اولاً. ماهية واجبات الدولة

ان ممارسة الفرد للنشاط الاقتصادي ، تشمل عدة مجالات ، ومنها المجال التجاري والصناعي ، لذلك تقر بعض الدساتير بحق الفرد في حرية نشاطه التجاري والصناعي .وتتولد عن هذا الحق ، عدة واجبات ، تتولى الدولة وظيفة القيام بها ومن ابرزها :

واجب الاعتراف بالحق في حرية الصناعة والتجارة.

واجب كفالة الحق في حرية الصناعة والتجارة.

واجب تحديد نطاق الحق في حرية الصناعة والتجارة.

1- واجب الاعتراف بالحق في حرية الصناعة والتجارة:

يقتضي الصالح المشترك ترك امكانات الفرد تنشط ، على انه طالما كان الفرد كائناً اجتماعياً بطبعه لا يحيا الا في نطاق الجماعة ، فان اساس حريته في ممارسة نشاطه الاقتصادي ومداها يتوقف على تركيبه وطبيعة النظام السياسي والفلسفة التي يقوم عليها .

واذا كان مضمون حرية النشاط الاقتصادي للفرد تتباين من دولة لأخرى وفقاً للمذهب السياسي والاقتصادي، فان من واجب الدولة – بصفة خاصة- ان تقنن اعترافها بالحق في حرية التجارة والصناعة. وتقنين هذا الحق يستلزم ان تعمل السلطة التأسيسية الاصلية على سن مبادئه في وثيقة الدستور. ومن المبادئ الدستورية التي تحدد محتوى واجبات الدولة في الوثيقة الدستورية ما يأتي :

لكل انسان الحق في ممارسة النشاط التجاري والصناعي الذي يرغب فيه .
تكفل الدولة تشجيع المبادرات الفردية في مزاولة مختلف اوجه النشاطات التجارية والصناعية .
يتوجب على الدولة ان تمنع سلطاتها العامة من المساس غير المشروع بحق الفرد في حرية التجارة والصناعة .
يجب على الدولة ان تتخذ الاجراءات اللازمة التي من شأنها ان توسع نطاق النشاط التجاري والصناعي(1).

2- واجب كفالة الحق في حرية الصناعة والتجارة:

حق الإنسان في حرية التجارة والصناعة ، يعد دعامة اساسية للحقوق الاقتصادية .

وتمتع الإنسان بهذا الحق ، يوجب على الدولة ان تبادر الى اتخاذ تدابير واجراءات تكفل وتحمي ممارسة مختلف اوجه النشاط الاقتصادي . ومن التدابير التي يتوجب على الدولة ومؤسساتها ان تحرص على القيام بها ، تبرز، التدابير التشريعية والتنفيذية . ومن اهم المبادئ التي يتوجب تقنينها في التشريعين الدستوري والعادي ، ما ياتي :

يجب على الدولة ان تصون حرية مباشرة الافراد للنشاطات التجارية والصناعية وما ينتج عنها من علاقات متبادلة ، واتصالات وابرام العقود .
يجب على الدولة ان تتدخل لمنع أي اجراء غير قانوني ، يحول دون مزاولة الافراد للنشاط التجاري والصناعي الذي يلبي رغباتهم .
ينبغي على الدولة ان تعتمد على تخطيط نظام اقتصادي ، وفقاً للمعايير الموضوعية، وبهدف تحقيق الرفاهية ورفع مستوى المعيشة(2).
ينبغي على الدولة منح مزايا تفصيلية لمن يبادر من الافراد في انشاء وتطوير الجانب الصناعي والتجاري وكذلك المجال المصرفي والنقدي .
يتوجب على الدولة ، ان تتعاون مع الافراد بوضع برامج مستقبلية من اجل استصلاح الاراضي الزراعية ، وانشاء مشاريع صناعية تساعد على خلق فرص عمل لفئات واسعة(3).

3- واجب تحديد نطاق الحق في حرية الصناعة والتجارة:

من غير الصواب ان ترى في الحق الفردي خصيصة لا يحدها الا قيام ما للاخرين من حقوق فردية مماثلة، لان نسبية الحقوق لا تنحدر عن احتكاكها ببعضها البعض، بل ان نسبيتها تنحدر من ذات طبيعتها المتكيفة بالغاية منها ، فالحرية توجد لتمارس في مجموع ، فهي لا تفصل الفرد عن الجماعة ، بل تمكنه من العيش فيها ، ومن الاسهام في تحقيق الغايات الاجتماعية، وهذا التضامن الذي يربط الفرد بالمجموع هو الاساس الذي ينطلق منه المشرع في تنظيم الحرية الفردية.

