يعد الفعل الواقع على حرمة المسكن اعتداء او انتهاكاً للحرية الفردية التي لكل انسان الحق في ان يمارسها داخل مسكنه بمنأى عن تدخل الغير، لذلك فان الرضاء في انتهاك حرمة المسكن له دور خاص لاعتبار ان هذا الاعتداء قد يرتكبه أحد الأفراد او قد يرتكبه موظف عام.

أ – الرضاء مانعاً من الوجود القانوني للركن المادي في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الفرد ، كما للرضاء في هذه الحالة دور يختلف عن دوره في حالة الموظف العام وذلك لأن المشرع المقارن … إشترط لقيام الجريمة اصلاً ان ترتكب ضد ارادة الرفض الصريحة او الضمنية من جانب صاحب الحق في منع الغير(1) ، لذا فإن الرضاء في هذه الحالة مانع من الوجود القانوني للركن المادي(2) . كما ان تبرير الإباحة في هذه الحالة ليس سبباً لانتفاء عدم المشروعية (سبب إباحة) لأن السمة الغالبة لأسباب الاباحة تفترض ان الفعل يقع مستكملاً لجميع العناصر التي تجعل منه جريمة ، فإذا كان هناك ضرر اجتماعي بالرغم من الرضاء فسوف لا يكون للرضاء اية قيمة قانونية في اباحة الفعل ، بل يبقى غير مشروع ومستوجباً للعقاب (3) ، غير ان الرضاء في هذه الحالة يعد من قبيل السلوك المتلائم مع طبيعة العلاقات الاجتماعية (4) . ويشترط في الرضاء الذي يحول دون قيام الركن المادي في جريمة انتهاك حرمة المسكن ما يأتي :

1 – ان يكون الرضاء صادراً من ذي آهلية ، بمعنى آخر تقوم الجريمة اذا انتهز الجاني فرصة فقدان المجني عليه شعوره او اختيار لجنون او عاهة في العقل او لأي سبب آخر .

2 – ان يكون الرضاء سابقاً او معاصراً لوقوع الفعل ، فالرضاء السابق هو الذي يصدر قبل البدء في ارتكاب الفعل التنفيذي ، اما الرضاء المعاصر فهو الذي يصدر لحظة البدء في التنفيذ، ويشترط الفقه في الرضاء السابق ان يستمر حتى لحظة تمام الفعل (5) فلا عبرة بالرضاء ما دام المجني عليه غير راضٍ عن الفعل وقت وقوعه (6) ، والواقع ان اشتراط ان يستمر الرضاء السابق حتى لحظة تمام الفعل يتفق مع الطبيعة القانونية للرضاء بوصفه تعبيراً عن الارادة المنفردة لصاحب الحق في التصرف بحقه في حرمة المسكن (7) ، اما بصدد الرضاء اللاحق لا يكون مانعاً من توافر اركان الجريمة ، اذ لا قيمة له الا في محيط استخدام القاضي لسلطته التقديرية في اختيار العقوبة الملائمة ، ولو ان بعض الفقه (8) يذهب الى ان الرضاء اللاحق في حالة المصلحة القانونية القابلة للتصرف فيها له قيمة فقط في انتفاء الركن المعنوي في الجريمة ، الا ان هذا الرأي بتقديرنا المتواضع غير مقبول لأن الجريمة تقوم اصلاً ضد ارادة الرفض الصريحة أو الضمنية من جانب صاحب الحق في المسكن ، ومن ثم فان الرضاء اللاحق بعد تمام الفعل لا أثر له عن قيام الجريمة باركانها التي يتطلبها القانون .

1 – ان يكون الرضاء غير مشوب بالغش أو الغلط (9) او الاكراه ، اي ان يكون الرضاء صادراً عن ارادة سليمة مما يعيبها (10) فضلاً عن ان تكون الارادة واضحة في التعبير عن الرضاء ، بالاضرار بحق حرمة المسكن ، ويستوي بعد ذلك ان تكون الارادة صريحة او ضمنية (11) .

2 – كما يشترط اخيراً ان يكون الرضاء صادراً ممن يملكه قانوناً (12) ، وهو الشخص صاحب الحق في حرمة المسكن ، والمصلحة المحمية من تجريم الاعتداء على المسكن هي الحرية الفردية ، لذلك قد يتعدد الاشخاص اصحاب الحق في المصلحة المحمية ، ومن ثم يجب ان يصدر الرضاء ممن له الحق في ان يمنع او يسمح للغير بالدخول او البقاء في المنزل .

ب – الرضاء سبباً لانتفاء عدم المشروعية في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الموظف العام ،وعليه يختلف دور ارادة المجني عليه في (جريمة انتهاك حرمة المسكن)في التشريعات الجزائية ، ففي حين تشترط بعض التشريعات (13) ان يحدث دخول الموظف العام بغير رضاء صاحب الشأن . ومن ثم فان الرضاء يعد حائلاً دون الوجود القانوني للركن المادي ، اي ان حكم الرضاء في حالة الموظف العام هو ذات الحكم في حالة الفرد ، اما بعضها الاخر(14) فلم تشترط ان يرتكب الدخول او البقاء ضد ارادة صاحب المسكن سواء اكانت صريحة ام ضمنية حتى تتحقق الجريمة ، وهذا في تقديرنا المتواضع هو ما ينبغي الأخذ به ، باعتبار ان الاعتداء على حرمة المسكن من جانب الموظف العام يحدث بعيداً عن ارادة صاحب المسكن ، اذ يرجح بعضهم (15) سبب ذلك الى ضرورة اضفاء نوع من الحماية الصارمة على حرمة المسكن التي يكفلها الدساتير لحماية الحرية الفردية التي للانسان ان يمارسها في منزله بمنأى عن تدخل السلطة العامة. ومن جهة اخرى فان رضاء المجني عليه كثيراً ما يعد نوعاً من الرضوخ والاستسلام والاذعان خشية سلطان الوظيفة العامة ، او الجهل بالقانون الذي يستمد منه الموظف العام سلطة القيام بالعمل (16) . فاذا كان من المسلم به فقهاً ان الحق في حرمة المسكن من الحقوق التي يجوز التصرف فيها ، فان مصلحة الدولة ان تكون الاعمال والتصرفات التي يقوم بها الموظف العام تتفق و القانون ، ومن ثم فان خروج الموظف العام عن هذه الحدود لا ينفي الجريمة ، فالموظف ممنوع بصفة مطلقة من دخول المنزل او البقاء فيه في غير الحالات المحددة في القانون ، على اعتبار ان المصلحة المحمية قانوناً من تجريم اعتداء الموظف على المسكن مزدوجة اي انها تجمع بين مصلحة الفرد والمصلحة العامة (17) .

بناءاً على ما تقدم يتضح اثر الرضاء بوصفه سبباً لانتفاء عدم المشروعية ، على اساس ان عدم المشروعية ركن قائم بذاته لذلك يطلق عليه بعضهم (18) سبب اباحة ، وبناءاً على ذلك يمكن القول ان عدم المشروعية ركن قائم بذاته في الجريمة ، فقد استقر الفقه على ان رضاء صاحب المنزل الذي يبيح الدخول للاطلاع كتفتيش المنزل مثلاً يسقط البطلان (19) ، بمعنى ان التفتيش يجوز لمأمور الضبط القضائي في غير الحالات التي يحددها القانون ، اذا كان ذلك بناءاً على موافقة صاحب الشان ، لأن تقييد المشرع في التفتيش بضوابط معينة انما يقصد منه حماية حرية الاشخاص ومستودع اسرارهم ، فاذا اراد الشخص التنازل عن هذه الحماية كان له ذلك (20) .الواقع انه يجب عدم الخلط بين الدخول الذي يبيحه الرضاء وبين التفتيش الذي يتميز احياناً بانه قيد استثنائي على حرمة المسكن لأنه انتهاك لحق السر ، لذا لا يتوقف إجراؤه على ارادة صاحب المسكن وانما على ارادة المشرع في احوال معينة وطبقاً لضوابط محددة ، لذلك فانه يتسم بطابع الجبر والاكراه شأنه في ذلك شأن بقية اجراءات التحقيق، فاذا كان الحق في حرمة المسكن في الحقوق التي يجوز التصرف فيها فانه يجوز لصاحبه التنازل عن حصانته فيسمح للغير بدخوله للاطلاع على ما فيه ، وبذلك يخرج عن نطاق الحق في السر (21) ، وبهذا نستنتج ان رضاء المتهم بالدخول يبيح الاطلاع وليس التفتيش ، كما ان الرضاء في هذه الحالة ينفي عن سلوك مامور الضبط القضائي عدم المشروعية ، ومن ثم يكون مبرراً ، ويصح ما يعقبه من اجراءات لاستنادها الى دخول مشروع ، ويشترط في الرضاء في هذه الحالة علاوة على الشروط التي اوردناها في الرضاء ليكون مانعاً من الوجود القانوني للركن المادي في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الفرد ، ما يأتي :

1 – ان يكون الرضاء صريحاً (22) فلا يعتد بالرضاء الضمني الذي ينتج عن السكوت ، اذ من الجائز ان يكون هذا السكوت منبعثاً عن الخوف والاستسلام كما ذكرنا انفاً ، فضلاً عن انه قد يسكت عن المعارضة فيه على مضض مفترضاً ان مأمور الضبط يعمل بمقتضى القانون (23) .

2 – ان يكون الرضاء حاصلاً قبل الدخول في المنزل ، وبعد الالمام بظروف التفتيش وبالغرض منه ، وبان من يريد التفتيش لا يملك قانوناً حق اجرائه (24) .

3 – ان يصدر الرضاء ممن يعلم بحقه في رفض التفتيش ، فاذا كان رضاؤه تم بناءاً على اعتقاده بأن بيد مأمور الضبط القضائي اذناً بالتفتيش صادراً من سلطة التحقيق لا يملك بصدده رفض التفتيش كان رضاؤه باطلاً (25) .

وخلاصة ما في الامر انه اذا ما توافرت شروط الرضاء الصريح من قبل صاحب المسكن او ممن يعد حائزاً عليه له وقت غيابه (كزوجته واولاده البالغين) ، فانه يجوز للغير الاطلاع على المسكن وما يحويه اطلاعاً صحيحاً ، اياً كانت صفة هذا الغير ، ولا يحق بعد ذلك لصاحب المسكن ان يدفع ببطلان التفتيش ، ولا يجوز بعد ذلك الرجوع بالرضاء بعد صدوره ، طالما تم الدخول والاطلاع او المعاينة …….الخ ، ولم يشترط القانون طريقاً معيناً لاثبات صحة الرضاء ومن ثم يخضع توافر الرضاء وصحته لتقدير المحكمة (26) .

__________________

1- ينظر: ص153 من هذه الاطروحة .

2- ينظر: د. مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات/ القسم العام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ،
1979م ، ص236 .

3- ينظر: د. علي راشد ، المفهوم الاجتماعي للقانون الجنائي أو نظرية القانون الجنائي
الاجتماعي ،مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، العدد الأول ، السنة العاشرة ،
1968م ، ص 508 . وكذلك د. أحمد فتحي سرور، أصول قانون العقوبات/ القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1979م ، ص 319 فقرة 176 .

4- ينظر: د. رمسيس بهنام ، النظرية العامة للقانون الجنائي ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ،
1968م ، ص411 .

5- ينظر: د.مأمون محمد سلامة، القسم العام ،مصدر سابق ، ص240 .

6- ينظر: د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات/ القسم العام ، ط(9) ، مطبعة
جامعة القاهرة،القاهرة ، 1974م ، ص192 . فقرة 124 .

7- ينظر: د.حامد راشد ، مصدر سابق ، ص448 .

8- كالفقيه الايطالي (جرسبيني) . ينظر : د.حامد راشد ، المصدر السابق .

9- ينظر: د.محمود محمود مصطفى ،القسم العام ، مصدر سابق ، ص192 .

10- ينظر: د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم العام ، ط(4) ، دار النهضة
العربية ،القاهرة ، 1977م ، ص273 .

11- ينظر: د. مأمون محمد سلامة، مصدر سابق ، ص240 .

12- المصدر السابق .

13- ينظر:المادة (326) من قانون العقوبات العراقي ، والمادة (128) من قانون العقوبات المصري والمادة
(181/1) من قانون العقوبات الاردني والمادة (184) من قانون العقوبات الفرنسي .

14- كما في المادة (615) من قانون العقوبات الايطالي .

15- ينظر: د.حامد راشد ، مصدر سابق ، ص452 .

16- Manzini Vencenzo ، Trattato di diritto penale italiano Quintaed ، 1981 ، p(856)

نقلاً عن د.حامد راشد ، مصدر سابق ، ص223 .

17- المصدر السابق ، ص453 .

18- لذلك يرى العديد من الفقهاء تسميتها بحالات انعدام الصفة الاجرامية او المشروعية او انتفاء عدم المشروعية مرادفاً لاسباب الاباحة . ينظر : د.علي راشد ، مصدر سابق ، ص495 و د. مأمون محمد سلامة ، القسم العام ، مصدر سابق ، ص169 .ولو اننا استعملنا مصطلح (اسباب الاباحة) في اكثر من موضوع تماشياً مع السائد في الفقه .

19- ينظر: د.رؤوف عبيد ،المشكلات العلمية الهامة في الاجراءات الجنائية ، ج1 ، ط3 ،دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1980م ،ص124 وما بعدها .

20- ينظر: د. فوزية عبد الستار، شرح قانون الاجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،1982م، ص262 وينظر كذلك : بحثها ، عدم المشروعية في القانون الجنائي ، مجلة القانون والاقتصاد ، العددان (3 ، 4) السنة (46) ، 1971 م ، ص 467 وما بعدها .

21- ينظر: د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص457 .

22- ينظر: نقض جنائي في 27/5/1963 م مجموعة احكام النقض المصرية سنة (14) رقم(90)،ص4610.

23- ينظر: د. فوزية عبد الستار، الإجراءات الجنائية، مصدر سابق ، ص281 .

24- ينظر: د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص 459 .

25- ينظر: د. عبد الحميد الشواربي ،اذن التفتيش في ضوء القضاء والفقه ، منشأة المعارف الاسكندرية ، بدون سنة طبع ، ص134 وما بعدها .

26- ينظر: المصدر السابق ، ص135 .

المؤلف : علي احمد عبد الزعبي
الكتاب أو المصدر : حق الخصوصية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .