي ذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه ” لا تطبق المادة 12 الحالة التي كان يقوم فيها مصنع حراريات بتحويل القمامة إلى رماد، ثم انتقل المصنع إلى مستخدم جديد، والذي قام بدوره بتغيير طبيعة النشاط بإنتاج البخار الذي يستخدم في تشغيل السخانات الحديثة”( 08 ).

كما قضت محكمة النقض الفرنسية بعدم تطبيق قاعدة
استمرار عقود العمل في القضية التي قام فيها مالك المحل التجاري بعد انتهاء مدة الإيجار وعودة المحل إليه بتغير طبيعة النشاط، فبعدما كان النشاط هو استغلال المحل كمستودع لإيواء السيارات، قام المالك بتحويله إلى محل لبيع السيارات. ولهذا رفضت محكمة النقض من قانون العمل، L122- الفرنسية الدعوى التي أقامها العامل الذي كان يعمل عند المستأجر والتي طالب فيها بتطبيق المادة 12 ( وانتهت المحكمة إلى أن تعويض العامل عن الفصل يقع على عاتق المستخدم السابق.( 09

-9 وتغيير ظروف العمل ( أو شروطه ) تغييرا جوهريا من قبل المستخدم الجديد بحيث يؤدي إلى تغيير النشاط، يحول أيضا دون تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل. ومن الحالات التي صدر فيها قرار محكمة النقض الفرنسية حالة إسناد المستخدم القديم مهمة إدارة المطعم التابع له إلى إحدى الشركات المتخصصة، وكانت هذه الشركة تقوم بنفسها بإعداد الوجبات الغذائية. وبعد فسخ العقد قرر المستخدم 147 إتباع نظام آخر في تغذية العمال، وذلك بشراء وجبات غذائية جاهزة من الخارج ومن ثم قررت محكمة النقض أن هذا التغيير أدى إلى عدم استمرار عقود العمال. ومن ثم يقع عبء إاء عقود العمال الذين كانوا يعملون في الإطعام يقع على الشركة التي كانت مكلفة( بذلك وفسخ العقد معها.( 10

ثانيا- مرحلة اشتراط بقاء فرص نفس الأعمال التي كان يقوم ا العمال سابقا:
-10 كنتيجة لاشتراط استمرار النشاط نفسه أو على الأقل نشاط مشابه له، فقد استقر اجتهاد محكمة النقض الفرنسية أن قاعدة استمرار عقود العمل تطبق عندما تنتقل المؤسسة إلى مستخدم جديد ويستلزم تدخل العمال الذين كانوا يعملون عند المستخدم السابق لاحتلال أعمالهم السابقة وتنفيذها.

أي أن المعيار الذي يجب الاعتماد عليه لتطبيق هذه القاعدة هو البحث عن مدى وجود فرص عمل يحتلها العاملون بعد حدوث التغيير. وفي ذلك ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أنه ” يقع على عاتق قضاة الموضوع التزام بتحديد ما إذا( كانت الأعمال نفسها السابقة على التغيير ما زالت قائمة أم لا “( 11

-11 هكذا إًذا بدأت محكمة النقض الفرنسية تتدرج في التوسع في تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل، بشكل مفرط وتعسفي في كثير
من الأحيان، سعيا منها إلى تأمين مناصب العمل في حال تغير الوضعية القانونية للمستخدم، دون أن تعطي أي اهتمام للشكل القانوني للمؤسسة ولا البناء القانوني الذي يتخذه النشاط بعد التغيير. وكان من نتيجة ذلك توصل المحكمة إلى تطبيق قاعدة استمرار عقود
( العمل على حالات تعاقب المستخدمين، أو بعبارة أخرى تعاقب المقاولين أو الملتزمين على أداء الخدمات.( 12

-12 ومن الصور التي يمكن أن نمثل ا على حالة تعاقب المستخدمين، أن تتعاقد إحدى المؤسسات مع شركة أخرى لضمان خدمة
التنظيف أو الحراسة أو خدمة تسيير مطعم المؤسسة أو نقل عمالها…وعندما تقوم المؤسسة المستفيدة من هذه الخدمات بفسخ العقد مع
هذه الشركة، تعهد بنفس الخدمة إلى شركة أخرى. وهكذا بالنسبة لمحكمة النقض عندما تواصل الشركة الجديدة في تقديم الخدمة
نفسها التي كانت تقوم ا الشركة التي فسخ عقدها، يعتبر ذلك استغلال لنفس المؤسسة، أي أن استخلاف شركة بشركة أخرى في
تقديم خدمة يعتبر تغييرا قانونيا في المؤسسة. وبالنتيجة كل عمال الشركة التي ُفسخ عق  دها تقضي محكمة النقض باستمرارها مع
الشركة الجديدة. ونفس الحكم كانت تقضي به في مجال الأشغال العمومية عندما تتعاقب المقاولات المتقدمة بمناقصات على نفس
( الصفقة.( 13

الانتقادات الموجهة للتوسع في تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل:
-13 هذا التوسع في تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل الذي شمل حتى حالات تعاقب الملتزمين بالخدمة أثار نقاشا واسعا في الأوساط
القانونية في فرنسا، ليس فقط عند الفقهاء وإنما داخل الجهاز القضائي نفسه ونعني بذلك محاكم الاستئناف.
فمحاكم الاستئناف قد رفضت في بعض أحكامها مسايرة محكمة النقض في تطبيقها لقاعدة استمرار عود العمل في حالة تعاقب
🙁 الملتزمين بالخدمات. واستندت هذه المحاكم في ذلك على ما يلي( 14

– أنه لا يمكن القول أن حالة تعاقب الملتزمين بالخدمة يشكل استمرارا للمؤسسة نفسها وبالتالي استمرار لنفس النشاط الذي تقوم به.
لأن هذه الخدمة أمر عرضي في المؤسسة ولا بد أنه زائل يوما ما.

– أن تطبيق القاعدة في هذه الحالة يشكل مخالفة لشرط حدوث تغيير في المركز القانوني للمستخدم. إذ أن تعاقب الملتزمين بأداء الخدمة
لا يفسر إلا بأنه مجرد فقد لصفقة، تبقى على إثرها علاقة العمل قائمة بين هذا الملتزم بالصفقة وعماله، بحيث يستطيع أن يستخدم
عماله في صفقة أو عملية أخرى.

– وأن تطبيق القاعدة في مثل هذه الحالات يؤدي إلى نتائج متناقضة، لأنه عندما يقوم المستخدم الأصلي بفسخ عقد الخدمة لعدم
رضائه عن عمل المتعاقد الأول، ويقوم بعد ذلك بإسناد الخدمة إلى متعاقد جديد، فهو يأمل أن يحقق نتائج أفضل. ولكن إذا طبقنا 148

قاعدة استمرار عقود العمل وألحقنا عمال المؤسسة الأولى بالمؤسسة الجديدة، فهنا إما أن الفشل سوف يكرس وهو الذي كان سببا في فسخ العقد الأول، أو أن المتعاقد الجديد سوف يضطر إلى تسريح هؤلاء العمال بسبب سوء أدائهم للخدمة مما يجعله يتحمل تعويضام عن عدم تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل، إلا إذا استطاع أن يثبت الخطأ الجسيم من جانبهم وهو أمر شبه مستحيل لعدم معرفته( م.( 15

أما الفقه فقد استند في رفضه لتطبيق القاعدة في حالات تعاقب القائمين بالخدمة على ا ُ لحجج التالية: أن تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل في مثل هذه الحالة يؤدي إلى إهدار مبدأ المنافسة الحرة بين شركات الخدمات. فالشركة لا يمكن أن تقدم خدمة متميزة إلا من خلال عمالها الذين كونتهم وأكسبتهم خبرة. أما إلحاق عمال الشركة التي فسخ عقدها بسبب سوء أداء عمالها بالمتعهد الجديد فإن ذلك سوف يمنعه من أداء الخدمة المتميزة. إذ أن مبدأ المنافسة الحرة لا يقبل بأن يشغل المنافس عمال منافسه ( وان يضمهم إلى خدمته.( 16

ويرى جانب من القفه أن محكمة النقض تدعي دائما أن الهدف من توسعها في تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل هو المحافظة على عقود العمل، في حين أا تجيز للمتعهد الجديد تسريح عمال المتعهد السابق على أن يتحمل آثار هذا التسريح أي التعويضات المقررة لذلك. وبالتالي فالحماية التي تقررها هذه المادة حماية وهمية، لأن الأمر لا يتعلق باستقرار هذه العقود وإنما بتحديد من هو المسؤول عن هذا التعويض ، المستخدم القديم أم الجديد.