ومن هذا التضامن يستمد تنظيم الحرية مشروعيته فهو يستمد مشروعيته من خدمته للغاية الاجتماعية، الا وهي تحقيق حياة اقتصادية افضل .

وعلى اساس ما تقدم ، تتدخل الدولة لتنظيم الحق في حرية التجارة والصناعة ، ويشمل هذا التنظيم ، تحديد نطاق الحق وتبيان القيود التي ترد عليه .

فمن واجب الدولة ان تشترط توافر شروط معينة في منح الترخيص لمزاولة الانشطة التجارية والصناعية ، وكذلك تحديد الغاية من مزاولة هذه الانشطة ، وفرض الرقابة على مختلف جوانب النشاط الاقتصادي(4).

ثانياً: تنظيم واجبات الدولة

– النظم الدستورية:

اقرت بعض الدساتير بحق الفرد في حرية نشاطه التجاري والصناعي ، من هذه الدساتير الدستور العراقي لعام 2005 ، اذ اقر هذا الحق واوجب على الدولة وسلطاتها العامة الاقرار بهذا الحق لكل شخص في ممارسة النشاط التجاري والصناعي الذي يرغب فيه وكذلك على الدولة اصلاح وبناء الاقتصاد العراقي على وفق اسس اقتصادية حديثة لضمان استثمار كامل موارده . واوجب على الدولة ومؤسساتها العامة تنظيم هذا الحق وتحديد نطاق ممارسته وتبيان القيود التي ترد عليه وان تشترط شروط معينة لمنح الترخيص لممارسة هذه المهنة ومعرفة الغاية من ممارستها ، واوجب الدستور على الدولة ايضا حماية هذا الحق وتجريم الاعتداء او المساس غير المشروع سواء اكان من افراد السلطة العامة ام الافراد العاديين وان تتخذ الاجراءات الكفيلة بحمايته .وعلى الدولة تشجيع القطاع الخاص في مزاولة الافراد مختلف اوجه النشاطات التجارية والصناعية ومنح بعض المزايا التفضيلية وخاصة في المجال النقدي، والاشتراك مع الافراد في تخطيط النظام الاقتصادي ووضع برامج مستقبلية تواكب التطورات العلمية الحديثة والمساهمة معهم في بناء مشاريع صناعية بهدف رفع مستوى المعيشة للافراد وتنمية هذا القطاع . وعلى الدولة تشجيع البحث العلمي والابداعات والابتكارات التي تخدم الإنسانية . واوجب الدستور على الدولة وسلطاتها العامة بفرض الرقابة على مختلف او هذا النشاط وما ينتج عنها من علاقات متبادلة ، واتصالات وابرام العقود وذلك لمنع الاستغلال الاقتصادي ومنع الاتجار بالممنوعات والمحرمات . وعلى الدولة عقد اتفاقيات دولية مع الدول المتطورة صناعياً وتجارياً لتنمية هذا النشاط وذلك لتحقيق الرفاهية للشعب(5).

