الأدوار الفعلية لهيئة كتابة الضبط في تدبير السجل التجاري
حظيت مؤسسة السجل التجاري، بعناية فائقة من طرف المشرع المغربي من خلال مدونة التجارة، حيث تطرقت المدونة الى كل الجوانب التنظيمية والإجرائية التي تنظم العمل بمكتب السجل التجاري، والذي يتولى تدبيره اطر وموظفي هيئة كتابة الضبط، حيث يسهرون على القيام بكل الإجراءات والمساطر المتعلقة به، سواء في المراحل الأولى لإعداده، مرورا بالتقيدات ثم وصولا إلى التشطيبات.

فكما هو واضح من خلال مواد مدونة التجارة، وباقي القوانين الأخرى ذات الصلة، كقانون الشركات، فان المهام السالفة الذكر، أسندت إلى كتابة الضبط، بينما لم تشر هذه القوانين إلى أي مقتضى قانوني يسند بموجبه مهمة تدبير هذه المؤسسة إلى قاض السجل التجاري ،غير أن المشرع افرد المادة 28 من مدونة التجارة، حيث نص بموجبها على إشراف قاض السجل التجاري على هذه المؤسسة، وهنا يمكن طرح مجموعة من التساؤلات عن المغزى من جعل مؤسسة السجل التجاري تحت إشراف قاض،

في حين أن باقي المواد الأخرى فصلت المهام بالتدقيق ولم تحدد أي إجراء تدبيري بالمطلق يقوم به القاضي في هذه المؤسسة، من غير مهمة الإشراف الصوري والذي لا ينهض على ارض الواقع بتاتا ؟؟

فهذا الوضع يطرح أكثر من علامة استفهام عن الدافع التي تجعل هيئة كتابة الضبط قاصرة في نظر المشرع المغربي لتناط بها مهمة الإشراف المباشر على مؤسسة السجل التجاري، علما أن كل الإجراءات والتدابير المسطرية في شتى الشعب يمارسها كتاب الضبط وتحت مسؤوليتهم، إلا انه على مستوى المسؤولية المباشرة، نجد أن هناك تغييب مؤسس للأدوار التنفيذية التي تتولاها هده الشريحة.

فالسجل التجاري واحد من الأمثلة التي يبرز فيها اقصاء لمؤسسة كتابة الضبط من الإشراف والتدبير المباشر للملفات التي تقوم هي نفسها بكل الإجراءات المسطرية لتهيئتها، مما دفعنا الى التساؤول والبحث عن الأدوار الحقيقية التي تقوم بها هيئة كتابة الضبط في تدبيرها وتسييرها لعدد من الملفات القانونية، وذلك من خلال هذا الموضوع الذي حاولنا من خلاله دراسة بعض الأدوار التي يقوم بها كاتب الضبط داخل مؤسسة السجل التجاري وذلك بتقسيم الموضوع الى قسمين:

ارتأينا في القسم الأول دراسة:
1-دور قاض السجل التجاري في تسيير وتدبير مؤسسة السجل التجاري.

وفي القسم الثاني سنتولى ابراز:
2-الأدوار الفعلية لهيئة كتابة الضبط في اجراءات السجل التجاري.

1- دور قاض السجل التجاري في تسيير وتدبير مؤسسة السجل التجاري

يعد قاض السجل التجاري حسب مدلول المادة 28 من مدونة التجارة، أنه المسؤول المباشر عن مراقبة مسك السجل التجاري ومراعاة الشكليات الواجب إتباعها بخصوص التقييدات التي تباشر فيه من طرف رئيس المحكمة أو القاضي المعين من طرفه كل سنة، فما يفهم من مدلول هذا النص أن الدور البارز والأساسي في تدبير هذه المؤسسة، يقوم به قاض السجل التجاري، بيد ان الواقع العملي هو عكس ذلك، وما يفند هدا الطرح هو المهام اليومية التي يتولى القيام بها الموظفين الموكول إليهم مهمة تدبير السجل التجاري على مستوى كل المحاكم , فكل الإجراءات كيفما كان شئنها يزاولها هؤلاء الموظفون بداء من المراحل القبلية وما سيتتبعها من مساطر تقنية تتطلب إلمام كافي ودراية كبيرة بكل المقتضيات القانونية والمسطرية مرورا بالمراحل البعدية ثم المراحل النهائية اللاحقة عن عملية التشطيب.

فأمام جسامة هده المهام وحساسيتها القصوى, نظرا لارتباطها الوثيق بالحقوق المالية للأشخاص الطبيعيين والمعنويين, يظل كاتب الضبط هو الوصي الفعلي عن تدبير هده المؤسسة ودلك بمقتضى النصوص القانونية , فبالرجوع إلى المواد 30 و36-40–43-44-51-52-53-54 من مدونة التجارة ,حددت مجموعة من التدابير والمهام الفعلية التي يتولى كاتب الضبط تحديدا القيام بها لغرض التدبير والتسيير في مؤسسة السجل التجاري, دون الإشارة إلى أي متدخل أخر سواء كان قاض أو نائب لوكيل الملك أو أية جهة أخرى ,فهدا الاختصاص الحصري والفريد الذي أناطه بكاتب الضبط,افرغ محتوى المادة 28 من مضمونها الصوري وعزز المكانة المحورية لكاتب الضبط في علاقته بالسجل التجاري بشكل صريح, وان كان من الإنصاف الإشارة إلى تلك المهام بشكلي أصلي وواضح في كل مواد المدونة,

لا بان يجعل الإشراف لفائدة قاض السجل التجاري الذي تعينه الجمعية العمومية السنوية , وهدا إن دل على شيء فانه يذل على التحجيم والوصاية التي يراد إحاطتها بهيئة كتابة الضبط والتحقير والإذلال الذي ينتهج في حقها لكي تظل جهاز ثانوي موصى عليه وقاصر من الناحية النصية وان كان في الواقع هو الأداة المحورية والفاعلة في قطاع العدالة برمته ,بالنظر إلى حجم وجسامة المهام المسندة إليه في كل الشعب والأقسام والمكاتب دون استثناء . فهدا الوضع دفعنا في القسم الثاني من هدا الموضوع إلى إماطة اللثام عن التدابير والمهام بالتفصيل التي يتولى كاتب الضبط في مؤسسة السجل التجاري القيام بها.

2- الأدوار الفعلية لهيئة كتابة الضبط في إجراءات السجل التجاري.

ظلت هيئة كتابة الضبط ومند عقود الأداة المحورية لبلورة كل الإجراءات والتدابير المسطرية على ارض الواقع ,وذلك من خلال قيامها بمجموعة من المهام الفعلية داخل مؤسسة السجل التجاري في جميع المحاكم بدون استثناء, وفق ما تنص عليه مدونة التجارة, فحسب مقتضيات المادة 36 من هده المدونة والتي تناولت مجموعة من الإجراءات كالتسجيل والتقيدات والتشطيبات , فهده التدابير تتم عبر مراحل تأتي على رأسها التسجيلات, حيث تناولتها المقتضيات القانونية في المواد 37-38-39-40 وما يليها من مدونة التجارة , فحسب هده المواد يتطلب الأمر مجموعة من الشروط. ودلك حسب طبيعة المعني بالأمر, سواء أكان شخصا طبيعيا أو معنويا وهو ما يتحتم على كاتب الضبط الإلمام به من حيث مراقبة توفر هذه الشروط وتطابقها وفي نفس السياق تظل التشطيبات كما أوردتها المواد 52-53-54-55 من مدونة التجارة ,

من صميم عمل الموظف المسؤول بهدا المكتب, ولإدارة هده الإجراءات يتطلب الأمر دراية كافية بفحوى كل العمليات القانونية والتقنية التي ينبغي القيام بها في هدا الصدد, أما عن الإجراءات المتعلقة بتسجيل الحجوزات وتحديدا الحجز على الأصل التجاري والتي تتم في إطار الفصل 452 و 455 من ق م م ,إذ يقوم الموظف بتضمين تلك المعطيات المتعلقة بالحجز بدقة متناهية ومراقبة صارمة, في سجل خاص معد لدلك ممسوك من طرفه ويقع تحت مسؤوليته وعلى نفس المنوال تتم باقي الإجراءات المتعلقة بالحجز التنفيذي والحجز التحفظي على الأصول التجارية المقيدة بالسجلات المحلية حسب كل محكمة.

كما يدخل ضمن اختصاص كاتب الضبط، تسجيل الإحكام القضائية التي تتعلق بالأشخاص الطبيعيين، كلاحكام المتعلقة بالحجز على التاجر لنقصان الأهلية أو انعدامها، ويستمر هدا الإجراء ادا تعلق الأمر بالأشخاص المعنويين كحالات حل الشركات حسب منطوق الفصل 1056 من ق ل ع المغربي. وكدا بطلان الشركة و التسوية أو التصفية القضائية .

وبخصوص إيداع القوائم التركيبية فالموظف مطالب ببدل عناية بالغة ودقة متناهية في ضبط كل الإجراءات الشكلية إبان هده العملية, بالإضافة إلى التأشير على الدفاتر المحاسبة للتجار والشركات(دفتر الجرد و دفتر اليومية) حسب المادة 8 من قانون المتعلق المحاسبية الواجب على التجار 9/88, هذا بالإضافة إلى باقي الإجراءات الروتينية المتعلقة بالمكتب كتسليم النسخ والشهادات .

فمن خلال هذا الاستقراء يتضح أن العمل الكبير والبنيوي داخل مؤسسة السجل التجاري من نصيب هيئة كتابة الضبط, في كل المراحل, في البداية وفي النهاية.

فكل التدابير والإجراءات هي من صميم عمل كتابة الضبط، إلا أن النص القانوني اخضع هذه المؤسسة لإشراف قاض السجل التجاري رغم دوره المغيب فعليا على ارض الواقع، فوجود هدا الأخير هيكلي وغيابه وظيفي كليا. فمن هنا يطرح التساؤل عن المغزى من تنصيص القانون على ذلك؟ هل هو تحقير وتقليل من شان هيئة كتابة الضبط تحت مسمى القانون ؟؟وهل كتابة الضبط وبكل هذه المجهودات والمهام التي تقوم بها مجرد جهاز ثانوي ينبغي إخضاعه لوصاية القاضي في كل الأقسام والشعب بدون مصوغ معقول. نظرا للصورة التاريخية التي تكونت حولها ؟؟

فالمرحلة تتطلب إعادة النظر جوهريا في كل القوانين التي تحمل مثل هكذا المضامين الحاطة من قيمة وكرامة هيئة كتابة الضبط. فالجهاز حيوي وفتي ومؤهل علميا ومعرفيا وله من القدرات والإمكانات الكبيرة التي تجعله مستقلا وحرا في أداء مهامه بمسؤولية وتجرد، من غير وصاية ولا أشرف أي جهة كيفما كانت وهذا هو المطلوب