ويرى الفقه أيضا أن شرط استمرار النشاط غير متوفر في هذه الحالة بسبب عدم استمرار نفس الكيان الاقتصادي الملتزم بالخدمة. إذ أنه لا علاقة بين المتعهد الجديد الذي جاء ينفذ التزامه بالخدمة بناء على عقد جديد وبمعداته ووسائله الخاصة به. ويرى الفقه أخيرا أن تطبيق القاعدة على حالات تعاقب الملتزمين بالخدمة يؤدي إلى الإضرار بالمتعهد السابق وبالمتعهد الجديد على حد سواء.

فبالنسبة للمتعهد الجديد يشكل ضررا لأنه سوف يصبح مخيرا بين أمرين كلاهما ضار، فإما أنه يقوم بتسريح عمال المتعهد
السابق وما يتبع ذلك من تحمل التعويضات، وإما الإبقاء على هؤلاء العمال وهو ليس بحاجة إليهم. أما بالنسبة للمتعهد القديم فإن
فقدانه لعماله بسبب تطبيق قاعدة انتقال العمال إلى المتعهد الجديد بقوة القانون دون الحاجة إلى رضائه، في الوقت الذي يرغب في
( الاحتفاظ م.( 17

المحور الثاني: مرحلة التضييق من نطاق تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل.
-14 نتيجة للانتقادات الموجهة إلى التوسع المفرط في تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل خاصة عندما يتعلق الأمر بحالة تعاقب
أصحاب العمل الملتزمين بالخدمة، بدأت محكمة النقض الفرنسية تتجه نحو التضييق من نطاق تطبيق القاعدة المذكورة، وذلك باشتراط

وجود علاقة قانونية بين المستخدمين المتعاقبين. ونتناول ذلك من خلال المراحل التالية:
أولا- مرحلة اضطراب الاجتهاد القضائي
أصدرت الجمعية العمومية لمحكمة النقض في قضية استمرت وقائعها ما يقرب عشر سنوات، بدء بمحكمة الشؤون العمالية لمدينة ( ليل ) إلى أن عرض التراع على الجمعية العمومية في 15 نوفمبر 1985 مؤيدة الحكم الذي أصدرته الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف من قانون العمل، لا تنطبق على حالة تنازل شركة ” نوڤا L 122 – حيث جاء في هذا الحكم: ( القاعدة الشهيرة في المادة 12 ( Sté Groupe ) ” عن خدمة تنظيف الأماكن إلى ” شركة مجموعة خدمات فرنسا ( Sté Nova-Services ) ” للخدمات وذلك لأن هذه القاعدة لا تطبق إلا إذا كان هناك تغيير في المركز القانوني لصاحب العمل، وأن هذا التغيير ،Services France ( لا ينتج من مجرد خسارة صفقة أو من مجرد حلول متعهد جديد محل متعهد قديم في أداء خدمة من الخدمات).( 18 وذا القرار تكون محكمة النقض قد عدلت عن قضائها السابق باستمرار عقود العمل في حالة تعاقب المتعهدين بالخدمة، بحيث خرج
149
عن مفهوم التغيير القانوني للمستخدم حالات انتقال الخدمة.

غير أن تطبيق هذا الحكم قد ورد عليه عدة استثناءات يمكن تلخيصها فيما يلي:
– الاستثناءات المترتبة عن الاتفاقات الخاصة:
أي إمكانية أصحاب العمل المتعاقبين على أداء الخدمات الاتفاق على تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل رغم عدم توفر شروطها. وفي
هذه الحالة تنتقل عقود عمال المستخدم القديم إلى المستخدم الجديد بناء على الاتفاق المبرم بينهما وليس بقوة القانون. وفي هذه الحالة
( يتقيد الطرفين بشروط الاتفاق لاسيما ما تعلق منه بحقوق العمال والمزايا الممنوحة لهم.( 19

– الاستثناءات المترتبة عن الاتفاقات الجماعية:
والمقصود بذلك أصحاب العمل المتعاقبون والعمال المتضررون من هذا الحكم الذين أبرموا اتفاقات جماعية لاستبعاد تطبيق المبدأ الذي
( قرره هذا الحكم.( 20

– حالة إاء عقد متعهد بالخدمة لتعود هذه الأخيرة إلى صاحب العمل الأصلي دون أن يعهد ا إلى متعهد جديد. وهو استثناء قررته الدائرة الاجتماعية لمحكمة النقض بعد مضي أقل من أربعة أشهر من صدور حكم الجمعية العمومية في 15 نوفمبر 1985 . إذ صدر بصدد هذا الاستثناء حكم في 19 فبراير 1986 وكان يتعلق بحالة إاء المستخدم الأصلي لعقد الحراسة كان يربطه مع إحدى الشركات ليتولى بنفسه عملية الحراسة( 21 ).

وفي نفس السياق صدر في 28 أبريل 1986 حك  م ثا  ن وكان يتعلق بإاء المستخدم ( الأصلي لعقد تنظيف كان يربطه مع شركة متخصصة ليتولى بنفسه أداء هذه الخدمة.( 22 وهكذا – ومن خلال هذه الاستثناءات – لاحظ الفقه أن محكمة النقض بدأت تتجه مج  ددا نحو التوسع في نطاق تطبيق قاعدة استمرار
عقود العمل في حالة تعاقب المستخدمين.

ومن ثم عادت الدائرة الاجتماعية لمحكمة النقض وأصدرت في 12 يونيو 1986 خمسة أحكام قضت فيها بأنه ” يلزم لاستمرار عقود
العمل وجود علاقة قانونية بين المستخدمين المتعاقبين”.

وبناء على هذا الحكم أصبح يستبعد تطبيق هذه القاعدة في حالات تعاقب المستخدمين المتعهدين بأداء الخدمات، والحالات التي تنتقل فيها الخدمة من متعهد إلى متعهد آخر بناء على عقود الامتياز، ولا تطبق كذلك على حالات استرداد المستخدم الأصلي للخدمة ليباشرها بنفسه.

غير أن الأحكام القضائية التي صدرت في هذه المرحلة كانت متضاربة ففي بعض الأحيان تشترط وجود علاقة قانونية بين المستخدمين

المتعاقبين وتارة أخرى لا تشترط ذلك وقد أرجع الفقه أسباب هذا الاضطراب إلى :
– الاستثناءات المذكورة أعلاه
– عدم وضع مفهوم دقيق لشرط حدوث تغيير في المركز القانوني للمستخدم.
– اختلاف حالات تعاقب المتعهدين بالخدمة، إذ منها ما يكون الانتقال مع وجود علاقة على الأقل اقتصادية، كما قد يكون الانتقال دون وجود أية علاقة.

ثانيا- استقرار الأحكام الصادرة عن محكمة النقض:
أمام التضارب الحاصل في الأحكام الصادرة عن الدائرة الاجتماعية لمحكمة النقض بسبب غموض الحكم الصادر عن الجمعية العمومية
لمحكمة النقض في 15 نوفمبر 1985 ، والاستثناءات الواردة عليه، وما تبع ذلك من انتقادات فقهية، وتحت تأثير قوانين اموعة
الأوربية. أصدرت الجمعية العمومية لمحكمة النقض في 16 مارس 1990 ثلاثة أحكام :
150
خلاصة الحكمين الأول والثاني( 23 ) : ” أن قاعدة استمرار عقود العمل تطبق رغم عدم وجود علاقة قانونية بين المستخدمين المتعاقبين
على جميع الحالات التي تنتقل فيها وحدة اقتصادية محتفظة بذاتيتها، متى استمرت في نشاطها أو استأنفت هذا النشاط”.

من تقنين العمل الفرنسي لا تطبق في حالة خسارة صفقة أو عملية. L 122- أما الحكم الثالث فخلاصته أن المادة 12
والظاهر أن محكمة النقض أرادت من خلال هذه الأحكام وضع الضوابط العامة لشرط حدوث تغيير في الوضعية القانونية للمستخدم وهو
تحتفظ بذاتيتها متى ( entité économique ) عدم تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل إلا في الحالات التي تنتقل فيها وحدة اقتصادية
dans le cas de la seul ) استمرت في نشاطها أو استأنف هذا النشاط، وعليه يستبعد تطبيق هذه القاعدة على حالة خسارة صفقة
ففكرة الوحدة الاقتصادية لا تحيل إلى أي شكل قانوني محدد قد تتخذه هذه الوحدة ولا طريقة انتقالها ولم .