وكفل الدستور المصري لعام 1971 الحق في حرية التجارة والصناعة واوجب الدستور على الدولة الاقرار بهذا الحق وكفالته . واوجب على الدولة وسلطاتها العامة تنظيم هذا الحق وان تضمن تشريعاتها قواعد واحكام تتولى مهمة تنظيمه وادارته بصورة سليمة دون انحراف او استغلال وان يمارس وظيفتها الاجتماعية في اطار التنمية وفي خدمة الاقتصاد القومي . وعلى الدولة الاعتراف بالصناعات الحرفية وتشجيعها والتعاون مع الافراد لاجل تطوير الانتاج كل ذلك لزيادة الدخل ورفع مستوى المعيشي للافراد .وعلى الدولة حماية هذا الحق وتجريم أي اعتداء سواء اكان من افراد السلطة العامة ام الافراد العاديين ، وان تفرض الرقابة على مختلف اوجه هذا النشاط لحماية الكسب المشروع وكل ذلك لمنع الاستغلال الاقتصادي والاتجار بالممنوعات .وعلى الدولة عقد اتفاقيات دولية لتنظيم العلاقات التجارية والصناعية وذلك لادخال التقنيات الحديثة على صناعتها المحلية كل ذلك لتحقيق الرفاهية للشعب . وضمن الدستور الايطالي لعام 1947 الحق في حرية التجارة والصناعة ، واوجب على الدولة وسلطاتها العامة الاقرار بهذا الحق وتمكين المواطنين من ممارسة هذا النشاط وبازالة جميع العوائق واوجب الدستور على الدولة ايضا الاعتراف بهذا الحق لجميع المواطنين وفقاً لامكانياته وقدراته واختياره الشخصي كل ذلك من اجل تقدم المجتمع وعلى الدولة ايضا تشجيع تطور البحث العلمي والتقني . وعلى الدولة ومؤسساتها العامة حماية هذا الحق وتجريم أي اعتداء او مساس غير المشروع سواء اكان من افراد السلطة العامة ام الافراد العاديين . واحال الدستور الى السلطة التشريعية سن قوانين تتضمن احكام وقواعد تتولى مهمة تنظيم هذا الحق وفرض قيود وشروط معينة لممارسته حتى لا يتعارض مع المنفعة الاجتماعية والنظام العام والامن وحماية لحريات الاخرين والحفاظ على الكرامة الإنسانية وكذلك تحديد القانون البرامج والشروط اللازمة لتوجيه وادارة النشاطات الاقتصادية سواء اكانت عامة ام خاصة بهدف تحقيق المصلحة العامة.على الدولة تشجيع العمل الحرفي والتعاون مع الافراد لتطويره ونموه على الوجه الافضل . وضمن الدستور السويسري لعام 1999 الحق في حرية الصناعة والتجارة ، واكد على الدولة ومؤسساتها العامة الاقرار بهذا الحق لجميع الاشخاص باختيار مهنته ونشاطه بلا قيود او عوائق من اجهزة الدولة .واوجب الدستور على الدولة وسلطاتها العامة احترام مبدأ الحرية الاقتصادية وحمايته وتجريم أي اعتداء او مساس غير المشروع سواء اكان من افراد السلطة العامة ام الافراد العاديين . وعلىالدولة الاقرار بممارسة النشاط الاقتصادي الخاص ، واحال الدستور الى السلطة التشريعية بصياغة قوانين تضمن في تشريعاتها قواعد واحكام تتولى تنظيم هذه الحرية وكيفية ممارستها ووضع شروط مناسبة النشاط الاقتصادي الخاص وتحديد نطاقه وتبيان القيود التي ترد عليه واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع الاساءة في تحديد الاسعار وحماية المستهلك من المنافسة غير المشروعة ، وعلى المشرع تنظيم الاعمال المصرفية واسواق لا وراق المالية والخدمات المالية والتامين الخاص . وعلى الدولة حماية المصالح الاقتصادية في الخارج ، وان تتخذ الاجراءات ولو بصورة مؤقته ويضمن تجهيز البلاد بالسلع الأساسية والخدمات في حالة تهديدات الحرب العسكرية او الاقتصادية او النقص في الاقتصاد .

– الدستور الدولي المشترك :

اقر الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الحق في حرية التجارة والصناعة ، وحث الدول الاعضاء على الاقرار بهذا الحق لكل شخص في اختيار عمله واوجب على الدول فرض شروط عادلة ومرضية وكذلك الاقرار بحق كل شخص في الاسهام في التقدم العلمي والتقني ، واوجب على الدول الاعضاء حماية مصالح الافراد المادية والمعنوية المترتبة على أي انتاج علمي او ادبي او فني من صنعه .

وضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 الحق في حرية التجارة والصناعة ، واوجب على الدول الاعضاء في هذا العهد الاقرار بحق كل شخص في اختيار عمله ومنع الدول الاطراف من فرض عمل او مهنة على شخص تعسفاً، واوجب على الدول حماية هذا الحق وتجريم أي اعتداء او مساس غير مشروع سواء اكان صادراً من افراد السلطة العامة ام الافراد العاديين ، ويجب على الدول ان تصون هذا الحق ووضع برامج التوجيه والتدريب التقني والفني والمهني بهدف تحقيق تنمية اقتصادية .

________________

1- د. عصمت عبد الله الشيخ ، النظم السياسية ، ط2، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1997 ، ص300. و د. رافع خضر صالح شبر، واجبات الدولة المتولدة عن الحقوق المتصلة بنشاط الإنسان، بحث غير منشور، 2006 ، ص13.

2- احمد عباس عبد البديع ، تدخل الدولة ومدى اتساع مجالات السلطة العامة ، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ،2001 ، ص170.

3- سامي سالم الحاج ، عقوبة الاعدام بين الابقاء والالغاء ، ط1، معهد الاتحاد العربي ، بيروت، ط1، 1988 ، ص70.

4- احمد عباس عبدالبديع، تدخل السلطة، المصدر السابق،ص16.

5- ينظر المواد (24 ، 25 ، 26 ، 29 ، 34) من الدستور .

المؤلف : كوثر عبد الهادي محمود الجاف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري لعلاقة الدولة بالفرد

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .