مقال قانوني يشرح الأحكام التي تصلح كسندات تنفيذية

من المسلم به قانوناً أن القضاء الموضوعي الصادر بتأكيد حق أو مركز قانوني مُعين يأخذ ثلاثة صور، هي:

1. القضاء التقريري: وهذا القضاء يقتصر على مُجرد تقرير الحق أو المركز القانوني.
2. القضاء المُنشئ: وهذا القضاء لا يقتصر على مُجرد التقرير بل ينشأ عن هذا التقرير تغيير في مركز قانوني قائم وإنشاء لمركز جديد.
3. قضاء الإلزام: وهذا القضاء يتخذ صورة إلزام بأداء مُعين.

القضاء التقريري إذن هو: “القضاء الذي يؤكد وجود أو عدم وجود حق أو مركز قانوني أو واقعة قانونية”، وبهذا التقرير أو التأكيد يزول الشك القائم حول هذا الوجود. وتسمى الدعوى التي ترمي إلى الحصول على هذا القضاء بالدعوى التقريرية “déclaratoire”.
ومن أمثلتها: الدعوى التي للوارث ضد من يُشكك في صفته للحصول على قضاء يقرر أنه وارث، وحاجته إلى هذا القضاء واضحة، إذ تأكيد صفته كوارث لبعض الأموال يُمكنه من حرية التصرف فيها.
وفي هذه الصورة من صور الحماية القضائية يُنظر إلى الحق أو المركز القانوني في ذاته من حيث وجوده في الحياة القانونية، وذلك بصرف النظر عن مضمونه، ولهذا فإن صورة الحماية هنا لا تواجه اعتداء يظهر في شكل مُخالفة لالتزام، فالحق أو المركز القانوني في ذاته لا يُقابله أي التزام، وإنما يواجه مُجرد اعتراض. وهذا الاعتراض يكفي لرده مُجرد صدور قضاء يُقرر وجود هذا الحق أو المركز القانوني، إذ هذا التقرير “الرسمي” يُزيل حالة عدم التأكيد التي أثارها الاعتراض، وذلك دون حاجة لأن يتضمن إي إلزام.
والواقع أن كل قضاء موضوعي يتضمن تقرير وجود حق أو مركز قانوني أو عدم وجوده، فهذا التقرير يُعتبر مُفترضاً ضرورياً لأي قضاء ولو كان قضاء إلزام أو قضاء مُنشئاً.
ولكن القضاء التقريري يتميز بأن التقرير فيه يُعتبر هو الهدف الوحيد. فالدعوى التقريرية لا ترمي إلى تقرير وجود لإلزام الخصم بأداء مُعين أو الحصول على تغيير للحالة القانونية، وإنما ترمي فقط إلى تقرير وجود حق للمُدعي أو تقرير عدم وجود حق للمُدعى عليه. فهي ترمي إلى التقرير كهدف نهائي. فالحماية القضائية – هنا – تتم بمُجرد التقرير.

التقرير السلبي: قد ترمي الدعوى التقريرية إلى تقرير سلبي. والتقرير السلبي يحدث بتقرير عدم وجود حق أو مركز قانوني. ومن أمثلة دعوى التقرير السلبي: الدعوى التي يرفعها المالك لتقرير عدم وجود حق ارتفاق لشخص على ما يملكه. ومن أمثلتها كذلك: دعوى براءة الذمة. ويُلاحظ أنه يوجد تقرير سلبي دائماً في كل حالة يرفض فيها القضاء دعوى موضوعية أياً كانت. فإذا طلب شخص بإلزام آخر بدين مُعين، وهذه دعوى إلزام، ورفضت المحكمة الدعوى، فإن حكمها بالرفض يتضمن تقريراً بعدم وجود حق مُعين للمُدعي في مواجهة المُدعى عليه.
ومن ثم فلا محل لطلب وقف تنفيذ حكم قاضي برفض الدعوى لكون هذا القضاء هو قضاء تقريري لا يتضمن إلزام ما يمكن تنفيذه بالطريق الجبري.

التقرير الإيجابي: وقد ترمي الدعوى التقريرية إلى تقرير إيجابي. والتقرير الإيجابي يحدث بتقرير وجود حق أو مركز قانوني مُعين. ومن أمثلة دعوى التقرير الإيجابي: دعوى إثبات الجنسية، وتعتبر هذه الدعوى مقبولة ولو كانت الدولة لم ترفض منح المُدعي ما يثبت جنسيته، ما دام قام شك حولها.

أثار القضاء التقريري: يحوز القضاء التقريري بمُجرد صدوره حجية الأمر المقضي، وذلك بالنسبة لما يتضمنه من تأكيد وجود الرابطة القانونية أو المركز القانوني أو الواقعة القانونية، فإذا قضي ببراءة ذمة المدين من دين مُعين، أو ببطلان عقد من العقود، أو بتقرير أن المُدعي مصري الجنسية، أو بتأكيد أن التوقيع على السند هو للمدين أو بأن السند مزور، فإن هذا القضاء يحوز حجية فيما قضى به. ولا يجوز بعده رفع دعوى أمام القضاء بخصوص نفس الحق أو الواقعة القانونية إلا أن تكون دعوى إلزام. كما لو قضي بأن التوقيع هو للمدين، فإنه يُمكن استناداً إلى هذا القضاء التقريري رفع دعوى للمُطالبة بأداء الدين. وإذا قضي بصحة عقد، فإنه يمكن استناداً إلى هذا القضاء رفع دعوى للمُطالبة بتنفيذ الالتزامات الواردة بالعقد. وتكون المحكمة المرفوعة إليها الدعوى – عندئذ – مُقيدة بما قرره القضاء التقريري.
(راجع في شأن كل ما تقدم: “الوسيط في قانون القضاء المدني” – للدكتور العميد/ فتحي والي – الطبعة الثانية 1981 القاهرة – بند 66 : 72 – صـ 131 : 140).