( perte d’un marché يعد هناك شرط وجود علاقة قانونية بين الخلف والسلف لتطبيق قاعدة استمرار عقود العمل، وإنما المعتبر فقط هو محل هذا الانتقال وهو ( الوحدة الاقتصادية ومن ثم نستنتج أن تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل في حالة تعاقب المستخدمين لا بد له من شرطين. ( 24
le transfert d’une entité économique autonome conservant ). الشرط الأول: انتقال وحدة اقتصادية محتفظة بذاتيتها (son identité ( et dont son activité est poursuivie ou reprise) . والشرط الثاني: استمرار نشاطها أو استئنافه تحت إدارة جديدة

الشرط الأول: انتقال وحدة اقتصادية محتفظة بذاتيتها.

لم تحدد الجمعية العمومية لمحكمة النقض الفرنسية مفهوم الوحدة الاقتصادية في حكمها الصادر في 16 مارس 1990 ، لهذا حاول الفقه
إعطاء تعريف لذلك ومن هذه التعريفات : ” أن الوحدة الاقتصادية هي مجموع عناصر الإنتاج أو الاستغلال اللازمة لاستمرار النشاط،
ويختلف نوع هذه العناصر وطبيعتها من حالة إلى أخرى. فقد تكون عناصر مادية كالأماكن أو الآلات أو التجهيزات أو مخزون البضاعة
، أو عناصر معنوية كحق العملاء والعقود السارية، أو الحقوق المتعلقة بالعلامة التجارية…”( 25 ) وهو تعريف متفق مع ما ذهبت إليه
26 ) من أنه ” يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند الحكم بوجود انتقال ) محكمة العدل الأوربية في حكمها الصادر في 18 مارس 1986
لوحد اقتصادية تحتفظ بذاتيتها، جميع ظروف الواقع التي تحيط بالواقعة محل التراع. ومن هذه الظروف نوع المؤسسة، وانتقال أو عدم
انتقال العناصر المادية كالمباني أو الأموال المنقولة، وقيمة العناصر المعنوية وقت الانتقال، وكذلك درجة تشابه الأنشطة قبل وبعد الانتقال،
وأيضا مدة توقف الأنشطة، فكل هذه العناصر تساعد على تحديد ما إذا كان هناك انتقال لوحدة اقتصادية أم لا”

وبناء على هذين التعريفين يكون من اختصاص قضاة الموضوع تحديد ما إذا كان هناك انتقال لهذه العناصر إلى المستخدم الجديد أم لا.
ولا يستلزم انتقال جميع العناصر وإنما يكفي انتقال العناصر اللازمة لاستمرار النشاط تحت إدارة جديدة. غير أن محكمة النقض في
1998 قد قدمت تعريفا صريحا للوحدة الاقتصادية وهو : ” مجموعة منظمة من الأشخاص والعناصر المادية وغير المادية التي تسمح
بالقيام بنشاط اقتصادي لتحقيق هدف معين”( 27 ) وهي بذلك تذكر لأول مرة الأشخاص ( أي العمال ) في تعريفها للوحدة
الاقتصادية أي ارتباطهم .

ويقصد باحتفاظ الوحدة الاقتصادية بذاتيتها أن عناصر الاستغلال سواء كانت مادية أو معنوية قد استخدمت نفسها بعد انتقالها في
أداء نفس النشاط السابق أو في أداء نشاط مشابه له.

وتطبيقا لذلك:
يعد انتقالا لوحدة اقتصادية محتفظة بذاتيتها عندما قامت الشركة المستأجرة للعقار الذي كان يستخدم قبل انتقاله كمحل تجاري لإيواء
السيارات باستخدام المكان نفسه وكذلك العلامة التجارية المرتبطة به في ممارسة النشاط نفسه. ونفس الحكم كذلك بالنسبة لحالة
( التنازل عن محل تجاري.( 28
151
وبالعكس لا يعد انتقالا لوحدة اقتصادية محتفظة بذاتيتها حالة حلول مقاول محل مقاول آخر في عملية تنظيف محل تجاري لأن الانتقال
هنا تم دون انتقال عناصر الاستغلال. وكذلك الحال متى حلت شركة لنقل الأشخاص محل شركة أخرى مستخدمة في عملية النقل
التي أسندت إليها سياراا الخاصة.

الشرط الثاني: استمرار النشاط أو استئنافه تحت إدارة جديدة
بالإضافة إلى شرط انتقال وحدة اقتصادية محتفظة بذاتيتها لا بد من تحقق شرط استمرار نشاط هذه الوحدة بعد انتقالها إلى مستخدم
جديد. ولا يشترط أن يستمر النشاط نفسه بل يكفي أن يستمر نشاط مشابه له.
وتطبيقا لذلك:
قضت محكمة النقض بتطبيق قاعدة استمرار عقود العمل على حالة تأجير استغلال محل تجاري كان يستعمل كمقهى ومطعم في آن
واحد ثم استمر هذا النشاط بعد انتقاله إلى مستأجر جديد.
وعلى العكس من ذلك لا تطبق قاعدة استمرار عقود العمل متى انتهت مدة تأجير الاستغلال وأصبح المحل التجاري غي صالح
للاستغلال ففي هذه الحالة لا يتوافر شط استمرار النشاط.

الهوامش:
. 90- 29 . ج ر رقم 17 / 11 مؤرخ في 21 أفريل 1990 يتعلق بعلاقات العمل معدل ومتمم بالقانون 91 / 01 ) قانون رقم 90
2007 المؤرخ في 12 مارس 2007 ، حيث / من قانون العمل بعد تعديل هذا الأخير بالأمر 329 L . 1224- 02 ) ويقابل هذا النص في القانون الفرنسي المادة 1 )
L. 122-12, al كان رقمها قبل هذا التعديل 12
Cas. Soc. 27 fev 1934. Grands arrệts de droit du travail, 2 ed n° 104 (03)
Cass. Soc. 24 oct 1889, Rev, Juris-soc 1989, n° 909 (04)
Cass. Soc. 05 oct 1960. Bull. civ. IV, n° 816 (05)
Cass. Soc.17 juin 1981, Bull. civ. P 421 (06)
Cass. Soc. 09 avr1987. Bull. civ. V, p 127. n° 198 (07)
Cass. Soc. 06 juill 1964. Bull. civ. V, n° 418. (08)
Cass. Soc. 09 juin 1983. Bull, Civ, V, p . 225. n° 358. (09)
Cass. Soc. 05 juill 1983. Bull, Civ, V, p 279, n° 391 (10)
Cass. Soc. 29 mai 1985. Bull. Civ. P 220. n° 307 (11)
SAMAR Nassreddine, changement de l’identité de l’employeur et continuation du contrat de travail: le (12)
SAMAR (13)cas de l’art 74loi 90/11;, revue critique de droit et science politique, univ Tizi-ouzou, p 15.
Nasreddine, Opcit; p 15
Jean DEPREZ et Alain CHIREZ, cession d’entreprise et situations assimilées, étude du régime de l’art L (14)
152
122-12 du code du travailrelatif à la modification juridique de l’employeur, édition Francis Lefebre- Paris,
decembre 1984, p 15.
la décision d’app, DE Douai, dans ass, plén de la cour de cass, 15 nov 1985, Bull, V , n°7 et 8 . p 11. (15)
H. Blaise, les modifications dans la personne de l’employeur, l’art L.122-12 dans la tourment. Dr. Soc. (16)
Déc. 1986, p. 837
Veronique Bertrand, transfert des contrats de travail et cession d’entreprise, éd, Braylant- (17)
Bruxèlles,1988, p 31
la décision d’app, DE Douai, dans ass, plén de la cour de cass, 15 nov 1985, Bull, V , n°7 et 8 . p 11. (18)
Cass. Soc. 03avr1991. Dr. Du travail. 1991. n° 05. p18 (19)
Marie-Hélène Chezlemas, la situation des salariés dans les opérations de transfert d’entreprise en droit (20)
comparé, L.G.D.J. 2008, p 64
Cas. Soc. 19 fev 1986. Bull. Civ. V. n°8. p. 7 (21)
Cass. Soc. 28 avril 1986. Rev. Juris-Soc.1986. n° 6. p 48 (22)
Cass. Ass. Plén. 16mars 1990. Deux arrêts.Bull. Civ. Ass. Plén.n°4. RJS. 4/90. n° 281. D. 1990. jurisp. (23)
P. 305
Patrick MORVAN, restructurations en droit social, Litec, Paris, 2007, p. 48 (24)
G. Couturier, Droit du travail, T 01, les relations individuelles de travail, PUF, 1990, n°232, p 353 (25)
CJCE. 18 mars 1986. aff, 24/85. Rec. CJCE; 1986-3. p. 1119 (26)
Cass. Soc. 7 juill 1998. Bull. civ. V. n° 363. p. 275 (27)
Cass. Soc. 13 juin 1990. Bull. civ. V. n° 273. nos274 et 276 (28)