فالأحكام التي تصلح كسندات تنفيذية، هي أحكام “الإلزام” فقط دون غيرها:

إن أحكام الإلزام هي فقط التي تصلح سندات تنفيذية. أما الأحكام التقريرية والأحكام المنشئة فلا تصلح لذلك وتكون غير قابلة للتنفيذ.

والحكم التقريري ( Le Jugement Declartione ):
هذا الحكم الذي يقضي بوجود أو عدم وجود مركز قانوني دون إلزام المحكوم عليه بأداء معين أو بإحداث أي تغيير في هذا المركز، كالحكم ببراءة الذمة أو ببطلان عقد أو تزوير ورقة.

والحكم المنشئ ( Le Jugement Constitutif ):
هو الذي يقرر إنشاء أو تعديل أو إنهاء مركز قانوني موضوعي كالحكم بإشهار إفلاس تاجر أو بتعديل الالتزام التعاقدي بسبب الاستغلال أو الظروف الطارئة، والحكم بالتطليق والحكم بإبطال عقد أو فسخه.

أما حكم الإلزام ( Le Jugement de Cendamnation ):
فهو الذي يقضي بالتزام المحكوم عليه بأداء جزائي ومثاله الحكم بإخلاء عقار أو بدفع مبلغ معين من النقود أو بتسليم شيء معين.
وعلى ذلك فإن الحكم الصادر بصحة التوقيع لا يعتبر حكماً بالإلزام وبالتالي لا يجوز تنفيذه جبراً.
وكذلك فإن الحكم الصادر بفسخ عقد إيجار أو بطلانه أو إبطاله لا يعد حكماً بالإلزام فلا يصلح سنداً تنفيذياً لإخلاء العين المؤجرة اللهم إلا إذا تضمن النص على الالتزام بالإخلاء ولو ضمناً.
وكذلك الحكم الصادر بصحة ونفاذ عقد بيع لا يعتبر سنداً تنفيذياً، ولكنه إذا قضى مع صحة ونفاذ عقد البيع بإلزام المدعي أو المدعى عليه بالمصاريف فإنه يعتبر سنداً تنفيذياً لاقتضاء المصاريف المحكوم بها.
وكذلك يعتبر سنداً تنفيذياً الحكم الذي يقضي بإلزام أحد أطرافه بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن الخصومة أو بتغريمه.
وعلى ذلك، فالقاعدة المستقرة التي لا جدال فيها ولا خلاف حولها أن الأحكام المعتبرة سندات تنفيذية هي التي تتضمن “الإلزام” بأداء شيء معين يتعين على المحكوم عليه الوفاء به عيناً أو نقداً طوعاً أو كرهاً. لأن هذه الأحكام هي التي تنشئ للمحكوم له حقاً في إجراء التنفيذ جبراً على المحكوم عليه.
(المرجع: بحث بعنوان “جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام عمداً” – للمستشار/ زكريا مصيلحي عبد اللطيف – منشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة – العدد الثالث – السنة الحادية والعشرون – يوليو/سبتمبر 1977 – ص 18 : 20).

لما كان من المتفق عليه فقهاً وقضاءاً أن الأحكام التي تنفذ تنفيذاً جبرياً هي فقط أحكام الإلزام، وذلك دون الأحكام المقررة أو المنشئة، وعلة هذا أن حكم الإلزام هو وحده الذي يقبل مضمونه التنفيذ الجبري.
فالحكم المقرر لا يرمي إلا إلى تأكيد رابطة قانونية، وبصدوره تتحقق الحماية القانونية كاملة، كذلك الأمر بالنسبة للحكم المنشئ فهو يرمي إلى إنشاء رابطة قانونية جديدة فتتحقق بمجرد صدوره الحماية القانونية. أما بالنسبة لحكم الإلزام، فلكي يتحقق مضمونه أي لكي تتحقق الحماية القانونية التي يتضمنها، يجب أن يقوم المحكوم عليه بعمل أو أعمال لصالح المحكوم له، فإذا لم يقم بها فإن الدولة يجب أن تحل محله في القيام ببعض الأعمال لتحقيق الحماية القانونية، فحكم الإلزام – على خلاف الحكم المنشئ أو الحكم المقرر – لا يحقق بذاته الحماية القانونية، ولهذا فإن المحكوم له ينشأ له عن هذا الحكم حق جديد هو “الحق في التنفيذ الجبري”، يستطيع بموجبه أن يطلب من السلطة العامة القيام بأعمال معينة لتحقيق الحماية القانونية له. وهذا الحق في التنفيذ الجبري والأعمال التي يستعمل بأدائها لا حاجة إليها بالنسبة للحكم المقرر أو الحكم المنشئ.
(المرجع: “التنفيذ الجبري” – للدكتور/ فتحي والي – طبعة 1986 القاهرة – بند 22 – ص 38 ، 39).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .